(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الْمُدَبَّر: باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ، و باب الْوَصِيَّةِ فِي التَّدْبِيرِ.
فجر الثلاثاء 1 ربيع الأول 1444هـ.
باب جَامِعِ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ
2375 - قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ قَالَ لِسَيِّدِهِ: عَجِّلْ لِي الْعِتْقَ وَأُعْطِيَكَ خَمْسِينَ دِينَاراً مُنَجَّمَةً عَلَىَّ. فَقَالَ سَيِّدُهُ : نَعَمْ أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ خَمْسُونَ دِينَاراً تُؤَدِّي إِلَيَّ كُلَّ عَامٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ. فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْعَبْدُ، ثُمَّ هَلَكَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ، وَصَارَتِ الْخَمْسُونَ دِينَاراً دَيْناً عَلَيْهِ. وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَحُدُودُهُ، وَلاَ يَضَعُ عَنْهُ مَوْتُ سَيِّدِهِ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ.
2376 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ، فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، وَمَالٌ غَائِبٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ. قَالَ: يُوقَفُ الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ، وَيُجْمَعُ خَرَاجُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنَ الْمَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مِمَّا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ عَتَقَ بِمَالِهِ وَبِمَا جُمِعَ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مَا يَحْمِلُهُ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ، وَتُرِكَ مَالُهُ فِي يَدَيْهِ.
باب الْوَصِيَّةِ فِي التَّدْبِيرِ
2377 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ كُلَّ عَتَاقَةٍ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فِي وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا، فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ: أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ، وَيُغَيِّرُهَا مَتَى شَاءَ، مَا لَمْ يَكُنْ تَدْبِيراً، فَإِذَا دَبَّرَ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إِلَى رَدِّ مَا دَبَّرَ.
2378 - قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أَمَةٌ، أَوْصَى بِعِتْقِهَا وَلَمْ تُدَبَّرْ، فَإِنَّ وَلَدَهَا لاَ يَعْتِقُونَ مَعَهَا إِذَا عَتَقَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهَا يُغَيِّرُ وَصِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ، وَيَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَتَاقَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إِنْ بَقِيَتْ عِنْدِي فُلاَنَةُ حَتَّى أَمُوتَ، فَهِيَ حُرَّةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ بَاعَهَا وَوَلَدَهَا, لأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ وَلَدَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا جَعَلَ لَهَا.
2379 – قَالَ: وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَتَاقَةِ مُخَالِفَةٌ لِلتَّدْبِيرِ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ، كَانَ كُلُّ مُوصٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْعَتَاقَةِ، وَكَانَ قَدْ حَبَسَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ.
2380 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ رَقِيقاً لَهُ جَمِيعاً فِي صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ. قَالَ: إِنْ كَانَ دَبَّرَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ، بُدِئَ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ، وَإِنْ كَانَ دَبَّرَهُمْ جَمِيعاً فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ فُلاَنٌ حُرٌّ، وَفُلاَنٌ حُرٌّ، وَفُلاَنٌ حُرٌّ، فِي كَلاَمٍ وَاحِدٍ، إِنْ حَدَثَ بِى فِي مَرَضِى هَذَا حَدَثُ مَوْتٍ، أَوْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعاً فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَحَاصَّوْا فِي الثُّلُثِ، وَلَمْ يُبَدَّأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ، وَإِنَّمَا لَهُمُ الثُّلُثُ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمُ الثُّلُثُ بَالِغاً مَا بَلَغَ. قَالَ : وَلاَ يُبَدَّأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ.
2381 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلاَماً لَهُ، فَهَلَكَ السَّيِّدُ، وَلاَ مَالَ لَهُ إِلاَّ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ. قَالَ: يُعْتَقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَيُوقَفُ مَالُهُ بِيَدَيْهِ.
2382 - قَالَ مَالِكٌ فِي مُدَبَّرٍ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالاً غَيْرَهُ. قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَيُوضَعُ عَنْهُ ثُلُثُ كِتَابَتِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا.
2383 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَبَتَّ عِتْقَ نِصْفِهِ، أَوْ بَتَّ عِتْقَهُ كُلَّهُ، وَقَدْ كَانَ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ : يُبَدَّأُ بِالْمُدَبَّرِ قَبْلَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مَا دَبَّرَ، وَلاَ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِأَمْرٍ يَرُدُّهُ بِهِ، فَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ، حَتَّى يَسْتَتِمَّ بِهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَضْلَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ فَضْلَ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ الأَوَّلِ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان عبده وحبيبه مُحمَّد ذي المراتب الرفيعة، اللهم صل وسلم وبارك وكرّم على عبدك المختار سيدنا مُحمَّد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، وكل ذي نفسٍ مؤمنةٍ صادقةٍ مطيعة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين وهبتهم مواهبك الوسيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويذكر الإمام مالك أحكام التدبير؛
قال: "جَامِعِ مَا جَاءَ فِي التَّدْبِيرِ"؛ أي: أحكام متفرقة، قال: "فِي مُدَبَّرٍ قَالَ لِسَيِّدِه"؛ مدبَّر يعني: مملوك دبَّره سيده، "وقال: عَجِّلْ لِي الْعِتْق" ولا تؤخِره إلى موتك، من الآن "وَأُعْطِيَكَ خَمْسِينَ دِينَاراً مُنَجَّمَةً عَلَىَّ"؛ أي: مفرقةً في أوقات "فَقَالَ سَيِّدُهُ: نَعَمْ أَنْتَ حُرٌّ، وَعَلَيْكَ خَمْسُونَ دِينَاراً"؛ يعني: دين في ذمتك، "تُؤَدِّي إِلَيَّ كُلَّ عَامٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ. فَرَضِيَ بِذَلِكَ" التأجيل "الْعَبْدُ" وعتق "ثُمَّ هَلَكَ السَّيِّدُ" مات "بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ." ، قال مالك: في هذه الصورة المذكورة: "يَثْبُتُ لَهُ الْعِتْقُ، وَصَارَتِ الْخَمْسُونَ دِينَاراً دَيْناً عَلَيْهِ. وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ"؛ يعني خلاص، صار حرًّا من الأحرار، والخمسون دينار صارت ديْنًا في رقبته، تُرَدُّ إلى مال سيده الذي مات إلى تركته، تُقسّم بين ورثته.
ففي هذا بيان أن للسيد إذا دبَّرَ عبده، أن يُعجل له العتق على مقابل، أن يأخذ ذلك مقابلاً، فإذا مات السيد قبل أن يأخذ المقابل صار ديْنًا متعلق بذمة ذلك العبد المملوك له.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ، فَمَاتَ السَّيِّدُ" بعد أن دبَّرَهُ "وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ، وَمَالٌ غَائِبٌ" بعيد عنه في مكان يُنتظَر تحصيله، ويمكن أن لا يتم تحصيله ولا يتيسر، أو ديْن على أحد ولا يدري هل يفي ويقضي أم لا.. "فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ"؛ يعني: ما يكون ثلث ماله الحاضر يؤدي ويوازي قيمة هذا العبد الْمُدَبَّر. قال مالك: في هذه الصورة المذكورة: "يُوقَفُ"؛ يعني: يمتنع ويُحبَس عن العتق "الْمُدَبَّرُ بِمَالِهِ"، أي: مالِ الْمُدَبَّرُ "وَيُجْمَعُ خَرَاجُهُ"؛ أي: خراج الْمُدَبَّرُ في زمن توقيفه، "حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنَ الْمَالِ الْغَائِبِ"؛ يعني: يتحصّل ويجيء ويحضر، "فَإِنْ كَانَ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ" من المال الحاضر متحصّل مال الغائب من الثلث "ما يَحْمِلُهُ"؛ يعني: يكون قيمة العبد أقل من ثلث هذا الثلث بأقل.
"عَتَقَ بِمَالِهِ وَبِمَا جُمِعَ مِنْ خَرَاجِهِ"؛ يعني: يكونان له، "فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَرَكَ سَيِّدُهُ مَا يَحْمِلُهُ"؛ ما يسع، بأن كان قيمة المملوك أكثر من ثلث التركة؛ "عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ"؛ لأن الثلث له الحق فيه والتصرف فيه، فيُعتق بيقين، قدره أكثر من الثلث ، ما يتحمله الثلث "وَتُرِكَ مَالُهُ فِي يَدَيْهِ".
وهكذا، يتكلم على الوصية في التدبير، يقول: "قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ كُلَّ عَتَاقَةٍ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فِي وَصِيَّة"؛ يعني :"أَوْصَى بِهَا" أوصى بعتق "فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ" أنه: يجوز له هذا السيد "أَنَّهُ يَرُدُّهَا" يفسخها ويبطل وصيته، "مَتَى شَاءَ، وَيُغَيِّرُهَا مَتَى شَاءَ" لأن للرجل أن يرجع في وصيته إذا أوصى بشيء بعدين رجع، يُقبل رجوعه ما دام حي، ولهذا لو كان له عدة وصايا متناقضة فالعبرة بالأخيرة، آخر وصية وما قبلها يكون بمخالفته لها رجع عنها فيُعتمد على الأخيرة، آخر وصية وصّى بها يُنفَّذ ما فيها، فللموصي الرجوع ما دام حي.
كان بعض الأخيار الصالحين يجدد وصيته كل عام، لكنه كان يُنَفِّذ ما فيها في كل سنة، ويكتب وصية جديدة، ويقول: استعداد للقاء الله، وما دام طوّل عمري الآن بحسب أني متّ، ويفرق الذي في الوصية، ويصلح وصية جديدة للعام المقبل وهكذا شأن الذين يستعدون للدار الآخرة.
أما حكم الوصية فباتفاقهم أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به أو في بعضه، واختلفوا في الوصية بالإعتاق، الأكثرون أيضاً جمهورهم على جواز الرجوع ما دام حي، لأنها وصية كغيرها من الوصايا، نعم. بخلاف إذا دبَّرَهُ؛ علّق عتقه بموت هذا ، ما في له رجوع فيه.
"قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أَمَةٌ، أَوْصَى بِعِتْقِهَا" بعتق أمه "وَلَمْ تُدَبَّرْ" يعني: الحكم في الوصية لا في التدبير "فَإِنَّ وَلَدَهَا لاَ يَعْتِقُونَ مَعَهَا"، تقدم معنا مذهب الإمام مالك أنه في التدبير يصير أولادها مدبَّرين مثلها، لكن قال في الوصية لا، "فَإِنَّ وَلَدَهَا لاَ يَعْتِقُونَ مَعَهَا إِذَا عَتَقَتْ" بالوصية، لماذا؟ قال: "وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَهَا يُغَيِّرُ وَصِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ، وَيَرُدُّهَا مَتَى شَاءَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا"؛ أي: للأمة "عَتَاقَةٌ" بالوصية حتى يكون ولدها بمنزلتها، فلا يلحق الولد، لأنه ما يثبت لها بالوصية حقُّه، لأنه له الرجوع ما دام في حياته "وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إِنْ بَقِيَتْ عِنْدِي فُلاَنَةُ حَتَّى أَمُوتَ، فَهِيَ حُرَّةٌ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَدْرَكَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهَا ذَلِكَ"، أدركت ذلك يعني: بقيت عنده حتى مات، كان له ذلك التحرير الذي حرره وأعتقها، "وَإِنْ شَاءَ" سيده "قَبْلَ ذَلِكَ بَاعَهَا وَوَلَدَهَا, لأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ وَلَدَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا جَعَلَ لَه" لأمهم.
"قَالَ: وَالْوَصِيَّةُ فِي الْعَتَاقَةِ مُخَالِفَةٌ لِلتَّدْبِيرِ، فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ" فإن المدبّر ماله حق الرجوع في التدبير، بخلاف الموصي فإن له حق الرجوع في الوصية، "قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ التَّدْبِيرِ، كَانَ كُلُّ مُوصٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ وَصِيَّتِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْعَتَاقَةِ، وَكَانَ قَدْ حُبَسَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ مَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ." لو كانت الوصية بمنزلة التدبير، صار الموصي لا يقدر على تغيير وصيته، والحكم غير ذلك، فله أن يغيّر، وله أن يرجع.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ رَقِيقاً لَهُ جَمِيعاً"؛ أي: دبَّرَه رقيقه كله، يعني عبيده كلهم، "دَبَّرَ رَقِيقاً لَهُ جَمِيعاً"؛ يعني: أعتق جميع الأرقّاء الذين تحت يده "فِي صِحَّتِهِ،" قبل مرض موته "وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ" ما شيء إلا هم فقط اللي معه، ما يملك شيء غيرهم، "إِنْ كَانَ دَبَّرَهم" بالترتيب واحد بعد الثاني، "دَبَّرَهم بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ بُدِئَ" في العتقِ بعد موته، "بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ" إلى أن يبلغ الثلث منهم فإذا كانوا اثنى عشر مملوكين له، إن كان دبرهم مرتبين وقال أنت مدبر، أنت حر، عند موتي، بعدين قال للثاني، قال للثالث، فالأربعة الأوائل هم الذين يعتقون، لأنهم ثلث، ثلث الاثني عشر، وهم اثنا عشر، فالأوائل الأربعة هم الذين يعتقون ويبقى ثمانية، لأنه ما وسعهم الثلث، ما عنده مال إلا هم، فيعتق إلا هذا إذا كان بالترتيب.
لكن إذا "كَانَ دَبَّرَهُمْ جَمِيعاً" مرة واحدة، قال: لهم في وقت واحد أنتم أحرارٌ عند موتي، إذا مُتُّ فأنتم أحرار، دبرتكم في كلام واحد، "إِنْ حَدَثَ بِى فِي مَرَضِى هَذَا حَدَثُ مَوْتٍ، أَوْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعاً فِي، كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ" إنكم مدبرون كلكم "تَحَاصَّوْا" يعني: اقتسموا واشتركوا كلهم في الثلث، "وَلَمْ يُبَدَّأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ" لأنه لا ترجيح هذا أنه في كلمة واحدة وفي مجلس واحد دبَّرَ الجميع.
قال: "وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ" صارت العتاقة هنا بالتدبير وصية، يعني حكمها حكمَ الوصية، تنفذ في الثلث، "فإذا ليس له غيرهم وَإِنَّمَا لَهُمُ" يعني: المدبرين "الثُّلُثُ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمُ الثُّلُثُ بَالِغاً مَا بَلَغَ."؛ أي: في أي مقدار يبلغ الثلث قَالَ: "وَلاَ يُبَدَّأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ" قبل صاحبه بالعتق، "إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ"؛ لأنه لا ترجيح في يدِ أحد على الآخر "وَلَمْ يُبَدَّأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ، وَإِنَّمَا لَهُمُ الثُّلُثُ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، ثُمَّ يَعْتِقُ مِنْهُمُ الثُّلُثُ بَالِغاً مَا بَلَغَ."؛ أي: في أي مقدار يبلغ الثلث، قَالَ : "وَلاَ يُبَدَّأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ" قبل صاحبه "إِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَرَضِهِ". والذي دُبِّرَ في حال الصحة مقدمٌ الذي دُبِّرَ في حال المرض مرض سيدهم.
قَالَ مَالِكٌ: "فِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلاَماً لَهُ، فَهَلَكَ السَّيِّدُ، وَلاَ مَالَ لَهُ إِلاَّ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ. قَالَ:" أول "يُعْتَقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ" هذا بيقين ذا "وَيُوقَفُ مَالُهُ" يعني: يُحبس ماله "بِيَدَيْهِ" يتصرف فيه كيف يشاء، لأنه لما مات سيده عتق ثلثه أولاً بيقين، فإن كان له مال هذا الذي أعتق فيه الثلث فمذهب الإمام مالك يُعتق من العبد ما حمله ثلث مال الميت، بقي ماله في يده، وفيها روايات عن الإمام مالك -عليه رضوان الله- قال: "فقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَبَّرَ غُلاَماً لَهُ، فَهَلَكَ السَّيِّدُ، وَلاَ مَالَ لَهُ إِلاَّ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ، وَلِلْعَبْدِ مَالٌ".
"قَالَ: يُعْتَقُ ثُلُثُ الْمُدَبَّرِ وَيُوقَفُ مَالُهُ بِيَدَيْهِ. قَالَ مَالِكٌ: فِي مُدَبَّرٍكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ" مات السيد "وَلَمْ يَتْرُكْ مَالاً غَيْرَهُ، قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَيُوضَعُ عَنْهُ ثُلُثُ كِتَابَتِهِ،" إن كان مكاتب ثلث الكتابة يوضع عنه "وَيَكُونُ عَلَيْهِ ثُلُثَاهَا." وإن كان مدبر يعتق الثلث ويبقى الثلثان تركة للورثة.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَبَتَّ عِتْقَ نِصْفِهِ، أَوْ بَتَّ عِتْقَهُ كُلَّهُ، وَقَدْ كَانَ دَبَّرَ عَبْداً لَهُ آخَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ: يُبَدَّأُ بِالْمُدَبَّرِ قَبْلَ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ"؛ لأنه ذلك يتعلق بالثلث "وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرُدَّ مَا دَبَّرَ، وَلاَ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِأَمْرٍ يَرُدُّهُ بِهِ، فَإِذَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ فَلْيَكُنْ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ فِي الَّذِي أَعْتَقَ شَطْرَهُ، حَتَّى يَسْتَتِمَّ بِهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ،فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَضْلَ الثُّلُثِ"؛ يعني: مقدار قيمة العبد ما وصلت إلى ثلث مال السيد، "عَتَقَ مِنْهُ مَا بَلَغَ فَضْلَ الثُّلُثِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ الأَوَّلِ." وهكذا أيضًا يقول الحنابلة: إذ اجتمع العتق في المرض والتدبير ما الذي يقدم؟
أعتقنا الله من ناره وغضبه ومعصيته، ومن كل سوء أحاط به علمه في الدارين، ورقاب آبائنا وأمهاتنا وذوي الحقوق علينا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا في الهداة المهتدين، وأهل الفقه في الدين وأهل المتابعة للحبيب الأمين بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
29 ربيع الأول 1444