شرح الموطأ - 357 - كتاب البيوع: باب ما جاء في الرِّبا في الدَّيْن

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ.
فجر الثلاثاء 16 شوال 1443هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ
1970 - حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدٍ أبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ، أَنَّهُ قَالَ: بِعْتُ بَزًّا لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ بَعْضَ الثَّمَنِ وَيَنْقُدُونِي، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: لاَ آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَلاَ تُوكِلَهُ.
1971 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَلْدَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَيُعَجِّلُهُ الآخَرُ، فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَنَهَى عَنْهُ.
1972 - وَحَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الأَجَلُ قَالَ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ فَإِنْ قَضَى أَخَذَ، وَإِلاَّ زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الأَجَلِ.
1973 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ، وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِى حَقِّهِ. قَالَ: فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لاَ شَكَّ فِيهِ.
1974 - قَالَ مَالِكٌ فِى الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِئَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِئَةَ دِينَارٍ نَقْداً بِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى أَجَلٍ، هَذَا بَيْعٌ لاَ يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِئَةَ الأُولَى إِلَى الأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ، وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَاراً فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَلاَ يَصْلُحُ، وَهُوَ أَيْضاً يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ؟ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلاَّ زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ، وَزَادُوهُمْ فِي الأَجَلِ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بالملّة، وبيان الأحكام على لسان عبدهِ وحبيبهِ سيّد أهل القبلة، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله البدور وأصحابه الأهِلّة، وعلى من والاهم في الله، واتبعهم بإحسان في قوله إذا قاله وعمله إذا عَمِله، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين جعلهم الله في البرايا سادة المقرّبين الكَمَلة، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مَالك في هذا الباب، مسألة الدّين المؤجل، إذا أراد صاحبه أن يتعجّل صاحبه الذي له أو الذي عليه، في مقابل أن يُوضَع من الأصل شيء، فينقص من المقدار الذي على مَن عليه الدين مقابل أن يُتجاوَز الأجل ويُعطى الدائن قبل حلول أجله، وقبل حلول الوقت الذي يستحق فيه الأخذ.
وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف، بخلاف مسألة أن يُؤجّل فوق الأجل؛ يؤخر أن يكون الدين حالًّا أو انتهى أجله وحلّ، ثم يؤجَّل أجلاً آخر مقابل زيادة فهذا مُجمع على تحريمه، وأنه الربا المنصوص عليه في كلام الله وكلام رسوله؛ وهو ربا الجاهلية، الذي قال عنه ﷺ: في خطبة الوداع، "ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا عمي العباس"، (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[البقرة:279].
وأما المسألة هذه:
فإن الإمام مالك يرى أن الربا فيها أيضًا، وكذلك الحنفية. وجاء قولان عن الشافعية، واختلافهم في الرواية عن الإمام أحمد ابن حنبل -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، فيما يعجّل قبل الأجل ويضع بعض الدين، وهذا مما رآه ابن عباس لا شيء فيه وأنه من المكرمات.
- أما إذا وضع شيئا مما عليه وقد حلّ الأجل أو أبقى الأجل على ما هو عليه وضع شيء فهذه مكرمة، بالاتفاق والإجماع وهي من المحاسن، وذلك إبراء صاحب الدين من بعض الدين أو من كله، فهذا خير عظيم لا يرى فيه أحد من أهل العلم إلا الفضل والإحسان.
- لكن أن يضع شيء مقابل التعجيل وهو لا يستحق التعجيل؛ لم يأت وقت الأجل وهو لا يستحق شيء أصلًا، فيأخذ بعض الشيء مقابل أنه قدّمه، فهل يُعد أنه بمقابل هذا التعجيل جاء هذا النقص فكأنه اشترى الذي عليه الدين الجزء الذي وضعه عنه بمقابل أجل قدّمه؟
- قال الإمام مالك: هذا مثل أن يأخذ عليه مالا بمقابل أجل يمدّه وأجل يُؤخره هذا مثل هذا، فبذلك قال: بتحريمه الإمام مالك والإمام أبو حنيفة.
- وجاءت الروايتين عن الإمام الشافعي والإمام أحمد ابن حنبل -عليهما رحمة الله تبارك وتعالى وعليهم أجمعين-.
فإذًا؛ شبهة ينبغي اجتنابها. مع ذلك قال الإمام مالك: إذا كان سينقده قبل الأجل شيء، لكن من غير جنس الذي عليه؛ بأن يكون الذي عليه ذهب أو فضة؛ دراهم أو دنانير، وهو ينقده لا دراهم ولا دنانير، ينُقده شيء من العروض، فذلك عند الإمام مالك لا بأس به ويحل ولا يضر، ينقدُه شيء من هذا قيمته أقل من قيمة الديْن الذي عليه مقابل الديْن، هذا جعله من باب الحَطّ في الدين وليس فيه حيلة الربا؛ لأنه لا يضر الأجل فيه أصلًا؛
- كيف لو أراد أن يشتري البضاعة بدراهم أو دنانير إلى أجل جائز..
- بخلاف إذا أراد أن يشتري دراهم بدنانير أو دنانير بدراهم أو دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير بأجل ممنوع.
فلهذا إذا أراد أن يقدّم مقابل بعض الدنانير فكأنه اشترى بأجل فلا يجوز، وأما إن كان بعروض من غير جنس الديْن الذي عليه وقيمتها أقل فقد أجازه الإمام مالك وغيره ولم يرَ في ذلك بأسًا كما تقرأ في موطأه.
قال: "باب مَا جَاءَ فِي الرِّبَا فِي الدَّيْنِ"، ومما اشتهر أيضًا عند أهل العلم والفقه أثر: "كل قرضٍ جرّ منفعة فهو ربا"؛ فلا يجوز لمسلم أن يُقرض مسلمًا ثم ينتفع بإقراضه إياه شيئًا من النفع، ولذا كان الأخيار في الأمة يحتاطون ويحترزون، ويتورعون عن أن يستفيدوا ممّن دانوه شيئًا ولو حمل بضاعة، ولو أي شيء من المنافع، فإذا له عليه دين أراد أن يحمل متاعه يقول له: لا تحمله، غيرك يحمله أنا بحمله، ما يرضى أن يحمل متاعه، خشية أن يكون إنما حمل متاعه لأن له عليه دين، فصار هذا منفعة غير الديْن الذي في رقبته وفي ذمته ما سيؤديه إليه، فَيحتاطون من ذلك و يحترزون منه وهكذا.
ولذلك قالوا: لو طلب أحد من أحد ديْن، قال: نعم سأعطيك الديْن لكن كل يوم لمّا تسرح بأولادك إلى المدرسة تمرّ على أولادي معك، فيوافق… هذا كله خبيث ما هو طيب؛ لأنه هذا مقابل الديْن؛ مقابل أنه سيعطيه ديْن فيسرّح أولاده ويجيبهم عجيب! وهذا من الدين هذا؟ هذا منفعة، و "كل دين جر منفعة فهو ربا" فلا يجوز القرض بمنفعة. وهكذا جاءت الشريعة الغراء تسد أبواب التحيّلات والأضرار والفساد بأنواعه، وتقيم الأمر على نور وهدى وبصيرة وخير يسود الناس.
قال عليه الرضوان: "عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدٍ أبِي صَالِحٍ مَوْلَى السَّفَّاحِ"، لقب أول خلفاء بني العباس؛ عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، أول الخلفاء العباسيين يُقال له: السفاح، قال:"بِعْتُ بَزًّا"؛ يعني: ثيابًا، "لِي مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ"؛ هذا محل في المدينة المنورة، فيه بزازين يتواجدون، وكذلك موضع بين مكة والطائف. قال: "إِلَى أَجَل"؛ أي: نسيئة، "ثُمَّ أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ"؛ يعني: فطلبت أهل دار نخلة هذه ثمن الثياب، "فَعَرَضُوا عَلَيَّ"؛ طلبوا منّي، "أَنْ أَضَعَ عَنْهُمْ"؛ أُسقِط بعض المبلغ الذي لهم من هذا الثمن، "وَيَنْقُدُونِي"؛ يعجّلوا لي باقي الثمن بعد ما أضع لهم، لأني سأسافر فيعطوني حقي قبل حلول الأجل لكن أُنقّص لهم، "فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ"؛ عن حكم هذه المسألة، "زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ" الصحابي المشهور كاتب الوحي، "أفرضكم زيد"، الذي كان ممن يُستفتى من الصحابة.
"فَقَالَ: لاَ آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَلاَ تُوكِلَهُ"؛ يعني: هذا مال مشبوه إن لم يكن حرام محض؛ لأنك تضع عنهم مقابل تعجيل الأجل، وأنت الآن ما تستحق شيء عليهم إنما عند مجيء الأجل، فلذا قال: لا أرضى لك تأكله ولا تؤَكله، تأكله أنت "تَأْكُلَ هَذَا" قبل وقت الأجل وتضع عنهم، فتُؤكّلهم الباقي مقابل أنهم نقدوا لك المقدار الذي أعطوك إياه. "فَقَالَ: لاَ آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَلاَ تُوكِلَهُ"؛ أي: ابتعد عن ذلك. فإذا كان له مائة فقالوا: ننقدك خمسين الآن وتسامحنا على المائة بعد سنة أو بعد سنتين، الآن نعطيك إياها مقابل خمسين، فيُقال له:
- لا تأكله؛ الخمسين هذه قبل حِلّها وقبل أن يأتوا بها عن طيب نفس منهم.
- ولا تؤكلهم؛ أنت الخمسين الثانية مقابل أنهم عجّلوا لك هذه الخمسين.
لا تأكل ولا توكله؛ يعني: أنه من الربا، والربا لعن الله آكله وموكله، فأنت لا تأكله ولا توكله، فكان مذهب سيدنا زيد بن ثابت أن ذلك لا يجوز بخلاف إذا حلّ الأجل فنقص شيئًا فذلك خير.
وكذلك إذا حلّ الأجلُ فزاد المعطي شيئًا من عنده من دون اشتراط ولا التفات من الذي أدانه، فـ "خيركم أحسنكم قضاءً" كما يقول ﷺ. وأما أن يشترط: زِدني فهذا هو الحرام.
إذًا؛ فعندنا مسألتان:
- الأولى: مسألة ضع وتعجّل، هذه المختلف فيها.
- والثانية: أجّلني وأزيدك، هذا مجمَع على تحريمها؛ ما يجوز أن يقول: أجّل وأزيدك.
ولكن هذه مسألة ضع وتعجّل هذه مختلَف فيها وينبغي اجتنابها.
قال: إذا كان عليه ديْن مؤجل، وقال: لغريمه ضع عنّي بعضه وأُعجّل لك بقيته..
- لم يَجُز يقول الحنابلة.
- وكرهه زيد ابن ثابت وابن عمر والمقداد وابن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية وإسحاق وأبو حنيفة.
- رويَ عن ابن عباس أنه لم يرَ به بأسًا، رُوي عنه وعن أبي ثور. قال: أجاز ذلك ابن عباس من الصحابة وزُفَر من فقهاء الأمصار.
أما ما جاء في الصحيحين من قول النبي ﷺ: دع الشطر من دينك، قال: "قد فعلت"؛ فهذا في ديْن الحال، قد حَل ما له دخل في الأجل ولا تقديم ولا تأخير.. ما جاء في الصحيحين أنه قال لكعب في ديْنه على ابن أبي حدرد وكان يستقضيه إياه، وكأن ذاك ما عنده المبلغ كامل وتأخر عليه، فكما جاءنا في البخاري وفي مسلم أيضًا أصل القصة، أن سيدنا كعب تقاضى ابن أبي حدرد ديْنًا كان عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما، سمعهم النبي ﷺ وهو في البيت فخرج إليهما، خرج من البيت لما سمع الأصوات ارتفعت حتى كشف ستر حجرته، نادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، سمع صوت النبي، فلبّى قال لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه؛ يعني: النصف؛ ساعده في النصف من عندك، لأنه رأى ذلك فقير ومحتاج، قال له: ساعده في النصف؛ دع الشطر، قال: قد فعلت يا رسول الله خلاص نصف، قال: قم فاقضِ أعطه حقه النصف الثاني، فأصلح بينهم ﷺ كان هذا في ديْن حال قد حضر، ليس فيه النصف مقابل تقديم أو تعجيل الأجل، أجل الدين قد حَل ليس فيه أجل.
وهكذا يذكر: "عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الأَجَلُ قَالَ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟" لا حول ولا قوة! ستسلم أم أزيد عليك المبلغ، نؤجله لك أجل ثاني، "فَإِنْ قَضَى أَخَذَ، وَإِلاَّ زَادَهُ فِي حَقِّهِ وَأَخَّرَ عَنْهُ فِي الأَجَلِ"، هذا مجمع على تحريمه وأنه ربا الجاهلية.
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ الطَّالِبُ وَيُعَجِّلُهُ الْمَطْلُوبُ، وَذَلِكَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُؤَخِّرُ دَيْنَهُ بَعْدَ مَحِلِّهِ عَنْ غَرِيمِهِ، وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِى حَقِّهِ. قَالَ: فَهَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ لاَ شَكَّ فِيهِ"؛ فشك في الثاني وقاس الأول عليه سيدنا الإمام مالك، فما عندهم: ضع وتعجّل، لأنه شبيه بالزيادة، هذا مثل ما قال له: تقضي أو تُربي.
"قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مِئَةُ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ"، شهر أو شهرين أو سنة، "فَإِذَا حَلَّتْ قَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: بِعْنِي سِلْعَةً يَكُونُ ثَمَنُهَا مِئَةَ دِينَارٍ نَقْداً بِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ" زاد خمسين "إِلَى أَجَلٍ"، إلى شهر، قال: "هَذَا بَيْعٌ لاَ يَصْلُحُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْهُ"؛ يعني: بِعني سلعة أخرى الآن حتى يصبر عليه ما يؤجله، يقول له: بعني بنقد الآن، السلعة تساوي مائة، قال: بشتريها منك بمائة وخمسين! حتى يستمر الأجل في الباقي، قال: هذا لا يصلح، "هَذَا بَيْعٌ لاَ يَصْلُحُ"؛ يعني: لا يجوز.
"قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَيُؤَخِّرُ عَنْهُ الْمِئَةَ الأُولَى إِلَى الأَجَلِ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ، وَيَزْدَادُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ دِينَاراً فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ"؛ بسبب التأخير اشترى هذه البضاعة بمائة وخمسين، "فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَلاَ يَصْلُحُ، وَهُوَ أَيْضاً يُشْبِهُ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي بَيْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا حَلَّتْ دُيُونُهُمْ قَالُوا لِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ: إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ؟ فَإِنْ قَضَى أَخَذُوا، وَإِلاَّ زَادُوهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ، وَزَادُوهُمْ فِي الأَجَلِ"؛ وذلك مُجمَعٌ على تحريمه. من كان له على رجل مائة دينار إلى أجل فاشترى منه عند الأجل، سلعة تساوي مائة دينار، اشتراها بمائة وخمسين فقضاه دينه الأول، وإنما قضاه ثمن سلعته، وزاد خمسين دينارًا في دينه لتأخيره فيه عن أجله، فإذا تم مثل ذلك، قال الإمام مالك: يُفسخ البيع في هذه السلعة التي باعه إياها بمائة وخمسين، فإن فاتت رددتُها إلى قيمتها نقدًا، وفسخت البيع الأول؛ فينفسخ البيع الذي باع فيه السلعة بمائة وخمسين، وهكذا كل الذين يقولون بقطع الذرائع يذهبون إلى هذا.
رزقنا الله تحكيم شرعه المصون، ومتابعة أمينة المأمون، وتولّانا بما هو أهله في الظهور والبطون، ولا وَكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحدٍ من خلقه طرفة عين، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
24 شوّال 1443