شرح الموطأ - 356 - كتاب البيوع: باب بَيْعِ الخِيَار

شرح الموطأ - 356 - كتاب البيوع:  باب بَيْعِ الْخِيَارِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب بَيْعِ الْخِيَارِ.

فجر الإثنين 15 شوال 1443هـ.

 باب بَيْعِ الْخِيَارِ

1965 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ".

1966 - قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ، وَلاَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ.

1967 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ".

1968 - قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ: أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلاَناً، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَرِهَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلاَناً: إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لاَزِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا، وَلاَ خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لاَزِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ.

1969 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ، فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ. وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: ابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ: إِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمَا قَالَ، وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا بِعْتَ سِلْعَتَكَ إِلاَّ بِمَا قُلْتَ، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلاَّ بِمَا قُلْتَ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مكرمِنا بدينه وبيانه، على لسان عبدِه وحبيبه وأمينه، سيدِنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه والعاملين على تبليغه وتبيينه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين من الحقّ -جل جلالُه وتعالى في عُلاه- بائتمانه على بلاغ رسالته إلى خلقِه في ظاهر الأمر وبطونه، وعلى آبائهم وإخوانهم من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

فيذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الباب الخِيارَ الذي يقع بين المتبايعَيْن والمتعاقدَيْن، وما يُحكم به من الخيار، واختلافَ الأئمة في ذلك. قال: "باب بَيْعِ الْخِيَارِ"؛ الذي هو اسم من الاختيارِ أو التخييرِ، أو طلبِ خيرِ الأمرين من إمضاءِ البيع أو فسخه. 

وهذا الخيار أقسامٌ، واختلف الأئمة في تسمية هذه الأقسام وتعدادها، والخلاصة أنّ هناك مواضع وأحوال في البيع والشراء يجوز فيها فسخُ العقدِ لكلٍّ من العاقدَيْن أو لأحدِهما، فتعدّدتْ.. فعدّدها بعضُهم إلى سبعة، وبعضُهم إلى سبعةَ عشر، وبعضُهم إلى ثلاثة عشر، وأقل من ذلك وأكثر.

واختصر المالكية أنواعَها إلى أمرين اثنين، عندهم يكون الخيار؛ 

  • حكمي. 

  • وإرادي. 

واختصر أيضًا معظمَها الشافعية في ثلاثة، وقالوا: 

  • خيار المجلس

  • وخيار الشرط

  • وخيار العيب 

وبعد ذلك هناك مسائل أيضًا، من مثل تلقِّي الركبانِ وغيرهم إذا دخلوا فلهم الخيار، وغيرِها من المسائل التي يأتي فيها الخيار بحكم النصّ في الشرع. 

فأورد لنا الحديثَ المتعلقَ بخيار المجلس، ويقول: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا". والحديث كما يسبق إلى الأذهان قال: "إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ"؛ أي: اختيارَهما إمضاءَ البيع وعدمَ حقِّ الفسخِ فيه. 

والحديثُ أيضًا جاء في الصحيحين كما رواه الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- وبعددٍ من الروايات، وهو كما تراه فيما يبدُر إلى الذِّهن يتعلقُ بالمجلس، بخيار المجلس، وأنّ "الْمُتَبَايِعَانِ" إنما تُطلق على من تمّ البيعُ بينهما. 

وأما من كانا يتحاوران لأجل البيع فيُسمَّيان: متساومان، ومن هنا جاء السَّوم على سوم أخيه والبيعُ على بيع أخيه، فرقٌ بين السَّوم والبيع. 

وبهذا قال الشافعيةُ والحنابلة: أنَّ المرادَ بالمتبايعَان أو "البيِّعَان" كما جاء في روايةٍ تثنيةُ بيِّع، وتثنية بائع؛ متبايعان وبيِّعان، كلُّ واحدٍ منهما بالخيار، قالوا إنّه في المجلس، إذا نفذَ البيع بينهما، فما داما في المجلس لم يتفرّقا بأبدانهما عُرفًا فالخيار ثابتٌ لكل منهما، إلاّ أن يختارَ أحدُهما مُضِيَّ البيع فيسقطُ حقُّه في الخيار، أو يختارَ الآخر ذلك. 

فإن اختار أحدُهما إسقاطَ الحق في الخيار وسكت الآخر؛ 

  • قال الحنابلة: سقط عن الاثنين.

  • قال الشافعية: الذي يتكلمُ يسقطُ في حقِّه، والثاني ثابتٌ خيارُ المجلس له، لأنّه لم يُقرَّ الآخرَ على ذلك. 

يقول: إننا اخترنا لزومَ البيع، أو اخترنا عدمَ الخيار، أو أسقطْنا حقَّنا في الخيار، فالقائل هو الذي يسقط حقُّه، والثّاني ما دام سكتَ ولم يُقبَل منه ذلك، ولم يقل قبلتُ ذلك، ولم يقل وأنا كذلك، فهو إذن حقُّه باقٍ له أن يختار ما دام في المجلس عند الشافعية. وقال الحنابلة: إن سكت سقطَ حقُّه، فإن لم يسكت وقال: بل حقي لي، فحقُّه باقٍ. هذا الخيار الذي عليه الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل عليه أكثر ما رُوَي عن الصحابة والتابعين وأكثر العلماء. 

  • وقال الإمامُ أبو حنيفة والإمام مالك: إنّهما بالخيار حتى يتفرّقا بالأقوال، فذا يبيع وذا يشتري، فيثبُت البيع. 

فأوَّلا المتبايعَين بالمتساومَين، فجعلوا الحكمَ دائر على المساومة، فما داما في المساومة فهما بالخيار، لا يلزمُ أحدَهما شيءٌ حتى يتمّ، بعتُ واشتريت، أو بعتُك أو قبلتُ.. إذًا؛ هنا "تفرقّا" في أقوالهما، وانتقل الثمن إلى ملك البائع والمُثْمَن إلى ملك المشتري، وأوَّلوا التفارُقَ بذلك. 

وقال: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا"، فيعودُ التفرًُق إلى العُرف، إذًا؛ خيار المجلس ما داما في المجلس الذي هم فيه فالخيار ثابتٌ لكل منهما.

 "إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ" كيف؟ أن يقول: بعتُك هذا على إسقاطِ الخيار ولزومِ البيع ومُضيِّه، فقال الآخر: قبلتُ، اشترطا إمضاءَ البيع وعدمَ الخيار في العقد، فصحّ ذلك، وسقطَ حقُّهما، فإن لم يكن كذلك فالخيار ثابتٌ إلى التفرّق. 

إذًا؛ فخيارُ المجلس ينتهي بأحدِ أمرَين:

  • إما تفرقُ الأبدان.

  • وإما اختيارُ المُضيِّ وإسقاطِ الحق في الخيار. 

هذا خيار المجلس. فخيار المجلس ثابتٌ في جميع البيوع عند الشافعية والحنابلة؛ ما داما في المجلس فالخيار ثابتٌ لكل منهما، إلا أن يختار أحدهما إسقاطَ حقه في الخيار، أو الاثنان معًا، فيسقط إذن خيار المجلس.

خيارُ المجلس ينقطعُ بالتفرّق بحسب العُرف:

  • فإن كان في دارٍ فبِخروجه من الغرفة إلى الغرفة الثانية، أو خروجِه من البيت. 

  • وإن كانا في الدكان فبِخروج أحدِهما من الدكان وانتقالِه منه. 

  • وإن كانا في محلٍّ صغير فبِخروج أحدهما منه. 

  • فإن كانوا في شارعٍ أو في محل كبير واسع، صالةٍ كبيرة، فالتفرّق يحصل بأن يُوليَ أحدُهما ظهرَه الآخرَ ويمشي خطوات، يروح.. 

  • وقيل: إلى أن ينقطعَ سماعُه لصوته، يبقى مكانه في المجلس إلى حيث لا يسمعَه إذا تكلم، هذا خرج، حصل الافتراق الآن، وإلاّ لا يزالان في المجلس.

فالحديثُ كما سمعنا هو في الصحيحين أيضًا: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ" وفي رواية: "ما لم يتفرقا أو يكون البيع خياراً"، في رواية: "أو يخيرَ أحدُهما الآخر". 

فثبتَ بالحديث، وقلنا: عليه الجمهور من الصحابة والتابعين، وقلنا: نفى خيارَ المجلس الإمامُ أبو حنيفةَ والإمامُ مالكٌ -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، وحمَلوا المتبايعَين على المتساومَين، وأنّ التفرّقَ بالقول بأن يُثبتَ أحدُهما انتقالَ ملكيةِ الثمن إلى البائع، والمُثْمنِ إلى المشتري، فعدّوا هذا التفرق، وقالوا خلاص لزم.

وأجاب عليهم من أجاب وقالوا ما فائدة هذا!؟ هذا كلٌّ يعلمُه من دون أن يَرِدَ في الحديث، ما داموا يتبايعون عادهم ما حد يلزم الثاني بالآخر، المشكلة إنما بعد ما يتم البيع، فإذا قد تمّ البيع هنا يأتي الحكم! فهكذا ينقطع هذا الخيار، إمّا بالتفرقِ وإمّا باختيارِ لزومِ العقد، فإن اختار أحدهما سقط في حقه، وبقي الحقُّ للآخر. كما أشار إليه الحديث عندنا "إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ"؛ أي: البيعَ الذي اختاروا فيه ألاّ يفسخوا، وأن ليس لأحدٍ منهم حقُّ الرجوع. 

هذا خيارُ المجلس، وما دام بالتخاير سقطَ الحقُّ فكذلك باشتراطِ الخيارِ بعدها يثبتَ ويدومَ إلى ما بعد المجلس إلى مدةٍ معلومة. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لِهَذَا" لخيار الشرط "عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ"؛ لا يجوز الزيادةُ عليه كما هو عند الشافعية، لثلاثة أيام لا يزيدُ عليها "وَلاَ" ذاك يعني تحديد "أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ" يعمل به أهل مدينة معمول به في خيار الشرط.

فرأى الإمامُ مالك أنَّ خيارَ الشرط يصحّ، وأن ذلك ليس له قدرٌ محددٌ في نفسه، يُقدّر بقدر الحاجة إلى اختلاف المبيعات، يتفاوتُ ما بين اليوم واليومين في اختيار الثوب، وخمسةِ أيام وأسبوعٍ في اختيار الجارية، وشهرٍ ونحوِه في اختيار الدار، قال هذا يحتاج إلى مدة أطول. فيُنَزّل كلُّ واحد بمنزلة ما يحتاج إليه من مدة في الخيار فيه عند الإمامِ مالكٍ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.  أمّا الأجلُ الطويل الذي فَضل عن اختيار المبيع لا يصح. 

  • ويقول الإمامُ الشافعي ومثلُه الإمامُ أبو حنيفة: أَجلُ الخيار ثلاثةُ أيام لا يجوز أكثر من ذلك. 

  • وجاءت روايةٌ عن الإمام أحمدَ مثل ما قال الإمام مالك: أنّه لأيّ مدة اشتُرِطت فهو كذلك، تلزم المدة مهما طالت. 

إذن؛

فهذا الكلامُ عن خيار الشرط، يبيع بشرط أنّ له حقَّ الرجوع وإرجاعِ البضاعة، أو إرجاعِ الثمن بالنسبة للبائع، فهذا خيار الشرط. يقول بعض المالكية: إنّه بيعٌ وُقِفَ بتُّه أولاً على إمضاءٍ يُتوقّع. 

  • خيارُ الشرط. 

  • أو يقال له الخيارُ الشرطي. 

  • ويقال له بيعُ الخيار. 

فكذلك جمهور الفقهاء يقولون بصحة خيار الشرط.

وقد جاء في الحديث: أنّ رجلاً من الأنصار كان بلسانه لوثة، وكان لا يزال يُغبَن في البيوع، يزيدُ الناس عليه، مسكين، فأتى رسولَ الله ﷺ ذكرَ ذلك له، فقال ﷺ: "إذا بِعتَ قل: لا خلابة" مرتين، فصار لفظُ لا خلابة معروف ومُقرّر أنّ معناه الخيارَ لمدة ثلاثة أيام، إذا قال لا خلابةَ فمعناه له الخيار إلى ثلاثة أيام، خيار الشرط.

وحكى فيه بعضُ أهل العلم الإجماع، فإذا اشتُرط الخيار لكل من البائعَين أو لأحدهما فيصحّ ذلك، إذا كان الشرط مقارِنًا للعقد، وعند المالكية أيضًا لاحقٌ به؛ إذا لحق به.

  • وكذلك إذا باعه على أن له الخيار مطلقًا من دون تحديد مدة فيقول له، الحنفية: إن كان رجع في مدةِ ثلاثة أيام وأسقطَ هذا الشرطَ صحَّ البيعُ، وإلا لم يصحَّ البيعُ من أصله.

  • كما أنّ هذا الشرطَ باطلٌ عند الشافعية وعند الحنابلة، لا يمكن إلا بمدةٍ محدودة. 

يقول "وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ، وَلاَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ".

ثم يذكر الحديثَ الآخرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ تَبَايَعَا، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ". "أَيُّمَا بَيِّعَيْنِ" "تَبَايَعَا ثم اختلفا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، أَوْ يَتَرَادَّانِ"؛ يردُّ هذا المبيعَ الثمن؛ فعند الاختلاف إذاً يُصدَّقُ البائعُ بقوله، أو يقبلان نقضَ العقد، فيُرجِّع هذا الثمنَ ويُرجِّع هذا البضاعة. 

"قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ: أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلاَناً، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَرِهَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. فَيَتَبَايَعَانِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلاَناً: إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لاَزِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا، وَلاَ خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لاَزِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ".

 قال: من "بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً، فَقَالَ الْبَائِعُ عِنْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ:"؛ أي: عند لزومِ البيع: "أَبِيعُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَشِيرَ فُلاَناً"، رجلاً سمّاه،  "فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ جَازَ الْبَيْعُ"، وهذا نافذ بيننا "وَإِنْ كَرِهَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا"، رضي المشتري بذلك، قال: "ثُمَّ يَنْدَمُ الْمُشْتَرِي" على شرائه "قَبْلَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْبَائِعُ فُلاَناً"، أي: زيد مثلا. فقال مالك: "إِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ" الذي ذُكر "لاَزِمٌ لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَا"؛ يعني: للبائع وحده خيار الاستشارة هذا سماه أولى، "وَلاَ خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ"؛ لأنّه ما اشترط شيء لنفسه، لم يجعل لنفسه خيار، "وَلاَ خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ لاَزِمٌ لَهُ إِنْ أَحَبَّ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ الْبَائِعُ أَنْ يُجِيزَهُ"؛ يعني: أنّ البائع له أن يشترطَ مشورةَ فلانٍ وخيارَه، والمبتاع كذلك، من ابتاعنا أن يستأمر فلان، يقول مالك: للمبتاع أن يردّ البيع ولا يستأمر هذا.

وعلى كلٍّ جاء فيه الخلافُ بينهم: 

  • اتفقوا على صحة خيارِ المتبايعَين. 

  • واختلفوا في اشتراط خيارِ أجنبيّ.

    •  يقول مالك: يجوز.

 "قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ، فَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ. وَيَقُولُ الْمُبْتَاعُ: ابْتَعْتُهَا مِنْكَ"؛ أنا ما اشتريتها منك إلا "بِخَمْسَةِ"! قال مالك في هذه الصورة: "إِنَّهُ يُقَالُ لِلْبَائِعِ:" أولاً "إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِهَا"؛ أي: السلعة كما قال بخمسة دنانير "وَإِنْ شِئْتَ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ مَا بِعْتَ سِلْعَتَكَ" التي اشتريت "إِلاَّ بِمَا قُلْتَ" وهو عشرة دنانير "فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِمَّا أَنْ تَحْلِفَ بِاللَّهِ مَا اشْتَرَيْتَهَا إِلاَّ بِمَا قُلْتَ"؛ بخمسة دنانير "فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ"؛ فيُبدأ بالبائع، فإن اختلفا بعد قبضِ السلعة وقبل فواتِها تحالفا وتفاسخا.

وينتقل إلى بيان ما جاء في الربا وتحريمه.

رزقَنا الله حُسنَ المعاملة، والثباتَ على المنهج الذي أحبَّه منا في جميع شؤوننا، ورزقَنا المتابعةَ لنبيّنا، وبلَّغَنا به فوقَ آمالنا في عافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

24 شوّال 1443

تاريخ النشر الميلادي

25 مايو 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام