(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الْمُدَبَّر، باب مَسِّ الرَّجُلِ وَلِيدَتَهُ إِذَا دَبَّرَهَا، وباب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وباب جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ.
فجر الأربعاء 2 ربيع الأول 1444هـ.
باب مَسِّ الرَّجُلِ وَلِيدَتَهُ إِذَا دَبَّرَهَا
2384 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فَكَانَ يَطَؤُهُمَا وَهُمَا مُدَبَّرَتَانِ.
2385 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ : إِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلاَ يَهَبَهَا، وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا.
باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ
2386- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ: أَنَّ صَاحِبَهُ لاَ يَبِيعُهُ، وَلاَ يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ إِنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلاَ دَيْنَ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ، لأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ حَيَاتَهُ، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِالْمُدَبَّرِ، بِيعَ فِي دَيْنِهِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ. قَالَ : فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يُحِيطُ إِلاَّ بِنِصْفِ الْعَبْدِ, بِيعَ نِصْفُهُ لِلدَّيْنِ، ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ.
2387 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزاً لَهُ، أَوْ يُعْطِيَ أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ, مَالاً وَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ، فَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَيْضاً. قَالَ مَالِكٌ: وَوَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ.
2388 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ، لأَنَّهُ غَرَرٌ إِذْ لاَ يُدْرَى كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ، فَذَلِكَ غَرَرٌ لاَ يَصْلُحُ.
2389 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُدَبِّرُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ: إِنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ، فَإِنِ اشْتَرَاهُ الَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّراً كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ، انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الَّذِي بَقِيَ لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَرِيكَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِقِيمَتِهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُدَبَّراً كُلُّهُ.
2390 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ. قَالَ مَالِكٌ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ، وَيُخَارَجُ عَلَى سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ، وَلاَ يُبَاعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، فَإِنْ هَلَكَ النَّصْرَانِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، قُضِيَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ الْمُدَبَّرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ مَا يَحْمِلُ الدَّيْنَ، فَيَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ.
باب جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ
2391 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ: أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ، فَيَخْتَدِمُهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصُّهُ بِجِرَاحِهِ مِنْ دِيَةِ جَرْحِه، فَإِنْ أَدَّى قَبْلَ أَنْ يَهْلِكَ سَيِّدُهُ، رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ.
2392 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجَرْحِ أَثْلاَثاً، فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِى الْوَرَثَةِ، إِنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِ الْجَرْحِ، وَإِنْ شَاؤُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيِ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ، إِنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ مِنَ الْعَبْدِ, وَلَمْ تَكُنْ دَيْناً عَلَى السَّيِّدِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الَّذِي أَحْدَثَ الْعَبْدُ بِالَّذِي يُبْطِلُ مَا صَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ مَعَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ، بِيعَ مِنَ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ عَقْلِ الْجَرْحِ، وَقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبَدَّأُ بِالْعَقْلِ الَّذِي كَانَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ, فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا هَلَكَ وَتَرَكَ عَبْداً مُدَبَّراً، قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَمِئَةُ دِينَارٍ، وَكَانَ الْعَبْدُ قَدْ شَجَّ رَجُلاً حُرًّا مُوضِحَةً، عَقْلُهَا خَمْسُونَ دِينَاراً، وَكَانَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ مِنَ الدَّيْنِ خَمْسُونَ دِينَاراً. قَالَ مَالِكٌ : فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْخَمْسِينَ دِينَاراً الَّتِي فِي عَقْلِ الشَّجَّةِ فَتُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ, فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ، فَالْعَقْلُ أَوْجَبُ فِي رَقَبَتِهِ مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ، وَدَيْنُ سَيِّدِهِ أَوْجَبُ مِنَ التَّدْبِيرِ، الَّذِي إِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ شَيْءٌ مِنَ التَّدْبِيرِ وَعَلَى سَيِّدِ الْمُدَبَّرِ دَيْنٌ لَمْ يُقْضَ، وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء:12].
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ كَانَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ مَا يَعْتِقُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ عَتَقَ، وَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ دَيْناً عَلَيْهِ، يُتَّبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَقْلُ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ.
2393 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ رَجُلاً، فَأَسْلَمَهُ سَيِّدُهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالاً غَيْرَهُ، فَقَالَ الْوَرَثَةُ نَحْنُ نُسَلِّمُهُ إِلَى صَاحِبِ الْجُرْحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: أَنَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ : إِنَّهُ إِذَا زَادَ الْغَرِيمُ شَيْئاً فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَيُحَطُّ عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْرُ مَا زَادَ الْغَرِيمُ عَلَى دِيَةِ الْجَرْحِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئاً لَمْ يَأْخُذِ الْعَبْدَ.
2394 - وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ وَلَهُ مَالٌ، فَأَبَى سَيِّدُهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ، فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يَأْخُذُ مَالَ الْمُدَبَّرِ فِي دِيَةِ جُرْحِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَجْرُوحُ دِيَةَ جُرْحِهِ، وَرَدَّ الْمُدَبَّرَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ اقْتَضَاهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْمُدَبَّرَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ جُرْحِهِ.
الحمد لله على نعمة الشريعة، وبيانها على لسان صاحب الوجاهات الوسيعة، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اتخذ ولائه ومحبته واتباعه إلى قرب الله ومحبته ذريعة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الأعلى المترقين إلى مراتب القرب الرفيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين.
ويواصل الكلام سيدنا الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- عن حكم المدبَّر وهو الذي عُلِّق عتقه بموت سيِّده، وذكر في الوليدة إذا كان دبَّرها سيدها فهل له أن يطأها بملك اليمين وقد دبرها أم لا؟
والجمهور على أن ذلك جائز له وأنها لا زالت في ملكه، وأنه لو حملت منه ما زاد الحكم إلا تثبيتًا للحكم واحد أنها تصير أم ولد تُعتق مباشرة إذا مات سيدها، فهكذا قال الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة عن جواز أن يطأ الجارية المدبرة، وكذلك حكم البيع، وسيأتي في هذا الباب الذي بعده، ولم يرَ ذلك الإمام مالك وفيه اختلاف بين الأئمة، فقال: باب بيع المدبّر. فقال الإمام مالك والإمام أبو حنيفة: ليس للسيد أن يبيع مدبَّره خلاص إذا قد دبره، يعني علق عتقه بموته يبقيه معه حتى يموت فيُعتق.
قال الإمام الشافعي والإمام أحمد وجماعة غيره: له أن يرجع فيبيع مدبره فينتقض بذلك التدبير، حتى لو عاد إلى ملكه بعد ذلك لم يعد التدبير إليه، لأنه انتقض بتصرفه فيه ببيعه أو بهبته لأحد آخر.
ويقول الأوزاعي: أن ما يُباع إلا من رجل يريد عتقه.
فإذا بِيعَ هذا المدبر فأعتقه المشتري:
يقول الإمام مالك: ينفذ العتق.
وقال أبو حنيفة: يُفسخ البيع أعتقه أو لم يعتقه، ويرجع إلى الأول ويكون مدبرا حتى يموت سيده.
إذًا؛ فهي مسألة مختلفٌ فيها هل يُباع المدبر أم لا، وعلمتَ مذهب مالك وأبي حنيفة أنه لا يُباع، ومذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد أنه يجوز له بيعه والتصرف فيه، بل لا يزال ملكه وله الرجوع عن تدبيره هذا.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ: أَنَّ صَاحِبَهُ لاَ يَبِيعُهُ، وَلاَ يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ"، أيش موضعه، يعني موضع التدبير أنه مُعلق، حريته و عتقه بموت سيده، "وَأَنَّهُ إِنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ"، يعني: قهره وغشيه فقهرهُ دين، "فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ"؛ يعني: إن استحدث دين بعد التدبير لا ينقض التدبير في حياة السيد لتعلُّق الدين بذمة باقية، أما إن كان الدين قبل التدبير قال: فإن الغرماء ما نقص التدبير لأن العبد من أموالهم، "فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلاَ دَيْنَ عَلَيْهِ"؛ يعني: على السيد، "فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ"؛ يعني: يُعتق ما يدخل منه في ثلث مال سيده، فإن حمل الثلث العبد كله أعتق العبد كله، وإن حمل بعض ذلك فيُعتق ذلك البعض ولا ينقُص عن الثلث، "لأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ"؛ يعني: السيد استثنى وأخرج عن حرية خدمته مدة حياته، "فَلَيْسَ لَهُ"؛ يعني: السيد "أَنْ يَخْدُمَهُ" العبد "حَيَاتَهُ، ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ"، لأنه صدقة من الله ثلث ما يملك الإنسان،"والثلث كثير" كما قال ﷺ. "وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِوَرَثَتِهِ"؛ لأن هذا حقهم "فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِالْمُدَبَّرِ، بِيعَ فِي دَيْنِهِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ" هذا أيضًا مذهب الإمام أحمد بن حنبل، أنه يباع في الدين، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يُحِيطُ إِلاَّ بِنِصْفِ الْعَبْدِ, بِيعَ نِصْفُهُ لِلدَّيْنِ، ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ"؛ ما عاد يبقى إلا السدس، فالدين إذاً ينقض التدبير عند الإمام مالك ويرده، وكذلك مذهب الإمام أحمد -عليه رحمة الله-.
"قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُدَبَّرُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ"، فيستعجل على العتق، "فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزاً لَهُ" كما تقدم معنا. "أَوْ يُعْطِيَ أَحَدٌ سَيِّدَ الْمُدَبَّرِ مَالاً وَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ الَّذِي دَبَّرَهُ، فَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَيْضاً"، لأنه فيه تعجيل العتق. قال مالك: "وَوَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ"، ليس للذي أعطى سيده المال، لماذا؟ لأنه ليس بيع حقيقة، إذا اشترى العبد نفسه من سيده بعوض، هذا عتق عليه،" وَوَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ". نعم إذا اشترى العبد من سيده بعوض هذا خلاص عتق، ويبقى الولاء لسيده لأنه يبيع ماله بماله، ومن أعتق عبده عن رجلٍ حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق، فإذا أعتقه بأمره فالولاء للمُعتق عنه.
ثم ذكر سيدنا مالك قال: "لاَ يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ، لأَنَّهُ غَرَرٌ، لاَ يُدْرَى كَمْ يَعِيشُ سَيِّدُهُ"، فذلك يعني بيع الخدمة، "غَرَرٌ لاَ يَصْلُحُ" فهو فاسد، أما لو كان الاستئجار لمدة معلومة قد ذكر يجوز نعم، لكن في يستأجره يخدمه شهر أو سنة أو نحو ذلك، ولكن بعد ذلك قد يطرأ موت السيد في هذا المدة فينتقض يصير هذا حر فيُردُّ إليه بقية الإيجار بقية الإيجار بالنسبة، فتُرى النسبة كم فَيُرد.
وقال مالك: "فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُدَبِّرُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ: إِنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ" وفي لفظ: "يَتَقَاوَيانِهِ" يعني: ينظر القيمة يقومه عدل، ثم يُقال: لمن لم يدبر أتسلمه لمن دبر بهذه القيمة أم تزيد؟ فإن زاد قيل لمن دبر أتسلم لصاحبك بهذه القيمة أم تزيد وهكذا حتى إذا وقف على حد يثبت عليه، فهذا معنى "يَتَقَاوَمَانِهِ" أي تزايدا فيه حتى يقف على حد يلتزمه أحدهما.
فإن اشتراه الذي دبره كان العبد مُدبراً كله، لأنَّ من أعتق جزء من عبد يملكه فيعتق العبد عليه كله، كما هو عند الأئمة الثلاثة، غير أبي حنيفة -عليه رضوان الله تعالى-. "وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ، انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ"؛ يعني: اشتراه شريكه الذي لم يدبر، فبِبيعه عليه "انْتَقَضَ تَدْبِيرُهُ" إلا أن يشاء الذي بقي لو فيه الرقُّ، "أَنْ يُعْطِيَهُ شَرِيكَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ" فإن أعطاه إياه بقيمته لزمه ذلك، لزم "الَّذِي دَبَّرَهُ" ذلك وصار كله ملكاً "وَكَانَ مُدَبَّراً كُلُّهُ"، فالعبد إذا كان بين شريكين، واحد منهم دبر حصته ونصيبه، فعندئذٍ يلزمه أن يُسلِّم قيمة الباقي لمن؟ للشريك ليصير كله معتوقاً، فإذًا من مَلك بعضًا فدبّر، يقول مالك: الذي لم يدبر أعطه خياران:
قال أبو حنيفة: للشريك الذي لم يدبر ثلاث خيارات:
لكن يقول الإمام الشافعي: إن هذا يجوز فإن كان موسراً ببقية القيمة، هذا في العتق يعتق، وإلا في التدبير جائز ولا يلزمه شيء من ذلك، فإذا مات السيد الذي دبره على حصته، عتقت الحصة وبقي الباقي فصار مبعّضًا.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ نَصْرَانِيٍّ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ" قال: "يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ" السيد الكافر وبين "الْعَبْدِ" المسلم، "وَيُخَارَجُ عَلَى سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ"؛ أي: يجعل له خراج محل الاستخدام، الذي فات على سيّده، نقول: باقي كم؟ ما نعرف عمره كم؟ نقول له: الآن نعطيك عوض عما بقي من عمرك في الخدمة، وهو الآن صار حرًّا بإسلامه؛ لأنه لا يجوز أن يملك الكافرُ المسلم.
ولا يباع عليه لأنه جرى في العقد حرية حتى يتبيّن أمره، أمر" سَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ" ، فإن "فَإِنْ هَلَكَ النَّصْرَانِيُّ" والحال أنه "عَلَيْهِ دَيْنٌ" فيباع "الْمُدَبَّرِ" في الدين،"قُضِيَ دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِ الْمُدَبَّرِ"، إلا أن يكون في ماله ما يحمل الدين ما يسعه فالمدبر يعتق وفي هذا تفريع وعلمنا أن هذه كلها مسائل نقرأها للتعبّد لعدم وجودها في زماننا.
ويذكر: "جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ"، يقول: جراح المدبر، "باب جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ" فعلمنا بما يتعلق، ببيع المدبر:
بعد ذلك يقول: في "جِرَاحِ الْمُدَبَّرِ"، "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ: أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ إِلَى الْمَجْرُوحِ، فَيَخْتَدِمُهُ الْمَجْرُوحُ وَيُقَاصُّهُ" بجراحه يعني يجب على سيده أن يُسلم ما يملك منه من المدبر، وهو خدمته إلى المجروح يستوفي أجر أرش الجرح، "فَيَخْتَدِمُهُ"؛ أي: يستخدم المجروح عن العبد "وَيُقَاصُّهُ بِجِرَاحِهِ"، نقول: أن كم تكون هذه دية الجرح هذا؟ فتسع أُجرة خدمة كم من الأيام.. فيخدمه بمقدار ذلك.
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ إِذَا جَرَحَ، ثُمَّ هَلَكَ سَيِّدُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ عَقْلُ الْجَرْحِ أَثْلاَثاً، فَيَكُونُ ثُلُثُ الْعَقْلِ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ وَيَكُونُ ثُلُثَاهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بِأَيْدِى الْوَرَثَةِ، إِنْ شَاءُوا أَسْلَمُوا الَّذِي لَهُمْ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِ الْجَرْحِ، وَإِنْ شَاؤُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيِ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَبْدِ"، إلى صاحب الجرح، "وَإِنْ شَاؤُوا أَعْطَوْهُ ثُلُثَيِ الْعَقْلِ وَأَمْسَكُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَبْدِ"، قال: وذلك "أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ، إِنَّمَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ مِنَ الْعَبْد" ولم تكن ديْنًا على سيده، ولم يكن ذلك الذي أحدث العبد بالذي يبطلُ ما صنع السيد من عتقه وتدبيره، قال: فإن كان على سيّد العبد دين للناس مع جناية العبد، بيع من المدبر بقدر عَقْل الجرح، وقدر الدين، ثم يبدأ بالعقل الذي كان في جناية العبد، "فَيُقْضَى مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُقْضَى دَيْنُ سَيِّدِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ، وَيَبْقَى ثُلُثَاهُ" ثلث الباقي هذا "لِلْوَرَثَةِ"، لأنَّ "جِنَايَةَ الْعَبْدِ هِيَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ سَيِّدِهِ" فتقضى أولاً.
ومثَّل لذلك أمثلة -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- وفرَّع على هذه المسائل كما أشرنا، حتى وصل إلى باب جراح أم الولد، ومعنى أم الولد: الوليدة التي ولدت من سيدها فصارت أم ولد سيدها، فيصير ولدها حرًّا، وهي تُعتق بموت السيد.
رزقنا الله الاستقامة واعتقنا من النار والغضب والعار ومن الذنوب والسيئات، ومن الالتفات إلى من دونه والتعلق بمن سواه، وحرّرنا من رق المعصية والذنوب، ورزقنا الإنابة والخشية، وجعلنا لديه من أهل القلوب، ووقانا كل سوء أحاط به علمه في الدارين، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
02 ربيع الثاني 1444