شرح الموطأ - 428 - كتاب المُكاتَب: باب الحَمَالَة في الكِتَابَة

شرح الموطأ - 428 - كتاب المُكاتَب: باب الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب المُكاتَب، باب الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ.

 فجر السبت 21 صفر 1444هـ.

باب الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ

2317- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْعَبِيدَ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعاً كِتَابَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلاَءُ عَنْ بَعْضٍ، وَإِنَّهُ لاَ يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَجَزْتُ. وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ، فَإِنَّ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا يُطِيقُ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ إِنْ عَتَقُوا، وَيَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إِنْ رَقُّوا.

2318 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ، لَمْ يَنْبَغِ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ، إِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ اتَّبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قِبَلَ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلاً، لاَ هُوَ ابْتَاعَ الْمُكَاتَبَ، فَيَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ، وَلاَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ فَيَكُونَ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَكَانَ عَبْداً مَمْلُوكاً لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ يُتَحَمَّلُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا، إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ إِنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ، وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، رُدَّ عَبْداً مَمْلُوكاً لِسَيِّدِهِ، وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ.

2319 - قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعاً كِتَابَةً وَاحِدَةً، وَلاَ رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلاَءُ عَنْ بَعْضٍ، وَلاَ يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالاً هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ شَيْءٌ، وَيَتْبَعُهُمُ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمُ الَّتِى بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ، لأَنَّ الْهَالِكَ إِنَّمَا كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْهَالِكِ وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ، لَمْ يَرِثْهُ لأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى مَاتَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله على عظيم فسيح قويم شريعته، والمُبَيِّن لها على لسان عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد بن عبد الله صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الحق تبارك وتعالى من بريّته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم، برحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ويواصل الإمام مَالِكْ ذكر ما يتعلق بالكتابة، وأطالَ في هذه الأبواب، وكان في زمنه توجد الكثرة من الأرقاء، واحتاجوا إلى بيان أحكامهم، ولم يعد في زمننا وجود ذلك.

ويقول: "باب الْحَمَالَةِ فِي الْكِتَابَةِ"؛ وهو أن يَحمِل بعضهم بعضًا، أو يتحمَّل أجنبي عن المُكاتَب ما كاتبه عليه سيده؛ أي: يضمن ذلك.

"باب الْحَمَالَةِ"؛ يعني: الكفالة والضمان "فِي الْكِتَابَةِ". فيقول: حملَ به حمالة يعني: كفلَ، والحميل هو الكفيل. وهكذا الكفالة في الكتابة، أما الضمان من غير المُكاتبين فبالاتِفاق لا يصح أن يضمن أحد نجوم الكتابة للمكاتَب؛ لأنه عقد ليس بلازم، ولا آيلٌ إلى اللزوم، فيمكن أن المكاتب نفسه يعجَزعن ذلك، أو يُبطِل ذلك، أو يردّه فتنتهي الكتابة، فهي ليست بلازمة. فإذا كانت على الأصيل -وهو المكاتَب- ليست لازمة، فكيف يكون له كفيل من ورائه يلزمه شيء؟ فهي غير لازمة على الأصل نفسه، فكيف يكون لازمةً بكفالةٍ على كفيلٍ آخر؟ وإنما اختلفوا في الحمالة لبعضهم البعض، إذا كان المكاتبَين أكثر من واحد، فعندئذٍ تأتي هذه الحمالة بينهم عند الأئمة الثلاثة.

وقال الشَّافعي: لا يجوز شيء من هذا، بل كل واحدٍ من المكاتبَين إذا أدّى قدر حصته عتَق، ولا علاقة لبعضهم البعض. كما سمعت في مذهب الإمام مالك أنه: لا يُعتَق أحد منهم إلا أن يشمل العتق جميعهم، وذلك في مذهبه وكذلك في مذهب غيره. ولم يقل بذلك الإمام الشَّافعي عليه رحمة الله تعالى.

يقول الإمام مَالِكٌ: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا"؛ يعني: الذي أجمع عليه علماؤنا في المدينة "أَنَّ الْعَبِيدَ"؛ يعني: الجماعة منهم الأرقاء، "إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعاً كِتَابَةً وَاحِدَةً" كاتبهم سيدهم بعقد واحد "فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلاَءُ"؛ يعني: ضامنون "عَنْ بَعْضٍ" يريد أن حكم إطلاق الكتابة عليهم يلزمهم الضمان، فكلٌّ منهم يجتهدوا ويؤدَون جميعًا الذي عليهم، فيُعتقون كلهم؛ وإلا فإذا عجزوا -ولو بعجز بعضهم- فيبقونَ أرقاء كلهم.

يقول: "فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلاَءُ"؛ يعني: ضامنون عن بعضٍ، "وَإِنَّهُ لاَ يُوضَعُ" أي: يُخفَّف "عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ  شَيْءٌ" من المال، "وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَجَزْتُ" عن بدل كذا، ما قدرت أجيء  بشيء"وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ" يعني: امتنع عن السعي، ما عاد يشتغل، يكسب شيء يؤدي به نصيبه.

قال الإمام مَالِكْ: "فَإِنَّ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ"؛ يعني: يشغلوه في عمل، "فِيمَا يُطِيقُ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ"؛ أي: بما يحصل من عمله قليل أو كثير، "فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ"؛ هذا العاجز؛ أي: بعتق الباقيين "إِنْ عَتَقُوا" فيُعتقون كلهم أو "يَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إِنْ رَقُّوا" يعني: يعود هذا أيضًا إلى الرق بعودهم إليه إذا عجزوا وما أدوا ما عليهم من حق الكتابة، فيصيروا كلهم أرقاء.

وسمعت قول الإمام الشَّافعي:  كل من أدى منهم القسط الذي يلزمه صار حُرًّا، وإن عجز الآخر بقي الآخر رقيقًا، وهذا عتق.

والحصة بنِسَب قيمتهم عند وقت العقد، عندما عقد لهم الكتاب سيدهم، كم قيمة هذا، وقيمة هذا، وقيمة هذا، فتُوزَّع حصصهم على نسبة كل واحد منهم في قيمته من قيمة الكل، فإذا أدَّى مقدار ذلك ممّا عيَّنَ من الكتابة، بحيث إذا كان الواحد هذا قيمته تساوي في قيمة الكل ربع، فإذا أدى ربع القيمة؛ ربع نجوم الكتابة صار حُرًّا، وإن كان هذا يساوي قيمته الثلث، فلابُد أن يؤدي ثلث مال الكتابة -نجوم الكتابة يسمونها- يعني: المقدار الذي حدّده السيد لِعتقهم، يُقسَّمُ نِسبًا، بحسب نِسبهم إلى قيمتهم يوم كان عقد الكتابة.

  • وفي قولٍ عند الشَّافعية أيضًا أن مكاتبة العدد غير صحيحة؛ لأن فيها جهالة لمقدار ما على كل واحد منهم، فإذًا؛ هي عقد على مجهول، فلا تصح؛ وإنما يكاتب كل واحد منهم بنجوم معينة، هذا قول عند الشَّافعية.
  • القول الثاني: يصح، كما قال الجمهور، ولكن كل واحد منهم يستقل بنسبته من قيمة الكل، بنسبته من قيمة الكل بالنسبة إلى نجوم الكتابة كم مقدارها.

إذًا؛ فإذا كاتَبَ جماعة بعقدٍ واحد فيكون حمالة بعضهم عن بعض واجب مطلق، بل مطلق العقد، هذا مذهب الإمام مَالِكْ عليه رضوان  الله تعالى.

وقال الإمام أبو حَنِيفَة: ما يحمل بعضهم عن بعض إلا إن اشترط ذلك، فإذا اشترط ذلك فبِالشرط يجوز. وقال الشَّافعي: لا بشرط ولا بمطلق العقد، لا يحمل بعضهم عن بعض، ويعتق كل واحد منهم إذا أدى قدر حصته.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ، لَمْ يَنْبَغِ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ، إِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ"؛ يعني: من تقدم من الصحابة والتابعين.

إذًا؛ لا تجوز الكتابة بحمالة الغير، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة، أن غيرهم يحمل ويكفل لا، وإنما الخلاف في كفالة بعضهم لبعض، كما سمعت، وقال: "وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ اتَّبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قِبَلَ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلاً، لاَ هُوَ ابْتَاعَ الْمُكَاتَبَ"؛ اشتراه "فَيَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ، وَلاَ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ فَيَكُونَ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ".

هكذا يقول الإمام مَالِكْ عليه رحمة الله تبارك وتعالى: لا يصح أن يتحمل، ولا أن يضمن، ولا أن يكفل واحد آخر عن هذا المكاتَب؛ لأنه ما اشتراه من سيده، والعقد عقد جائز من جهة المملوك هذا الرقيق، فلا يصح أن يتحمله عنه آخر.

قال: "فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ، وَكَانَ عَبْداً مَمْلُوكاً لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ يُتَحَمَّلُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا، إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ إِنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ"؛ إذا مات وعليه دين فيما تعامل به في أيامِ أن كان مكاتَبًا، إذًا: إذا مات فعند مالك أنه يموت مكاتبًا، فجعل موته حالة متوسطة بين العبودية والحرية وهي الكتابة، فلم يُوَرِّث أولاده الأحرار منه، فجعله كأنه لا يزال مملوك، ولم يُورِّث سيده ماله حكم كأنه حر.

وإذًا؛ يُنظَرإلى ما ترك من مال إن كان يفي بحق الكتابة فيأخذهُ السيد. قال: "لَمْ يُحَاصَّ"؛ يعني: لا يأخذون حصة "لَمْ يُحَاصَّ  الْغُرَمَاءَ  سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ، وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ"؛ من أجل قضاء دينه، "وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، رُدَّ عَبْداً مَمْلُوكاً لِسَيِّدِهِ"

  • وهو أيضًا عند أبو حنيفة إذا مات وهو مكاتب فحكمه حكم الحر، وماله يرجع لورثته.
  • وعند الشَّافعي: يموت مملوكًا لا مكاتبًا ولا حرًا؛ لأنه لم يؤدِّ بعد حق الكتابة، فلم يزل مملوكًا، فإذا مات فهو مملوك، أي: ماله لسيده ولا يُورَث، هذا حكم الإمام الشَّافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.

قال: "وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ، رُدَّ عَبْداً مَمْلُوكاً لِسَيِّدِهِ، وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ". فالحمالة لا تصح عن المُكاتَب إلا كما هو عند الجمهور.

أما "إِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعاً كِتَابَةً وَاحِدَةً، وَلاَ رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلاَءُ عَنْ بَعْضٍ، وَلاَ يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا"، كما فهمت من مذهب سيدنا الإمام مالك. قال: "فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالاً هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَاعَلَيْهِمْ أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ"؛ الزائد يرجع للسيد، "وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ شَيْءٌ، وَيَتْبَعُهُمُ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمُ الَّتِى بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ"؛ يعني: الميت، "لأَنَّ الْهَالِكَ إِنَّمَا كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْهَالِكِ" الميت المذكور "وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ، وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ"؛ أي: على الولد، يعني: لم يكن عبدًا فما أدخله الأب في مكاتبتهِ، "لَمْ يَرِثْهُ" لم يرثْ هذا الولد الحر أباه المُكاتَب.

فعند الإمام مالك: هو بالنسبة الإرث كأنه لا يزال رقيق، "لأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى مَاتَ" وهو لم يزل كما سمعت في مذهب الإمام الشافعي، لم يزل مملوكًا لا يؤثر فيه أنه كاتب شيئا ما دام لم يؤدِّ نجوم الكتابة بعد.

ثم يتكلم عن مسألة متعلقة بذلك الأمر، وهو: "القِطَاعَة"، القطاعة بأَن يقاطعه على شيء من المال الذي هو عنده وبيده من ليعتقه ويسامحه في الباقي، أو مباشرةً على مال معين يقاطعه، إذا أعطيتني هذا المال فأنت حر. فهو ما يتكلم عنه في هذا الفصل، فصل القِطَاعَة، والله أعلم.

حرَّرنا الله من رِقِّ المعصية، وحرَّرنا من جميع الذنوب والسيئات، وحرَّرنا من العيوب، وحرَّرنا من الالتفات إلى ما سواه، والتعلّق بمن عداه، ورزقنا العبودية المحضة الخالصة له، ورقَّانا بذلك مراقي العز الأكبر، ووقانا شر النفس والهوى وشر شياطين الإنس والجن، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

23 صفَر 1444

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام