شرح الموطأ - 361 - كتاب البيوع: باب ما يَجُوز مِنَ السَّلَف

شرح الموطأ - 361 - كتاب البيوع: باب مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع: باب مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ.

فجر الإثنين 22 شوال 1443هـ.

باب مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ

1993 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَكْراً، فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الإِبِلِ إِلاَّ جَمَلاً خِيَاراً رَبَاعِياً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَعْطِهِ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً".

1994 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْراً مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ، وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ.

1995 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ مَنْ أُسْلِفَ شَيْئاً مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الْحَيَوَانِ، مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ عَادَةٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ أَوْ عَادَةٍ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ.

قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى جَمَلاً رَبَاعِياً خِيَاراً، مَكَانَ بَكْرٍ اسْتَسْلَفَهُ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ، فَقَضَى خَيْراً مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْتَسْلِفِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلاَ وَأْىٍ وَلاَ عَادَةٍ، كَانَ ذَلِكَ حَلاَلاً لاَ بَأْسَ بِهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بأحكامه وبيانها على لسان عبده المصطفى سيدنا محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن حظي بولائه والائتمام به، وعلى آله وصحبه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

ويواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رضوان الله- ذكر الأبواب المتعلقة بضبط المعاملة المالية بين الناس، فيما أوحى الله إلى سيد الناس وعلمهم وأقام له الأساس -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-. ويتكلم عن السلف والقرض، وما يجوز من ذلك وما لا يجوز، ويتفرع عن القرض ما عُرف أيضا بالسَّلَم؛ وهو إعطاء مال معين في شيءٍ موصوف في الذمة يأتي به إلى أجل معلوم. 

يقول: "باب مَا يَجُوزُ مِنَ السَّلَفِ"، وذلك أن في السلف فضلاً لسدّ حاجات الناس، وجاء في الحديث:  من أقرض ماله مرتين، -أو من أقرض رجلاً مالاً مرتين- كان له كمثله صدقة؛ يكون له كأنه تصدق به. وكذلك ورد فيمن أقرض إلى أجل، ثم إذا جاء الأجل فأنظره، أنه يُكتَب له مثل ثواب الصدقة عليه في كل يوم، وهكذا… لِما في ذلك من الرفق والرفد، على أنه جاء في الشرع المصون تنزّهُ الإنسان عن الاسترسال في الديون لغير ضرورة، ولغير مصلحة عامة للمسلمين، وخصوصًا فيما لا وجه ظاهر يرجو منه القضاء لهذا الدين. 

وحذّر الشارع كل الحذر من خُبث النية في الاقتراض، وأنَّ من اقترض وهو ينوي أن لا يؤدي ولا يقضي، فهو سارق، وهو لص، وهو مأثوم من أول ذلك، وأنَّ الله تعالى أيضًا لا يعينه على أداء الدَّين لمكان خبث نيّته وطويّته، وأنَّ من اقترض وهو ينوي الوفاء، يسَّر الله له ما يقضي دينه بأيّ وجهٍ من الوجوه. 

واستعاذ ﷺ من المغرَم -وهو الدَّيْن- ولما سُئِل عن استعاذته من المغْرَم قال: "إن الرجل إذا غَرِم حدّث فكذب" وداهن، ووعد فأخلف" ما وعد، فعلّمنا الاستعاذة من هذا الدَّيْن. 

فبقيت الاستدانة: 

  • إما لمصلحةٍ للمسلمين عامة، وهذا الذي عليه كثير من الصالحين، ويؤدّي الله عنهم. 
  • وإما لشيءٍ من المكارم والفضائل ونفع الغير، وعليه عمل جماعة من الصالحين، ويؤدّي الله عنهم. 
  • وإما لحاجة من الضرورة يضطرّ إليها الإنسان، فيُعَانُ على قضائها وعلى أدائها. 

و "الدَّيْن شين الدَّيْن"، ومن مات وعليه دَين لم يكن له فيه رهنُ، حُبست روحه فلا يزور ولا يزار؛ فهو رهين محبوس بدَيْنه حتى يقضى عنه دينُه من بعد، وهكذا.. ولذا حذِر جماعة من الصحابة ومَن بعدَهم أن يموت أحدُهم وعليه دَين. 

وجميع المعظِّمين لأمر الله والدار الآخرة يؤكدون في وصاياهم مع من وثقوا به من الأوصياء أن يبادروا إلى قضاء ديونهم. وبعضهم يطلب منهم أن يكون ذلك قبل دفنه، وقبل دخوله القبر، أن يقضوا عنه كلَّ دَين كان عليه، وهكذا، ويأتي الأوصياء والورثة الأبرار أرباب الوفاء، فيهتمون بدَيْن ميتهم، ويسارعون إلى قضائه.

ويأتي أولاد الغفلة وتعظيم المادة والدنيا، الذين لم يُرَبَّوا، فلا يبالون -وإن قدروا- أن يغالطوا أو يداهنوا أو يتخلّصوا من صاحب الدَّيْن، فلا يقضون ديْن أبيهم، ولا دَيْن ميتهم، وهو يتغربق مسكين في برزخه، وهم يلعبون بأمواله، ويأكلون ويذهبون بها يمنة ويسرة، ويؤذون من لهم حق الدَّيْن عليه، وهذه من المصائب، والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

وقد تخبط الناس تخبطًا في كل من لم يُقِم حق تربية الحق -جل جلاله- التي بعث بها أنبياءه في النظرة إلى المال والمادة والدنيا، والنظرة إلى الآخرة، وبذلك أخذت الدول في كثير من الأنظمة القائمة أموال من مات، ولم يوصي بوصية، وتخبّطوا في وصاياهم: 

  • فمنهم من يوصي لبعيد، ويترك القريب.. 
  • ومنهم من يوصي لحيوان، ويترك الإنسان، ومنهم ومنهم.. 

فتخبطوا تخبطات في حياتهم، وحُقّ لهم ذلك، وكل من انقطع عن منهج ربه ما له إلا التخبط، وما له إلا الاعوجاج في السلوك (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

فكان شأن هذا السلف والاستدانة، إنما تتم لأجل الحاجة من باب أولى الضرورة، أو لأجل المصالح العامة للمسلمين. 

وقد استقرض ﷺ مراتٍ، فدل على أنه -مع استعاذته من الدَّيْن- أن ذلك يكون: 

  • في حقّ المتساهلين 
  • والذين لا ينوون القضاء 
  • والذين يستقرضون لمجرد الشهوات أو الزخرف أو المظاهر وما إلى ذلك

 فهذا الأمر يكون شديدًا عليهم. 

وإِذا شِئتَ أَن تَستَقرِضَ المالَ مُنفِقًا *** عَلى شَهَواتِ النَفسِ في زَمَنِ العُسرِ

فَسَل نَفسَكَ الإِنفاقَ مِن كَنزِ صَبرِها *** عَلَيكَ وَإِرفاقًا إِلى زَمَنِ اليُسرِ

فَإِن فعلت كُنتَ الغَنيَّ وَإِن أَبَت *** فَكُلُّ مَنوعٍ بَعدَها واسِعُ العُذرِ

إذا ما رضت تنفق عليك هي من كنز صبرها وتلوم الناس ما يقرضونك مما عندهم! وهي نفسك ما أقرضتك من كنز الصبر شيئاً! وهكذا.

فيجوز ذلك القرض:

  • فأما في المكيلات والموزونات بالاتفاق يجوز.
  • وفيما عدا ذلك من القيميّات التي يمكن ضبط الوصف فيها، وضبط القيمة فيها، فكذلك عند الجمهور، وعند جمهور أهل العلم. 

فعندنا أيضًا في الحديث الذي ابتدأ به الباب اقتراض بَكْر؛ اقتراض جمل؛ اقتراض حيوان, كذلك هو عند الجمهور. وإنما قالوا مع ذلك لا يجوز اقتراض الجارية، إلا لامرأة؛ يجوز أن تقترض جارية. أو لمن كانت الجارية تحرم عليه؛ من كانت الجارية تحرم عليه يجوز أن يقترضها برضاعٍ، أو نسبٍ، أو مصاهرةٍ، فإذا كانت حرام عليه على التأبيد فيجوز أن يقترضها، وإلا فلا. 

ويقول: "عَنْ أبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَكْراً"؛ هذا اسمه أسْلَم في أشهر ما ذكر من الأقوال في اسمه: أسْلَم القبطي؛ أبو رافع مولى رسول الله ﷺ، أصله من الأقباط أهديَ إلى النبي ﷺ فأعتقه، فكان مولى رسول الله -رضي الله تعالى عنه- أبي رافع. يقول:"اسْتَسْلَفَ"؛ يعني: اقترض "رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَكْراً"؛ بَكْرًا:  الفتيّ من الإبل، فاستدان، وذلك لمكان حاجة بعض الفقراء، فما وجد لهم شيئًا يعطيهم إياه، فجاء بعض أهل بلدة من الفقراء، ورأى حاجتهم، ولم يكن شيء عنده من مال الصدقة، ولا عنده شيء يملكه يتصدق به عليهم، فاستسلف، استسلف هذا البكر، ليعطي أولئك.

قال: "فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ"، بعد ذلك، "قَالَ أَبُو رَافِعٍ:" لما جاءت الإبل من الصدقة، "فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ"، وفيه اعتنائه واهتمامه بالمسارعة إلى قضاء الدين ﷺ، أول ما يجيء، ولم يأتِ استسلافه إلا:

  • لحاجة الغير. 
  • أو لشيء من المصالح العامة. 
  • أو لنفقة أهله في بعض أحيانه.

يقول: فقال لي رسول الله ﷺ له مثل البكر الذي تسلفنا منه رده إليه، فجاء إلى إبل الصدقة ما وجد فيها بَكْر، كلها كلها كبار، وكلها أحسن، "فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الإِبِلِ" الموجودة التي جاءتك هذه من إبل الصدقة "إِلاَّ جَمَلاً خِيَاراً رَبَاعِياً."؛ ما دخل في السنة السابعة، لا بكر صغير، الرباعي رباعيات الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا تسقط في هذا السن بالنسبة للجمال، إذا طعن في السنة السابعة فيُسمى الذكر رَباعيًا، والأنثى َرباعية، إلى تمام السبع. "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَعْطِهِ إِيَّاهُ"؛ أعطه هذا الذي هو أحسن من حقه، "فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً".

فيكون هذا على أن الذي اقترض منه أيضًا هو في محل الحاجة، فلهذا أعطاه أحسن من حقه من الصدقة؛ أعطاه إياه من الصدقة، من إبل الصدقة، فلو لم تصح له الصدقة ما أعطاه ذلك؛ فهو يعلم إما من دَيْنه، أو من حاجة من ينفق عليهم أنه يحتاج إلى زيادة، فأعطاه الزيادة من إبل الصدقة، وكان قد اقترض للفقراء الذين جاؤوا إليه، اقترض منه للفقراء، ثم ردّه عليه بهذه الزيادة. 

ثم إن الإحسان في القضاء مندوب، ولكن كما يشير الكلام الإمام مالك أيضًا في آخر الباب إلى أنه:

  • إذا لم يكن بشرط.
  • ولا وأي؛ ولا وعدٌ؛ الوأي يعني: الوعد.
  •  أَوْ عَادَةٍ؛ يعني: ما يكون أقرضه إلا لأنه داري عادته في أنه يّرد أحسن، فإذا كان بهذا الدافع أقرضه، فالشبهة دخلت على المقرِض لا على المستقرِض. 

وأما إن كان بشرط أن يرد زيادة بالإجماع؛ بإجماع علماء الشريعة أن ذلك ربا، لا يجوز بحال من الأحوال، وهو من الربا الذي هو من الكبائر، من أكبر الكبائر -والعياذ بالله تبارك وتعالى- الذي توعّد الله المتساهل به بحربٍ منه ومن رسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ) ومن حاربه الله كيف يكون حاله على أي حال يموت والعياذ بالله تعالى! (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279]. 

 قال: "عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَسْلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ"  فأعطاه إياها وأخذها ديْنًا، "ثُمَّ قَضَاهُ دَرَاهِمَ خَيْراً مِنْهَا"؛ يعني: أفضل من الدراهم التي أخذها ابن عمر "فَقَالَ الرَّجُلُ" الذي أسلفه "يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ" الدراهم التي أعطيتني "خَيْرٌ مِنْ دَرَاهِمِي الَّتِي أَسْلَفْتُكَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتُ، وَلَكِنْ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ."؛ يعني: لا أخذتها بشرط منك، ولا بوعد مني لك، وأنا طيّبت بها نفسي لأحسن القضاء للديْن الذي عليّ، فخُذها طيبة بها النفس، لا حرج عليك فيها، أفضل من جهة الصفة هذا أم ماذا؟…..

  • فما كان بشرط فهو ربا بالإجماع. 
  • وأما لم يكن بشرط، ولا بوأيٍ -بوعدٍ- فهو حلال. 

"قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُقْبِضَ مَنْ أُسْلِفَ شَيْئاً مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الطَّعَامِ أَوِ الْحَيَوَانِ، مِمَّنْ أَسْلَفَهُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفَهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ مِنْهُمَا أَوْ عَادَةٍ" كيف عادة؟ اصطلحوا أهل المنطقة أو أهل البلاد هذه، أنه إذا استقرضت كذا ترد كذا، فهو معتمِد على هذه العادة في البلاد حقه. أو كان يعلم من هذا الشخص أنه يوفي بأحسن مما أخذ، ولولا ذلك لم يقرضه، فما أقرضه إلا نظرًا لهذه الزيادة، فكذلك دخلت عليه الشبهة، وينبغي أن يتحلل عن ذلك، ويردّ الزيادة، ولا يأخذ إلا بمقدار ما أخذ، فإن لم يكن له التفات إلى ذلك، وهو يحب أن يقرضه لله تبارك وتعالى فردّ عليه أكثر من ذلك بلا شرط ولا عِدةٍ ولا عادة، فذلك جائز. 

" أَوْ وَأْيٍ"، الوأي هو الوعد، "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ وَأْيٍ"؛ يعني: مواعدة بينهم، "أَوْ عَادَةٍ،" جارية في العرف, "فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ"؛ أي: تحريمًا "وَلاَ خَيْرَ فِيهِ." أصلا. 

"قَالَ: وَذَلِكَ"؛ أي: وجه قضاء الأفضل بدون شرط، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى جَمَلاً رَبَاعِياً خِيَاراً، مَكَانَ بَكْرٍ"، بَكْر صغير "اسْتَسْلَفَهُ،" ورد مكانه جمل كبير رباعي خيار. "وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ، فَقَضَى خَيْراً مِنْهَا" كما جاءنا في الحديثين الماضيين. "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى طِيبِ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْتَسْلِفِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى شَرْطٍ وَلاَ وَأْىٍ"؛ أي: وعدٍ "وَلاَ عَادَةٍ، كَانَ ذَلِكَ حَلاَلاً لاَ بَأْسَ بِهِ.". 

ثم يحدثنا عما لا يصح من السَّلّف، وما يجب اجتنابه، وذلك أن نظام الشريعة تولّى ترتيب أحوالنا كلها، وخيرُنا في اتباع الشرع المصون، وأنظمة آل الرأسمالية، وآل الاشتراكية، أثبتت في واقع الناس شرَّها وضررها وفشلها… (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50].

أصلح الله أحوال المسلمين، ودفع البلاء عنا وعن المؤمنين، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وثبّتنا على ما يحب، وأدخلنا فيمن يحب، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

27 شوّال 1443

تاريخ النشر الميلادي

28 مايو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام