شرح الموطأ - 359 - كتاب البيوع: باب ما جاء في الشَّرِكَة والتَّوْلِيَة والإِقَالَة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَة.

 فجر السبت 20 شوال 1443هـ.

 باب مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَة

1981 -قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ وَيَسْتَثْنِي ثِيَاباً بِرُقُومِهَا: إِنَّهُ إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى، فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكاً فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ.

1982 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَةِ مِنْهُ، فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلاَ وَضِيعَةٌ وَلاَ تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، صَارَ بَيْعاً يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ، وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلاَ تَوْلِيَةٍ وَلاَ إِقَالَةٍ.

1983 - قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقاً فَبَتَّ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ وَنَقَدَا الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعاً، ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا، فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ، وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ: أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ مِنْهُ، وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ وَفَاتَ الْبَائِعَ الأَوَّلَ، فَشَرْطُ الآخَرِ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ.

1984 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ حِينَ قَالَ: انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ، عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ، وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ، أَوْ فَاتَتْ أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ، فَهَذَا مِنَ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً.

1985 - قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ سِلْعَةً، فَوَجَبَتْ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعاً. كَانَ ذَلِكَ حَلاَلاً لاَ بَأْسَ بِهِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ، عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الآخَرَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته، وبيانِها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأهلِ محبته ومودته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رقَّاهم الله في الفضل على ذُروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 وبعدُ، 

يتكلم الإمام مالك -عليه رضوانُ الله- عن بعض شؤونِ البيع والشَرِكة، وما تعلق بذلك من توليةٍ وإقالةٍ في هذا الباب، يقول: "باب مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَة". 

"باب مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ"، المأخوذةِ من شَرِك يَشْرَكُ شرِكةً؛ وهو: اختلاط المالَين أو النصيبَين، من إثنينٍ فأكثر. فالشركة: الاجتماع في استحقاقٍ أو تصرفٍ، وهي من المعاملات المُجمَعِ على جوازها، واختلفوا في أنواعٍ منها، وفي توزيعها كذلك وتقسيمِها إلى شركة: عنانٍ وأبدانٍ ووجوهٍ ومضاربةٍ ومفاوضة، وما الذي يصح وما الذي لا يصح عند الأئمة، من أنواع هذه الشركات.

فهي على الجُملة عند عامة الفقهاء، إما شركةُ عَنانٍ أو شركةُ أبدانٍ أو مفاوضةٍ أو وجوه. وشركة العنان هذه هي المتفقُ عليها، وهناك أيضًا لهم نظرٌ في بعض شروطها.

ثم يتكلمُ كذلك على التولية

  • ومعناها: أن يبيعَ الذي اشترى سلعةً إلى آخَر بنفسِ السعر الذي اشتراها به، فيقول: ولّيتُكَ هذا، بلفظ التولية أو بما في معناه؛ جعلتُه لك بالثمن الذي اشتريتُه به وما إلى ذلك، فإن مشتري أيِّ بضاعةٍ إذا أعطاها الآخَر، 
    • إن كان بنفس الثمن يُقال له: تولية.
    •  وإن كان بأكثرَ من الثمن، يعني مع زيادة ربحٍ، يقال له: مرابحة.
    • وإن كان بأقلَ من الثمن، هذا هو الوضيعة، أو الوضع، أو ما يصطلحون عليه بشيء من الأسماء.

فالتولية عبارةٌ عن بيع ما اشتراه على آخرٍ بنفس الثمن الذي اشتراه به، ويُحتاج إلى هذا وإلى المرابحة أيضًا، لأن من الناس من لا يُحسن التصرف، فيلجأُ إلى الذي اشترى وهو من أهل الوعي والفهم، فيشتريَه منه إما بزيادةٍ معقولةٍ وإما بنفس السعر، فيكون مطمئن أنه لا يُغبن في ذلك، ولا يكونُ عليه فيه خسران، فبذلك جاء تشريع هذه البيوع.

وذكر الإقالة: 

  • والإقالة: يقول أقالَه إذا ردَّ عليه ما أخذَ منه في مقابل أن يَستردَّه، فيردَ الثمن مقابل ردِ المُثمَن، وهذا قد يكون لمن اشترى ثم ندم، أو باع البائعُ ثم ندم البائع، فإذا ندم البائع وقال للمشتري: أَقِلني، أو ندم المشتري وقال للبائع: أقلني، فيُسَنّ لكلٍ منهما أن يُقيلَ صاحبَه، وهذه الإقالة التي جاء فيها الحديث: "مَن أقالَ نادمًا بيعته أقالَ الله عثرتَه يوم القيامة" أو "أقاله الله عثرته يوم القيامة"، فيُسامحَه ويتجاوز عنه -جل جلاله- مقابل ذلك.

 أما إن كان جرى عقد فاسد، فتكون الإقالةُ واجبةً، واجب على كل واحد أن يردَ ما أخذه من الثاني، لأن العقد فاسد، فإن كان العقد صحيح؛ فحينئذٍ يُسن قبول الإقالة من النادم، فيكون فيها الأجر والفضل عند الله سبحانه وتعالى.

  • ثم جاء عن الإمام أحمد والإمامِ الشافعي: أن هذه الإقالة عبارةٌ عن فسخ.
  • وقال الإمام مالك: هي بيعٌ؛ لأن المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليها منه.
  • وجاء عن أبي حنيفة: إن كانت في حقِ العاقدين نفسِهما فهي فسخٌ، وإن كان مع غيرِهما فهي إقالة. 

قال: "باب مَا جَاءَ فِي الشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَة"، وأوردَ لنا هذه الأثار: "قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ"؛ يعني: الثوب "الْمُصَنَّفَ"؛ يعني: الذي يحتوي على عدةٍ من الأصناف، يبيع الثوب المصنّف "وَيَسْتَثْنِي ثِيَاباً"؛ أي: عدد من الثياب "بِرُقُومِهَا: إِنَّهُ إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ"، وهذا الاشتراط أو الاستثناء عند الإمام مالك في هذه المسألة، أنه يبيعُ بضاعةً ويستثني منها جزءًا منها، -عدد معين أو غير معين-، 

  • فأما إن كان استثنى شيء معيّن فيما يصحُ أن يُباع مستقلاً، فهذا يصح عند الأئمة كلهم.
  •  وأما أن يستثنى أمرًا مبهمًا، فلا يصح عند الأئمة، إلا عند الإمام مالك، أن للبائع أن يستثنيَ شيئًا يأخذُه بعد المبيع؛ يتخيّره بعد المبيع. 

وعليه جاء كلامه هذا: أنه إذا باع بزًّا أصنافًا واستثنى منه ثيابًا، قال "إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ"؛ من ذلك النوع "فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ" البائع "أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى، فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكاً فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ". يقول: إذا باعه مثلاً ثلاثين ثوبًا، واستثنى منها عشرة، فإن كانت معيّنةً، فهذا صحيحٌ عند الجميع ومتفق عليه، وإن لم تكن معينةً، عشرةً فقط، وبعد ذلك يختارها، فحينئذٍ عند مالكٍ صار الآن هذا البائع له الثلث من مجموع البضاعة، لأنها عشرة من ثلاثين، صار شريك للمشتري في البضاعة، لأنه لم يُعيِّن ولم يَختر، فحينئذٍ يكون شريكًا، بحسبِ النسبة المُستثناة من مجموع البضاعة، نسبتها: رُبع، ثُلث، ثمن… يكون شريكاً فيها عند الإمام مالك.

"وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ"؛ لأن أثمانَ النوع الواحد من الثياب، قد تتفاوتُ مع تساويهِما في الرُقوم، الرقم: بمعنى النوع، وإما لوجود غلاءٍ أو رُخصٍ أو غير ذلك.

 فإذًا؛ 

  • الإمام مالكٌ يُبيح استثناء شيءٍ من المبيع يختارُه البائعُ بعد البيع.
  • وهكذا يقول الحنابلة كبقية الأئمة: إن باع مثلاً قطيع من الغنم،  واستثنى منه شاةً معينةً بعينها؛ معينة صحَ، وأما إن استثنى شاةً، فقال: بعتُك هذا كله إلا واحدةً، يقول: واحدهٌ ما تدخل في البيع سآخذها، فهذا باطلٌ عند الأئمة الثلاثة، ويصح عند الإمام مالك.

إذًا؛ قال أكثرُ أهل العلم، أنه لا يصحُ إذا كان المستثنى غيرَ معين. وقال مالكٌ: يصح أن يبيع ما شاء، إلا شاةً يختارها، أو يبيع مثلاً ثمرةَ حائطه، ويستثني ثمرةَ نخلات، اثنين، ثلاثة، أربعة...

 "قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِدَنَا: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَةِ مِنْهُ، فِي الطَّعَامِ، وَغَيْرِهِ"؛ أي: لا فرق في ذلك بين الطعام وغيره، وإنما بيع المبيع  قبل قبضه عنده لا يجوز فيه البيع ويجوز فيه التولية؛ بيع المبيع قبل قبضه. "قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ" الشِّرك "بِالنَّقْدِ"؛ أي: معجلاً، من دون أجلٍ ومن دون نسيئة، "وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلاَ وَضِيعَةٌ"؛ يعني: نقصٌ من الثمن "وَلاَ تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ".

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإِقَالَةِ مِنْهُ، فِي الطَّعَامِ، وَغَيْرِهِ قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ وَلاَ وَضِيعَةٌ"؛ فهو التولية "وَلاَ تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ". قال: "فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا" البائع أو المشتري "صَارَ" هذا العقد "بَيْعاً يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ، وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ"؛ فتجري عليه أحكام البيوع، ما يجوز وما لا يجوز "وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلاَ تَوْلِيَةٍ وَلاَ إِقَالَةٍ". 

إذًا؛ فعلى ذلك، من ابتاع طعامًا على كيلٍ أو وزنٍ أو عدد، فما يجوز أن يبيعَه حتى يستوفيَه، لأن النبي ﷺ نهى عن بيع المبيع قبل قبضه.

لكن عند الإمام مالك: يجوز أن يُشرّك فيه أو أن يولّيه الغير،  يجوز بعضه أو جميعه، أو يقيل البائع منه قبل القبض. قال: فلو كان من أحدهما تأخيرٌ، بأن يؤخر المُسْلَم إليه برأس مال المسلَم، أو يكون البيع -منه الطعام- إما قد أُخِّر بثمنه ثم أقال منه على التعجيل، أو اشترك أو ولّى على التأجيل، فإن ذلك كله يخرجه عن عقود المكارمة أو المبايعة الخاصّة التي ذكرها الإمام مالكٌ عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

"قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقاً فَبَتَّ بِهِ"؛ أي: قطع الشراءَ من دون خيارٍ، "فَبَتَّ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ" يدخله معه فيه، "وَنَقَدَا الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعاً، ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا"؛ بأن استـُحقت لرجلٍ آخر مثلاً، "فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ" هذا الثاني الذي دخل عليه، "يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ" الذي أدى إلى زيدٍ أو إلى عمروٍ، كيف هذه المسألة؟ 

يقول: "اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقاً فَبَتَّ بِهِ" قطَعَه من دون خيار، "ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ" آخر "أَنْ يُشَرِّكَهُ" أن يشركَه معه في هذا، فقبل  بذلك، ومقدارُ ما عليه وما على شريكه من الثمن، سلَّموه، "وَنَقَدَا الثَّمَنَ" لصاحب البيع؛ للبائع، ولكن بعد ذلك، بانَ أن هذه السلعة مستحقةٌ لغيرهم، فحينئذٍ قال "الْمُشَرَّكَ" وهو الثاني "يَأْخُذُ مِنَ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ"؛ لأنه هو الذي أخذ الثمنَ مقابلَ تلك الشركة، قال: "وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ" ثمن "بَيِّعَهُ الَّذِي بَاعَهُ"؛ أي: باع زيد "السِّلْعَةَ"، فإذا باع زيدٌ السلعة على عمروٍ، وجاء بعد ذلك بكرٌ، وطلب من عمروٍ أن يشركه فشركه، فبان أن السلعة التي ابتاعوها مستحقةٌ للغير، "ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا"، فإن المشرَك هذا -وهو بكرٌ- يأخذ من الذي أشركه الثمن؛ لأن زيداً هو الذي أخذ الثمنَ من بكر، فعليه العُهدة، ويَطلبُ الذي أشرك -بكرًا- ثمنَه؛ بيعه الذي باعه؛ أي: باع زيداً السلعة، "إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الأَوَّلِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ"؛ يعني: يَتبدل مجلسُ البيع "أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ مِنْهُ"، فإذا شرطَ ذلك فعُهدتُه عليه، إن حدث شيءٌ مثل ما ذكر في هذه الصورة. قال "وَفَاتَ الْبَائِعَ الأَوَّلَ فَشَرْطُ الآخَرِ بَاطِلٌ."، "وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ"؛ أي: تغير مجلسُ العقد "وَفَاتَ الْبَائِعَ الأَوَّلَ" أي ذهب عمرو بعد البيع "فَشَرْطُ الآخَرِ بَاطِلٌ" لا يُعبأ به "وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ" لبَكرٍ.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ"، قال: أراد أن يخلط بين الشركة، ويقول له: أنت اشترِها والنقدُ منك،  "وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ" فطلبُه أن يكون بينه وبينه ،كأنه استقرضَ منه، لما قال اشتر هذا السلعة بيني وبينك، كأنه استقرض منه نصف الثمن، "اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ"، فيصير حكمُه كأنه استقرض منه نصفَ الثمن. "اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ" أنت الثمن، قدِّم الثمن، معناه: نصفُ الثمن أقرضني إياه وقدمه، واشترِ السلعةَ بيني وبينك، "اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ عَنِّي"؛ يعني: قدِّم من عندك النقدَ، وبعد ذلك: "وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ"؛ يعني: والربح بيننا الذي يجيبه البيع.

هذا الذي لم يجوّزه الإمام مالك، لأنه طلب منه قرضًا، فأقرضَه نصفَ الثمن على أن يتولّى هو البيع، فكان فيه فائدةٌ تعود لصاحب القرض، فصار هذا قرضٌ بمنفعة. "قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ حِينَ قَالَ: انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ" لماذا؟ قال: "وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ" إيش معنى وانقد عني؟ يعني: نصف عليك أنت، والنصفُ قدمه عليَّ، احسبه عليّ، يعني: أقرضني إياه. 

"وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ" أكفيك بيعها، أي: بع نصيبك منها، باخذها وأبيعها كلها بالربح وبجيب ربح؛ نصف لي ونصف لك، معناه: نصف الربح سيأخذه هذا الثاني الذي باع، ويرد له أيضًا نصف الثمن، لأنه قدّمه له، فيردُ له نصف الثمن ونصف الربح، فكأنه استقرضَ منه نصف الثمن بمقابل أنه يتولى البيعَ وتكاليفه، فيبيعُ بعد شرائه من الأول، ويأتي له به. فهذا عدّه الإمام مالك من القرض الذي جرَّ منفعة وهو محرم. 

قال"وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ: إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ حِينَ قَالَ: انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ" فوجه عدم الجواز، إنما صار ذلك -أي: نقدُ عمروٍ الثمن- "سَلَفٌ يُسْلِفُهُ"؛ يعني: يقرض عمروٌ زيدًا، على شرط أن يبيعها زيدٌ له؛ أي: لعمروٍ "وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ" بعد ذلك "أَوْ فَاتَتْ"؛ أي: تغيرت بتحول الأسواق أو غيرها. "أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ" عمروٌ "الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ شَرِيكِهِ"؛ من زيدٍ "مَا نَقَدَ عَنْهُ". إذا؛ فهذا دليل على أنه إنما أقرضه، "فَهَذَا مِنَ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً" و "كلُ قرضٍ جرَّ منفعةً فهو ربا".

وأما نوع المضاربة أو القِراض الذي فيه شركة، مثل: اشتركوا في مالين، ليس فيه قرض، وبدن أحدهما -صاحب أحدهما- يعني: يُخرج كل منهما مثلاً ألف، ويأَذن أحدُهما للآخر في التجارة بهما، بالألف حقي والألف حقك رُح واتّجر فيها، هذا ليس من باب القرض، فما صُرف للعامل من الربح إذا زاد، جائزٌ، لأنه مضارِبٌ لصاحبه في ألفٍ، ولعاملِ المضاربة ما اتفقا عليه بغير خلاف.

"قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ سِلْعَةً، فَوَجَبَتْ لَهُ" لمشتري السلعة، "ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ" آخر "أَشْرِكْنِي" في سلعتك "بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعاً"؛ أشركني في سلعتِك بنصف هذه السلعة، وأنا أبيعُها لك جميعًا. "كَانَ ذَلِكَ" العقدُ "حَلاَلاً لاَ بَأْسَ بِهِ" لماذا؟ قال: "وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ، عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الآخَرَ" وليس من باب القرض. إذا قد اشترى سلعةً وثبت له ملكُها، ثم أتاه رجل، قال له: "أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعاً" ليس كما قال ذاك: انقُد عني، لا.. هذا اشتراه بنقده له لنفسه، خلاص دخلت ملكَه الآن. جاء الثاني قال: "أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعاً"؛ فكأنه باعه النصف الذي أشركَه الآن، بنصف الثمن الذي ابتاعه به؛ ما أعطاه قرض، إنما باع عليه نصف السلعة بنصف الثمن، هذا معنى: أشركني في سلعتك هذه، ما قال انقد عني، بل قال: أشركني؛ يعني: نصفُها بِعه عليّ بنصف الثمن الذي اشتريت به، فقبل منه، وقال: أنا أبيعها بعد ذلك لك، فما دخلَ في ذلك شيء من الجهالة. قال: "لاَ بَأْسَ بِهِ". باعه النصفَ الذي أشركه، بنصف الثمن الذي ابتاعه به، وبعمله في النصف الباقي له، فما دخلَ في ذلك شيء من الجهالة، لأن الثمن معلومٌ والسلعة معلومة، وعملُ الشريك في بيعها معلوم.

 وأن ما يتعلق به من وجوه الاعتراض أنه جمعَ بين البيع والاجارة، هذا في مذهب الإمام مالك، قرر ان هذا بيعٌ وأنه جائزٌ 

  • فهذا عند الإمام مالك جائز أن يجتمعَ بيعٌ وإجارةٌ في عقدٍ واحد.
  • لكن هذا ممنوع عند الحنفية وعند الشافعية؛ ما يكون في عقدٍ واحدٍ بيعٌ واجارةٌ، لأن الثمن عندهم يصير مجهول، لا يُعلم مبلغُه من مبلغ ثمن الإجارة حين العقد، والاجارة بيعُ منافعٍ، فصار بيعتين في بيعة.

 فالإجارة والبيع أجازه الإمام مالك؛ اجتماع الإجارة والبيع في عقدٍ واحد، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة. إذًا؛ الإمام مالك أجاز أن يقترن البيع بالإجارة دون غيرها من بقية العقود -الإجارة-، ولم يُجز ذلك الحنفيةُ ولا الشافعية.

رزقنا الله إقامةَ الشريعة في جميع المعاملات، وأدائها على الوجوه المرضيات، وحمانا من جميع الآفات، وبلغنا الأمنياتِ وثبتنا أكمل الثبات، ووقانا الأسواء والأدواء وكلَ بلوى في السِرّ والنجوى، وأصلح شؤون المسلمين ظاهرًا وباطنًا، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ. 

 

تاريخ النشر الهجري

25 شوّال 1443

تاريخ النشر الميلادي

26 مايو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام