شرح الموطأ - 38 - كتاب الصلاة: متابعة باب ما جاء في النِّداءِ للصَّلاةِ

شرح الموطأ - 38 - كتاب الصلاة، باب ما جاء في النِّداءِ للصَّلاةِ، من حديث سَهْل بن سَعْدٍ الساعدي
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصلاة، متابعة باب ما جاء في النِّداءِ للصَّلاةِ.

فجر الأحد 26 ذي الحجة 1441هـ.

 متابعة باب مَا جَاءَ فِي النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ

180 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَاعَتَانِ يُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ، حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ، وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

181 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، هَلْ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ؟ فَقَالَ: لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ.

182 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ إِلاَّ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الإِقَامَةُ فَإِنَّهَا لاَ تُثَنَّى، وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ، إِلاَّ إنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ.

183 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ، فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلاَ يُؤَذِّنُوا؟ قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُجْمَعُ فِيهَا الصَّلاَةُ.

184 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الإِمَامِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ لِلصَّلاَةِ، وَمَنْ أَوَّلُ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ.

185 - قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ، ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ، فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ، فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ، أَيُعِيدُ الصَّلاَةَ مَعَهُمْ ؟ قَالَ: لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ.

186 - قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ، ثُمَّ تَنَفَّلَ، فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ؟ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ.

187 - قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ : لَمْ تَزَلِ الصُّبْحُ يُنَادَى لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، فَأَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّا لَمْ نَرَهَا يُنَادَى لَهَا، إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ وَقْتُهَا.

188 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُؤْذِنُهُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَوَجَدَهُ نَائِماً، فَقَالَ : الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ.

189 - وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ, أَنَّهُ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ، إِلاَّ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ.

190 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيع، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته وأحكام مِلَتِه، ومبيّن لنا ذلك على لسان خير بريته، وصفوته من خَلِيِقَتِه سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه أفضل صلواته وتسليماته، وعلى آله وأصحابه، ومن سار في دربه مقتديًا به موقنًا بآياته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين مظهر جود الله للبريّة ورحماته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- الأحاديث والآثار المتعلقة بالأذان، فيروي لنا  "عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَاعَتَانِ يُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ"، وفيه أن الدعاء المطلوب من المؤمن في كل وقتِ وفي كل حال، له مواطن يكون اقرب فيها للإجابة، وأقرب فيها للاستجابة، وتحقيق المراد وأنها أحوال وساعات. ومنها ما ذكر في هذا الحديث من الساعتين الكريمتين اللتين تفتح فيهما أبواب السماء؛ إشارة إلى القبول من الحق -جل جلاله- والاستجابة وتلبية نداء المنادي. "سَاعَتَانِ يُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ دَاعٍ.." نَدَر أن داعٍ يدعو في إحدى هاتين الساعتين تُردّ عليه دعوته، بل تستجاب ويعطى مراده.

قال: "حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ.."؛ 

  • عند الأذان أو بين الأذان والإقامة.
  •  أو عند القيام للاصطفاف في الصفوف بعد الإقامة.

 فهذه من المواطن التي يُستجاب فيها الدعاء، وقَلَ أنْ يُردّ الدعاء على من يدعو في هاتين الساعتين المباركتين. "إذا نودي بالأذان فُتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء" كما يقول سيدنا أنس عليه رضوان الله تبارك وتعالى. ويقول: عند الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا ترد دعوة. وهكذا ذكر عطاء:

  •  عند نزول الغيث 
  • والتقاء الزَحْفَيْن 

فيما جاء أيضًا عن النبي ﷺ: "ثنتان ما تردّان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر".

وكذلك جاءت أذكارٌ مخصوصة عند بداية سماع الأذان، وعند القيام كذلك للصلاة. فمن ذلك ما جاء من حديث سيدنا سعد بن أبي وقاص أن النبي ﷺ قال: "من قالَ حينَ يسمعُ المؤذِّنَ وأنا أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ رضيتُ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ نبيًّا غفرَ لَهُ ذنبُهُ"، يُقال هذا عندما يقول المؤذن: أشهد ان لا اله الا الله. وهكذا جاء الذي ذكرنا هذا الحديث عن سعد في رواية الإمام مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي.

وجاء في رواية أبي داود والنسائي الذي ذَكَرَهُ في كتاب عمل اليوم والليلة؛ من حديث ابن عمرو بن العاص: أنَّ رَجُلًا قال لرَسولِ اللهِ: "إنَّ المؤَذِّنينَ يَفضُلونَنا بأذانِهم، فقال رَسولُ اللهِ: قُلْ كما يقولونَ، فإذا انتهَيتَ فسَلْ تُعْطَه"، وفيه إثبات استجابة الدعاء بعد إجابة المؤذن، وبعد نداء المؤذن واجابته. قُل كما يقول فإذا انتهيت فسل تعطه. وجاء في حديث أم سلمة عند أبي داود والترمذي قالت: علّمني رسول الله ﷺ أن أقول عند أذان المغرب: "اللَّهُمَّ هذا إقبالُ لَيلِكَ، وإدبارُ نَهارِكَ، وأصواتُ دُعاتِكَ، فاغفِرْ لي". وجاء أنه لما قال ﷺ: " "ألا إنّ الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة، قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة". وهكذا يُذكر بعض المقيمين قبل أن يبدأ يشرع في الإقامة أن يسأل العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين الدنيا والاخره؛ لأجل هذا الحديث ولكون الدعاء مستجاب، ولما ورد من هذه الألفاظ العظيمة.

 فَللدعاء مواطن يكون الدعاء أقرب فيها للإجابة، ومنها ومن أعظمها: ما يكون في السجود في أثناء الصلاة، ومنها ما يكون بعد الانتهاء من الصلاة والخروج منها عند السلام، و منها جوف الليل، وغير ذلك من المواطن التي جاء فيها الحديث.

ومعنى قوله "..يُفْتَحُ لَهُمَا..": 

  •  أن يكون بمعنى فيهما.
  •  أو بمعنى لأجل فَضيلتهما.

 يكون هناك ما عَبّر عنه بفتح أبواب السماء من آثار القبول والرضا والعفو والإجابة، "وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ"، فنادر أنه يدعو الداعي بدعوة في هذا الوقت فلا يجاب. 

وقال الإمام السيوطي: إن قَلَ هنا بمعنى النفي المحض، كما هو أحد استعمالاتها؛ يقولون مثلًا: فلان قليل الأدب فما يقصدون أن عنده قليل أدب.. معناه عديم الأدب ما عنده أدب أصلًا! فلان قليل الأدب ما يملك أدب أصلًا فقال قليل الأدب. فلان قليل الحياء؛ أي: ما عنده حياء أصلًا ، فليس المراد القليل قلة؛ ولهذا جاء في: وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ"

  •  إما أن يكون نادر.
  •  وإما أن يكون المعنى كما قال السيوطي النفي المحض كما هو أحد استعمالات قَلَ.

وجاء فيه ماوصفه ﷺ لأصحابه، قال: كان قليل الكِبر؛ معناه عديم الكِبر، لا كبر عنده أصلًا ليس المعنى عنده قليل كِبر، لا.. ما عنده كبر أصلًا. فهذا مما يُستعمل في لغة العرب فلان قليل كذا، لا يوجد عنده منه شيء.

"وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ، حَضْرَةُ النِّدَاءِ لِلصَّلاَةِ، وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ." عند قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى. وسمعت ما جاء في بعض الأخبار: عند المطر، وفي رواية: "وعند البأس"؛ وهو الالتحام في الحرب، وفي بعض الروايات "ما لم يسألْ قطيعةَ رحِمٍ أو مَأثَمًا".

"سُئِلَ مَالِكٌ" رضي الله عنه "عَنِ النِّدَاءِ"؛ أي: الأذان "يَوْمَ الْجُمُعَةِ، هَلْ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ؟" يعني: قبل أن تزول الشمس، هذا وقت حلول الوقت لأن وقت صلاة الجمعة بعد زوال الشمس، وهو وقت الظهر وهو كذلك عند الجمهور، إلا في قولٍ عند الإمام أحمد بن حنبل من جواز تقديم صلاة الجمعة أوخطبتها على زوال الشمس، وقال الجمهور: لا يجوز، فكما لا يجوز أن يصلي قبل الزوال فكذلك قال الإمام مالك لا يؤذن.

 وهذا إذا اعتبرنا الأذان واحدًا.

 أما إذا كان للجمعة أذانان: فيجوز تقديم الأول عند الشافعية. وهذا الذي أحدثه سيدنا عثمان بن عفان لما كثر الناس واتسعت المدينة فصاروا ما يكفيهم الأذان عند دخول الإمام، فأمر بأذانٍ أول يؤذَّن به عند الزوراء، فإن كان بعد الزوال فذلك أفضل، وإن كان احتيج إليه من أجل تنبيه الناس يأتون إليه من بعيد، فيمكن أن يتقدم قبل الزوال، كالأذان الأول بالنسبة للصبح.

وإذا جُعل للصبح أذانان؛ فالأذان الأول يجوز أن يتقدّم على طلوع الفجر، بل يدخل من بعد منتصف الليل، إذا انتصف الليل دخل وقت الأذان الأول، فكأن المقصود به تنبيه الناس لعمارة آخر الليل، وللقيام في الليل وللاستغفار بالأسحار، فيُمكن أن يؤذن قبل طلوع الفجر، أم الأذان الثاني فما يكون إلا بعد طلوع الفجر. فكذلك الأذان عند دخول الخطيب لا يجوز أن يكون إلا بعد الزوال، كما قال مالك: لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس، فهو وقت دخول الصلاة ووقت الأذان أيضًا. ولهذا الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يُجزئ، فالسُنْة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها، فهو شُرع للإعلام بالوقت؛ فلا يُشْرَع قبل الوقت لئلا يذهب للمقصود، ولكن كما سمعت للفجر أذانين، وكذلك للجمعة.

 يقول: لا يؤذن لها قبل وقتها؛ ووقتها: زوال الشمس، كالظهر في باقي الأيام؛ فهذا هو وقت الجمعة وعليه جماهير أهل العلم. إلا ما جاء عن الإمام أحمد بن حنبل -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في جواز تقديمها قبل الزوال.

 يقول ابن حبيب كان النبي ﷺ إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس، فأذن المؤذن فَخطب، ثم أمر عثمان لما كثر الناس أن يؤذَّن عند الزوال بالزوراء -والزوراء: مكان في السوق هناك مرتفع حتى يرتفع الناس من السوق ويخرجون من محل اجتماعاتهم- فإذا خرج وجلس على المنبر أَذْنَ المؤذن. والعمل عندنا أيضًا على عدم تقديم الأذان الأول ولو في يوم الجمعة؛ 

  • فإنما يؤذنون عند الزوال عند دخول الوقت ولأجل الإتيان للمسجد من كان خارج المسجد.
  • والثاني الذي يكون بين يديّ الإمام إذا سَلَّمَ الخطيب فجلس.. أذّن المؤذن بعد صعود الخطيب على المنبر.

وهذا الأذان الذي كان في العهد الأول؛ في عهد النبي ﷺ وفي عهد أبو بكر وعمر، ثم كان الأذان قبل ذلك كما هو في عهد سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا علي ومن بعدهم.

 يقول: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَثْنِيَةِ النداء" يعني: ألفاظ الأذان "وَالإِقَامَةِ، وَمَتَى يَجِبُ الْقِيَامُ عَلَى النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ؟"؛ يعني: إلى الصلاة  "حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ؟ فقال الإمام مالك: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ إِلاَّ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ عَلَيْهِ"؛ يعني: في المدينة المنورة، ويأتي معنا بعد ذلك تصريحه بما أَدْرَكَ عليه الناس في الإقامة، والقصد ما اختاره الإمام مالك مذهبًا وعليه المالكية، فالأذان عندهم سبعة عشر كلمة. فيكبّر مرتين في أول الأذان، ثم بقية الأذان كالإمام الشافعي، لكن في بداية الأذان التكبير أَرْبَعًا عند الإمام الشافعي وغيره، وعند الإمام مالك مرتين فقط:

 الله أكبر.. الله أكبر

 أشهد أن لا إله إلا الله..أشهد أن لا إله إلا الله 

وعند غيره:

 الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر

 أشهد أن لا إله إلا الله

 التكبيرات في بداية الأذان أربع عند غير الإمام مالك -عليه رضوان الله -تبارك وتعالى- فصارت الكلمات عنده للأذان سبعة عشر كلمة. وفيه الترجيع أيضًا، فهو عند الإمام مالك والإمام الشافعي فعندهم الترجيع معنى الترجيع أن يذكر الشهادتين أولًا سرًّا، ثم يرفع بهما صوته ويقول بصوت منخفض: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله، ثمّ يرفع صوته: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله.. هذا الترجيع. 

  • يُسنّ عند الإمام مالك والإمام الشافعي.
  • ولم يقل بسنيّته الإمام أحمد ولا الإمام أبو حنيفة، لا يقولون بالترجيع في الأذان. 

وبذلك يصير الأذان:

  • عند الحنفية وعند الإمام أحمد: خمسة عشر كلمة.
  • وعند مالك: سبعة عشر.
  • وعند الشافعي: تسعة عشر؛ لأن الشافعي يقول التكبير أربع، ثم الترجيع مرّتين، ثم الشهادتين مرتين.

 والإمام مالك يقول: التكبير مرتين فقط لا أربع تكبيرات، فنقصت كلمتين فصارت عند الشافعي تسعة عشر كلمة بحساب الترجيع، وعند الإمام مالك سبعة عشر، وهي عند أحمد وأبي حنيفة خمسة عشر كلمة؛ لا يقولون بالترجيع. وقال الإمام النووي: أنه ذهب جماعة من المحدّثين غيرهم إلى التخيير بين الترجيع وتركه؛ فاختار الإمام أحمد من الأذان ما اشتُهر عن بلال وعبدالله بن زيد الخمسة عشر كلمة هذه.

 إلا أن الترجيع لا يُسمع من بعيد، ولكون سيدنا بلال مرافق للنبي ﷺ في حضرة وفي سفره، والتصاقه به أكثر ويؤذّن له عليه الصلاة والسلام. لكن يزيد بعد ذلك في الصبح كلمتان وهي قول:

الصلاة خير من النوم

 مرتين عند الأئمة كما سيأتي معنا إثبات ذلك في الفجر ونَسَبَهُ هنا في هذه الرواية إلى سيدنا عمر، قد روي إلى عهد النبي ﷺ؛ منسوبة إلى عهد النبي ﷺ. وجاء عن أبي محذورة أنه علمه ﷺ الأذان، فعلمه التكبير أربعًا في أول الأذان.

وقال: "فَأَمَّا الإِقَامَةُ فَإِنَّهَا لاَ تُثَنَّى"، فعند الإمام مالك أنه يُقال بها مرة واحدة، حتى لفظ: قد قامت الصلاة؛ فالمشهور عنده: أنها مرة واحدة، قد قامت الصلاة مرة واحدة، يقول: "وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا" يعني: المدينة المنورة، وقال في: قد قامت الصلاة؛

  •  مرتين هي عند الإمام أبي حنيفة كذلك عند الإمام الشافعي.
  •  والإمام مالك في قد قامت الصلاة فالمشهور عندهم أنه يقولها مرة واحدة. 

لكن يقول الأئمة الثلاثة بِتـثنـيتها مثل الأذان.

 فالإقامة:

  •  عند مالك في المشهور: عشر كلمات.
  •  عند الشافعي وأحمد: إحدى عشر كلمة.
  •  وعند الحنفية: سبعة عشر كلمة.

 لأنهم يربّعون في التكبير ويأتون بـ قد قامت الصلاة مرّتين؛ فصارت سبعة عشر كلمة.

وقال الإمام أبو حنيفة الإقامة مثل الأذان وتزيد الإقامة مرتين؛ يعني قوله: قد قامت الصلاة.. قد قامت الصلاة، فصارت سبعة عشر كلمة فيقيم الصلاة:

 الله أكبر الله أكبر

 الله أكبر الله أكبر 

أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن لا إله إلا الله

 أشهد أن محمّدًا رسول الله .. أشهد أن محمّدًا رسول الله

 حي على الصلاة .. حي على الصلاة

 حي على الفلاح .. حي على الفلاح

 قد قامت الصلاة .. قد قامت الصلاة

 الله أكبر الله أكبر

 لا إله إلا الله 

وهكذا جاء في رواية سيدنا عبد الله بن زيد تثنية ألفاظ الإقامة في عامة ما رُويَ عنه. "وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ"؛ أي: لم يرد فيه حدٌّ لا يتقدّم عليه ولا يؤخر عنه حتمًا "إِلاَّ إنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ"؛ فلا يقوم إلا بالبطء فيتأخر فلا حرج عليه في التأخير، "وَالْخَفِيفَ" فيقوم بسرعة فلا حرج في تقديمه؛ ثم لا يكون المعنى أن الخفيف يسرع في القيام.. فلا بأس أن يتأخر في القيام، وكذا البطيء.. لا بأس أن يتقدّم في القيام من قبل.

  • وهكذا يقول الشافعية: يقوم بعد فراغ المقيم من الإقامة هذا لمن كان حاضرًا في الصف، يقوم محله، ومن كان بعيد فيمشي من أجل لا يأخر على نفسه تكبيرة الإحرام مع الإمام، فيقوم قبل.
  • وهكذا عند بعض الأئمة يقوم من أول الإقامة.
  • والإمام مالك قال: يختلف باختلاف الناس؛ فكأنه رأى أن البطيء يجب أن يستعجل بالقيام للإقامة حتى يصطف بالصف وقت إحرام الإمام وقد انتهى من اصطفافه في الصف. وأمّا السريع الخفيف الحاضر في محلّه فيتركه حتى يفرغ فيقوم مباشرة. وهكذا جاء في المدونة عن الإمام مالك أنه لا يوقّت للناس وقتًا إذا أقيمت الصلاة، بل يقومون لذلك، ولكنه كان يقول: "ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ" فمنهم القوي ومنهم من الضعيف". وجاء أنه يقوم في أول الإقامة وهو قولٌ أيضًا عند المالكية، وعليه عمل كثير منهم؛ أن القيام للصلاة من أول الإقامة. فإذا ابتدأ المؤذن يقول:

 الله أكبر الله أكبر 

أشهد أن لا إله إلا الله

يقومون في أول قوله: الله أكبر.

 وهكذا سمعنا قول الإمام الشافعي وكثير من أهل العلم:  إذا كان الإمام معهم لم يقوموا حتى يفرغ المقيم من الإقامة. وقال أبو حنيفة: القيام للصلاة عند قول المقيم: حيّ على الصلاة؛ إذا قال حي على الصلاة قاموا تلبية للنداء.. حي على الصلاة. وقال بعضهم أنه يقوم عند: قد قامت الصلاة.. قاموا.

  • القول الأول المشهور في مذهب مالك: أنه في أوّل الإقامة.
  •  والقول الثاني: من عند قوله: حي على الصلاة.
  •  والقول الثالث: عند قوله: قد قامت الصلاة.
  • والقول الرابع: حتى يفرغ.
  •  الخامس: يضاف القول الذي ذكره الإمام مالك في الموطأ: أنه يختلف باختلاف الناس؛ فالبطيء يستعجل والخفيف ينتظر.

ذكر في المُغني لابن قدامة: يستحب أن يقوم إلى الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة. وفي الحديث أنه ﷺ قال لهم: إذا أذّن بلال أو أقام للصلاة "فلاَ تقوموا حتَّى ترَوني"، فإنه يكون خلف ستارة باب المسجد عند خروجه من بيته الكريم، فيقيم سيدنا بلال الأذان إذا أحسّ بخروج ﷺ، ثم عند فراغ الإقامة غالبًا يخرج لهم "حتَّى ترَوني". كما يذكر الإمام الشعراني أيضًا في الميزان يقول: قول الإمام مالك وأحمد والشافعي: لا يقوم الإمام إلا بعد فراغ المؤذن من الإقامة، يقوم حينئذ ليعدّل الصفوف. مع قول أبي حنيفة يقوم عند قوله: حي على الصلاة. وقد رأيت نقلًا غير نقل الإمام مالك عن هؤلاء الأئمة، وأنه المشهور في مذهب الحنفية القيام عند قوله: حي على الصلاة. عند قول المقيم: حي على الصلاة.

"وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْمٍ حُضُورٍ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا الْمَكْتُوبَةَ، فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا وَلاَ يُؤَذِّنُوا؟ هم حاضرين ما ينتظرون أحد يجيء. "قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ" بمعنى: ليس بشرطٍ للصلاة وهو عند جمهور الفقهاء كذلك. وجاء عن عطاء يقول: من صلّى بدون أذان ولا إقامة أعاد. وقال داود: الأذان والإقامة فرضٌ في الجماعة لا على الفرد. والإمام مالك يرى تأكّد الأذان لإمامِ مصرٍ وغيره من محل اجتماع الناس للصلاة.

  •  إذًا، فهو سنةٌ مؤكدة في قول الجمهور وبالنسبة للآحاد والأفراد. 
  • وبالنسبة للمِصْر والبلدة: فرض كفاية؛ كما هو عند كثير من أهل العلم وتقدّمت معنا الإشارة الى ذلك. 

قال: "وَإِنَّمَا يَجِبُ النِّدَاءُ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ"، يقول سيدنا الإمام مالك، يعني: يصير مؤكدًا عنده في الأماكن التي تُجمع فيها للصلاة "فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ" يُصلّى فيها الجماعة. فهل هو سنة أو واجب؟  قولان عند الحنفية وقولان عند المالكية في أنه سُنّة أم واجب، والراجح أنه: سُنّة مؤكدة. "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الإِمَامِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ لِلصَّلاَةِ" هذا ما أحدثه بعض الأمراء بعد الخلفاء الراشدين -عليهم رضوان الله- يقولون المؤذن يكمل الأذان ويجيء عند الأمير يقول: السلام عليك أيها الأمير، ويدعي له أو شيء من هذه الأبّهات..! فيدخل عليه: أيها الأمير، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، قد حانت الصلاة.. قد حانت الصلاة! فهذا مما ابتُدع بعد. بخلاف مجرد الإيذان بالوقت؛ إذا اجتمع الناس فقد كان يخرج سيدنا بلال إذا اجتمع الناس في المسجد إلى بيته ﷺ فيُعلمه باجتماع الناس فما في ذلك إشكال؛ وإنما أنكر ما أحدثه هؤلاء الأمراء الخلفاء.

لمّا سُئل سيدنا مالك عن تسليم المؤذن على الإمام والدعاء له، أو دعاؤه بحضور الوقت، قال: أول من سُلّم عليه لم يبلغني. وسُئل أيضًا من أول من سُلّم عليه، قال: "لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ" يعني زمن النبي والخلفاء الراشدين، أي: هو عنده بدعة أحدثها هؤلاء الأمراء الذين كانوا في وقته.

 يقول إنما الابتداع فيه وهذا التكلّف واستعمال ألفاظ الأذان خارجه؛ كما إذا جاء عند الأمير يقول له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، حيّ على الصلاة.. حيّ على الفلاح.. يرحمك الله.. هذا الذي أنكره الإمام مالك. وإلا كما أشرنا في الحديث؛ ثَبَت إعلام بلال -رضي الله عنه- النبي ﷺ بالصلاة بأحاديث. كان يؤذن ثم يأتي ﷺ على باب الحجرة، فَيؤذِنَه بصلاة الصبح فيخرج، وإنما كان يؤذِنه وقت اجتماع الناس، فإنه كان إذا بكّروا واجتمعوا خَرَج إليهم مبكرًا في العشاء وفي الفجر، و إذا تأخروا انتظرهم ﷺ، فكان إذا اجتمع الناس ذهب سيدنا بلال يقول له إن الناس قد اجتمعوا للصلاة فيخرج إليهم ﷺ.

"قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ، ثُمَّ انْتَظَرَ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ، فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ، فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ جَاءَ النَّاسُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ، أَيُعِيدُ الصَّلاَةَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ". "أَذَّنَ لِقَوْمٍ" يعني: يرجو حضورهم، "انْتَظَرَ" يريد أحد يجيء، أبطأوا عليه ما أحد حضر، وظنّ أن لا يحضر أحد، قام صلّى وحده وأكمل الصلاة، ثم بدأوا الناس يأتون.. أين كنتم من أول وأنا هنا منتظركم؟! قالوا هل عليه إعادة الصلاة؟ فقال سيدنا مالك: "لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ" معهم؛ أي: أجزأته وكفته صلاته الأولى، ولكن إذا أراد أن يعيد الصلاة من أجل الجماعة فله في ذلك فسحة.

 وأورد الإمام ابن حجر في الفتح المبين على شرح الأربعين النووية حديث أنّ من يُعيد الصلاة في جماعة يكون فيمن يظلهم الله في ظلّ عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ من يعيد الصلاة في جماعة. وقد كان -رضي الله عنه- يصلي جماعة أولًا ثم يعيد الصلاة جماعةً مرة أخرى، فمن باب أولى إذا صلّى وحده أول مرة. قال: "وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَلْيُصَلِّ لِنَفْسِهِ" يعني: بعد انصراف المؤذن.

 إذا انتظر وصلّى وحده فلا تجب عليه الإعادة مع من جاء بعده لتحصيل الجماعة؛ يعني: أن ذلك ليس بواجب عليه، ويكون إذا صلّى بالأذان والإقامة في وقته فقد حصل الجماعة عندهم، وتكرار الجماعة مكروهٌ عند المالكية. 

  • فتكرار الجماعة في المحل الواحد يُكره عند المالكية، وكذلك عند الحنفية 
  • خلافًا للشافعية والحنابلة؛ فيصلّي ثاني مرة.. ثالث مرة.. ورابع مرة في نفس المكان.

 ولذا إذا جاء بعضهم متأخرين وقد صلّى الناس في المسجد، يخرجون في محل خارج المسجد يصلون وحدهم جماعة؛ لئلا يكرّروا الجماعة في نفس المسجد والمكان. كما هو عند الحنفية مكروه، ولم يرَ في ذلك كراهة الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، وقالوا من جاء بعد يصلي ثاني وثالث …

وقد صلّى ﷺ مرةً في المسجد، ثم جاء رجل متأخر وحده، فقال: "أيّكم يتصدّق على هذا؟ يعني: يصلي معه، ففيه إقامة جماعة ثانية أقاموا جماعة والنبي ﷺ جالس في المسجد، فقام واحد من الصحابة وصلّى معه، فلم يرَ في ذلك بأسًا الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل عليهما رحمة الله تبارك وتعالى.

 وأما في المكان الواحد والمحل يُجتمع فيه للجماعة: إذا صُلِيَت الجماعة الأولى فيُكره تكرار الجماعة عند الحنفية وعند المالكية. ولأجل الخروج أيضًا من ذلك؛ عندنا إذا جاء أحد إلى مسجد القوم؛ مسجد آل با علوي وقد صلّوا فلا يعيد صلاة الجماعة في نفس المسجد، بل يخرج إلى با جحدب فيصلّون جماعة هناك؛ حتى لا يكون تكرار الجماعة في المكان الواحد، خروجًا من خلاف أبي حنيفة ومالك. فلا يقيموا جماعة أخرى وسط المسجد إذا جاؤوا وقد صلّوا الناس، فيخرجوا إلى المسجد بجانبه، مسجد با جحدب ويقيموا الجماعة هناك. 

"قَالَ يَحْيَى : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنَ لِقَوْمٍ، ثُمَّ تَنَفَّلَ"؛ أي: شَرَع في النفل، "فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ؟"؛ لأن هذا مشتغل بالنافلة، "فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، إِقَامَتُهُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ" وإن كان الأحق بالإقامة هو المؤذن. ولكن كما قال في المدوّنة: لا بأس أن يؤذن رجلٌ ويقيم غيره. ولكن قال الإمام الشافعي والإمام أحمد: أن المؤذن أحق بالإقامة من غيره، وجاء في ذلك بعض الأحاديث. 

  • ولم يرَ الإمام أبي حنيفة والإمام مالك بأسًا في أن يؤذّن واحد ويقيم آخر. 
  • وقال الشافعي والإمام أحمد: المؤذّن أحق بالإقامة من غيره.

ولما أذّن مرة بعضهم، فاستأذن النبي ﷺ أن يقيم واحد آخر، فقال له: أنه قد أذّن فلان فليُقِم؛ فلان الذي أذّن هو الذي يقيم، فهذا دليل الذين استحبّوا أن يقيم المؤذن، ولكن كلهم قالوا: يجوز، ما أحد منهم قال حرام، كلهم قالوا يجوز يؤذن واحد ويقيم آخر، ولكن الأفضل عند الشافعية والحنابلة أن نفس المؤذن هو الذي يقيم للصلاة. 

الفاتحة أن يُكرمنا الله وإياكم بالإقبال الصادق، والتوجّه إليه الخالص، والإنابة والخشية والإستقامة، ويسعِفنا بحقيقة الصدق معه في شؤوننا الخاصة والعامة، ولا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقه طرفة عين، مع صلاح الشأن لنا وللأمّة أجمعين وإلى حضرة النبي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

29 ذو الحِجّة 1441

تاريخ النشر الميلادي

18 أغسطس 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام