شرح الموطأ - 401 - كتاب الأقضِيَة: باب ما لا يجوز من العَطِيَّة، وباب القضاء في الهِبَة

شرح الموطأ - 401 - كتاب الأقْضِيَة: باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الأقْضِيَة، باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ، وباب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ.

فجر الأحد 9 محرم 1444هـ.

 باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ

2204 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَداً عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا، فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا.

2207 - قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى، فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ، فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُعْطِىَ عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا، وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا.

2205 - قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إِمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِذَا قَامَ عَلَيْهِ بِهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا.

2206 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً، ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَاهَا، فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ، عَرْضاً كَانَ أَوْ ذَهَباً أَوْ وَرِقاً أَوْ حَيَوَاناً، أُحْلِفَ الَّذِي أُعْطِيَ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ، فَإِنْ أَبَى الَّذِي أُعْطِيَ أَنْ يَحْلِفَ، حُلِّفَ الْمُعْطِي، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضاً أَدَّى إِلَى الْمُعْطَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ، إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلاَ شَيْءَ لَهُ .

2207 - قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى، فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ، فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُعْطِىَ عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا، وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا.

باب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ

2208 - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ، فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ، يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا .

2209 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، أَنَّ الْهِبَةَ إِذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ، بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته ودينه، وبيانهما على لسان عبده وحبيبه وأمينه سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعلى أهل متابعته ومحبَّته في ظاهر الأمر وبطونه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم والتابعين وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحمُ الراحمين. 

ويواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكر الأبواب المتعلقة بالهِبة والعطيَّة. وذكر في الباب السابق عطية الأولاد وما ينبغي للوالد إذا نحلَ أحد أولاده عطيةً أن يسوّي بين أولادهِ في العطية، وأن ذلك أقرب إلى البر وعلمنا أنه مستحب عند الأئمة الثلاثة، وهو واجبٌ عند الإمام أحمد -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وعلمنا أن المساواة معناها أن يكونوا سواءً، وأنه بعد ذلك قال قائلون -وهو الإمام أحمد -عليه رحمة الله-: أن معناه أن يجعلهم كأنصبائهم في الإرث (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ)[النساء :11].

 وهنا أراد أن يتكلم في هذا الباب: "باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ"، وفي نسخة: باب ما يجوز من العطية. أراد أن يتكلم عن القبض ومتى تثبت الهبة، وأنه لا تثبت إلا بعد قبض الموهوب لهُ الهبة التي وهبها الواهب،  يقول -عليه  رحمة الله-: "باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الْعَطِيَّةِ"، قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أَعْطَى أَحَداً عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا"، ما معنى لا يريد ثوابها؟ أي: لا يبتغي بها عِوضًا ومقابلاً من المال، بل يُخرجها للقرب من الله تعالى ونيل ثوابه ولا يريد مقابلها شيئًا، فهذا معنى قوله: "لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا"؛ لأن الهبة بثواب أي بمقابل هي عند الشافعية بيع وليس بهِبة. 

قال: "فِيمَنْ أَعْطَى أَحَداً عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا"؛ أي: لا يريد مقابلاً لها، "فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا" شاهدًا ولو واحدًا،"فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِلَّذِي أُعْطِيَهَا" له، أن يُطالبهُ بإنجاز تنفيذ هبتهِ وما وهبَ له بشهادة الشاهد. 

  • فلو أنكر أنه وهبَهُ فتقبل شهادة الشاهد مع يمين الموهوب له. 
  • إلا إن نكَلَ  الموهوب له عن اليمين،  فيرجع اليمين إلى الواهب، ويحلف أنه لم يهب.
  • فإن نَكَلَ أُخِذَ منهُ المال. 

فهذا حكم الهبة عند الإمام مالك - عليه رضوان الله تعالى- إذا أشهد الشاهد عليها ثبتت. ولكن قال الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي وهي رواية عند الإمام أحمد: أنه ما تثبُت الهبة إلا بالقبض، وما دام لم يقبض الموهوب له الهبة فلا تثبت حتى يقبضها فإذا قبضها ثبتَت، ولا يجوز له أن يرجع، إلا ما اختُلف في الأصولِ عن الأبِ والجدَّ، أن يرجع في عطيته لابنه أو ابن ابنه وما إلى ذلك، أما ما عدا ذلك؛ فإذا قبض الموهوب له الهبة فقد ثبتت ولا يجوز للواهب أن يرجع فيها. 

يقول الإمام مالك: "فَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ" تثبت عنده بالإشهاد، بخلاف إذا لم يكنْ شاهد، فليس للموهوب لهُ أن يطالب بإعطاء الهبة بدعواه حتى يكون معه شاهد. قال: "إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي" الذي وهب الهبة قبل أن يقبض الموهوب مات الواهب هذا، "قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا"، فإذا مات انقطعت الهبة أو بطلت الهبة لموت الواهب قبل أن يمسك الهبة الموهوب له. 

  • "إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ الْمُعْطِي"؛  يعني: الواهب.
  • "قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الَّذِي أُعْطِيَهَا"؛ يعني: الموهوب له.

وحينئذٍ تبطل الهدية بموت ذلك المُعطي، وعلى ذلك الأئمة إذا لم يقبض حتى مات الواهب صار الموهوب من جملة تركة الميت، لا حقّ لمن وُهِبَ له ما دام لم يقبضه، بل يرجعُ إلى تركة الميت ويُقسمُ في التركة، إلا أن يشاء الورثة أن يعطوه شيئًا في تبرّعهم.

 قال: "وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إِمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ". 

  • فالعطية  أو الهبة تثبت بالإشهاد عند الإمام مالك. 
  • وهي كما سمعت عند الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي لا تثبت إلا بالقبض. وهو كذلك في رواية مرجوحة عند الإمام أحمد بن حنبل - عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-

 لما تقدم معنا من قولِ سيدنا أبي بكر للسيدة عائشة: وإنما هو مال وارث، أنها لم تحوزه قبل، قال فلو كنت حُزْتيهِ، لكان لكِ وأما الآن ما دام ما قبضتيهِ فهو مال وارث، فدلّ على أنه لا تثبت الهبة إلا بعد قبض الموهوبِ له. وهذا قول الأئمة. 

والقول عند الحنابلة أنها تصح وتُملَك بالعقد، ولو قبل القبض، ولكن فرَّقوا -في معتمد المذهب عندهم- بين العين والمكيل والموزون، قالوا: 

  • أما المكيل والموزون فلا تثبت الهبة فيه إلا بعد القبض. 
  • وأما الأعيان فإنها تثبت فيها الهبة ولو لم يقبض الموهوب له، إذا وهبَهُ شيء من الأعيان غير المكيل والموزون؛ غير ما يُكالُ وما يوزن.

 إذًا؛ فالاختلاف فيما يُكالُ وما يوزن ليس إلا عند المالكية فإنها تثبت عندهم بالإشهاد. وأما ما لا يكالُ ولا يوزن من الأعيان فتثبت الهبة فيه بمجرد الإشهاد وبمجرد الهبة عند الحنابلة، وبمجرد الإشهاد عند المالكية ولو لم يقبض، وقال الحنفية والشافعية: لا بد من القبض وإلا لم تثبت الهبة. 

فعلمنا مذهب المالكية أن القبض ليس شرطًا عندهم في صحة الهبة بل هو شرطٌ في تمامها. حتى عند الإمام مالك إذا مات الموهوب له قبل أن يقبض ينتقل الحق إلى ورثته، فلهم أن يطالبوا الواهب بتسليم العطية ليُدخلوها في تركة ميتهم؛ لأنه وهبها. لكن قال غيره من الأئمة: ما دام لم يقبضها فليست ملكه ولا حق لورثته أن يطالبوه.

 فهذا الحكم إذا مات الموهوب له قبل القبول أو قبل القبض.. 

  • فيقول: الحنفية والشافعية والحنابلة إذا مات قبل القبول بطلت الهبة، ولم يكون لورثته حق القبول من بعده وكذلك القبض. 
  • وإذا مات بعد القبول وقبل القبض الهبة أيضًا تبطل عند الحنفية والحنابلة وجماعة من الشافعية، لأنها لا تلزم ولا ينتقل مُلْك فيها إلا بالقبض، والآن ما تأتّى القبض بموت الموهوب له.
  • والقول: الثاني عند الشافعية أنها لا تنفسخ بموت المُتَّهِبْ قبل القبض؛ لأنه عقد يؤول إلى اللزوم، ولم يبطل بالموت؛ فينتقل إلى الوارث؛ يقوم وارث المُتَّهِب مقامه في القبض.
  • وسمعت مذهب المالكية أن الموهوب له إذا مات ولم يكن يعلم بالهبة فإنها لا تبطل ويقوم ورثته مقامه في القبول أو الرد، قالوا: وإذا قد علم ولم يحصل منه رد فإنه يعتبر قد قبلها عندهم.

قال عليه رحمة الله: "وَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي إِمْسَاكَهَا" الهبة "بَعْدَ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِذَا قَامَ عَلَيْهِ بِهَا صَاحِبُهَا أَخَذَهَا"؛ أي: للموهوب له أن يأخذها بعد أن أشهد الواهب، ولا يجوز له الرجوع. قال غيره من الأئمة: ما دام لم يقبضها فله الرجوع؛ للواهب الرجوع. 

قال مالك: "وَمَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً، ثُمَّ نَكَلَ الَّذِي أَعْطَاهَا"؛ يعني: أنكر الواهب، "فَجَاءَ الَّذِي أُعْطِيَهَا بِشَاهِدٍ" ولو واحد، "يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ ذَلِكَ"، قال: قد وهب لي، قال: أنا لم وهبت لك شيء، قال: كيف قد وهبت لي هذا!.. فإذا جاء بشاهد ولو واحد يشهد له أنه أعطاه، فإن جاء بشاهدين انتهت المسألة أو بشاهد واحد فيمين الموهوب له فوق الشاهد تكفي.

"عَرْضاً كَانَ" ذلك الشيء "أَوْ ذَهَباً أَوْ وَرِقاً أَوْ حَيَوَاناً" لا فرق في ذلك عند الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- قال: "أُحْلِفَ الَّذِي أُعْطِيَ" الموهوب "مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ"، إذا حَلَف ثبتت له الهبة فيأخذها، "فَإِنْ أَبَى الَّذِي أُعْطِيَ أَنْ يَحْلِفَ"؛ قال: أنا ما أحلف هو أعطاني إياها وإذا الآن أنكر بكيفه أنا ما أحلف.. "حُلِّفَ الْمُعْطِي" أنه ما وهب، فإذا حلف خلاص تُرِكَتْ له، "وَإِنْ أَبَى"؛ الثاني؛ الواهب "أَبَى أَنْ يَحْلِفَ أَيْضاً"، قال: أنا لن أحلف، أنا ما أعطيته شيء ولن أحلف أني ما أعطيته! حينئذٍ يوخذ عليه ويعطى للموهوب له لنكولِهِ عن اليمين. قال: "أَدَّى إِلَى الْمُعْطَى مَا ادَّعَى عَلَيْهِ"؛ ما ادّعى على الواهب، لماذا؟ لأن نكولُه وعدم رضاه بالحلف بمقابل شاهد، وموجود شاهد واحد، فكأنهما شاهدين. 

قال: "إِذَا كَانَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فَلاَ شَيْءَ لَهُ." بمجرد دعواه، قال: أنا قد أعطانا  يا جماعة شوفوه، قال: أنا ما أعطيته أبدًا عندك شاهد؟ قال: لا، فخلاص ما لك شيء، لأنك مدَّعي، مجرد مدَّعي، أنت ادعيت أنه أعطاك وهو ينكر أنه أعطاك! 

قال مالك: "مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً لاَ يُرِيدُ ثَوَابَهَا"؛ يعني: عوضها في الدنيا، "ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطَى"؛ يعني: الموهوب له "فَوَرَثَتُهُ بِمَنْزِلَتِهِ" يطلبونها ويأخذونها منه. "وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي"؛ الذي أعطى "قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطَى عَطِيَّتَهُ، فَلاَ شَيْءَ لَهُ"، لا شيء للموهوب له، "وَذَلِكَ أَنَّهُ أُعْطِىَ عَطَاءً لَمْ يَقْبِضْهُ" قبل موت الواهب، فمات الواهب، ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُعْطِي أَنْ يُمْسِكَهَا، وَ" والحال أنه "قَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا حِينَ أَعْطَاهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِذَا قَامَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا". فعنده تثبت، تثبت بماذا؟ تثبت بالإشهاد. 

  • وهكذا يقول الحنابلة: المكيل والموزون لا تلزم فيه الصدقة و الهبة إلا بالقبض، وعليه أكثر الفقهاء ومنهم أبو حنيفة والشافعي. 
  • ويقول الإمام مالك: بمجرد العقد والإشهاد تثبت. 

 

باب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ

 

قال: "باب الْقَضَاءِ فِي الْهِبَةِ"، "حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا"؛ يعني: يقصد بها القربة، "وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ"؛ يعني: العِوَض في الدنيا "فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ"؛ يعني: قاضٍ عليها، يَرْجِعُ فِيهَا" إن شاء "إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا."؛ إذا لم يرضَ الجزاء؛ ما أُعطي مقابلها، أعطى من أجل أن يحصّل مقابل ما حصّل مقابل، فله حق الرجوع في ذلك ما لم يقبض الموهوب له؛ لأن الهبة بثواب بيعٌ وليست بهبة؛ يعني هبة بمقابل.

 ومن ذلك ما ذكر الفقهاء مما يُعتاد بين الناس، فإذا كان يعتاد بين الناس، في أي قُطر في أي مكان أنه يعطي كذا فيُعطى مقابله، فيصير ما أعطى مثل الدَّيْن هذا.. هذه هبة بثواب. مثل ما يُهدى لبعض الأغنياء أو لبعض الملوك، وإنما يهدون لهم إلا من أجل يحصلون منهم مقابل فتلزمهم مكافأتهم بذلك؛ لأن القرينة تدل على أن ما أعطاه إلا يريد مقابل، ما أعطاه لله تعالى، إنما أعطاه لينال مَالاً، وليس لله تعالى.. فحينئذ يلزمه إما أن يردّ له هديته وإما أن يكافئهُ عليها، وأما إذا دلّت القرائن أنه يريد وجه الله، فهذا عطيّة صحيحة وهدية ثابتة يُرجى ثوابها عند الله. 

قال: إذا وهب هِبة على وجه المعاوضة، فإذا لم يرضَ كان له ارتجاعها كالسلعة؛ مثل السلعة يعرضها للبيع، إذا لم يرضَ منها لم يلزمه إخراجها. 

قال مالك: "الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الْهِبَةَ إِذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ"، إذا كانت الهبة للثواب بزيادة أو نقصان فيها، "فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهَا"؛ يعني: الواهب قيمتها يوم قبضها. 

  • فالهبة للثواب غير لازمة للموهوب له، وإن قبضها ما لم تتغير عنده بزيادة أو نقصان في عينها.
  • فإن حدث فيها شيء من زيادة أو نقصان فليس له ردّها إلى الواهب، ويلزمه قيمتها -كما هو المشهور عند الإمام مالك- في يوم قبضها كم كانت قيمتها.

 ثم يتكلم على الاعتصار في الصدقة.

رزقنا الله الإخلاص لوجهه، والصدق معه والأدب معه، والإنابة إليه والتوفيق لمرضاته بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

24 مُحرَّم 1444

تاريخ النشر الميلادي

22 أغسطس 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام