شرح الموطأ - 385 - كتاب الأقضِيَة: تتمة باب القَضَاء باليَمِين مع الشَّاهِد

شرح الموطأ - 385 - باب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، من قول الإمام مالك: (وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الأقْضِيَة، تتمة شرح باب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.

فجر الإثنين 28 ذو القعدة 1443هـ.

تتمة باب الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

2130- قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنِ الْمُفْتَرِي، بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لاَ تَجُوزُ فِي الْفِرْيَةِ.

2131- قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضاً مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ: أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ، وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلاَ يَمِينٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ الْعِظَامِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالرِّبَاعِ وَالْحَوَائِطِ وَالرَّقِيقِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَمْوَالِ، وَلَوْ شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئاً، وَلَمْ تَجُزْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا شَاهِدٌ أَوْ يَمِينٌ.

2132- قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لاَ تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة:282] يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ.

قَالَ مَالِكٌ: فَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً، أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ، إِنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ. وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا، أَوْ فِي أَىِّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ، وَلَكِنِ الْمَرْءُ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ، فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان حبيبه وصفوته خير بريّته، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وعِترته وعلى أهل ولائه ومحبته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين خيرة الله تبارك وتعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المُقرّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين. 

وهذه مسائل فرّعها الإمام مالك -عليه رضوان الله- فيما يتعلق بالشهادة، وأن الشَّهادة قد لا تُقبل في الأمر أصالةً ويأتي ضمن التبعية، فمنه: 

  • شهادة الرجل مع الامرأتين إنما يأتي في الأموال، ولا يأتي في الحدود، ولا فيما تقدَّم الكلام فيه من العتق ومن الطّلاق وغير ذلك. 

وقال: ولكن قد يكون الشَّهادة مقبولة في مسألة مما يتعلق بالمال، ثم يترتب على قبول هذه الشَّهادة مسألة أخرى تتعلق بغير المال، فيكون الثبوت بالتبعية ثابت، غير الثبوت بالأصالة، ولا يثبت بالأصالة فيه شهادة النِّساء من ذلك، مما قال -رضي الله عنه-: "الرَّجُلُ يَفْتَرِي عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ"؛ يعني: ينسبه إلى الزنا أو اللواط -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ فهذا هو القذف الذي يجب فيه الحد، فإن إن كان المقذوف مملوكًا يسقط الحد. قال: فيثبت الآن الحد بواسطة هذا القذف؛ "فَيَقَعُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ" هذا، والذي رُمي ليس بحُرٍّ وهو مملوك؛ فتُقبل شهادتهم من حيث كونه مال؛ من حيث كونه مال، يرجع إلى مالكه، فإذا ثبت ذلك سقط الحد. فهل قبلت شهادة الرّجل والمرأتين في الحد؟ لا، لكن قبلت في المال ولمَّا قُبلَت في المال اقتضى ذلك أن الحد يسقط عن ذلك لأنه ثبت أن هذا المقذوف وهذا المرمي ليس بحُرّ، فلا يلزم الحد على قاذفه ولكن الإثم ثابت عليه، ما يسقط الإثم بينه وبين الله -تبارك وتعالى- إنما في مسألة سقوط الحد في الدّنيا. 

قال: "فَيَأْتِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَيَشْهَدُونَ أَنَّ الَّذِي افْتُرِيَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، فَيَضَعُ ذَلِكَ الْحَدَّ عَنِ الْمُفْتَرِي، بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ لاَ تَجُوزُ" في القذف "فِي الْفِرْيَةِ"، ولا في دفع الحد، ولكن لما كان ذلك تبعًا لما فيهما لأن شهادة الرجل والمرأتين جاءت في القرآن فيما فيه مال، كما جاء في الأصل وجود الشَّهيدين كما سيأتي معنا.

بعد ذلك تقدَّم معنا: 

  • من المسائل ما لا يُقبل فيه إلا شهادة أربعة. 
  • وثم بعد ذلك شهادة الرّجل والمرأتين ثلاثة.

 وكذلك عند الحنابلة يأتي فيه شهادة الثلاثة فيمَن عُرِف بغنى ثم ادّعى الفقر ليأخذ من الزّكاة. قال الحنابلة: لا بُد من ثلاثة من جماعته وقرابته مَن يعرفون ويشهدون بأنه وقع في الفقر، وأنه ذهب عليه ماله وأنه صار يستحق الزّكاة، استدلّ بالحدي؛ حتى يشهد له ثلاثة من ذويه أنه أصابته فاقة. فصار عنده في هذه المسألة الشَّهادة ثلاثة، يأتي ثلاثة رجال. 

  • وعامة الشَّهادة بالعدلين كما هو معلوم. 
  • كما أن من الفقهاء من جعل شهادة الهلال في دخول رمضان بواحد، بعَدْلٍ واحد على خلاف في ذلك بين الأئمة، ومنهم من قال: تُقبل شهادته في دخول رمضان العدل الواحد لا في غيره من الأشهر احتياطًا للصوم. 

يقول: "قَالَ مَالِكٌ: وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ"؛ يعني: يشبه الفروع المذكورة أن الثبوت أصالة غير الثبوت تبعًا، أيضًا "مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ. مِمَّا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْقَضَاءُ"، أن يصح فيه القضاء المذكور "وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّة"؛ من أن شهادة النِّساء لا تعتبر في غير الأموال "أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ"، كيف على استهلاله؟ يعني: صياحه وبكاؤه بعد خروجه من بطن أمه، يعني؛ أنه حي أنه خرج حيًّا ثم مات؛ فله حق في الإرث. فإذا جاء وقت الإرث، يقولون: هذا خرج ميّت، ما له حق في الإرث.. فالنساء في هذا لأنهن يُقبل شهادتهن فيما يطّلع عليه النِّساء في الغالب وحدهنّ دون الرّجال من مثل الولادة ونحوها، ولكن الاستهلال أيضًا مربوط بالولادة. 

وقال أبو حنيفة: الاستهلال يسمعه الرّجال، فإذا ادّعين أنه استهل… 

ولكن قال غيره من الأئمة: أن الغالب الرّجال ما يحضرون الولادة، وإنما تكون القابلات. 

وإن مما استحدث الآن أنهم يخلّون الرجال يتخصصون في توليد النِّساء، ما كان يُعرف هذا في تاريخ بني آدم! ما يُعرف هذا! تولّد المرأة امرأة، جاء بعضهم عند بعض العلماء قال له: أنا أدرس وبتخصص، تتخصص في ماذا؟ قال: توليد قال: ضحك دع زوجتك تتخصص في هذا! ولكن جاءت هذه فتن الاغترارات بالأطروحات التي تُطرح من هنا ومن هناك، وأرادت كسر حواجز القيم والشيم، والفضائل والمكارم، والحياء والحشمة، أرادت تكسير ذلك وقبِلها مَن قبِلها من خلق الله تعالى ولكلٍّ ما هو أليق به، لهذا جعلوا الفقهاء اتفقوا أنه في مثل الولادة إنما تُقبل شهادة النِّساء منفردات من دون رجل، من دون رجل لأنهن أعرف بذلك، وكذلك شؤون تتعلق أيضًا خاصة بالنساء في داخلياتهن مثل بكارة وغيرها يُقبل فيها شهادة النِّساء.

"قَالَ: وَمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ: أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ"، فهناك مواطن في الشَّريعة يُستقل فيها بشهادة النِّساء، منها: 

  • الولادة. 
  • والاستهلال. 
  • والرضاع. 
  • والعيوب تحت الثياب وهكذا.

وخالف كما أشرنا أبو حنيفة في مسألة الاستهلال وخالف الرضاع كذلك، قال: فإن الرضاع إن محارمها يرون؛ لأن المحارم من الرّجال يرون الرّضاع ويشهدون بذلك، فما تُقبل فيه شهادة النِّساء الخلّص لا بُد من شهادة الرّجال. 

ولكن قال غيره من الأئمة: لا هذا أمر يختص بالنساء والغالب فيقبل فيه شهادة النِّساء منفردات، فيثبت الرضاع في شهادة النِّساء وإن لم يكن معهن رجل وهكذا. 

  • وجاء في رواية عن الإمام أحمد، أنه لا بُد من اثنتين مقابل الرّجل الواحد. 
  • وهكذا جاء عن الإمام الشَّافعي: أنه إذا انفردن النِّساء، فشهادة الامرأتين كشهادة رجل فنحتاج إلى أربع نساء يشهدن بذلك، فيكون الحكم دائر على ذلك. 

قال: "فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ"؛ الصبي لأنه استهل؛ يعني: خرج حيًا. "فَيَجِبُ بِذَلِكَ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَرِثَ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ" ما يختصّ به من المال في الإرث يرجع إلى وارثه من أب وأم. "إِنْ مَاتَ الصَّبِيُّ، وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلاَ يَمِينٌ"؛ أي: يجب بذلك في استهلاله ميراثه، كونه وارثًا حتى يرث الصبي بشهادة المرأتين ويكون ماله؛ أي: مال الصبي لمَن يرثه إن مات الصبي. "وَلَيْسَ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شَهِدَتَا رَجُلٌ وَلاَ يَمِينٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ"؛ يعني: تبع، شهادتهما منجرًا إلى الميراث "فِي الأَمْوَالِ الْعِظَامِ"؛ أي: الكثير "مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ"، والورق هو الفضة، "وَالرِّبَاعِ"؛ معنى الرباع المنازل، "وَالْحَوَائِطِ"؛ يعني: البساتين، "وَالرَّقِيقِ"؛ يعني: المملوك "وَمَا سِوَى ذَلِكَ"؛ أي: غير ما ذُكر "مِنَ الأَمْوَالِ" مثل الدواب والأمتعة. 

"وَلَوْ شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئاً"، لم تثبت شهادتهما شيئًا. لكن لمَّا شهدن بالولادة يمكن ورث ليس فقط درهم أو درهمين، يمكن ورث بيوت، ثبت ذلك بالتبعية لا بالأصالة، ما قُبلت شهادة المرأة مستقلة في المال ولكن في الولادة والاستهلال قُبلت شهادتها، وإن ترتب على ذلك أموال كثيرة، مع أنه لو في البداية جاءت حتى بدرهم واحد تشهد نساء مستقلات، ما يقبل شهادتهن.

  • لا تقبل هكذا شهادة امرأتين ويمين المدعي عند الإمام أحمد ابن حنبل، وكذلك يقول الإمام الشَّافعي. 
  • لكن الإمام مالك عندنا ذكر في هذه المسألة، قال: ولو "شَهِدَتِ امْرَأَتَانِ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ تَقْطَعْ شَهَادَتُهُمَا شَيْئاً، وَلَمْ تَجُزْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا"؛ يعني مع الامرأتين إلا أن يكون معهما؛ يعني: مع الامرأتين  "شَاهِدٌ" رجل "أَوْ يَمِينٌ" المدعي. 
  • ولكن يقول الحنفية، وكل الحنابلة والشَّافعية: لا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي، إنما شهادة رجل ويمين نعم.
  • أما الحنفية، فما يقولون بالشاهد واليمين أصلًا، ما تقبل عندهم شهادة الشَّاهد واليمين. 
  • وقال الجمهور: تقبل إذا كان شاهد واحد ويمين. 

لا يوجد شاهد واحد لكن امرأتين يحلفوا يمين. 

  • قال الحنابلة والشَّافعية: لا. 
  • قال الإمام مالك: الامرأتين مقابل شاهد العَدْل، والآن اليمين فوقه مثل الشَّاهد واليمين.

"قَالَ مَالِكٌ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لاَ تَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ." وهم الحنفية ومَن وافقهم، "وَيَحْتَجُّ" هذا المنكِر، ومنه الإمام البخاري يميل إلى هذا فيما يظهر من كلامه في الصحيح. "وَيَحْتَجُّ" بالآية "بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: (وَاسْتَشْهِدُوا" أي: أشهِدوا "شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة:282]". فإذا كان قبل الشاهد واليمين، لماذا يقول رجل وامرأتان؟ خلاص يكفي شاهد واحد ويمين، لكن ما ذكرت الآية، الآية قالت: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ). يقول: "فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ"؛ يثبت به الدعوى "وَلاَ يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ"؛ لظاهر الآية التي تدل على أنه إن عَدِم الرجلان فلا يجزئ إلا رجل وامرأتان، ما يكون رجل وشاهد. ولكن قال الجمهور: إن ذلك ثبت بالسُّنّة، ثبت بالسُّنّة وقضى به ﷺ ومن بعده من الخلفاء، وللحنفية استدلالات أخر. 

وروايات أنه إنما قضى بذلك معاوية، وفي رواية قضى بذلك عبد الملك ولم يكن يُقضى به ولكن هذا ما بلغهم. وغيرهم بلغه أنه كان القضاء بذلك من عهد الخلفاء الراشدين وعلى يده صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم. وخصّصوا بعضهم ما ورد عنه ﷺ أنما ذلك كان بشهادة خُزيمة، وخُزيمة شهادته بشهادة رجلين، خصوصية له. 

"يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يُحَلَّفُ مَعَ شَاهِدِهِ".

"قَالَ مَالِكٌ: فَمِنَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً"، وليس عند المُدعي شهادة "أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ"؛ يعني: المدعى عليه "مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ؟" أليس الحق الذي ادعى به، المدّعي عليه "فَإِنْ حَلَفَ" المدّعى عليه "بَطَلَ ذَلِكَ"؛ أي: سقط دعوى المدعي "عَنْهُ"، هذا بالإجماع، نعم مجمعين على ذلك؛ إذا كان ادّعى على عمرو مالًا له عليه، فأنكر ذاك، قال له: هل معك بينة؟ قال: لا، فحلف من؟ فحلف المُنكِر؛ سقط.. هذا باتفاق هذا متفقين عليه، ما أحد يختلف فيه.

ثم ذكر المسألة الثانية عند من يقول بها: "وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ" ما رضي يحلف المدّعى عليه عن نفي الحق الذي عليه، "حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ"؛ يعني: المدعي، وهذا أيضًا عند الجمهور. ولكن الحنفية وغيرهم ما يرجع إليه، ما يرجع اليمين الناكل، اليمين النكول، هذا ما يرجع عندهم على المدعي، المدعي ما عليه إلا البينة فقط. 

قال: "حُلِّفَ صَاحِبُ الْحَقِّ"؛ يعني: المدعي "إِنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ. وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَهَذَا مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ"، المسألة الأولى لا الثانية "وَلاَ بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ"؛ يعني: المسألة الأولى التي لا اختلاف فيها وهي ماذا؟ اليمين، اليمين على المنكر. 

  • فاليمين على المنكِر دفعت عنه تسليم مال كثير فهي قُبلت، فإذًا؛ فقبلت اليمين في المال.
  • لكن الذين قالوا أنها لا تقبل اليمين مع شاهد إن ذلك مخصّص بالمدّعى عليه لتخصيص السُّنّة، بقوله: "واليمين على من أنكر". 
  • لكن قال الإمام مالك: ما دام قُبلت يمين من أنكر، فدفعت عنه المال، فإذًا اليمين تقبل في المال. فالشاهد واليمين يُقبل كذلك بالنسبة للمدّعي، كما أن اليمين فقط قبلت من المدّعى عليه إذا لم يثبت المدّعي بينة؛ إذًا؛ فلليمين مكانة اعتبرت فيها حكم فيما يتعلق بالمال، فلم تمنعونها مع الشاهد واليمين؟ إذا نكل المدّعى عليه ولم يحلف اليمين فترجع على ذاك. 

قال: "فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا"؛ أي: من الآية المذكورة التي يحتج بها، مَن ادّعى من إنكار الشَّاهد واليمين، وأجابوهم باستدلالاتهم منها، قالوا له: أن الأسعد بن قيس يقول: كان بيني وبين رجل خصومة فاختصمنا إلى النَّبي ﷺ فقال: "شاهداك أو يمينه". قال: فأثبتنا بالسُّنّة التي وردت. 

وجاء في رواية: ليس لك إلا ذلك. فاستدلوا بهذا الحصر دليل على رد اليمين والشاهد. وردوا أيضًا على هذا فقالوا لهم: إن معنى قوله شاهداك؛ يعني: بيّنتك سواءً كانت: 

  • رجلين 
  • أو رجل وامرأتين 
  • أو رجل ويمين 

كله شاهد. فهل تردّوني إذا جاء برجل وامرأتين؟ يقولوا: لا، قالوا: أين شاهداك إذًا؟ صاروا الآن ثلاثة ما هم شاهداك إذًا فالمراد بشاهديك البيّنة، والبيّنة سواءً رجلين أو رجل وامرأتين أو شاهد ويمين وهكذا.

قال: "أَوْ فِي أَىِّ مَوْضِعٍ" من المواضع الأخر "مِنْ كِتَابِ اللَّهِ" تعالى "وَجَدَهُ؟" المُحتج. يقول الإمام مالك: حتى يقيم الحُجة على صحة قبول الشاهد واليمين. "فَإِنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقْرِرْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ"، أيضًا "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ لَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ"؛ من أن رسول الله قضى باليمين والشاهد ويكفيه هذا. "وَلَكِنِ الْمَرْءُ قَدْ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَ وَجْهَ الصَّوَابِ"؛  أي: من الأحكام ويعرف "وَمَوْقِعَ الْحُجَّةِ"، من القرآن والحديث معًا، ولا يُترك الحديث قائلًا بأنه لم يجد هذا الحكم في القرآن، فكم من أحكام لا توجد في القرآن المجيد ولكن ثبتت في الأحاديث الصحيحة. 

"فَفِي هَذَا بَيَانُ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى". يقول الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وزاد قوله: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" للتبرك. إلا أن القائلين الآخرين يقولون: ونحن أيضًا نحتج بالسُّنّة، وأوردوا في ذلك روايات، فإذًا؛ المسألة اجتهادية والجمهور على قبول الشَّاهد واليمين. 

أصلح الله أحوالنا والمسلمين، ورقّانا وإياهم أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ووفقنا إلى ما يحب وجعلنا فيمَن يحب، ودفع عنّا الآفات والأسواء، وأصلح السِّر والنجوى، وغمرنا بفائضات جوده وأسعدنا بأعلى السَّعادة، وأصلح لنا الغيب والشَّهادة، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية، بِسِرّ الفاتحة، وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

03 ذو الحِجّة 1443

تاريخ النشر الميلادي

02 يوليو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام