(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب المُكاتَب، باب الْقَطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ.
. فجر الأحد 22 صفر 1444هـ
باب الْقَطَاعَةِ فِي الْكِتَابَةِ
2320 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.
2321 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمَكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا، فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ حَازَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ، أَوْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَاطَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعَ حَقُّهُ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَباً بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنَ الْقَطَاعَةِ، وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، قِيلَ لِلَّذِى قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ الَّذِي أَخَذْتَ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصاً.
2322 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْتَضِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ, ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ. قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا، لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنِ اقْتَضَى أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ الَّذِي قَاطَعَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنَّ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِى لَمْ يُقَاطِعْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً، فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَوْ أَفْضَلَ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، لأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ.
2323 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ حَقِّهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَقَلَّ مِمَّا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ, ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ الْعَبْدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ فَلِلَّذِى تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ حِصَّةُ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ، فَيُكَاتِبَانِهِ جَمِيعاً، ثُمَّ يُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا الْمُكَاتَبَ عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ الرُّبُعُ مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ, ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيُقَالُ لِلَّذِي قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ فَارْدُدْ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ مَا فَضَلْتَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلَّذِى تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ رُبُعُ صَاحِبِهِ الَّذِي قَاطَعَ الْمُكَاتَبَ عَلَيْهِ خَالِصاً، وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ، فَذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَكَانَ لِلَّذِى قَاطَعَ رُبُعُ الْعَبْدِ، لأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ رُبُعِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ.
2324 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ قَطَاعَتِهِ دَيْناً عَلَيْهِ، ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّ سَيِّدَهُ لاَ يُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِالَّذِي عَلَيْهِ مِنْ قَطَاعَتِهِ، وَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يُبَدَّؤُوا عَلَيْهِ.
2325 - قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُقَاطِعَ سَيِّدَهُ، إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ, فَيَعْتِقُ وَيَصِيرُ لاَ شَيْءَ لَهُ، لأَنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ.
2326 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ، ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ، فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ، عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ، لأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ، يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ وَيَنْقُدُهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الدَّيْنِ، إِنَّمَا كَانَتْ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَالاً فِي أَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ، فَيَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ، وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَلاَ ذَهَباً بِذَهَبٍ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ قَالَ لِغُلاَمِهِ: ائْتِنِى بِكَذَا وَكَذَا دِينَاراً وَأَنْتَ حُرٌّ، فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ جِئْتَنِى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَلَيْسَ هَذَا دَيْناً ثَابِتاً، وَلَوْ كَانَ دَيْناً ثَابِتاً لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ إِذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده المصطفى ذي المراتب الرفيعة والجاهات الوسيعة، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة أصفياء الله وأحبابه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقرّبين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
يذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله-: "باب الْقَطَاعَةِ"؛ وهي: أن يقاطع المالك مملوكه على مالٍ معجّل، أو يكون بينه وبينه مكاتبة إلى أجل فيستعجل شيئًا من المال قبل الأجل ويسامحه في الباقي، أو يعفو عنه في الباقي، فهذه القِطاعة مما اختلف فيه الأئمة.
فأمّا ما لم تسبق كتابة وكان بيد المملوك شيءٌ من المال -على القول بأنه يملك- فقاطعه عليه السيد فهذا جائز باتفاق، ولكن إذا كاتبه على أن يُحضر له كذا كذا منجّمة بنجمين؛ أي: مؤقتة بوقتين، ثم قال له: عجّل قبل حلول الأجل كذا وكذا وأسامحك في الباقي.
ولذلك تقدّم معنا أنه لا يصح ضمانه، لا يصحُّ فيه الضمان لأنه غير لازم، فبذلك قال أكثر العلماء: أن هذه القطاعة جائزة، وكما أسلفنا هذه المسائل كانت تقع كثيرًا لكثرة الرقّ في تلك الأزمان، وكانت قراءتها في زماننا أكثرها لأجل التعبّد والاطلاع على الحكم من غير وقوعٍ لذلك ولا حاجةٍ له في ما يدور بين الناس.
وذكر: "أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ" أم المؤمنين، "كَانَتْ تُقَاطِعُ مُكَاتَبِيهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ"؛ والورِق هو: الفضة، وذلك ممّن كاتبتهم سيدنا سليمان وعطاء وعبد الله وعبد الملك أولاد يسار، وعطاء كان من أكثرهم حديثًا، وسليمان بن يسار كان من أفقههم، وهؤلاء من مكاتبي سيدتنا أمّ سلمة.
وكان ابن عمر ينهى عن القطاعة إلا بالعروض، ويراه من باب (ضع وتعجّل)، ولا يجوز ذلك بالذهب والفضة، وكان الخبر منقول عن أم سلمة -عليها رضوان الله تبارك وتعالى-.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمَكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حِصَّتِهِ"؛ وهذا مذهب الإمام مالك، "إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ"؛ لماذا؟ قال: "وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بَيْنَهُمَا"؛ مشترك بينهما، بقدرِ حصصهما، "فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئاً مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ قَاطَعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ حَازَ ذَلِكَ"؛ أي: أخذ المقاطِع ما وقع للقطاعة، "ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ، أَوْ عَجَزَ"؛ المكاتَب، ورُدّ إلى الرقّ، "لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَاطَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ"؛ لأنه أسقط حقّه للمقاطعة. وسمّيت المقاطعة:
قال: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ"؛ يعني: للذي أخذ بدل الكتابة بالمقاطعة، "أَنْ يَرُدَّ مَا قَاطَعَهُ"؛ من المال، "عَلَيْهِ، وَيَرْجِعَ حَقُّهُ"؛ أي: ليس له أن يرجع حقّه، "فِي رَقَبَتِهِ"؛ بردّ المال، "وَلَكِنْ مَنْ قَاطَعَ مُكَاتَباً بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ مِنَ الْقَطَاعَةِ، وَيَكُونُ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ"؛ نفسه كم له؟ ثلث؟ ربع؟ ويردّ ما أخذه من المقاطعة، قال الإمام مالك: "كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً اسْتَوْفَى الَّذِي بَقِيَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ حَقَّهُ الَّذِي بَقِيَ لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ الَّذِي قَاطَعَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَاطَعَهُ وَتَمَاسَكَ صَاحِبُهُ بِالْكِتَابَةِ"؛ هم كاتبوه الاثنين ولكن أحدهما قاطعه، عجّل الأمر، والثاني تمسّك على الكتابة، "ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، قِيلَ لِلَّذِى قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَرُدَّ عَلَى صَاحِبِكَ نِصْفَ الَّذِي أَخَذْتَ"؛ ما دام العبد بينكم نصفين، "وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَيْتَ"؛ خلاص يرجع جميع "الْعَبْدِ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ خَالِصاً."؛ ولك فقط ما أخذت على المكاتبة، وهو ليس للمكاتَب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر، ولا يُقدّم أحدهما على الآخر، لأنهما سواء في ملكه.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُقَاطِعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْتَضِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ. قَالَ مَالِكٌ: فَهُوَ بَيْنَهُمَا"؛ مكاتب بين رجلين -كاتباه- ثم بعدها قاطَع العبد واحد منهما بإذن الشريك، وقبض الذي تمسّك بالرقّ مثل ما قاطع عليه صاحبه، أو أخذ أكثر من ذلك، ثم يعجز المكاتَب من أداء ما بقيَ عليه من نصيب المتمسك، قال مالك: "فَهُوَ"؛ أي: في هذه الحالة العبد مشترك، "بَيْنَهُمَا"؛ لماذا؟ "لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ"؛ يعني: المقاطع هذا.
"وَإِنِ اقْتَضَى"؛ المتمسّك، "أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ الَّذِي قَاطَعَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنَّ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلَّذِى لَمْ يُقَاطِعْهُ"؛ فهذه حالات فيها تخيير الشريك المقاطِع:
وهكذا حالات التخيير في مثل هذه المسائل الفرعية.
قال: "وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً، فَأَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ قَدْ أَخَذَ مِثْلَ مَا قَاطَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَوْ أَفْضَلَ، فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، لأَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ.".
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ حَقِّهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَقَلَّ مِمَّا قَاطَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ, ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ. قَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَحَبَّ الَّذِي قَاطَعَ الْعَبْدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ مَا تَفَضَّلَهُ بِهِ، كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ فَلِلَّذِى تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ حِصَّةُ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ قَاطَعَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَ.".
وهكذا؛ يكرر البيان في تفريع المسألة، يقول: "وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ، فَيُكَاتِبَانِهِ جَمِيعاً"؛ هذا وذا، "ثُمَّ يُقَاطِعُ أَحَدُهُمَا الْمُكَاتَبَ عَلَى نِصْفِ حَقِّهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ الرُّبُعُ مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ، ثُمَّ يَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيُقَالُ لِلَّذِي قَاطَعَهُ: إِنْ شِئْتَ فَارْدُدْ عَلَى صَاحِبِكَ"؛ الذي لم يتعجّل شيء، رُدّ عليه، "نِصْفَ مَا فَضَلْتَهُ بِهِ، وَيَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَكُمَا شَطْرَيْنِ، وَإِنْ أَبَى كَانَ لِلَّذِى تَمَسَّكَ بِالْكِتَابَةِ رُبُعُ صَاحِبِهِ الَّذِي قَاطَعَ الْمُكَاتَبَ عَلَيْهِ خَالِصاً، وَكَانَ لَهُ نِصْفُ الْعَبْدِ، فَذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ، وَكَانَ لِلَّذِى قَاطَعَ رُبُعُ الْعَبْدِ"؛ والذي قاطع لم يبقَ له إلا الربع؛ لأنه قد أخذ ثمن الربع، "لأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَرُدَّ ثَمَنَ رُبُعِهِ الَّذِي قَاطَعَ عَلَيْهِ."؛ فيُحسَب عليه، فيصير ملك العبد ثلاثة أرباع لهذا وربع لهذا، وأين ذهب ربع هذا؟ ذهب فيما أخذه على مقاطعته، ولم يرضَ أن يردّه على شريكه، أي: أن يردّ نصفه.
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُكَاتَبِ يُقَاطِعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ قَطَاعَتِهِ دَيْناً عَلَيْهِ، ثُمَّ يَمُوتُ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّ سَيِّدَهُ لاَ يُحَاصُّ غُرَمَاءَهُ بِالَّذِي عَلَيْهِ مِنْ قَطَاعَتِهِ، وَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يُبَدَّؤُوا عَلَيْهِ."؛ لأن السيد لا يحاصّ الغرماء، إنما قاطع عبده به، والكتابة لا يحاصّ بها الغرماء، لا تكون مثل الدَّيْن، هو لمّا توجّه المكاتَب هذا يعامل الناس فكانت عليه ديون فما يجيء السيد ويقول: أنا أيضًا عليه دين لي، وهو بقية نجوم الكتابة، نقول لا! بل يقدمون لهم الغرماء، فإن شاء سلّمهم ما غَرِمُوه وكأن العبد له، وإلا فيُباع عليه لتسليم الحصّة لأهل الدَّيْن ويُسلّم أهل الدّيْن دَيْنهم.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُكَاتِبُ عَبْدَهُ، ثُمَّ يُقَاطِعُهُ بِالذَّهَبِ، فَيَضَعُ عَنْهُ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ، عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ مَا قَاطَعَهُ عَلَيْهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ"؛ وفهمت منع الشافعي لذلك.
"وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ، لأَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ"؛ وهو كذلك، "يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ وَيَنْقُدُهُ"؛ ما يجوز! فيكون لواحد على واحد دَيْن، والدَين باقي له سنة مثلًا، فيقول: اسمع كم الدين هذا؟ يقول له: مائة ألف، يقول له: بس اعطني خمسين ألف الآن معجّلة قبل الأجل واسامحك في الباقي، فهذا أيضًا من بيع الدَّين ولا يجوز عند جماهير العلماء.
"وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الدَّيْنِ"؛ عند الإمام مالك في حالة المكاتبة، قال: "إِنَّمَا كَانَتْ قَطَاعَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مَالاً فِي أَنْ يَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ، فَيَجِبُ لَهُ الْمِيرَاثُ"؛ يعني: من المكاتبة، يعني: يصبح مثل الحُرْ، يَصِح له: "الْمِيرَاثُ وَالشَّهَادَةُ وَالْحُدُودُ، وَتَثْبُتُ لَهُ حُرْمَةُ الْعَتَاقَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَلاَ ذَهَباً بِذَهَبٍ"؛ فلهذا لم يجعلوه مثل الدَّيْن بخلاف الشافعي.
"وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ قَالَ لِغُلاَمِهِ: ائْتِنِى بِكَذَا وَكَذَا دِينَاراً وَأَنْتَ حُرٌّ، فَوَضَعَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ جِئْتَنِى بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ. فَلَيْسَ هَذَا دَيْناً ثَابِتاً، وَلَوْ كَانَ دَيْناً ثَابِتاً لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ"؛ إذا على المكاتَب دَيْن ومات، فالغرماء هم الذين يُقدَّمون في الدَّيْن، وليس يدخل فيه ما قد سلّمه من قَبل لسيّده.
قال: "وَلَوْ كَانَ دَيْناً ثَابِتاً لَحَاصَّ بِهِ السَّيِّدُ غُرَمَاءَ الْمُكَاتَبِ إِذَا مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ."؛ والواقع: أنه إذا مات المكاتَب وعليه ديون، فإن السيّد المكاتِب لا يدخل من جملة الغرماء، وإنّما يُقدم أرباب الدَّيْن ثم يُخيّر السيّد بين أن يُسلِّم الدَّيْن الذي عليه أو يُباع ذلك العبد ويُؤخذ مقدار الدَّيْن، فيُعطى أهل الدَّيْن دَيْنهم وما بقيَ يرجع إلى السيّد، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة والاستجابة لداعينا إلى الكرامة، وشفّعه فينا في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، ورفعنا به إلى أعلى مراتب القرب منه تعالى والفهم عنه والصدق معه والإخلاص لوجهه في جميع شؤوننا الخاصّة والعامة، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
29 صفَر 1444