(535)
(364)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الأقْضِيَة، باب الْقَضَاءِ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ.
فجر الإثنين 19 ذي الحجة 1443هـ.
باب الْقَضَاءِ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ
2168 - قَالَ يَحْيَى: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: "احْتَجِبِى مِنْهُ". لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ: فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
2169 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أُمَيَّةَ، أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ حِينَ حَلَّتْ، فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَداً تَامًّا، فَجَاءَ زَوْجُهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ، فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ، فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ الدِّمَاءُ، فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا الَّذِي نَكَحَهَا، وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبِرَ. فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا إِلاَّ خَيْرٌ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالأَوَّلِ.
2170 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلاَدَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، فَأَتَى رَجُلاَنِ كِلاَهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ، فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفاً، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ: كَانَ هَذَا لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ يَأْتِينِي -وَهِيَ فِي إِبِلٍ لأَهْلِهَا- فَلاَ يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ أَنَّهُ قَدِ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهَا، فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا هَذَا - تَعْنِى الآخَرَ - فَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ. قَالَ : فَكَبَّرَ الْقَائِفُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلاَمِ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ.
2171 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ رَجُلاً بِنَفْسِهَا، وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَداً، فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ.
2172 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: وَالْقِيمَةُ أَعْدَلُ فِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان خير بريته، سيدنا محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فقد جاءت الشرائع من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا ﷺ بحفظ الأنساب والعناية لها، وحماية الأعراض، وبذلك مَضَت شرائع الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ولم يُحِل الله في شريعة قط زنا ولا لواط على ممر قرون وأمم الأنبياء، من عهد آدم إلى نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ويتكلم الإمام مالك في هذا الباب عن القضاء بإلحاق الولد بأبيه، وأنه من كانت فراشًا لزوجٍ أو لسيد لها يطؤها، فالولد لاحق بذلك الزوج، وبذلك السيد، وليس للزاني نسبٌ، ولكن له الحَجَر، وذلك يعني أن يُرمى، فإن كان محْصَنًا رُمي حتى يموت، وإلا جُلد مائةً، وعُزّر.
قال: "باب الْقَضَاءِ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ"، وأورد "عن سيدتنا عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أبِي وَقَّاصٍ" أخو سيدنا سعد بن أبي وقاص، "كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أبِي وَقَّاصٍ"، هذا قد مات على الشرك -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وقيل أنه أسلم. "عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ"، أحد العشرة المبشرين بالجنة، "أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ." عهد إليه وأوصى إليه أن ابن وليدة زمعة -وليد زمعة- يعني الأمة التي له، وقصده على ما كان عندهم في الجاهلية، فإنهم يستلحقون الأبناء بالزنا -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ويقول إن هذا الولد "مِنِّي"؛ ابني؛ "فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ."؛ يعني: استلحق نسبه منّي. فكانوا أهل الجاهلية على تلك المسالك المنحرفة العوجاء.
"قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ"؛ أي: بمكة المكرمة ودخول الرسول ﷺ إليها، "أَخَذَهُ سَعْدٌ"؛ أخذ الولد سعد بن أبي وقاص "وَقَالَ:"؛ يعني: هذا الولد "ابْنُ أَخِي"؛ يعني: عتبة، حتى جاء في رواية البخاري لما رأى سعد الغلام عام الفتح عرفه بالشبه فاحتضنه إليه؛ لأنه يشبه في الخِلقة أخاه، وقال إنه ابن أخي، "قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ."؛ يعني: أوصى إليّ فيه؛ أي: في هذا الولد أن أمسكه عندي.
"فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ"؛ عبد بن زمعة بن قيس العامري وهو أسلم عام الفتح، أخو سيدتنا سودة أم المؤمنين سودة بنت زمعة، "فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ:" هذا الولد هو "أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أبِي"؛ وليدة زمعة هذا الذي يقال له إنه ولدها مني وهي كانت تحت زمعة، فقال: إن هذا "أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أبِي"؛ يعني: الجارية حق أبي، "وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ"، فهكذا قال عبد بن زمعة أخو سيدتنا سودة بنت زمعة بل هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته.
"فَتَسَاوَقَا"؛ أي: ساق كل منهما صاحبه "إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" يتدافعان إليه بعد تخاصمهما وتنازعهما ليقضي ويحكم رسول الله ﷺ. فأدلى سعد بحجته وقال ابن أخي قد كان عهد إليّ فيه، وقال ابن زمعة ابن وليدة أبي ولد على فراشه فادّعاه أخًا ولم يدّعي بينة على استلحاق أبيه. فلما استوعب النبي ﷺ حجة كل واحد منهما حكم بينهما بالحق؛ "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ"؛ يعني: أخ لك، ابن أمة أبيه، هو لك يا عبد بن زمعة، "ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ"؛ لبيان أصل الحكم في القضية والمسألة: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ"؛ أي: منسوبًا بحكم الشريعة إلى من كان زوجًا أو كان سيّدًا لأمَة يطؤها؛ "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" وهكذا عليه جماهير أهل العلم.
"الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ".
"ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ -رضي الله عنها-: احْتَجِبِى مِنْهُ"؛ احتياطًا؛ لأنه ثبت أنه صار أخوها الآن؛ أخو عبد بن زمعة وأخو سودة بنت زمعة؛ لأن أبوها زمعة كان عنده الوليدة جاءت هذه الوليدة الجارية بهذا الولد، ولكن "لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ"، احتاط؛
"قَالَتْ: فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ."، وهكذا كما جاء الحديث في الصحيحين أيضًا عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ففيه:
وخصوصاً للبيوت المشرّفة والطاهرة، فلا ينبغي أن يتساهلوا بمثل ذلك، فنهاها أن تدخل عليه، ونهاها أن يدخل عليها، فما رآها حتى لقي الله -سبحانه وتعالى- لِما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص.
ثم ذكر الحديث الثاني أيضًا: "أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا"؛ يعني: توفي، مات عنها زوجها، "فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً"؛ عدة الوفاة "ثُمَّ تَزَوَّجَتْ" برجل آخر "حِينَ حَلَّتْ" من عدة زوجها الأول، "فَمَكَثَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَداً تَامًّا" كاملًا! كيف يجيء ولد في أربعة أشهر ونصف شهر؟! "فَجَاءَ زَوْجُهَا" الثاني "إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ" الواقعة التي حلّت عنده.
وهذا أربعة أشهر، وأقل مدة الحمل ستة أشهر كما أجمع عليه الصحابة وعليه الأئمة الأربعة، بعد أن قضى بذلك سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه-.
وذلك أنه أيضًا في عهد سيدنا عمر تزوجت امرأة، وبعد ستة أشهر ولدت بغلام، فتراجع الصحابة وهمّوا أن يقيموا عليها الحد، ثم سألوا السيدة عائشة قالت: لا، هو ولده! قالوا: كيف ذلك؟ ولدت في ستة أشهر! قالت: إن الله تعالى يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ)[الأحقاف:15]؛ أن الحمل والفصال ثلاثون شهر، ثم ذكر في الآية الأخرى قال: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)[لقمان:14]، والعامان أربعة وعشرون شهرًا.
إذًا؛ الفصال لعامين أربعة وعشرين شهراً، والحمل باقي؛ فالباقي للحمل (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ) كم باقي من الثلاثين؟ ستة، إذًا؛ فالستة هي مدة الحمل، فأقل الحمل ستة أشهر. فعجبوا من استنباط الآية وأجمعوا على ذلك. قال: إذا كان ستة أشهر فأكثر، فلا إشكال في ذلك، فأقل الحمل ستة أشهر.
قال الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد: من بعد إمكان دخوله عليها -المرأة-. وقال الإمام أبو حنيفة: "من حين العقد بها؛ إذا قد عقد بها فتحسب الستة الأشهر.
"فَدَعَا عُمَرُ نِسْوَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ قُدَمَاءَ"؛ يعني: من القديمات، نساء مسنّات، عهِدنَ من الولادات، تكرر عليهن مسائل. "فَسَأَلَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ"؛ أنه قد يحصل أحيانًا أن المرأة تحمل، ويغيب عنها الحمل، ولا تشعر به، وتمر مدة، ثم يتجدّد حركة الجنين، ويخرج على وقته، أن هذا قد يحصل.
قالت له: "أَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ" حال "هَذِهِ الْمَرْأَةِ، هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا" الأول مات "حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ، فَأُهْرِيقَتْ"؛ أي: صُبت بكثرة عليه -أي على الحمل- "الدِّمَاءُ"، معناه: ضعُف ورقَّ فانحشَّ، "فَحَشَّ" أو انحشَّ؛ يعني: بقي منكمشاً، ما يظهر له الأثر، "فَحَشَّ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، فَلَمَّا أَصَابَهَا زَوْجُهَا" الثاني؛ نكحها "وَأَصَابَ الْوَلَدَ الْمَاءُ تَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا وَكَبِرَ، فَصَدَّقَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا،" بين الزوجين؛ لأنه تزوجها وهي في العِدة، لأن الحامل ما تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل. فهذه اعتدت أربعة أشهر وعشر، و لا زال الحمل فيها، "وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا"؛ يعني: أبطل هذا العقد والنكاح، وألحق الولد بالزوج الأول؛ لأن المدة ما تسع أربعة أشهر، ليست ستة أشهر.
"وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْكُمَا"؛ يعني: الزوجين "إِلاَّ خَيْرٌ"؛ يعني: إظهار لقبول لعذرهما، وأنه لا يظن بينهما إلا الخير الذي بلغه عنهما. يعني: أنه لو علم غير ذلك من تعدٍّ بجهل أو علم، لما سلما من العقوبة، لكن رأى أن ما في صفحتهم شيء من الشك بهم، فتركهم، "وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالأَوَّلِ." إنما أبطل هذا العقد لأنه تبيّن أنه كان عقد في أيام عِدة.
كذلك جاء بالحديث الثالث: "عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلاَدَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الإِسْلاَمِ"؛ أي: يلحقهم بهم، يعني: إذا لم يكن هناك فراش، فأكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك، أما إن كان هناك فراش من زوج، أو من مالك لها وهي مملوكة، فالولد للفراش.
قال: "فَأَتَى رَجُلاَنِ كِلاَهُمَا يَدَّعِي وَلَدَ امْرَأَةٍ"، من أيام الجاهلية قال هذا "فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَائِفاً"، ليتبع الآثار في الآباء والأبناء؛ يعني: يقفو الأثر؛ لهم فراسة ويعرفون يلحقون هذا بهذا. "فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا"؛ يعني: إلى الوالد والولد، نظر إليهما وإلى الولد. "فَقَالَ الْقَائِفُ: لَقَدِ اشْتَرَكَا" أي: المدّعيان "فِيهِ"؛ أي: في الوليد؛ يريد أنه من واطئين لكل واحد منهما فيه نصيب وتأثير، كأنه رأى شبه كل واحد منهما. "فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ" هذا القائف "بِالدِّرَّةِ"، وقال كيف تقول الاثنين ما يتأتى هذا إلا لواحد.
"ثُمَّ دَعَا الْمَرْأَةَ فَقَالَ: أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ"، فهو يجتهد في طلب الحق، "فَقَالَتْ" له "كَانَ هَذَا" تشير إلى أحد الرجلين "يَأْتِينِي -وَهِيَ"؛ يعني: المرأة، "فِي إِبِلٍ لأَهْلِهَا- فَلاَ يُفَارِقُهَا حَتَّى يَظُنَّ وَتَظُنَّ" أنها حبلت منه؛ يعني: "أَنَّهُ قَدِ اسْتَمَرَّ بِهَا حَبَلٌ ثُمَّ انْصَرَفَ" الرجل "عَنْهَا".
"فَأُهْرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاءٌ"؛ أي: على الحمل، يعني كما تقدم وانكمش، "ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا"؛ يعني: المرأة "هَذَا تَعْنِى" الرجل "الآخَرَ فَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ؟"؛ يعني: أشكل عليها أيضًا الأمر، كأنها لم ترَ الدم مدة حيضة كاملة يقع بها الاستبراء. "قَالَ: فَكَبَّرَ الْقَائِفُ" سرورًا بظهور صحة قيافته "فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلاَمِ: وَالِ أَيَّهُمَا"؛ من الرجلين "شِئْتَ" امشِ وراء هذا، أو وراء هذا، من تحس أنه أبوك اذهب معه.
وهكذا جاء عن بعض الأئمة يقول أنه يقال للقافة: ألحقوا بأصحّهما به شبهًا. ورأى سيدنا عمر أن يستدل بميل فطرة وقلب الصبي، فإنه سيميل إلى أبيه، قال أيهما وقع قلبك عليه اذهب معه
والحنابلة يقولون: إذا ألحقه القافة باثنين، وقع للاثنين، وحتى إرثه وإرثهما منه كذلك بالإنصاف عند الحنابلة.
قال "أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى أَحَدُهُمَا فِي امْرَأَةٍ غَرَّتْ رَجُلاً بِنَفْسِهَا، وَذَكَرَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَداً، فَقَضَى أَنْ يَفْدِيَ وَلَدَهُ بِمِثْلِهِمْ."، كيف ذلك؟ رُوي عن سيدنا عمر وعن سيدنا عثمان، ولكن هذا المغرّر به الذي اعتقد أنها حرة :
قال مالك: "وَالْقِيمَةُ"؛ أي: وجوب القيمة، "فِي هَذَا" الذي ذكر من صورة المسألة "أَعْدَلُ"؛ يعني: أقرب إلى العدل من وجوب المثل "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" تبارك وتعالى.
فقال أهل مذهب مالك اعتمدوا على هذا؛ أنه يكون فيه القيمة؛ تُغرّم قيمتهم. فهذا ما يتعلق بالاستلحاق، ثم أتبعه بحكم الإرث في الولد المستلحق يرث أم لا، بيانًا لتكميل حكم المسألة.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ورزقنا الاقتداء بنبي الهدى فيما خفي وفيما بدا، وصان ديارنا ومنازلنا وأعراضنا وأدياننا من جميع الشرور والآفات، وكل محذور، وأصلح الأمور للأمة المحمدية في البطون والظهور، وأقام لنا الشريعة على وجوهها القويمة القوية الرفيعة، وأعاذنا من كل سوء أحاط به علمه في الدارين بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
27 ذو الحِجّة 1443