شرح الموطأ - 427 - كتاب المُكاتَب: تتمة باب القَضَاء في المُكَاتَب

شرح الموطأ - 427 - باب الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ، من قول الإمام مالك: (مَالِكٌ : الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الَعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا لاَ يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ)
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب المُكاتَب، تتمة باب الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ.

 .فجر الأربعاء 18 صفر 1444هـ

تتمة باب الْقَضَاءِ فِي الْمُكَاتَبِ

2314 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الَعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا لاَ يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، إِلاَّ أَنْ يُكَاتِبَاهُ جَمِيعاً، لأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقاً، وَيَصِيرُ إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُهُ، وَلاَ يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ بَعْضَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ، فَذَلِكَ خِلاَفُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ : قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ".

2315 - قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّىَ رَدَّ إِلَيْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ، وَكَانَ عَبْداً لَهُمَا عَلَى حَالِهِ الأُولَى.

2316 - قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَبَى الآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ، فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَاصَّانِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ، يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلاً عَنْ كِتَابَتِهِ، أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ، وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدِ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى صَاحِبُهُ، كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلاَ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا اقْتَضَى، لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا الَّذِي لَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ بَعْضَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئاً، لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ لِلرَّجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيُنْظِرُهُ أَحَدُهُمَا، وَيَشِحُّ الآخَرُ فَيَقْتَضِي بَعْضَ حَقِّهِ، ثُمَّ يُفْلِسُ الْغَرِيمُ، فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي اقْتَضَى أَنْ يَرُدَّ شَيْئاً مِمَّا أَخَذَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريّته، سيدنا مُحمدٍ عبد الله ورسوله وصفوته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خِيرة الرحمن في بريّته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وارحم الراحمين. 

يواصل الإمام مَالِكْ ذكر ما يتعلّق بأحكام الكتابة بين السيد والمملوك. "قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الَعَبْدِ يَكُونُ" مشتركًا "بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا" أحد الشريكين "لاَ يُكَاتِبُ نَصِيبَهُ"؛ يعني: حِصّته "مِنْهُ"؛ أي: من العبد المشترك سواء أن "أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ صَاحِبُهُ"؛ أي: شَريكه، "أَوْ لَمْ يَأْذَنْ" له. 

  • وهذا قول الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: أن المشترك بين اثنين فأكثر لا يُمكن لأحدهم أن يكاتِبَ في حصته ذلك المملوك ولا يُعتبَر فيه إذن صاحبه، أذِنَ أو لم يأذن، فإذًا ليس له ذلك، ستكون الكتابة مفسوخة، وما قَبض منها فهي بينهما على قدر حِـصصهِما في مُلكيتهم لهذا العبد. 
  • وقال الإمام أحمَدْ: لا يجوز أن يُكاتب رجل نصيبه من عبده دون نصيب شريكه. 
  • وقال الإمام أبو حَنِيفَة والإمام الشَّافعي: يجوز إذا أذِن شريكه في ذلك، فله أن يكاتبه. 

يقول: "لأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُ عِتْقاً"؛ يعني: يقول: يؤدي إلى أن يُعتق العبد كله، كيف؟ لأن إذا عتق نصيب هذا فوجَبَ أن يقوّم الباقي وعليه أن يُسلِّم القيمة ليُعتق العبد كله، فهو يفوّت حق الآخر، فبذلك قال هذا الحكم، قال: "وَيَصِيرُ إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ نِصْفُهُ وَلاَ يَكُونُ عَلَى الَّذِي كَاتَبَ بَعْضَهُ أَنْ يَسْتَتِمَّ عِتْقَهُ، فَذَلِكَ خِلاَفُ مَا قَالَ ﷺ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ: قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ"." تقدّم معنا هذا. 

إذًا؛ فالعبد بين شريكين لا يجوز لأحدهما أن يُكاتبه دون صاحبه، فعند المَالِكْية أذِن له صاحبه أو لم يأذن. 

ويقول الحَنَابِلَة أيضًا: إذا الرجل كان له نصف عبد، كانت له مكاتبته وتصح منه، فهكذا مذهب الحَنَابِلَة الصحة، فلم ينتظروا إذن الشريك، فله إذا كان له نصف، مالك نصف العبد أن يُكاتب العبد، وتصح منه سواءً كان باقيه حرًّا أو مملوكًا لغيره، أذِنَ الشريك أو لم يأذن.

وقال الإمام أبو حَنِيفَة ومثله الشَّافعي: إنه لا تصح بغير إذن الشريك، وتصح المكاتبة بإذن الشريك.

قال: "فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ"؛ أي: لم يعلم بكتابة أحد الشريكين نصيبه، "حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ" مال الكتابة إلى من كاتبه بتمامه، أو عَلِم ذلك "قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّىَ رَدَّ" -عليه- "إِلَيْهِ" أي: على شريكه "الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ" "رَدَّ -عليه- إِلَيْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ مَا قَبَضَ مِنَ الْمُكَاتَبِ فَاقْتَسَمَهُ هُوَ وَشَرِيكُهُ" الذي لم يكاتِب نصيبه، يقتسمان ما كتب "عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا" في هذا المملوك، "وَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ، وَكَانَ عَبْداً لَهُمَا عَلَى حَالِهِ الأُولَى".

"قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ"؛ يعني: كاتباه معًا  "فَأَنْظَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَقِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ وَأَبَى الآخَرُ أَنْ يُنْظِرَهُ"؛ أن يُمهله، "فَاقْتَضَى الَّذِي أَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ بَعْضَ حَقِّهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ مَالاً" قليلاً، يعني: "لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ" ليس فيه الذي تركه من المال وفاء "مِنْ كِتَابَتِهِقَالَ مَالِكٌ: يَتَحَاصَّانِ"، يعني: يقتسمان ما تركه من المال، "بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُمَا عَلَيْهِ، يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ" هذا معنى يتحاصّان. "فَإِنْ تَرَكَ الْمُكَاتَبُ فَضْلاً"؛ أي: زيادة "عَنْ كِتَابَتِهِ، أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا" من السيّدين "مَا بَقِيَ مِنَ الْكِتَابَةِ، وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا"؛ يعني: مُقسّمًا "بِالسَّوَاءِ" بقدر حصصهِما. "فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ" عن الأداء "وَقَدِ اقْتَضَى الَّذِي لَمْ يُنْظِرْهُ" يُنظر يعني: يُمهله، "كْثَرَ مِمَّا اقْتَضَى صَاحِبُهُ، كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ" على حسب ما كان قبل الكتابة، "وَلاَ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ" أن يردّ الذي اقتضى الأكثر، أخَذ نصيب أكثر من حق الكتابة، أكثر من الثاني، يرد على صاحبه الشريك "فَضْلَ مَا اقْتَضَى، لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى الَّذِي لَهُ"، كان واجبًا له على العبد "بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ وَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا"؛ يعني: خفّف عليه أحد الشريكين حقّه الذي كان واجبًا له على العبد، "ثُمَّ اقْتَضَى صَاحِبُهُ" أي: شريكه الذي لم يضع بعض المال، "ثُمَّ عَجَزَ" العبد "فَهُوَ" يعني: العبد "بَيْنَهُمَا، وَلاَ يَرُدُّ الَّذِي اقْتَضَى عَلَى صَاحِبِهِ" أي: شريكه "شَيْئاً، لأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَى" حقه "الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ".

قال: "وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ" الذي يكون لرَّجُلَيْنِ مثلا دَيْن على واحد "بِكِتَابٍ وَاحِدٍ" يعني: بحق واحد اشترك في الدَّيْن، "عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيُنْظِرُهُ" أي: يُمهل دون "أَحَدُهُمَا، وَيَشِحُّ" يبخل "الآخَرُ". يأبى الآخر الإنظار، يقول: أن المسألة "بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ"، إذا كان دَيْن "لِلرَّجُلَيْنِ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَيُنْظِرُهُ أَحَدُهُمَا، وَيَشِحُّ"، يبخل الآخر، "فَيَقْتَضِي" الشحيح "بَعْضَ حَقِّهِ"، ولا يأخذ الآخر الذي سمَحَ بالإنظار، "ثُمَّ يُفْلِسُ الْغَرِيمُ" يصير مفلسًا، "فَلَيْسَ عَلَى" الشحيح "الَّذِي اقْتَضَى" بعض حقّه "أَنْ يَرُدَّ شَيْئاً مِمَّا أَخَذَ"، لأنه أخذ ماله، وهذا أمر متفق عليه.

إذًا، إذا كان العبد لرجلين فكاتباه معًا، جازَ، سواء أن تساويا في العِوض أو اختلفا فيه، اتفق نصيبهما أو اختلف. قال: وليس للمكاتَب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر، ولا يُقدّم أحدهما على الآخر، وهو كذلك الواجب عليه في ذلك.

وهكذا يخرج إلى باب الحمالة في الكتابة، يعني: الكفالة، يتحدث عنها إن شاء الله تعالى. 

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ووقانا الأسواء، وأصلح لنا السرّ والنجوى، وحققنا بحقائق التقوى، وكفانا ودفع عنّا الآفات، وتولّانا في الظواهر والخفيّات، وبلّغنا فوق الأمنيات، وأصلح شؤون المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، والأمة في جميع الجهات، ولطف بنا وبالأمّة في ما تجري به المقادير، وألهمنا الرشد في كل حركة وسكون، وجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، ونفع بنا الأمة على أكمل الوجوه وأحسنها وأعلاها وأفضلها، وإلى حضرة النَّبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1444

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام