(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الوصية: باب مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا، وباب مَا يَجُوزُ مِنَ النُّحْلِ.
فجر الإثنين 2 صفر 1444هـ.
باب مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا
2250 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا فِي جِنَايَةِ الْعَبِيدِ: أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَ بِهِ إِنْسَاناً، أَوْ شَيْءٍ اخْتَلَسَهُ، أَوْ حَرِيسَةٍ احْتَرَسَهَا، أَوْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ جَذَّهُ أَوْ أَفْسَدَهُ، أَوْ سَرِقَةٍ سَرَقَهَا، لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ فِيهَا: إِنَّ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، لاَ يَعْدُو ذَلِكَ الرَّقَبَةَ، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ، فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ مَا أَخَذَ غُلاَمُهُ أَوْ أَفْسَدَ أَوْ عَقْلَ مَا جَرَحَ، أَعْطَاهُ وَأَمْسَكَ غُلاَمَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ، فَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ
باب مَا يَجُوزُ مِنَ النُّحْلِ
2251 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَداً لَهُ صَغِيراً لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نُحْلَهُ، فَأَعْلَنَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ.
2252 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَحَلَ ابْناً لَهُ صَغِيراً ذَهَباً أَوْ وَرِقاً، ثُمَّ هَلَكَ وَهُوَ يَلِيهِ: إِنَّهُ لاَ شَيْءَ لِلاِبْنِ مِنْ ذَلِكَ: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الأَبُ عَزَلَهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ وَضَعَهَا لاِبْنِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِلاِبْنِ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته من أوتوا به طُهْرَا، وعلى أصحابه مَن سَمَوا بهِ سِرًّا وجهرا، وعلى من تبعهم بإحسان وجرى بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين في الفضلِ أعلى الذُّرَى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين طُرّا، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بعض ما يتعلّق بما يحصل من جنايةٍ للمملوكين الأَرِقَّاء، وكيف يتم قضاء ذلك وبعض ما يتعلق بالهبة للابن وغيره، يقول -عليه رحمة الله-: "باب مَا جَاءَ فِيمَا أَفْسَدَ الْعَبِيدُ أَوْ جَرَحُوا"؛ كيف يكون قضاء ذلك؟ ومن يتحمّله؟ يقول الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: "السُّنَّةُ"؛ يعني: الطريقة الشرعية المسلوكة، "السُّنَّةُ عِنْدَنَا"؛ يعني: في المدينة المنورة، "جِنَايَةِ الْعَبِيدِ" وإفسادهم للأشياء، "أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ مِنْ جُرْحٍ" جَرَحَ غيره، "جَرَحَ بِهِ إِنْسَاناً، أَوْ" أصابه "شَيْءٍ اخْتَلَسَهُ"؛ أي: أخذهُ سرقةً "أَوْ حَرِيسَةٍ احْتَرَسَهَا"؛ فالاحتراس: أن يَسرِق الشيء من المرعى، يُقال: حريسةُ الجبل: الشَّاه يُدركها الليل قبل رجوعها إلى مأواها، فتُسرَق من الجبل، فيقال لها: حَرِيسَة الجبل. وهكذا يقول: ما حكم إذا فعل المملوك ذلك؟..
"أَوْ ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ جَذَّهُ" قطعهُ وأخرجهُ من شجرته، "أَوْ أَفْسَدَهُ" لم يجذُّه ولم يقطَعه ولكن أتلفه، "أَوْ سَرِقَةٍ سَرَقَهَا، لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ"؛ أي: على العبد "فِيهَا" إذا فُقِدَ شرعُ القطع، "إِنَّ ذَلِكَ" من المذكور من الجنايات كلها لازمةٌ "فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، لاَ يَعْدُو"؛ يعني: لا يتجاوز "ذَلِكَ"، الذي وجب عليه عن قيمة "الرَّقَبَةَ" إلى شيء آخر" قَلَّ ذَلِكَ" الذي لزم "أَوْ كَثُرَ"، فنرى كم قيمته؟ وبكم يُباع هذا المملوك؟ "فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُعْطِيَ قِيمَةَ مَا أَخَذَ غُلاَمُهُ أَوْ أَفْسَدَ أَوْ عَقْلَ مَا جَرَحَ" العبد "أَعْطَاهُ" جزاءً لقوله "وَأَمْسَكَ غُلاَمَهُ" فيُسَلِّم قيمة الجناية يُسَلِّم "وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسْلِمَهُ"؛ يعني: يُعطي العبد "أَسْلَمَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ، فَسَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ". يقول الإمام السيوطي من الشافعية: أن الأموال المتعلقة بالمملوكين والأرقاء أربعة أقسام:
وفي المسألة أيضًا، وهي مُعَطَّل العمل بها لعدم وجود الأرقّاء في مختلف أنحاء العالم، فلهم بعض الاختلافات والتفصيل في كتب أهل الفقه وأئمة الدين.
وانتقل إلى باب "النُّحْلِ"؛ أي: العطاء والعطيَّة والهبة، وذكر أن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -عليه رضوان الله- قَالَ: "مَنْ نَحَلَ"؛ يعني: أعطى "وَلَداً لَهُ صَغِيراً لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نُحْلَهُ"؛ يعني: لم يبلغ الولد لسبب صغره إلى مرتبة قبض أمواله، عادُه ما بلغ ولا يقبض الأموال، "فَأَعْلَنَ" الوالد "ذَلِكَ" أعلن أبوه أنني أعطيته كذا وكذا، "ذَلِكَ" النًّحْلَ "لَهُ"؛ أي: للولد "وَأَشْهَدَ" الناس "عَلَيْهَا، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ"؛ فهو خير مَن وَلِيَهُ، يعني: مَن أحق بولايتهِ من أبيه. ولكن كيف يتم القبض وهو ما يتمكن من القبض؟ فعند الإمام مالك: بعزلها وتعيينها أو إعطائها آخر، أو وضع ختم عليها أنها لفلان تثبت بذلك ويصير كأنه قبضها ووليها.
وهكذا لما سئل شُريح القاضي: عن نحل من الوالد لولده؟ وقال: أنها جائزة، قالوا: إنه أبوه يليَهُ، قال: هو خير من وليَهُ، هو خير من وليه، إذا عيَّنَ الأمر الذي له ومنحه انتهت المسألة.
فهذا يتكلم عن الهبة التي هي إعطاء الشيء بغير عِوَض، وتمليك المال بلا عِوض في الحال، يقال له: الهبة، وهي مشروعة، يقول تعالى: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) [النساء:4]، يقول ﷺ: "تَهَادَوْا"؛ أي: يهب بعضكم لبعض شيئًا من المتاع والمال؛ "تَحَابُّوا"، فإن هذا يورث التحابب بينكم، أن تهادوا من أموالكم. قال ﷺ: "لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ"، يعني: ظلف شاة، لا تحقر أن تُهدي، حَثَّ على الهدية ولو باليسير ولو بالقليل، لوقوع ذلك في القلب والنفس عند ذي الفطرة السليمة. وقال ﷺ: "لو أُهدِيَ إليّ ذِرَاعٌ أو كُرَاعٌ لقَبِلتُ" و "لَوْ دُعِيتُ إلى ذِراعٍ أوْ كُراعٍ لَأَجَبْتُ" ﷺ.
فالهبة مشروعة، وهي مستحبة بجميع أنواعها لما فيها من التعاون على البِرّ والتقوى، وإشاعة المودة والمحبة بين الناس، وإنما قد يعرض عليها أو يطرأ عليها ما يجعلها مكروهة أو محرمة:
وغير ذلك يطرأ عليها، أو كانت لأجل المفاخرة والرياء والسمعة، فيطرأ عليها ما يحوّلها إلى مكروهة أو إلى محرّمة، وإلا الأصل فيها، أن هذه الهبات بين المسلمين تثبيت للمودّات، وقُرُباتٌ إلى رب البريات، وزكاةٌ لهم لأموالهم ومضاعفة لهم في أرزاقهم، إلى غير ذلك من الفوائد والمنافع.
فهل يُشترَط فيها القبض أم لا؟ لابد أن يقبضها المُهدىٰ إليه والموهوب له.
فكلهم يرجع إلى الكمال بالقبض، إلا أنه قالوا: ما يُحكَم بثبوت الملك أصلاً عند الحنفية والشافعية إلا بعدَ القبض، فهو شرط لاستكمال موجبات الملك، فما يُملَك إلا بذلك. وهكذا كما جاء عن بعض الصحابة: لا تجوز الهبة إلا مقبوضة محوزة.
وجاء عنه ﷺ أنه قال لأم سلمة: إنِّي قد أهديتُ إلى النجاشيِّ حُلَّةً وأواقيَ من مسكٍ، ولا أرى النجاشيَّ إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودةً عليَّ، فإن رُدَّتْ عليَّ فهي لكِ. فإذًا؛ تبين أنه ما لم يتم قبضها لا تُملَك، وأمر بردّها، وذلك أن أم سلمة أيضًا كانت ممّن توجّه إلى الحبشة، وعرفت هناك النجاشة وما كانوا يستعملونه من الطيب، وخصّها ﷺ بهذه الهدية عند رجعتها، فكان كما قال ﷺ؛ توفي النجاشي قبل وصول هديته، ورُدَّت إليه، وأعطاها أم سلمة.
وذكر لنا: يقول مَالِكٌ: "الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ نَحَلَ" أعطى "ابْناً لَهُ صَغِيراً ذَهَباً أَوْ وَرِقاً"؛ يعني: فضة "ثُمَّ هَلَكَ" مات الوالد "وَهُوَ يَلِيهِ" يعني: متولي أمر ولده ومال ولده "إِنَّهُ لاَ شَيْءَ لِلاِبْنِ مِنْ ذَلِكَ" المال؛ لأن القبض لم يتم، فلم يتم الملك "إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الأَبُ عَزَلَهَا"؛ يعني: ميَّزها" بِعَيْنِهَا" و أخرجها من ماله؛ أي: فصلها عن ماله، "أَوْ دَفَعَهَا إِلَى رَجُلٍ" آخر، وقال: هذا حق ولدي فلان "وَضَعَهَا لاِبْنِهِ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لِلاِبْنِ" هذا في الدراهم والدنانير، أما في المسكون عنده الموقوف فهذا عند الإمام مالك: ما يتأتى أن يدخل في ملك الولد إذا وهبه إياه أبوه، إلا أن يَخرُج الوالد من ذلك السكن، ويترك السكن سنة، فإذا ترك السكن سنة، ثبت أنه حق الولد، ولا شيء عليه إذا رجع بعد ذلك، إلا أنه إذا مات وهو ساكن في المحل الذي كان وهبه، يرجع بعد ذلك الأمر موقوف؛ يقف عنده على رضا بقية الورثة، فإذا قد تركه له مدة سنة، ثم مات في غير ذلك المسكن انتهى، وإلا أنه عنده إذا استعمل الشيء الذي وهبه إياه فقد رجع عن هبته.
ومعلوم أن الوالد يجوز له أن يرجع في الهبةِ لابنه. وتقدم معنا ما كان من الصحابي لأن يهب لولده مالاً، اشترطت أمه أن يُشهِدَ عليه رسول الله فقال: أكلُّ ولدك أعطيتهم مثل هذا؟ قال: لا، قال: هذا جور، وأنا لا أشهد على الجور ﷺ. إذاً، فإذا مات الواهب قبل القبض:
هم نابوا عن أبيهم في مسألة الإقباض بعد موته.
وينتقل إلى باب العتق، أعتق الله رقابنا من ناره وسخطه وغضبه وعذابه، ورقاب أهالينا ووالدينا وذوينا وأحبابنا والمسلمين، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ومع ما قررنا من أن الهبة والهدية التي ترتب عليها ثواب؛ فراجعٌ ذلك إلى إخلاص القصد والنية، وإلى إرادة وجه الله تعالى (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)[النساء:114]. وهكذا..
تضاعفت الأجور وتضاعفت الحسنات عند الله وهكذا.. وكم من فرق بين ذا وذاك.
ولمّا سمع سيدنا علي أن بعض الصحابة من أغنيائهم تصدق بألف ليلًا، وألف نهارا، وألف سراًّ، وألف علانية، اجتهد حتى جاء بأربعة ما عنده ألوف جاء بأربعة، وأخرج درهم بالليل، ودرهم بالنهار، ودرهم سر ودرهم علانية، فأنزل الله: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ) ما قال صاحب الألف ولاال درهم كلهم هؤلاء الذين ينفقون أموالهم، كلّا بحسب ما يستطيع (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274].
وقال عن الذين يعجبهم مجرد وفرة وكثرة المال على غير أساس صحيح، على مخالفة لشرع الله، وعلى خروج عن أمر الله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ)؛ لذلك رأينا أحوالهم الآن في الحياة الدنيا، كيف ما تستقر أمورهم، نشروا الربا في البلدان هذه، وما يسمونها الرأسمالية، وعملوا ما عملوا، كيف هم الآن في اقتصادهم كلهم؟ كلهم، كيف هم؟ (كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ)، هذا في الدنيا.
وفي القيامة؛ يُحشَر أكلة الربا وبطونهم كالجبال أمامهم، كلما قام أحدهم سقط، كلما قام سقط، (كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ) [البقرة:275] قال الله تريدون تقيمون أنتم بنظرياتكم وأفكاركم القاصرة، وعقولكم المخلوقة لي نظام يخالف شرعي! (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ)، المسألة دائرة على ما أُحِلْ أنا وَأُحَرِّم، لا على فكركم! ولا على عقولكم القاصر! وما هذا مثل هذا، كيف هذا مثل هذا؟ (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، فما أحل مثل ما حرم؟ ما يتأتى! (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) [البقرة:275-276].
في ليلة من الليالي جاءتكم قبل كم سنوات، أصبح الناس مفلّسة بعض البنوك، جاءتهم الأزمة، وبعض الناس مات وعنده مليون دولار، وبعضه مليونين، وبعضه أقل، وبعضه أكثر، أصبح الصبح ولا عنده شيء، لا شيء! أين؟ أزمة! روَّح… واحد منهم رمى بنفسه، واحد تجنن، وواحد… حتى نشروا في بعض صحفهم على النظام هذا، ولماذا رتبتم لنا هذا الربا.. حتى قال بعضهم: لماذا ما جربتم نظام الإسلام والشريعة التي حرّمت هذا الربا؟ وقالوا سنحارب الكنائس هذه التي سيَّرتنا في هذا المسار، وباعت لنا هذا!... (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي) يُنَمِّي (الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
وحده الله المتصرف في ملكه وملكوته، ما يُعفىٰ عن ذلك صاحب حضارة ولا صاحب شطارة؛ (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) من فوق على رغم أنفك، يكونوا أفراد، يكونوا جماعات، يكونوا دول يكونوا شعوب هذا المصير، لأنّ مَلِك السماء والأرض ما ترك ملكُه لأحد، ما أعطى أحد هذه المهمة غيره، هو الملك فوقها، وهو الذي يُسيّرها -جَلَّ جلاله-.
فالله يثبتنا على شريعته ودينه، ويرزقنا الاستقامة، ويبارك لنا في ما أعطانا، وما أنعم به علينا، ويدفع عنا شر الكفار والفجار وأنظمتهم وآفاتهم كلها، ويجعلنا تبعًا لما جاء به عبده وحبيبه ونبيّه وصفيّه محمد ﷺ، ظاهرًا وباطنًا بسِرّ الفاتحة.
22 صفَر 1444