شرح الموطأ - 367 - كتاب القِراض: باب ما لا يَجُوز في القِرَاض

شرح الموطأ - 367 - كتاب القِراض: باب مَا لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب القِراض، باب مَا لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ.

فجر الثلاثاء 1 ذي القعدة 1443هـ.

 باب مَا لاَ يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ


2021- قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضاً: إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ، ثُمَّ يُقَارِضَهُ بَعْدُ أَوْ يُمْسِكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ.

2022- قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ.

قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ.

2023- قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلاَّ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ، وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ، وَمِنَ الْبُيُوعِ مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ، وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ، فَأَمَّا الرِّبَا، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ فِيهِ إِلاَّ الرَّدُّ أَبَداً، وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:279].

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه وأهل متابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

يواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكر أحكام القِرَاضِ وما تعلَّق به، وذكر في الفصل السَّابق ما يجوز في الْقِرَاضِ، والشرط في الْقِرَاضِ -الذي يُسمى المُضاربة، وكذلك يُعبّر الحنفية والحنابلة بالمُضاربة، ويعبر المالكية والشَّافعية بالقِرَاضِ.- يجب أن يكون هذا الْقِرَاضِ في مال مُسلَّم إلى يد العالم؛ يسلّمه المالك إلى يد العامل. وقد قلنا في تعريف القِرَاضِ: توكيل مالكٍ في جزءٍ من ماله لآخر ليتّجر فيه والربح بينهما؛ هذا هو القِرَاضِ. 

فأما إذا كان له ديْن على آخر، فأراد أن يُقارضه على الدّين الذي عنده، يقول له: أين الدّين؟ الدّين أمر في الذِّمة غير معيّن، غير موجود، أين هو؟! أمر معلَّق بالذّمة ليس معين، فكيف تقرضه على دين؟ امسك الدّين، استلم الدّين منه، يرجع لملكك، ثم سلمه إياه؛ يصح الْقِرَاضِ بعد ذلك.

"قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضاً": قال: خلِّ الدَّين عندنا سأتاجر فيه والربح بيني وبينك. قال: "إِنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ، ثُمَّ يُقَارِضَهُ" فيه؛ يعني: لا يجوز حتى يقبض زيد ماله من عمرو "ثُمَّ يُقَارِضَهُ عمرو "بَعْدُ" ذلك فيه "أَوْ يُمْسِكَ" عنده إن شاء، "وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ"، فيجب الإنظار للميسرة "فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ". 

  • فذهب الإمام مالك إلى أن العِلّة في ذلك أنهم ينحون ناحية من الرِّبا، وأن يكون الرجل قد أعسر بالمال ولا شيء عنده في ذلك الحين، فأراد أيضًا صاحب المال ما دام يؤخره بمقابل التأخير يتّجر فيه حتى يحصل زيادة فوق ماله، فكأنه قرض جر منفعة. 
  • ولاحظ الأئمة الآخرون كالإمام الشَّافعي والإمام أبي حنيفة، أن ذلك إنما هو لأن ما كان في الذِّمة ليس عينًا، فلا تصح المُضاربة عليه حتى يكون عيْنًا تُمسك وتُسلَّم، فحينئذ تصح المضاربة. 

وبذلك اختلف لو كان عنده وديعة، عنده مال وديعة موجود عند الآخر، قال: قارضتك بهذا المال الذي عندك؛ هذا صحيح لأن الوديعة مال مُعيّن موجود، ليس في ذمته، وديعة ليس دين، وديعة مطروحة عند الرجال أودعه إياها. ثم قال: خلاص الوديعة التي عندك اتجر فيها، وقارضتك فيها والربح بيننا لك ربع أو خمس أو ثلثين أقل أو أكثر؛ فيصح ذلك لأن هذا مال معين موجود بيد هذا؛ فيصح أن يقارضه عليه ليس بدين ولكنه وديعة. وهكذا فإذًا؛ لا تصح المُضاربة أو المقارضة بالدين الذي على العامل. 

وهكذا يقول الأئمة الأربعة: 

  • في قول عند بعض الحنابلة: أن المُضاربة بديْن لرَّب المال تصحّ ولكن أيضًا المذهب عندهم كغيرهم من الأئمة الثلاثة الآخرين، أنه لا يصح أن يقارضه بديّنٍ في ذمّته. 
  • وهكذا قال الحنفية: يُشترط لصحة المُضاربة أن يكون رأس المال عينًا. فإن كان ديْنًا فالمضاربة فاسدة.

إذا كان لرَّب المال على الرُّجل دين، قال له: اعمل بديني الذي في ذمتك مُضاربة بالنصف، المُضاربة فاسدة. فإن قام ذلك اشترى شيء وباع، قالوا: الذي تشتريه، والذي تبيعه ربحه وخسارته لك، إن شيء ربح لك والدّيْن محله في ذمتك، رده للرجال، رد له دينه الذي عليه؛ لأن هذه المضاربة فاسدة. 

فإذا قام وتصرّف، فتصرّف في مال له لأنه؛ لم يرجع إلى مُلك الدائن، ما رجع إلى ملكه لأنه ما قبضه لأنه في ذمتك معلَّق، فكيف يتعين إذا هو له إلا أن تسلمه له. قبل ما تسلمه له، قبل ما تسلمه له ملكك، أنت كله لك، ليس له شيء في أعيانك الموجودة عندك الآن، هو إنما أعطاك مال فهو دخل في ملكك المال الذي أعطاك، وصار الذي له في ذمتك؛ غير معين. هذا الذي لاحظه المالكية والشَّافعية 

ولاحظ الإمام مالك قال: هذا لما رأى أنه تأخر عليه ما سلّمه الديْن، قال له يتّجر حتى يحصّل ديْنه، وزائد عليه؛ هذا قرض جرّ منفعة فهو ربا. فهذا ملحظ الإمام مالك كما سمعته في الموطأ. يقول: "وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ بِمَالِهِ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ"؛ يزيده فوق ماله مقدار الربح الذي يحصل. وهكذا قول المالكية كما سمعته، وأنه يستمر الدّيْن على حاله في الضمان، وأن ما تصرف فيه المديون هذا، فإن ربح وإن خسر فله، ماله دخل هذا المعاملة فاسدة المضاربة فاسدة، فيعتبر ملك له، إن ربح فربحه له وإن خسر فخسارته عليه، ويبقى رأس المال الذي هو دين كما هو دين عليه يسلمه للدائن الذي دينه إياه. 

وهكذا يقول الشَّافعية: إذا رب المال قال لمَن عليه دين: ضاربتك على الدّين الذي عليك؛ المضاربة فاسدة. حتى لو قال له: اعزل مالي الذي في ذمّتك من مالك، عزله ولم يقبضه بعض ثم ضاربه عليه؛ لم تصح المُضاربة. عاده ما دخل ملكك؛ لأنه كل الأعيان التي بيد ذاك، مالك دخل فيها أنت لك مقدار في ذمّته متى يرجع إلى ملكك، متى سلّمك إياه؛ إذا سلمك إياه واستلمته الآن دخل ملكك، ضاربه عليه الآن. أما إذا قال: اعزل هذا المال، كم حقي اعزله؟ قال: عزلناه، وهذا لك بنشتغل فيه! اشتغل فيه لنفسه.. ما يكون شيء للدائن لأنه ما دخل ملكه بعد، ما يدخل ملكه إلا بالقبض. 

وهكذا يقول الحنابلة: كذلك لا يجوز أن يقال لمَن عليه دين ضارب بالديْن الذي عليك، نصّ عليه الإمام أحمد، وهذا هو قول عامة العُلماء.

"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ"، قد استلم مال مُعيّن؛ قراض، وسلَّمه واستلمه، بعد ما استلمه بعضه ضاع أو سُرق عليه بعضه، والباقي موجود، قام يضارب الآن ويشتغل بالباقي، كم رأس المال؟ 

هو سلَّمه ألف وثلاثمئة ضاعت عليه، وراح/ وبدأ يشتغل بالسبعمائة، وبعد ذلك الربح من أين؟ بعد ما نرجع الألف ولا بعد السبعمائة؟ أين الربح؟ قال الجمهور: كذلك الربح رأس المال له ما دام قبضته فهو رأس المال، تلف عليك شيء منه كما خسرته. ربحت، كمّل رأس المال أول؛ كمل رأس المال وما زاد على رأس المال فالربح بينكم كما اتفقتم عليه، وفيه خلاف عند بعض الأئمة كما يأتي عندنا. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالاً قِرَاضاً فَهَلَكَ بَعْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهِ فَرَبِحَ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ رَأْسَ الْمَالِ بَقِيَّةَ الْمَالِ" فقط، ولن يحسب الذي هلك ذاك. فيقول: رأس المال كذا، والزائد نتقاسمه أنا وإياك.. "بَعْدَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ". "قَالَ مَالِكٌ: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ" كمل رأس المال مهما ربحت، وصلت الألف خلاص، ما زاد عليها الآن لكم الحق إذ بتقسمون ما زاد على الألف فهو بينكم. "وَيُجْبَرُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ رِبْحِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ"؛ إن كان ربع، وإن كان ثلث، وإن كان نصف، وإن كان أقل، وإن كان أكثر "ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ بَعْدَ رَأْسِ الْمَالِ" كله؛ يعني: تكميل رأس المال من الربح "عَلَى شَرْطِهِمَا مِنَ الْقِرَاضِ".

وهكذا يقول: هلاك بعض المال قبل أن يعمَل به، لا يغير حكم رأس المال، بل هو على ما عَقَد عليه القراض؛ المال هو هو لأنه قد قبض العامل من المال. أما قبل القبض نعم، إذا قال: هذه الألف عندي سأقارضك بها. قال: قارضتك. قال: مرحبا، راح هذاك قبل ما يستلم، استرقت على الرجال شيء منها، ما عاد باقي إلا خمسمائة. قال: خذها والقراض بيننا ألف، ألف من أين؟ ما دام عاده ما قبض فما يصلح إلا في الخمسمائة، رأس المال خمسمائة، فهذا فرق بينه وبين إن كان قد قبض وأخذها عنده الذي قد قبضها، ووقع العقد على الألف. أما الآن ما يصح العقد على ألف، أين الألف؟ … سلمني ما تقارضني فيه، هات الألف، فيقول ما عاد إلا الخمسمائة، خمسمائة خلاص رأس المال خمسمائة والباقي ربح بيننا. 

قال: فإذا كان قد قبض، فمتى ربح بعد ذلك، جبر ما نقص بالربح إن فضلت بعد الجبر فضلة وزاد شيء، فذلك جميع الربح، وحينئذٍ على ما اتفق عليه. 

بعد ذلك قال: ولو اتفقا بعد النقص على إسقاط ما هلك من رأس المال. قال: اسمع يا أخي، أنا وقعت عليّ مشكلة، والمال راح عليّ ورأس المال الباقي، قال: طيب! ما يكفي طيب بل يرد لك مالك، وصلّح عقد قراض جديد الآن على الباقي. وأما إذا قد قبض وهلك عنده بعد ذلك، وقلت له: طيب! لا، لا بُد نرجع إلى رأس المال الأصلي، أما إذا أنت بعد ذلك تعطيه من مالك، أعطه من مالك ما شئت، لكن الحكم في ما يدخل في الربح، يرجع إلى رأس المال الأصل، إلا أن تقبض مالك ويردّه عليك وتنشئون عقد قراض جديد على الباقي؛ فهذا يصح على الباقي. 

  • فلا فرق عند جمهور الفقهاء أن يكون تلف قبل العمل أو بعد العمل؛ لأنه قد دخل في ذمة العامل. 
  • أما إذا كان بعد أن تصرّف فيه واشترى وحصل شيء؛ فهذا بالاتفاق رأس المال هو هو رأس المال، قد بدأ يتصرف فيه، وبعد ذلك تلف عليه شيء، تلف عليك ما تلف عليك، رأس المال هو رأس المال، باتفاق هذا لأنه بعد التصرف ولكن هذا الخلاف إلا إذا كان قبل أن يتصرّف وبعد أن قبض. 
  • قال الجمهور: نفس الشيء كذلك. 
  • وفي قول عند الحنفية: أنه إذا كان عاده ما تصرف فيه، فيرجع ينقص رأس المال. 

لكن الجمهور على خلاف ذلك. فلو صح التلف قبل الشروع في العمل. عند الزرقاني، يذكر عن الزرقاني عند المالكية يقول: لم يكن رأس المال إلا ما بقي، وهو ما نقله ابن حبيب عن أصحاب مالك. لا يكون كذلك حتى يقبض منه المال ثم يردّه قراضًا ثانيًا، فهو على الأول يجبر التلف بالربح. فأما إذا تلف الكل؛ خلاص العقد بطل من أصله الآن ما عاد بقي شيء أبدًا يعمل بماذا؟ العقد كله انفسخ ان. 

"قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلاَّ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ"، الذهب والفضة والنقود؛ هذه هي التي تصح المضاربة فيها، أما بضاعات أخرى، يعطيه أرض، يعطيه طعام، يعطيه ثياب، يقول: خذها اتجر فيها والربح بيني وبينك يتجر في ماذا؟ كم قيمتها اليوم؟ يكون رأس المال كم؟ وإذا كان الآن قيمتها مئة ألف، وراح يتاجر يتاجر فيها، بعد سنة رجع حصَّل الثياب هذه قد غَلَت، وهو رجّع ثلاثمئة ألف. حصّل الآن سعر الثياب هذه الآن ثلاثمئة ألف! أين رأس المال وأين الربح؟ صار العمل كله خلص يرجع لصاحب المال.. 

أو بالعكس رخصت، وصارت قيمتها خمسين ألف وكانت قيمتها مائة ألف والآن خمسين ألف، فكم رأس المال؟ قال: خمسين ألف، والخمسين ألف الثانية حقي ستأخذ عليّ منها من رأس المال! فإما يدخل العامل في رأس المال يأخذ منه، أو يدخل المالك في ربح المخصوص بالثاني ويأخذ منه؛ وهذه باطلة. قارض على ذهب أو فضة، على نقد كذا كذا.. هذه هي هي؛ ثابتة قائمة محلها. بعد ذلك احسبوا كم القيمة؟ ورأس المال معروف لا يزيد ولا ينقص لذلك.

لهذا "قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَصْلُحُ الْقِرَاضُ إِلاَّ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ، وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ"، يعطيه عنب أو خضرة، ويقول له: قارض، أقارض على ماذا؟ يقول له: بعها لي، اعطيك أجرتك. صح يبيعها لك، وأعطه أجرة أنت مقابل ما باع لك. وأما مقارضة، مقارضة على ماذا؟ أين رأس المال؟ وأين الربح؟ فلهذا يقول: ما يصح؛ لا يجوز القِراض بغير الدراهم والدنانير لأنها: 

  • أصول الأثمان
  • وقيم المُتلفات
  • وما يدخل أسواقها التغيير وغير ذلك

 لذلك يصح القراض بها، أما العروض فغير ذلك. 

وهكذا يقول ابن قدامة: أنه يجوز جعل رأس المال دراهم ودنانير باتفاق؛ لا خلاف في ذلك. نقيم الأموال والنَّاس يشتركون فيها من لدن النَّبي ﷺ إلى آخر الزمان. أما العروض؛ فلا تجوز الشركة فيها، وكذلك فيما نصّ عليه الإمام أحمد عندهم، وعليه الإمام الشَّافعي، والإمام مالك. 

وقول يذكر عند الشَّافعية: إذا كانت العروض من ذوات الأمثال الحبوب والأدهان جازت الشراكة ولكن المعتمد؛ لا. 

كذلك إذا كانت الدراهم مغشوشة، كيف؟ إن كانت رائجة؟ صارت كأنها غير مغشوشة. ويقول بعض الفقهاء: إذا كان غير الغش أكثر، إذا كان الذهب أكثر أو الفضة أكثر؛ صح. أما إذا كان الغش أكثر منها… ونظر الحنفية إلى الرواج فقط، قالوا: إذا راجت سواءً كان غش قليل أو كثير، إذا هي رائجة، وهي المتعامل بها؛ فيصح المضاربة عليها والقراض عليها.

قال: "وَمِنَ الْبُيُوعِ"؛ يعني الممنوعة "مَا يَجُوزُ إِذَا تَفَاوَتَ أَمْرُهُ" إن فات المبيع، "وَتَفَاحَشَ رَدُّهُ، فَأَمَّا الرِّبَا، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ فِيهِ إِلاَّ الرَّدُّ أَبَداً"؛ يعني: تفاوت أمره وتفاحش رده أو لا. "وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ"، الرِّبا بضع وسبعون بابًا أدناها مثل أن ينكح الرَّجُل أُمه. "وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ"؛ أي: الربا "مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:279]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة:278]. بعد ذلك، ذكر الشروط التي تصح وتُغتفر والتي لا تصح في أمر القراض، يأتي معنا إن شاء الله.

رزقنا الله الاستقامة، وتحكيم شرعه في كل ظاهر وباطن في جميع شؤوننا الخاصة والعامة، ورزقنا بذلك حسن الائتمام بخير الأنام في كل إقدامٍ وإحجام، ورفع راية الشَّريعة بين الأنام وأعزّ حكمها في الخليقة، ودفع عنّا شرّ البلايا والآفات والعاهات في الظواهر والخفيّات، وربطنا بخير البريّات ربطًا لا ينحل، ورفعنا بالارتباط به إلى أعلى محل في لطفٍ وعافية، وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

08 ذو القِعدة 1443

تاريخ النشر الميلادي

07 يونيو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام