شرح الموطأ - 423 - كتاب العتق والولاء: باب جَرِّ العَبْد الوَلاَء إِذَا أُعْتِق

شرح الموطأ - 423 - كتاب العتق والولاء: باب جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلاَءَ إِذَا أُعْتِقَ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العتق والولاء: باب جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلاَءَ إِذَا أُعْتِقَ.

فجر الأربعاء 11 صفر 1444هـ.

باب جَرِّ الْعَبْدِ الْوَلاَءَ إِذَا أُعْتِقَ

2286 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ اشْتَرَى عَبْداً فَأَعْتَقَهُ، وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ قَالَ هُمْ مَوَالِيَّ.، وَقَالَ مَوَالِي أُمِّهِمْ: بَلْ هُمْ مَوَالِينَا. فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلاَئِهِمْ.

2287 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، لِمَنْ وَلاَؤُهُمْ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ فَوَلاَؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ.

2288 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَثَلُ ذَلِكَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ مِنَ الْمَوَالِي يُنْسَبُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ، فَيَكُونُونَ هُمْ مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ وَرِثُوهُ، وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً عَقَلُوا عَنْهُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ أُلْحِقَ بِهِ، وَصَارَ وَلاَؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ، وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَدَّ.

2289 - قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلاَعِنَةُ مِنَ الْعَرَبِ، إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لاَعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، إِلاَّ أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ لأُمِّهِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ، وَإِنَّمَا وَرَّثَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ الْمُوَالاَةَ مَوَالِيَ أُمِّهِ، قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلاَ عَصَبَةٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ، صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ.

2290 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ: أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الْعَبْدِ يَجُرُّ وَلاَءَ وَلَدِ ابْنِهِ الأَحْرَارِ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ, يَرِثُهُمْ مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْداً، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلاَءُ إِلَى مَوَالِيهِ، وَإِنْ مَاتَ وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ الْمِيرَاثُ وَالْوَلاَءُ لِلْجَدِّ، وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَأَبُوهُ عَبْدٌ، جَرَّ الْجَدُّ أَبُو الأَبِ الْوَلاَءَ وَالْمِيرَاثَ.

2291 - قَالَ مَالِكٌ فِي الأَمَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ، ثُمَّ يَعْتِقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا تَضَعُ: إِنَّ وَلاَءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ، لأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ، لأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ إِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلاَءَهُ.

2292 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْداً لَهُ، فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ: إِنَّ وَلاَءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، لاَ يَرْجِعُ وَلاَؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مكرمنا بولائه، ومبيِّنِ العمل بشريعتهِ على لسان خاتم أنبيائه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته واقتفائه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله المرتقين أعلى ذرى القرب من الحق سبحانه وتعالى والقائمين ببيان حكمه وقضائه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يتابع سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله- ذكر ما يتعلق بالولاء، وهو الذي يثبتُ لمن أعتَقَ، كما تقدم معنا في الأبواب: "إنما الولاء لمن أعتق"، فإذا مات المعتَق وليس له عصبةٌ من نسبه، عادَ ميراثه إلى معتِقه بسبب الولاء، وأن هذا الولاءَ ينتقل بموتِ من هو ثابتٌ له إلى ورثته؛ فكما يرثون عنه المال فيرثون عنه الولاء كذلك؛ فالولاءُ للمعتِقِ ثم لعصبةِ المعتِقِ المتعصبين بأنفسهم دون أصحاب الفروض، فلا ترث امرأةً بالولاء إلا المعتِقة التي باشرت العتق بنفسها، فلها الولاء، فإذا ماتت فالولاءُ منتقل لورثتها. 

هكذا كما أنَّها ترث بالولاء أولادَ عتيقها، وعتقاؤه إذا أعتقهم ينتقل الولاء إلى التي أعتَقَت، وأن الولاء للتي اعتقت، هذا هو قول الأئمة الأربعة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وجماهير فقهاء الإسلام.

وذكر لنا قصة الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الأسدي عليه رضوان الله أنه: "اشْتَرَى عَبْداً فَأَعْتَقَهُ" وكان "وَلِذَلِكَ الْعَبْدِ بَنُونَ"؛ يعني: أبناء "مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ"، كانت أمهم حرة قد عَتَقت، وهي كانت متزوجة بمملوك، إذًا؛ فأولادِها أحرارٌ لأن أمهم حرة. "فَلَمَّا أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ"؛ أعتق أباهم بعد شرائه. قال الزبير "هُمْ"؛ يعني: بنوه "مَوَالِيَّ،"؛ يعني: صاروا موالي، "وَقَالَ مَوَالِي أُمِّهِمْ: بَلْ هُمْ"؛ يعني: البنون مَوَالِينَا نحن، لأنهم كانوا موالينا من قبل. "فَاخْتَصَمُوا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ"؛ لأنه إذ ذاك كان أمير المؤمنين "فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلاَئِهِمْ"، دون موالي أمهم.

فهكذا قضاء عثمان بن عفان -رضي الله تبارك وتعالى عنه-: أن الرجل إذا أعتقْ أمَتَه، وتزوجت عبدًا فأولادها منه أحرار، وعليهم الولاء لمولى أمهم، يعقل عنهم، ويرثهم إذا ماتوا؛ لأنه سبب الإنعام عليهم بعتق أمهم، فصاروا لذلك أحرارًا، فإن أعتق العبد سيِّدُهُ ثبت له عليهِ الولاء، وجرَّ إليه ولاءَ أولاده عن مولى أمهم، لماذا؟ لأن الأب لمّا كان مملوكًا لم يكن يصلح وارثًا ولا وليًّا في نكاح، فكان ابنه كمثل أولاد الملاعنة، ينقطع نسبه عن ابنه فثبت الولاء لمولى أمه، وانتسب إليها، فإذا عتَق العبد صَلُحَ الانتساب إليه، وعادَ وارثًا عاقلاً وليًّا، فعادت النسبة إليه وإلى مولَّيه؛ وهذا قول الجماهير من الصحابة والفقهاء رضي الله تعالى عنهم. وهو مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.

وجاء أن الزبير لما قدم خيبر رأى فتيةً، فأعجبَه ظرفهم، فسألَ عنهم فقيل لهُ: إنَّهم مَوالي لرافعِ بنِ خديجٍ، وأبوهم مملوكٌ مملوك لازال لآلِ الحرقةِ،  فاشترى الزبيرُ أباهم فأعتقَهُ، وقال لأولادِهِ : انْتَسِبُوا إليَّ فإنَّ ولاءكم لي؛ لأنه معتق أبيهم، فقال: رافعُ بنُ خديجٍ : الولاءُ لي لأنَّهم عُتِقُوا بعِتْقِي أمَّهم؛ أنا لما أعتقت أمهم صاروا هم أحرار بسبب عتق أمهم، "فَاخْتَصَمُوا" احتكموا "إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَضَى عُثْمَانُ لِلزُّبَيْرِ بِوَلاَئِهِمْ."؛ قضى أن الولاءِ للزبيرِ. قالوا: فاجتمعتِ الصحابةُ عليهِ.

وهكذا جاء في معناه: أن الزبير ورافع بن خديج ،اختصموا إلى عثمان في مولاةٍ لرافع. وهكذا جاء في روايات أخر، وبذا قالوا قامت السنة عن الصحابة وتابعيهم أن: ولد المرأة الحرة المعتقة لموالي أمهِ ما كان أبوه عبداً، لكن إذا عتَق جرَّهُ إلى مواليه.

وهكذا يقول: "أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ لَهُ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، لمَنْ وَلاَؤُهُمْ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ وَهُوَ عَبْدٌ لَمْ يُعْتَقْ فَوَلاَؤُهُمْ لِمَوَالِي أُمِّهِمْ."؛ يعني: وإن أعتق ولو قبل الموت بساعة ينجر ولاؤه إليه كما حكم به سيدنا عثمان، وقلنا أجمع عليه الأئمة الأربعة.

قَالَ مَالِكٌ: "وَمَثَلُ ذَلِكَ"؛ يعني: ولدُ العبد "وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ" التي تكون "مِنَ الْمَوَالِي، يُنْسَبُ إِلَى مَوَالِي أُمِّهِ"، لانتفاء النسب عن الأب باللعان "فَيَكُونُونَ هُمْ" موالي الأم "مَوَالِيَهُ إِنْ مَاتَ وَرِثُوهُ، وَإِنْ جَرَّ جَرِيرَةً"؛ يعني: فعل ما يوجب العقاب، جنى جناية "عَقَلُوا عَنْهُ"؛ أي: يؤدون عنه الدِّية، "فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهِ"؛ يعني: أقرّ ببنوّته أبوهُ بعد ذلك، وأكذب نفسه "أُلْحِقَ بِهِ"؛ أي: ألحق الولد بالأب الملاعن، "وَصَارَ وَلاَؤُهُ" إذا كذَّب نفسه في اللعان "وَصَارَ وَلاَؤُهُ إِلَى مَوَالِي أَبِيهِ، وَكَانَ مِيرَاثُهُ لَهُمْ، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ" قالوا: "وَيُجْلَدُ أَبُوهُ الْحَد"؛ حدَّ القذف؛ لأنه كذب نفسه وقد كذب في المرأة.

قَالَ: "وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُلاَعِنَةُ مِنَ الْعَرَبِ"؛ أي: الأحرار الآصال "إِذَا اعْتَرَفَ زَوْجُهَا الَّذِي لاَعَنَهَا بِوَلَدِهَا صَارَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ"؛ يعني: منزلة ولد المولاة الملاعنة، "إِلاَّ أَنَّ بَقِيَّةَ مِيرَاثِهِ"؛ يعني: ميراث ولد الحرة "بَعْدَ مِيرَاثِ أُمِّهِ" وميراث "إِخْوَتِهِ لأُمِّهِ"؛ لأنهم من ذوي الفروض "لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ"؛ لأنه لا مولى عندهم لمن أصله حر، "مَا لَمْ يُلْحَقْ بِأَبِيهِ" إذا استلحقه لحقَ به، "وَإِنَّمَا" قال: "وَرَّثَ وَلَدُ الْمُلاَعَنَةِ الْمُوَالاَةَ" التي هي مملوكة يعني "مَوَالِيَ أُمِّهِ، قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ أَبُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ وَلاَ عَصَبَةٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ، صَارَ إِلَى عَصَبَتِهِ" النسب للإبن يرجع بالاعتراف إلى نسب الأب.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي وَلَدِ الْعَبْدِ" الذي يكون "مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ, وَأَبُو الْعَبْدِ حُرٌّ"؛ أي: جد الولد حر "أَنَّ الْجَدَّ"؛ يعني: أبا الأب "يَجُرُّ وَلاَءَ وَلَدِ ابْنِهِ الأَحْرَارِ مِنِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ، يَرِثُهُمْ" الجد "مَا دَامَ أَبُوهُمْ عَبْداً، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُمْ رَجَعَ الْوَلاَءُ" من الجد إليه "وإِلَى مَوَالِيهِ"؛ لأن الأب عتق "وَإِنْ مَاتَ" الأبُ "وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ"؛ يعني: استمر "الْمِيرَاثُ وَالْوَلاَءُ لِلْجَدِّ"؛ لأن الأب رقيق لا يزال، "وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ لَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ" وجدُّهما أيضًا حرٌّ حي "فَمَاتَ أَحَدُهُمَا" أحد الأخوين "وَأَبُوهُ" أبو الميت "عَبْدٌ" ما يرث، "لكن جَرَّ الْجَدُّ"؛ يعني: "أَبُو الأَبِ الْوَلاَءَ وَالْمِيرَاثَ".  فالجدُّ يجر ولاء ابن ابنه ما كان أبوه عبدًا، فالأب ما دام عبد لا يرث ولا يحجب، فمن مات من ولده فالجدّ أبو الأب يصير له ولاء ذلك الميت. فصار مذهب مالك أن الجد يجر ولاء حفدته إذا كان أبوهم لا يزال مملوكًا وعبدًا. قال: إلا أن يُعتق الأب، وهو كذلك عند الشافعية. فإن لم يعتق الأب، ولكن أعتق الجد في مذهب الإمام أحمد قال: لا يجر الولاء ليس هو كالأب، وهو أيضا مذهب الحنفية. في رواية ثانية عن الإمام أحمد مثل مالك والشافعي، أنه يجر الولاء الجد.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الأَمَةِ: تُعْتَقُ وَهِيَ حَامِلٌ وَزَوْجُهَا مَمْلُوكٌ ثُمَّ يَعْتِقُ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا تَضَعُ" الحمل ما الحكم في الولاء؟ قال: "إِنَّ وَلاَءَ مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا لِلَّذِي أَعْتَقَ أُمَّهُ"؛ أي: لا لمعتق الأب؛ "لأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ قَدْ كَانَ أَصَابَهُ الرِّقُّ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ أُمُّهُ" فثبت ولاؤه لمُعتقها، فما ينتقل عنه، "وَلَيْسَ" هذا الولد المذكور "بِمَنْزِلَةِ" الولد "الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ لأَنَّ الَّذِي تَحْمِلُ بِهِ أُمُّهُ بَعْدَ الْعَتَاقَةِ  إِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلاَءَهُ." إليه؛ يعني: سحبه إليه.

فمن أعتق أمته وهي حامل، وزوجها مملوك حين أعتقها، ثم أعتق زوجها قبل الوضع أو بعده، ولاء الولد يثبت لموالي أمه، لماذا لا يجرُّ أبوه إذا عتق؟ لأن الولد إذا أصابه الرق فعتَقَ فإن ولاءه قد ثبت لمعتِقِه، لعموم قول نبيّنا: " إنما الولاء لمن أعتق".

"قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْداً لَهُ" كيف عبد للعبد؟ على قول من يقول أنه يملك، "فَيَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ: إِنَّ وَلاَءَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ"؛ لأنه هو المعتِقُ، لأن مالَ العبد لمن؟ للسيد، "لاَ يَرْجِعُ وَلاَؤُهُ" العبد العتيقُ إلى "لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَإِنْ عَتَقَ"؛ هذا العبد السيد بعد ذلك نثبت ولاءه لسيد السيِّد فلا يجرُّهُ سيِّدُهُ بعد عتقه، يعني: العبد إذا أعتق عبده، إما بإذن سيده أو بغيره، إذا أعتقه بإذنه ثبت ولاؤه للسيد لأنه هو المعتق، فإذا أعتقَ العبد من تحت يديه -على قول بأنه يملك- أي إذا ثبت العتق لسيده ثم إنه أعتق هو العبد هذا، ما يرجع الإرث إليه، وما يرجع الولاء إليه، لإن الولاء قد ثبت للسيد بالعتق، فما يقول أنا قد عتقت من بعد، وكنت أعتقت ذاك بأمرُ سيدي، لكن الآن أنا صرتُ حرًّا، وصرتَ حرًّا بعد أن كان مالك مال لسيدك العبد الذي معك ليس ملك لك وانت في أيام الرق، إنما هو رق لسيدك وهو الذي يدين لك بعتقه، فالولاء له. فأما إذا كان من دون أن يعلم سيده بذلك، ثم عتقَ العبد، قال فالولاء في الأسفل يكون لسيده الذي أعتقه. 

وهكذا، يتكلم على أن الولاء يورث في قوله: "باب ميراث الولاء". هذا فيما يتعلق بعتق الرقاب، فعلمنا يثبت الولاء على العتيق سواء كان ذكر أو أنثى، يثبت على أولاده، أولاد المعتَق إذا أولاد المعتق هذا العبد الذي أُعتِق إذا مات أحدهم أو وقع في جناية ووجبت على عاقلته، فإن ولائهم أيضا ينجرُّ إلى معتقِ أبيهم، فيثبت لأولاد الذي أعتِقَ، ولعتقائه كذلك.

فإنما يكون هذا الانجرار للولاء شرط أن لا يمس الرق ذلك الفرع. 

  • أما إذا كان رقيق وعتق ولاؤه لمعتقه، ثم لعصبته، ثم لمعتقِ المعتق، ولا ولاء عليه لمعتق أصله، هذا الشرط الأول.
  • الشرط الثاني أن لا يكون الأب حرَّ الأصل لا ولاء عليه، أما من كان أبوه كذلك فولاءه للعموم المسلمين، ما يثبت ولاءه لأحد.

هذا ما يتعلق بانجرار الولاء. 

ثم إن الولاء أيضا يُطلق على المحبة والمناصرة، وهذا فيما ثبت لنا أن المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وأعلى الولاء ما يلزم المخلوقين لخالقهم قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُو الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:55]. وبهذا الولاء أيضًا بمعنى: المحبة والمناصرة، حرَّمَ الله على المؤمنين ولاء الكافرين من موادّتهم ومناصرتهم على كفرهم. 

  • قال: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ)[المائدة:51] والعياذ بالله تبارك وتعالى. 
  • قال: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ)[المائدة:57]. 
  • (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)، (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [ الممتحنة:1]
  • (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ  وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22].

فيحرص المؤمن على ولائه للمؤمنين برعاية حقوقهم، وأن لا يسترسل في سبٍّ ولا في شتمٍ ولا في غيبةٍ، وإلا فقد ضيّع حق هؤلاء المؤمنين، بأي غش وبأي خيانة وبأي سوء يصلوا منه إليهم. ومن هنا قال ﷺ في المؤمن المتحقق بالإسلام: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده". وولاؤنا لرسول الله ﷺ يجب أن نحافظ عليه، فإنه صاحب المِنّة الكبيرة علينا بعد الله تبارك وتعالى، إذ بعثه الله إلينا، فالمنّ لله ولرسوله كما قال الأنصار لرسول الله ﷺ : "المنّ لله ولرسوله". فلا أحد في الخلق أمنَّ على الخلق من حبيب الحق ﷺ، فله الولاء، الذي لا يتحقق الإيمان إلا به بكمال الطاعة والانقياد وحسن الإتباع، حتى قال الله عن ذلك: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء:56]، وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].

 وهكذا شأن هذا الولاء، والولاء الأعظم ما يجب علينا عبوديةً وانقيادًا وطاعةً وتعظيمًا للإله الحق الخالق، الذي لا يستحق العبادة إلا هو سبحانه وتعالى، فعلينا أن نرعى ولاء الله، ولاءنا لله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [المائدة:55].

رزقنا الله حسناً الولاء له، ولرسوله وللمؤمنين، وثبتنا على ذلك حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1444

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام