شرح الموطأ - 424 - كتاب العتق والولاء: باب ميراث الولاء

شرح الموطأ - 424 - كتاب العتق والولاء: باب ميراث الولاء
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العتق والولاء، باب ميراث الولاء.

فجر السبت 14 صفر 1444هـ.

 باب مِيرَاثِ الْوَلاَءِ

2293 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ, أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْعَاص بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاَثَةً، اثْنَانِ لأُمٍّ، وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ, فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لأُمٍّ وَتَرَكَ مَالاً وَمَوَالِيَ، فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلاَءَهُ مَوَالِيهِ، ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلاَءَ الْمَوَالِي وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لأَبِيهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْتُ مَا كَانَ أبِي أَحْرَزَ مِنَ الْمَالِ وَوَلاَءِ الْمَوَالِي، وَقَالَ أَخُوهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ: إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ، وَأَمَّا وَلاَءُ الْمَوَالِي فَلاَ، أَرَأَيْتَ لَوْ هَلَكَ أَخِى الْيَوْمَ، أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا؟ فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى لأَخِيهِ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي.

2294 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَبُوهُ: أَنَّهُ كَانَ جَالِساً عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ، فَمَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالاً وَمَوَالِيَ، فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا, فَقَالَ وَرَثَتُهُ: لَنَا وَلاَءُ الْمَوَالِي، قَدْ كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ، فَقَالَ الْجُهَنِيُّونَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا هُمْ مَوَالِي صَاحِبَتِنَا، فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا فَلَنَا وَلاَؤُهُمْ، وَنَحْنُ نَرِثُهُمْ، فَقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي.

2295 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاَثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلاَداً. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَرِثُ الْمَوَالِيَ الْبَاقِي مِنَ الثَّلاَثَةِ، فَإِذَا هَلَكَ هُوَ، فَوَلَدُهُ وَوَلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلاَءِ الْمَوَالِي شَرَعٌ سَوَاءٌ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته ودينه، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وأمينه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الذين وعَوا حقّ تبيينه، وعلى من والاهم في الله تبارك وتعالى وتابعهم بإحسانٍ في ظهوره وبطونه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خزائنِ أمان جود الله -تبارك وتعالى- وأمناءِ تبليغ شرعه وتبيينه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويتحدث الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- عمّا يتعلق بالولاء الذي جاءنا فيه الحديث: "إنّمَا الولاءُ لِمَن أَعتَق"، وكيف يُورث هذا الولاء؟ وذكر هذه القصة: "أَنَّ الْعَاص بْنَ هِشَامٍ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاَثَةً، اثْنَانِ لأُمٍّ، وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ"، أي: على أمٍّ أخرى، ويُجمع على عَلّات، فهم كذا الرسل بنو عَلّات، والعَلَل: الشرب بعد الشرب. وكذلك إذا تزوّج الرجل وأتى بأولاد ثمّ تزوج وأتى بأولاد، فهم بنو عَلّات، فكأنّه تكرّر منه الشرب أو شَرِبَ مرةً بعد أخرى، فيقال: "لِعَلَّةٍ" أي: من أمٍّ أخرى.

 "وَرَجُلٌ لِعَلَّةٍ، فَهَلَكَ أَحَدُ اللَّذَيْنِ لأُمٍّ" أي: أحد الشقيقين، "وَتَرَكَ مَالاً وَمَوَالِيَ"، يعني مُعتَقين، ناس أعتقهم، "فَوَرِثَهُ أَخُوهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ": شقيقه، الإرث لشقيقه لا لأخيه من الأب، "مَالَهُ وَوَلاَءَهُ مَوَالِيهِ" كذلك، الذين أعتقهم أخوه، "ثُمَّ هَلَكَ" الأخ "الَّذِي وَرِثَ" عن شقيقه "الْمَالَ وَوَلاَءَ الْمَوَالِي"، "وَتَرَكَ" يعني: هذا الميت الثّاني "ابْنَهُ وَأَخَاهُ لأَبِيهِ" السابق. "فَقَالَ ابْنُهُ:" ابن الميّت "قَدْ أَحْرَزْتُ"؛ يعني: أخذتُ وملكتُ "مَا كَانَ أبِي أَحْرَزَ" في حياته "مِنَ الْمَالِ وَوَلاَءِ الْمَوَالِي"، لماذا؟ لأنّه في حياته أخوه الثاني محجوب بوجود الابن في الميراث. 

"وَقَالَ أَخُوهُ:" أخ الميت هذا "لَيْسَ كَذَلِكَ" ليس الأمر على ما قُلت "إِنَّمَا أَحْرَزْتَ الْمَالَ" فقط؛ فمالُ أبيك لك، "وَأَمَّا وَلاَءُ الْمَوَالِي فَلاَ" حقّ لك فيه بل أنا مستحق له؛ لأنّه لا يزال الموالي الذين أعتقهم موجودين، "أَرَأَيْتَ لَوْ هَلَكَ أَخِي"؛ يعني: الأول الذي وِرثَ أبوك منه المال "الْيَوْمَ أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا؟" دونك أنت؟ وإنّما انتقل هذا الولاء من أخي الأول الذي مات وانتقل إلى أبيك؛ لكوني مع وجود الشقيق في تلك الأيام لا أرِث، أما الآن بعد انتقال أبيك، فمالُ أبيك لك لا أنازعك فيه، وأما الولاء فلا؛ فإنّه لي، "أَلَسْتُ أَرِثُهُ أَنَا؟" دونك.

 "فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ" أي: في زمن خلافته، "فَقَضَى لأَخِيهِ"؛ يعني: أخ المتوفى العَلّاتي هذا، أخوه "بِوَلاَءِ الْمَوَالِي" دون المال. قال: أما المال فـلِولده، مال الميت لولده، أمّا هذا أمر استُحقّ من قبل، ولا يزال المولى قائم، أما المال ينتقل بالإرث من واحد إلى الثاني، أمّا هذا فنفس الذي خلّفه الميت الأول، أخوه الأول، وهم الموالي موجودون ما انتقلوا إلى شيء، فالولاء رجع إلى من هو أحقّ به يوم الاستحقاق؛ يوم الولاء، وهو يوم وفاة الأخ الأول، فيوم وفاة الأخ الأول لو كان مات وليس له أخ شقيق وعنده أولاد أخيه الشقيق، فإنّ أخاه لأب هو الذي يرث، لا أبناء أخيه الشقيق، وهؤلاء الآن، هذا الآن: ابن أخيه الشقيق، ولكن هو أخ لأب للمعتِق الأول، فهو أحقّ بالولاء. وبذلك قضى سيدنا عثمان -رضي الله تبارك وتعالى عنه-.

كذلك ذكر: "أَنَّهُ كَانَ جَالِساً"؛ يعني: أبو بكر بن حزم، "عِنْدَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ"؛ ولد سيدنا عثمان، "فَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ جُهَيْنَةَ" قبيلة معروفة، "وَنَفَرٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ" بطن من الأنصار.

قال: "وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ كُلَيْبٍ، فَمَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَتَرَكَتْ مَالاً وَمَوَالِيَ" يعني: عتقاء لها، "فَوَرِثَهَا ابْنُهَا وَزَوْجُهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنُهَا" الذي وَرِث المال مع الزوج، وورِثَ الولاء خاصّة، "فَقَالَ وَرَثَتُهُ:"؛ أي: ورثة الابن "لَنَا وَلاَءُ الْمَوَالِي" الذين ورِثهم عن أمّه، أنّه "كَانَ ابْنُهَا أَحْرَزَهُ، فَقَالَ:" لهم "الْجُهَنِيُّونَ"؛ يعني: عصبات المرأة من جُهينة، قالوا لهم: "لَيْسَ" الأمر "كَذَلِكَ، إِنَّمَا هُمْ" يعني: العتـقاء "مَوَالِي صَاحِبَتِنَا"، أمكم التي هي منّا نحن عصبتها، "فَإِذَا مَاتَ وَلَدُهَا"، فالولاء لنا راجع لا لها، وإذا اعتبرنا أنّها الآن ماتت فلِمَن الإرث؟ لنا، ليس لكم أنتم! وكذلك مثل المسألة السابقة: "فقَضَى أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ" وكان أمير المدينة "لِلْجُهَنِيِّينَ بِوَلاَءِ الْمَوَالِي" دون ورثة الابن.

وقالوا لورثة الابن: أنتم خذوا مال أبيكم، أمّا الولاء فما هو من عتق والدكم، بل وَرِثه عن أمه أو زوجته، وزوجته هذه لها عَصَبة فهم الذين يرثون الولاء لا أنتم، فإنّ المُعتِق إذا مات وَرِثَ الولاء عَصبته المتعصّبون بأنفسهم.

وكذلك ذكر: "أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ -رضي الله عنه- قَالَ فِي رَجُلٍ هَلَكَ" يعني: مات "وَتَرَكَ بَنِينَ لَهُ ثَلاَثَةً وَتَرَكَ مَوَالِيَ أَعْتَقَهُمْ هُوَ عَتَاقَةً، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ مِنْ بَنِيهِ هَلَكَا وَتَرَكَا أَوْلاَداً، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَرِثُ الْمَوَالِيَ الْبَاقِي" يعني: من بنيه "الثَّلاَثَةِفَإِذَا هَلَكَ هُوَ" الثالث أيضًا "فَوَلَدُهُ وَوَلَدُ إِخْوَتِهِ فِي وَلاَءِ الْمَوَالِي" أي: موالي جدّهم، "شَرَعٌ" يعني: سواء، فكررها "شَرَعٌ سَوَاءٌ"؛ يعني: هم في هذا الأمر شَرَعٌ يعني سواء، أي يشرعون فيه شروع واحد، كلّهم فيه سواء.

وجاء في حديثٍ: "المولى أخٌ في الدين ونعمة وأحقّ الناس بميراثه أقربهم من المُعتِق"، فالولاء لأقرب عُصبة المُعتق، يعني: المولى العتيق إذا لم يُخلّف من نسبه من يرث ماله كان ماله لمولاه، فإن كان مولاه ميت، فهو لأقرب عصبته. 

ويذكر بعد ذلك ميراث السائبة

الله يُكرمنا بالإقبال الكلّي والقبول التّام، ويصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون خاصّة الأنام من كُمّلها؛ الإسلام والإيمان والإحسان والمعرفة بالمولى ذي الجلال والكرام، وأن يرحم موتانا وأحيانا بالرحمة الواسعة، ويغفر لمن انتقل إلى رحمة الله، ويجمعنا بهم في دار الكرامة وهو راضٍ عنا، مع صلاح الشؤون في الحسّ والمعنى، وإلى حضرة النبي ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1444

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام