شرح الموطأ - 417 - كتاب العتق والولاء: باب مَن أَعْتَق شِرْكاً له في مملوك

شرح الموطأ - 417 - كتاب العتق والولاء: باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العتق والولاء، باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ.

 فجر الثلاثاء 3 صفر 1444هـ.

باب مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ

حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ: فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".

قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصاً، ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْماً مِنَ الأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ مِنْهُ إِلاَّ مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ، وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّراً فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ، فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي، لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلاَّ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ، لأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ, لَيْسُوا هُمُ ابْتَدَؤُوا الْعَتَاقَةَ وَلاَ أَثْبَتُوهَا وَلاَ لَهُمُ الْوَلاَءُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ، هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلاَءُ، فَلاَ يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ،فَبَتَّ عِتْقَهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ أُعْتِقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان حبيبه وعبده وصفوته خير بريّته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وابتدأ الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- يذكر كتاب العتق والولاء، وذكر المسألة الأولى في "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ"؛ وذلك أن الرق كان متوارثًا ومضروبًا بين الناس، وكانت له وسائل كثيرة يُسترقّ بها الإنسان، وجاءت الشريعة الغرّاء ومنعت جميع الوسائل للاسترقاق إلا ما كان من الجهاد في سبيل الله -تبارك وتعالى- ووَقْعِ المقاتلين المحاربين تحت الأسرِ، فإن من كان منهم من الصبيان أو من النساء فيصيرون أرِقَّاء بمجرد الأسرِ، ومن كان من الرجال فإن الإمام يتخيّر بين يضرب عليهم الرِّق فيكونوا مملوكين أو أن يفتديهم بشيء مقابل عتقهم وإطلاقهم، أو أن يمُنَّ عليهم بالإطلاق من دون مقابل حسب ما تقتضيه مصلحة الشريعة والإسلام ومصلحة الدين؛ وما عدى ذلك لا سبيل لأن يُستَرَق الإنسان، ثم تَشَوَّف الشارع إلى العتق ورغَّب فيه، وثبت بالكتاب العزيز في مثل قوله: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ)أو (فَك رَقَبَةً)[البلد:12].

وهكذا جاء في الحديث عنه ﷺ: "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار"، وأعتق النبي ﷺ الكثير من الرقاب، وكذلك سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وهو من أفضل القربات إلى الله -تبارك وتعالى-، فجعله الله كفارة لجناياتٍ كثيرة، منها في القتل والظهار والوطء في أيام رمضان وهكذا. 

ومن أعتق شيئًا له يملكه في رقيق مملوك، فإن كان موسرًا فإن العتق يسري إلى جميع ذلك المملوك، وعليه أن يُسَلِّم لشريكه أو شركائه قيمة الباقي من الذي ليس في ملكه، بحيث بأن كان يملك ربعًا في العبد أو ثلثًا أو نصفًا، فأعتق ذلك النصف أو الثلث أو الربع فإن العتق يسري إلى جميع العبد ما دام المُعتِق موسرًا وقادرًا على أن يدفع الثمن الباقي، وعليه أن يدفع ثمن الباقي لمن لم يُعتِقه من بقية الشركاء.

وهو الحديث الذي ابتدأ به في قوله: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ"، قَلَّ ذلك الشرك أو كثر ثُمُن أو ربع أو نصف أو ثلثين أو أقل أو أكثر "فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ" موسِرًا يستطيع أن يُسَلِّم ثمن بقية العبد، "قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ"، فتُعتَبر قيمته بالعدل والقسط ثمن المثل فيه، "فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ"؛ فيصير العبد كله حر وعلى مُعتِق نصيبه أن يُسَلِّم لبقية الشركاء قيمة أنصبائهم. 

ولكن إذا كان هذا الذي أعتق نصيبه مُعسر ما عنده شيء؛ إلا نفقته ونفقة أهله ما عنده شيء زايد يُباع حتى يسلم به ثمن الباقي، فهو كما قال: "وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ"؛ يعتق منه النصيب الذي أعتقه ويبقى الآخر حرًا مملوكًا، فيسمى المُبَعَّض: الذي بعضه حر وبعضه رقيق مملوك، يقال له المُبَعَّض.

إذًا؛ فهكذا من خواص هذا العتق السراية، فمن أعتق بعض مملوك يسري العتق إلى باقيه. من باب أولى إذا كان هو مالكه، ولكن قال لعبده أعتقتُ نصفك، أعتقتُ ربعك، أعتق عليه كله وسَرت العتق إلى الباقي ولا شيء له. وإن كان الباقي لغيره فيكون الفرق بين اليسار والعسار، إن كان مُوسرًا سرى العتق إلى الباقي، فإن كان مُوسرًا ببعض الباقي يسري إلى البعض الباقي، وعليه أن يُسَلِّمُه، ويبقى الذي لا يستطيع تسليمه مملوكًا فيه هذا المعتوق لمن هو نصيبهم.

وهكذا؛ إذًا فالمُعتِقُ كما ذكر الإمام مالك وهو كذلك عند الشافعية والحنابلة:

  • إذا كان مُوسِرًا عتق عليه كله وعليه قيمة باقيه لشريكه.
  • أما إن كان معسِرًا عتق نصيبه فقط ولا يسري إلى باقيه.
  • فإذا كان مُعسرًا فحكمنا بالبعضية. 

مرَّت مدة وإذا بالرجل أيسر، صار موسرًا، نقول: خلاص قد مضى الحكم بما مضى ولا شيء الآن عليه، وقد صار ذلك المُعتَق مبعّضًا. وهكذا؛ إذا كان موسرًا حكمنا بأن العتق سرى إلى الكل وعليه القيمة، تمادى في تسليم القيمة وأعسر، نقول: هذا بتقصيرك فهو في ذمتك وفي رقبتك ولا بد أن تسلم لهم، والعتق قد سرى ماعد تختلف-لم يعد هناك اختلاف- في الحكم الآن، كما لم يختلف في المسألة قبلها، وإذا أيسرتَ بعد ما كنتَ معسرًا فلا نكلفك، وإذا أعسرتَ بعد ما كنت مُوسِرًا فأنت المقصّر، فلا بد أن تُسَلِّمُ ذلك، والحكم دائر على الحال الذي كان عليه شأنك وقت العتق، هل أنت مُعسِر أو أنت مُوسر؟ هكذا… 

وعلمنا النص أيضاً في الحديث، والحديث كما رواه الإمام مالك، رواه الشيخان البخاري ومسلم أيضًا، وجاء في رواية لهما: "من أعتق شِقصًا له من عبدٍ أو شركًا، أو قال: نصيبًا، وكان له مالٌ يبلغ ثمنه بقيمة العبد فهو عتيق، وإلا فقد أعتق منه ما عتق". وجاء في رواية عن الإمام أحمد ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد من الحنفية: ليس لشريكه إلا الضمان مع اليسار والسَّعَاية مع الإعسار.

ويقول أبو حنيفة: إن كان المُعتِق موسرًا فشريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن المُعتِق قيمة نصيبه إذا لم يكن بإذنه، فإن كان بإذن شريكه فلا ضمان عليه، وإن شاء استسعى العبد، أي: سعى في تحصيل القيمة، فيصير كالمُكَاتَب عندئذ؛ فهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، فإذا أعتق البعض الذي يملكه فالمالك الباقي مُخير بين أن يعتق مثل هذا، أو يعد العبد كأنه مُكاتب يستسعي فيه، فيسعى في تحصيل بقية القيمة ويسلمها له لكن الأئمة الثلاثة قالوا: لا، بل يسري العتق إن كان موسرًا أو يتبعّض إن كان معسرا.

قَالَ مَالِكٌ: "وَالأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، فِي الْعَبْدِ يُعْتِقُ سَيِّدُهُ مِنْهُ شِقْصاً، ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ سَهْماً مِنَ الأَسْهُمِ بَعْدَ مَوْتِهِ: أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ مِنْهُ إِلاَّ مَا أَعْتَقَ سَيِّدُهُ وَسَمَّى مِنْ ذَلِكَ الشِّقْصِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَتَاقَةَ ذَلِكَ الشِّقْصِ إِنَّمَا وَجَبَتْ، وَكَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الْمَيِّتِ" كيف؟ "وَأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّراً فِي ذَلِكَ مَا عَاشَ، فَلَمَّا وَقَعَ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُوصِي، لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي إِلاَّ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَعْتِقْ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ، لأَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَعْتِقُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ, لَيْسُوا هُمُ ابْتَدَؤُوا الْعَتَاقَةَ وَلاَ أَثْبَتُوهَا وَلاَ لَهُمُ الْوَلاَءُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْمَيِّتُ، هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ وَأُثْبِتَ لَهُ الْوَلاَءُ، فَلاَ يُحْمَلُ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي مَالِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لِشُرَكَائِهِ وَوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ لِشُرَكَائِهِ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ"؛ ما دام داخل في الثلث فتصرّفه نافذ ووصيته نافذة في ذلك.

فإذا كان يملك جزءًا من ذلك المملوك فأعتقه في مرض موته، أو دبَّره -علّق عتقه بموته- أو أوصى بعتقه إذا مات، إذًا ففي هذه الحالة كما أشار الإمام: لا يعتق إلا نصيبه فقط؛ لأنه كان في مرض موته، ما دام أنه لا يفي ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك، وأمَّا إن كان يمكن أن يكون قيمة شريكه في ثلث المال الذي وصى فيكون من الوصية النافذة إذا وصى في ثلث ماله فأقل من ذلك، فكذلك وصيّته بعتق العبد، له الحكم بسراية العتق إلى العبد إن كانت داخلة في ثلث المال، ثلث تركته فأقل سرى العتق وإلا يبقى بمنزلة المُعسر. وكما ذكر الإمام مالك في مذهبه: أن المال صار لغيره من حين وفاته، فهو إذًا كالمُعسِر فلا يسري إلى نصيب الشريك.

 يقول -عليه رحمة الله-: "وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ ثُلُثَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَبَتَّ عِتْقَهُ، عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ فِي ثُلُثِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ"، هذا لا زال في الحياة؛ "لأَنَّ الَّذِي يُعْتِقُ ثُلُثَ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَوْ عَاشَ رَجَعَ فِيهِ وَلَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ"؛ يعني: يرجع في الوصية، "وَأَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي يَبِتُّ سَيِّدُهُ عِتْقَ ثُلُثِهِ فِي مَرَضِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ عَاشَ، وَإِنْ مَاتَ أُعْتِقَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثِهِ".

وهكذا نظر الإمام مالك إلى أن المُعَلَّق بالموت؛ فالميت ينتقل ماله إلى ورثته، فلا تسري السراية. وقال الآخرون: بل تسري ما دام الذي يسري يساوي ثلث المال أو أقل. "وَذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ الْمَيِّتِ جَائِزٌ فِي ثُلُثِهِ، كَمَا أَنَّ أَمْرَ الصَّحِيحِ جَائِزٌ فِي مَالِهِ كُلِّهِ"؛ وهو معنى: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم". إذًا؛ فهذا هو الحكم إذا أعتق نصيبه ونصفه: 

  • إمَّا بتَّ ذلك وهو في حال الصحة
  • أو كان في حال المرض 
  • أو أوصى بالعتق 

فهكذا يتم الحكم كما أشار إليه الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى-، وينتقل إلى ما يتعلق بالشرط في العتق، والله أعلم. 

جعلنا الله من الذين يعتقهم ويعتق رقابهم وجميع أهاليهم وذراريهم من النار ومن العار ومن الذنوب ومن السيئات ومن المعايب كلها في لطفٍ وعافية ويقين وتمكين مكين. 

وقد لقي بعض الأولياء وليًّا، قال: إني لو أرى لك حالاً مع الله -تبارك وتعالى- فمن أين نِلتَ هذه الولاية؟ قال: إنه وقف عليَّ رجل كان من أهل المكانة عند الله، فناولته بعض الكِسر من الطعام، وكان جائعًا فقال لي: حرَّرك الله من رقِّ المعصية كما حرَّرتني من رقِّ الجوع، فتحول حالي بعدها ونِلتُ هذه الولاية والمقام بهذه الدعوة من هذا الصالح، حرَّركَ الله من رقِّ المعصية كما حرَّرتني من رقِّ الجوع. فنسأل الله أن يحرِّرنا من رقِّ المعاصي والذنوب والآثام والعيوب والظلمات والحُجُب والآفات ظاهرها وباطنها إنه أكرم الأكرمين. واعتق رقابنا وآبائنا وأمهاتنا من النار ومن العار، وخُصًّ اللهم بواسع العتق والفضل عبدك عبدالله بن فضل بن حسين بافضل، وبوأه المنازل العلا مع خيار الملأ واعلِ درجاته بين من رفعت لهم القدر لديك، واجعلها أبرك الأيام عليه،  وأسعد الأيام عنده والليالي، اللهم واخلفه فينا وفي أهل البلده وفي الأمة بالخلف الصالح، وارفعه لديك في المراتب، واجزل له من عندك المواهب، و الحقنا وإياه بالركائب وتقبل جميع حسناته وضاعف كل واحدة منها إلى ما لا نهاية، وتجاوز عن جميع سيئاته وبدِّلها إلى حسنات تامات مُوصلات وتحمل عنا وعنه جميع التبعات، وأكرم وفادته عليك وأنزله لديك، واجمعنا به في دار الكرامة ومستقر الرحمة بلا سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، وألحقه بأنبياءك وأصفياءك وأوليائك وصالحي آبائه وأجداده، وأمده بواسع إمداد من حضرتك، وأنزل على قلوب أهله السكينة والرضا بما قضيت وقدمت واكتب لهم بذلك الأجور وواسع الخيور، وأصلح لنا ولهم جميع  وادفع عنا وعنهم جميع الشرور بسر الفاتحة إلى روحه وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

23 صفَر 1444

تاريخ النشر الميلادي

18 سبتمبر 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام