شرح الموطأ - 442 - كتاب الحدود: باب جامعِ ما جاء في حَدِّ الزِّنا، و باب ما جاء في المُغْتَصَبَة

شرح الموطأ - 442 - كتاب الحدود: باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحدود: باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا، و باب مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ.

فجر الإثنين 21 ربيع الأنوار 1444هـ.

 باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي حَدِّ الزِّنَا

2412- حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟ فَقَال: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ".

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ.

قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ.

2413- حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْداً كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ لأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا.

2414- حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَلَدْنَا وَلاَئِدَ مِنْ وَلاَئِدِ الإِمَارَةِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ فِي الزِّنَا.

 باب مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ

2415- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُوجَدُ حَامِلاً، وَلاَ زَوْجَ لَهَا، فَتَقُولُ قَدِ اسْتُكْرِهْتُ، أَوْ تَقُولُ: تَزَوَّجْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا، وَإِنَّهَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ مِنَ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا اسْتُكْرِهَتْ، أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى إِنْ كَانَتْ بِكْراً، أَوِ اسْتَغَاثَتْ حَتَّى أُتِيَتْ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الأَمْرِ الَّذِي تَبْلُغُ فِيهِ فَضِيحَةَ نَفْسِهَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَا ادَّعَتْ مِنْ ذَلِكَ.

2416- قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُغْتَصَبَةُ لاَ تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلاَثِ حِيَضٍ، فَإِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فَلاَ تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بالشريعة وأحكامها القويمة الرَّفيعة، وبيانها على لسان نبينا وسيِّدنا مُحمَّد صاحب الوجاهات الوسيعة، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وعلى مَن سار في دربه ووالاه واقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقرَّبين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المُتعلِّقة بالحدود، ويذكر حديث: "أبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟"؛ أي لم تُحصِن نفسها بعفافها، ويروى: "ولم تُحصَن" ولم تُحصَن أيضًا من الإحصان. ويقول: أن الحد عند الأئمة في المملوك والرقيقة يكون كما ذكر الله في كتابه: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء:25]، وذلك بضرب خمسين. 

وتقدَّم معنا ما قال الإمام مالك: أنه لا يُغرّب العبد لأن فيه تعطيل لحق السيِّد، وأما الأمة فبالاتفاق ما تُغرّب ولكن المملوك وهو عند الشَّافعية يُغرّب ستة أشهر،  ليس سنة، نصف ذلك. ولكن الأمر الراجح أيضًا لارتباطه بالمقصود والمصلحة من ذلك في نظر الإمام.

وهكذا أشرنا فيما سبق: 

  • أن الأئمة الثلاثة قالوا:  أن التغريب هذا من جملة الحد. 
  • وقال أبو حنيفة: ليس من الحد ولكنه عقوبة تعزيرية مرجعها إلى الحاكم إن رأى في ذلك المصلحة والفائدة، وليست من الحد. 

وهكذا فالمراد بالتغريب 

  • كما يقول الشَّافعية والحنابلة: النفي من البلد الذي حدث فيه الزّنا إلى بلد آخر، ولم يروا الالتزام بحبس المُغرّب في البلد الذي نُفيَ إليه إلا أنه يُراقب، هذا فيمَن زنى في وطنه. أما الغريب الذي زنا بغير بلده، فكذلك يُغرّب لكن إلى غير بلده؛ إلى بلد آخر غير بلده؛ ما يرجع إلى البلد. 
  • ويقول المالكية: أنه يُغرّب عن البلد الذي حدث فيه الزنا إلى بلد آخر، مع سجنه في البلد الذي غُرّب إليه، وهذا إذا كان متواطن في البلد التي حدثت فيها الحادثة. أما الغريب عندهم، ففور نزوله إلى البلد، فإنه يُجلد ويُسجن بها لأن سجنه في المكان الذي زنا فيه تغريب له، هو عاده وصل إلى هذه البلدة فهو غريب فيها؛ فما رأوا أنه يُغرّب إلى بلدةٍ أخرى.

يقول عن الأمة إذا زنت ولم تُحصن، يقول الحق: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء:25]، إحصانها بالإسلام والزواج، وأنها قد تزوجت أو وُطئت في نكاحٍ صحيح. (فَإِذَا أُحْصِنَّ)، جاء في الجلالين زُوجنّ أو تزوجنّ، (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)؛ أي: الحرائر الأبكار  (مِنَ الْعَذَابِ)؛ أي من الحدّ يحدون خمسين، ويُغرّبن نصف سنة ولكن الخلاف في المملوك وفي الجارية من باب أولى، وفي المرأة على وجه العموم، وفهمنا ما قال الحنفية. 

"فَقَال : إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا" وفيه: إثبات أنه غير مقيّد بالإحصان؛ يعني: لا أثر له في حق المملوكة. فـ "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا،"، واختلفوا هل الخطاب لسيِّدها؟ فيجوز له أن يقيم الحدّ أو المراد الأئمة والحكام؟ وهل للسيِّد أن يقيم حد الزنا على عبده أو أمته؟ 

  • يقول الشَّافعية: نعم؛ لأنه والي عليهم. 
  • يقول أبو حنيفة: ليس له ذلك. 

وأخذ الشَّافعية برواية: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها"؛ لأن له ولاية عليها، فحملوا الخطاب أنه لمُلّاكهنّ بقوله:  "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا". إذًا: الجمهور على أن السيِّد يُقيم على رقيقه الحد، وهذا ما مال إليه الأئمة الثلاثة خلافًا لأبي حنيفة وآخرين ولكن أيضًا يستثني الإمام مالك القطع في السرقة، قال: لأن فيه مُثلة، فلا يؤمن السيِّد أن يمثل برقيقه، فيمنع من مباشرته القطع سدًّا للذريعة. فاستثنى الإمام مالك القطع في السرقة، وأنه ليس للسيد أن يقيم هذا الحد على مملوكه، وهو عند الشّافعية وجه كذلك، والمعتمد أن للسيِّد أن يقيم الحدود كلها. وهكذا يقول الحنابلة: للسيِّد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن، وهو في قول أكثر العلماء. 

وجاء عن ابن أبي ليلى يقول: أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود. ويقول أبو حنيفة: ليس للسيد ذلك، إنما هذا من شأن الحاكم العام. فلا بد من شروط، مثل: عدالة الشّهود، ومجيئهم مجتمعين أو في مجلس واحد وإلى غير ذلك مما يثبت به عند الحاكم. وفي لفظٍ في الحديث: "إذا زنت أمة أحدكم، فتبيّن زناها، فليجلدها ولا يثرّب عليها"، وإن عادت الرابعة، فليجلدها "وليبعها ولو بضفير"؛ يعني حبل. 

يقول سيِّدنا علي عنه ﷺ أنه قال: "أقيموا الحدود على ما ملكت إيمانكم"، جاء هكذا في رواية الدار قطني، وهو دليل الجمهور على أن للسيد أن يقيم الحد على مملوكه. لكن لا بُد أن يكون جلدًا مثل: حدّ الزنا، والشّرب، والقذف. أما القتل والقطع، فهذا الذي فيه الاختلاف، ومنهم من قال: لا يملكهما إلا الإمام. وعند الشَّافعية، عموم الحدود يملكها السيّد المالك، لعموم قوله: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"، هذه الرواية التي ذكرناها عند الدار قطني، "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"، والأصل فيه تنفيذ الحد العام ويكون خاصةً بالقتل من باب أولى، ينبغي أن يُرجع فيه إلى الحاكم. 

وكذلك من الشرط أن يكون هذا المملوك مختص بهذا السيّد، أما إذا كان مشترك بين اثنين أو كانت الأمة مزوجة وكان المملوك مكاتَب أو بعضه حر؛ فلا يملك السيّد إقامة الحد عليه. نعم، المزوّجة عند مالك والشّافعي يملك السيّد إقامة الحد على الأمة المزوجة لعموم الخبر. عند الحنابلة لا، يستدلّ الحنابلة بما رُوي عن ابن عُمَر أنه قال: إذا كانت الأمة ذات زوجٍ رُفعَت إلى السلطان، وإن لم يكن لها زوجٌ جلدها سيّدها نصف ما على المُحصَن. وكذلك لا بُدّ من شروط: من أن يثبت الحدّ ببيّنة أو اعتراف من غير شك، ولا بُد أن يكون السيّد بالغًا، عاقلًا، عالمًا بالحدود حتى يُقيم الحد. 

يقول: "ثُمَّ إِنْ زَنَتْ" مرة ثانية "فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ" مرة ثالثة "فَاجْلِدُوهَا"، وهكذا كل فعلة لها حدّ، فإذا تكررت الفعلات من قبل إقامة الحدّ، فحدّ واحد ولكن إذا أُقيم الحد، ففي كل فعلة يُقام حدٌّ أيضًا، "ثُمَّ بِيعُوهَا". 

  • قال النّووي: هذا البيع المأمور به مُستحب ليس بواجب عند الشّافعية، وعند الجمهور كذلك. 
  • عند داود وأهل الظاهر قالوا: واجب عليه يبيعها.

 فالأمر بالبيع هنا مندوب عند الجمهور، ومن أجل معرفة أنها لا خير فيها، وأنها حتى لا تساوي شيء بسبب فسقها، فما تساوي ضفير. الضفير يعني حبل مضفور. "ولو بحبل من شعر" في رواية، فبهذا يعني يقول: أنها صارت لا قيمة لها بسبب انهتاك عِرضها. "قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ." قال: بيعوها. "قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ."  بيعوها  "وَلَوْ بِضَفِيرٍ".

وقال مَالِك: "عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْداً كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمُسِ، وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ"؛ يعني: أكره "جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا، فَجَلَدَهُ -سيِّدنا- عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ" خمسين لأنه حد المملوكين العبيد "وَنَفَاهُ"؛ أي: غرّبه نصف سنة. ففيه أن سيِّدنا عمر أيضًا يرى أن الرقيق يُنفى كالحرّ، ولم يأخذ بذلك الإمام مالك كما تقدّم معنا أن العبد إذا نُفى فقد حرمنا سيّده الخدمة، والسيّد ما عليه ذنب مسكين!.. فإذًا؛ لا تغريب على العبد عند الإمام مالك وعند الإمام أحمد -عليه رضوان الله تعالى-. وفي قول عند الشّافعية والمعتمد: أنه يُغرّب. 

"وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ لأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا"، إما لقيام البيّـنة أو ظَهَر العلامات والقرائن على أنها مستكرهة. فلا حدّ على مُكرَهة، هكذا يقول عامة أهل العلم لقوله ﷺ: عُفي لأمتي عن ‌الخطَأَ، والنِّسيانَ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه. وجاء أن امرأةً استُكرهت على عهده ﷺ، فدرأ عنها الحد، رواه الأثرم.

وبعد ذلك يحدثنا: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ"؛ يعني: جماعة شباب من قريش، "فَجَلَدْنَا وَلاَئِدَ مِنْ وَلاَئِدِ الإِمَارَةِ"، فإن عبد الله بن عياش إما شاهد إقرار الولائد بالزنا أو قيام البيّنة عليهن بذلك، أو أن الأمر ثبت عند أمير المؤمنين فأمرهم أن يقوموا بالحد. فالحاكم إذا ثبت عنده الحد بالبيّنة أو الإقرار، وأمر النّاس أن يقيموا الحد، فلهم أن يقيموا الحد. "خَمْسِينَ خَمْسِينَ" جلدة "فِي الزِّنَا"؛ أي: حد الزنا لأن هذا هو الواجب على المملوك الرقيق، (نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء:25]،

 

باب مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ

 

ثم ذكر "مَا جَاءَ فِي الْمُغْتَصَبَةِ، قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ تُوجَدُ" التي تُوجد "حَامِلاً"، وَالحال أنها "لاَ زَوْجَ لَهَا، "فَتَقُولُ" المرأة "قَدِ اسْتُكْرِهْتُ"؛ أي: أُكرهت على الزنا "أَوْ تَقُولُ: تَزَوَّجْتُ" فمذهب الإمام مالك في هذا تشديد احتياطًا. فقال: "إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا" هذه الدعوى بمجرد دعواها، "وَإِنَّهَا يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ مِنَ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا اسْتُكْرِهَتْ"، كذلك بيّـنة أو قرينة واضحة تدل على ذلك، مثل ماذا؟ "أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى" أن يخرج منها الدم "إِنْ كَانَتْ بِكْراً، أَوِ اسْتَغَاثَتْ" عند الإكراه "حَتَّى أُتِيَتْ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ"، فقد دلّت إلى أنها مُستكرَهة، لا رضى لها "أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا" من القرائن "مِنَ الأَمْرِ الَّذِي تَبْلُغُ فِيهِ فَضِيحَةَ نَفْسِهَا"، حينئذٍ قال: 

  • تُقبل قولها الإمام مالك، وما عدا ذلك فلا يقبل. 
  • لكن عند غيره من الأئمة، يُقبل كلامها وادعائها مباشرةً لدرء الحدود بالشبهات. 

فأما إن لم تكن قرينة ولا بيّنة، فعند مالك يُقام عليها الحد، ولم يقبل منها ما ادّعت من ذلك؛ يعني من النكاح أو الإكراه بمجرّد قولها. 

فإذا ادّعت أنها أُكرهت أو وُطئت بشبهة؛

  •  لم تُحدّ عند الأئمة الثلاثة. 
  • عند الإمام مالك؛ يُقام عليها الحد إلا أن تكون بيّنة أو قرينة واضحة. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُغْتَصَبَةُ لاَ تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا بِثَلاَثِ حِيَضٍ"؛ يعني: إن كانت حرة إن استبرائها مثل عدتها، يريد الحرة. فأما الأمة، فإنه يتم فيها الاستبراء بحيضة واحدة. "فَإِنِ ارْتَابَتْ"؛ إن طهرت "مِنْ حَيْضَتِهَا" بشبهة "فَلاَ تَنْكِحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ"، ويُعلم أهي حامل فلا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل أو لا يكون الاستبراء إلا بوضع الحمل؟ أو هي حائل؛ فتستبرأ بالحيضة؛ ثلاث حيض إن كانت غير أمة -إن كانت حرة-، أو بحيضة واحدة، إن كانت أمة مملوكة، والله أعلم.

رزقنا الله الاستقامة والاتحاف بالكرامة، ودفع الأسواء عنا في السِّر والنَّجوى، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

06 ربيع الثاني 1444

تاريخ النشر الميلادي

30 أكتوبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام