شرح الموطأ - 382 - كتاب الأقْضِيَة: باب ما جاء في الشَّهَادَات

شرح الموطأ - 382 - كتاب الأقْضِيَة: باب مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الأقْضِيَة، باب مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ.

فجر الأربعاء 23 ذو القعدة 1443هـ.

 باب مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ

2115- حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أبِي عَمْرَةَ الأَنْصَاري، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا. أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا".

2116 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتُكَ لأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلاَ ذَنَبٌ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: شَهَادَاتُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَقَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لاَ يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ.

2117 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلاَ ظَنِينٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغرّاء، وبيانها على لسان عبده المصطفى خيرِ الورى، سيدِنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى أصحابه الكُبَراء، ومَن والاهم في الله وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين ارتقَوا في الفضل والقرب والمعرفة أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 وبعدُ،

ويذكر الإمام مالكٌ عليه رحمة الله تبارك وتعالى ما يتعلق بالشهادات.

  • وهي: أداءُ الحق فيما عَلِمه الإنسان وشاهَدَه ورآه، لإحقاقِ الحق ولإبطالِ الباطل. 

يقول: "باب مَا جَاءَ فِي الشَّهَادَاتِ"، وذكر لنا: "عَنْ أبِي عَمْرَةَ الأَنْصَاري، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟"؛ أي: الذين يؤدُّون الشهادة، قال: "الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا. أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا". بدافعِ إحقاقِ الحق وإبطال الباطل، وإيصالِ الحق لأهله، فهو بذلك لا ينتظرُ أن يُسأل، وقد يكون عنده شهادةٌ واطّلاعٌ لا يعلمها صاحبُ الحق، فيذهب بنفسه ويقول: أنه شاهدَ كذا، ويشهد بكذا، لئلا يُظلم صاحبُ الحق من حقه وادعى  أنه لا شاهدَ له، فتُقبلُ البيّنةُ من صاحبه ويذهبُ الحق الذي له.

 فإذا كان ذلك هو الدافع، فهو لا ينتظر من صاحب الحق أن يعطيه شيئًا، ولا أن يأخذ في ذلك مقابلاً، ولا أن يتكثَّر بشيءٍ من المتاع والمال يجده، بل يَشهدُ لله تبارك وتعالى. وهذا الذي دُعينا إليه في القرآن من أجل إحقاقِ الحق وإبطال الباطل، قال تعالى: (وَلَاْ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَاْ) وقد علمَ وشهد، فأدى ذلك إلى الحُكمِ بغير الحق وبغير الواقع، (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283]. ففي هذا وجوبُ أداء من تحمَّل الشهادة واجبَهم في الشهادة: 

  • لأجل الإنصافِ والانتصاف من المظلوم. 
  • ولأجل إيصالِ الحق إلى أهله.

ويقابل ذلك، التعرّض للشهادة على غير بصيرةٍ وعلى غير بيّنة، رجاء طمعٍ أو أن يُعطى شيئًا، أو يَعرِض نفسه ليشهد على أي شيءٍ كان، مقابل متاعٍ يجده والعياذ بالله تعالى، فيدخل في أهل شهادة الزور، وهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث أنهم من شر عباد الله تعالى، وأنه ذكرهم في علامات الساعة: قومٌ يَشهدون قبل أن يُستشهدوا؛ أي: لا تُطلب منهم الشهادة، وليسوا بأهلٍ لها ولا قائمين بحقها، ولكن يَعرضون أنفسهم ويشهدون، بمقابل أن يحصّلوا شيئًا من المتاع لمن يشهدون له، إلى غير ذلك من أبواب الزور والإفك والكذب، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

فاختلف الأمر بين مَن يحرص على أداء الشهادة، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإيصال الحقوق إلى أهلها، لا يلوي في ذلك على غرضٍ ولا مرادٍ غير وجه الله، فهذا هو الممدوحُ الذي أثنى عليه في هذا الحديث، أنه خيرُ الشهداء، "الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا."، فرقٌ بينه وبين الذي يتعرض للشهادة، وغيرُه موجودٌ يشهد ولا يضيع الحق، ولكن هو يحب أن يشهَد رجاء أن ينال شيئاً من الحطام والمتاع الفاني، فهؤلاء الذين ذمّهم عليه الصلاة والسلام وقال: ويشهدون قبل يستشهدوا. إذًا: فاختلف الحال باختلاف الدافع والمقصد.

وعلمنا ما حرّم الحقُ علينا من كتم شهادة الحق، وأن يسكتَ عن أداء الشهادة؛ 

  • لئلا يتحاملَ عليه المشهود عليه 
  • أو تنقطع صلتُه به 
  • أو أن ينقطع شيءٌ كان يعتاده منه

 إلى غير ذلك من الدوافع الباطلة التي لا يجوز أن تَمنع صاحبها من قول الحق وإحقاقه، وأداءِ حق الشهادة التي شهدها وعاينها بعينه، فإنه لا يجوز أن يشهد إلا على أمرٍ متيقنٍ واضحٍ شاهدَه بعينيه، ولذلك جاءنا أيضًا في الأثر قول بعض الصحابة: على مثلها -وأشار إلى الشمس- فاشهد! مسألةٍ واضحة بيقين، عاينتَها كما تعاين الشمس فاشهد وإلا فلا. إذًا؛ فتختلف الأحوال باختلاف الدافع واختلاف المآل، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة:220].

ثم ذكر لنا ما يحدث في الأمة من شهادة الزور -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وما بلغ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه: "قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتُكَ لأَمْرٍ مَا لَهُ رَأْسٌ وَلاَ ذَنَبٌ."؛ يعني: ما له أولٌ ولا آخر، كانوا يطلقونه: 

  • إما يريدون به الكثرة. 
  • أو الأمر المُبهَم الذي لا يُعرف وجهه، ولا يُعرف إصلاحه. 
  • والأمر الشنيع الغريب. 

يقول: "مَا لَهُ رَأْسٌ وَلاَ ذَنَبٌ." ما له أول ولا آخر، إيش الذي حصل؟ إيش الأمر الشنيع الذي استنكرتَه؟ "فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: شَهَادَاتُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا."؛ يعني: بعد أن لم تكن، من أول ما وصلهم الإسلام وقام حكم الإسلام فيهم، لم يَعهدوا أحدًا يتجرأ ويشهَد شهادة الزور.

 بعد مرور السنوات، إذا قد بدأ يظهر هذا الأثر، والحق تعالى يقول في عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72]. في الحديث في الصحيحين أنه ﷺ قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا- وقال: ألا وقول الزور"، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، "فما زال يكررها" تعظيمًا لخطرها وإخبارًا عن عظيم ضررها، واستجلابها لغضب الله جل جلاله، "حتى قلنا ليته سكت"؛ يعني: خافوا أن يغضب فيغضب الله جلّ جلاله، وأشفقوا عليه من كثرة تأثّره عليه الصلاة والسلام، أن يحصل ذلك في أمته، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور.

وقد جاء: أن من شهد شهادةً، فزاد كلمةً أو نقص كلمةً، لم يرفعَ قدمه من مكان الشهادة إلا وقد استوجب غضب الله وسخطه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- أعاذنا الله من ذلك ومن كل سوء ورزقنا الورع.

"فَقَالَ عُمَرُ: أَوَقَدْ كَانَ ذَلِكَ؟" وصل الأمر بهم إلى هذا؟ ولم يكن يتصوّر أن يكون في الناس من يتجرأ على هذا الأمر، مع قرب العهد من صاحب النبوة والرسالة، ﷺ، "قَالَ:" العراقي "نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لاَ يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ."؛ يعني: لا يُحبس، والأسر: هو الحبس.

 يعني: لا يَملك مُلكَ الأسر لإقامة الحقوق عليه، إلا بالعدول الأخيار؛ بمعنى وجوب الاحتياط في الأمر والتحرّي عن الشهداء، ولذلك كان مستور العدالة الذي لا يُعرف أهو عدلٌ أم لا، كان على الحاكم أو القاضي أن يطلب له مزكّين يزكّون شهادته، أنه عَدلٌ وثقة.

وقد جاء رجلٌ يشهد ولم يكن معروفًا بين أهل المدينة، فقال له سيدنا عمر: ائتِ بمُزكٍّ، فذهب وجاء بمن يزكّيه، فقال له سيدنا عمر: أأنت جارُه تعرف مَدخله ومخرجه؟ قال: لا،  قال: أأنت صحبتَه في سفرٍ فعرفته؟ قال: لا، قال: عاملتَه بالدينار والدرهم فعلمت كيف يعامل؟ قال: لا، قال: اذهب فإنك لا تعرفه، لعلك رأيته يصلي في المسجد فزكّيته، قال: نعم، قال: اذهب فإنك لا تعرفه! ليس هكذا،  الخبر في هذه المواطن؛ الرجال يُعرفون بها وأهل العدالة وأهل الصدق يعرفون عندما تجاوره أو تصاحبه في السفر، أو تعامله بالدينار والدرهم، وقال قائل:

لا يغُرَّنْك من المرء قميصٌ رقّعه *** أو إزارٌ فوق نصف الساق منه رَفَعه

أَرِهِ الدرهمَ تعلمْ غَيّه أو وَرَعه

عند المعاملة بالدينار والدرهم، تظهر حقائق الناس.

وقد جاءنا في الحديث أن ممن يُوبَّخ يوم القيامة ويُهانُ على رؤوس الأشهاد، مَن كانت له عباداتٌ وطاعات، ولكن كان يعظّم الدنيا ولا يبالي إذا تيسّرت له، أن يأخذها من حِلٍّ أو من حرامٍ أو من شبهة، فيُؤتَى به على رؤوس الأشهاد، فيُرفَع بين الناس ويقال: ألا إن هذا كان يُعظِّم ما حقّر الله، قال فيَسقطُ لحم وجهه من شدّة الخجل والحياء، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

قالوا: يا رسول الله أو كانوا يصلون هؤلاء؟ قال: كانوا يصلون ويصومون ولهم هيئة من الليل، ولكن كان أحدُهم إذا بدا له شيءٌ من الدنيا وَثَب عليه ولم يبالي، يقفز عليه محبةً للدنيا بأي وسيلة، لا ورع ولا احتياط ولا خوف من الشبهة -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فهؤلاء يُذَلون على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ويُهانون، والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

فبذلك قال سيدنا عمر إن الأمر مبنيٌ على العدول، وعلى من يُزَكَّى من قِبَل العدول، وبعد ذلك إقامة أمر الشرع على ما يظهر من الأمر، فإن الناقد بصيرٌ، وحكمهم إلى الله وإليه المصير. وقال تعالى في بيان الحكم الأول الذي ذكره هنا، في أداء الشهادة لإحقاق الحق، (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) [البقرة:282]، (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة:283].

ثم ذكر سيدنا مالكٌ أنه بلغه: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ" فمن كانت عُرفت خصومةٌ وعداوة بينه وبين رجل، ثم جاء يشهد عليه، فإنه متّهمٌ أن يشفيَ غيظَه فيه، وأن يتجرأ على الشهادة بغير حق، فتُردُّ لذلك شهادة من بينه وبينهم عداوةٌ على من يعاديه، فإنه لا يُفسح المجال لهذه النفوس وهذه الضغائن والأغلال في القلوب، لا يُفسَح لها المجالُ لتشفيَ غيظَها، بالشهادة على من بينها وبينهم منافرةٌ، أو منازعةٌ أو مخاصمة.

وهكذا جاءنا أيضًا في الحديث أنه ﷺ "ردَّ شهادةَ الخائِنِ والخائِنَة، وذي الغِمْرِ على أخيه"؛ ذي الغمر على أخيه يعني: ذي العداوة والمباغضة. 

وهكذا قال: "وَلاَ ظَنِينٍ"؛ بمعنى: مظنون متهم، "وَلاَ ظَنِينٍ"؛ والذي ينتمي إلى غير مواليه، لا تُقبل شهادته للتهمة، وهكذا الظنين المتهم في دينه، فلا تُقبل شهادته. فكُل من اتُهم في شهادةٍ بمَيلٍ لم يُحكَم بها، وإن كان أصله من أهل العدالة.. 

  • إما لأن شهادته تؤدي إلى كسب مالٍ له، أو دفع معرةٍ عنه. 
  • أو يشهد فيمن يرغب في كثرة ماله. 
  • أو يشهد لمن يُحصِّل منه المعروف، ويصلِه منه الرفدُ والعطاء. 

فتقع في كل ذلك أثرُ التهمة، فيُتَحرّى في شهادته في مثل ذلك.

ومنه: 

  • شهادة الوالد لولده. 
  • وشهادة الولد لأبيه، فيما يتعلق بالمصلحة للوالد أو للولد. 

فكل ذلك مما يُرد، وبذلك قال جماهير العلماء: أنه لا تُقبل شهادة خَصْمٍ وَلاَ ظَنِينٍ.

ثم أخذ يتكلم عن القضاء في شهادة المحدود، الذي قد أُقيم عليه الحد إذا تاب، كما بيّنت الآية: (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:4-5]، واختلف أهل العلم فيمن تُقبل منه الشهادة إذا تاب ومن لا تقبل..

وبظاهر الآية هذه أخذ الإمام أبو حنيفة، فجعل أن من وقعَ في قذف مسلمٍ فلا تُقبل له شهادة أبدًا، وإن تاب عشرين توبة أو مائة توبة، بعد أن يصدر منه القذف للمسلم، فلا تُقبل له الشهادة، بخلاف بقية الذنوب والمعاصي، وأخذَ بظاهر قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) [النور:4]. فحملَه الجمهور على من لم يتوبوا، بدليل الآية بعدها: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:5] قال الإمام أبو حنيفة: إنما هذا الحكم في مغفرة الذنوب بينهم وبين الله، أما قبولُ الشهادة، (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)، حتى وإن تاب.

الله يعيذُنا من كل سوءٍ ومكروه، ومن أن نتجرأَ على أحدٍ من عباد الله بقولٍ أو فعلٍ أو نية، اللهم صفِّ لنا كل طويّة، وارزقنا الاستقامة على المناهج السويّة، وادفعْ عنا وعن الأمة كل أذيةٍ وبليّة، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

30 ذو القِعدة 1443

تاريخ النشر الميلادي

29 يونيو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام