(364)
(535)
(604)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب النَّهْىِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
فجر الإثنين 25 شعبان 1443هـ.
باب النَّهْىِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ
1941 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
1942 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَجُلٍ: ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ، حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ.
1943 - وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْداً، أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَاراً إِلَى أَجَلٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ.
1944 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْداً، أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَاراً إِلَى أَجَلٍ، قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ، إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي ذَلِكَ، لأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ، كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنْ نَقَدَ الْعَشَرَةَ، كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ.
1945 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْداً، أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ، قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ: إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لاَ يَنْبَغِي، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
1946 - قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْتَرِى مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ، خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً، أَوِ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ، أَوِ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً، أَوِ الشَّامِيَّةَ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا: إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لاَ يَحِلُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا، فَهُوَ يَدَعُهَا وَيَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً مِنَ الْعَجْوَةِ، أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً مِنَ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ، فَيَدَعُهَا وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ مِنَ الشَّامِيَّةِ، فَهَذَا أَيْضاً مَكْرُوهٌ لاَ يَحِلُّ، وَهُوَ أَيْضاً يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهُوَ أَيْضاً مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّعَامِ، اثْنَانِ بِوَاحِدٍ.
الحمدُ لله على شريعته العظيمة، وبيانها على لسان عبده المُصطفى مُحمد ﷺ ذي الدرجات الفخيمة، اللهم أدم صلواتك على المُصطفى المختار سيدنا مُحمد، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وتمسّك بمناهِجه القويمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أرباب اليقين والتمكين وسادات المفلحين، وعلى آلهم وصحبهم والتابعين، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
ويذكر الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الباب ما نُهيَ عنه من بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة، وذلك أن يعقِد عقدًا ويجعل فيه بيعتين اثنتين على أن يخلص إلى واحدةٍ منهما، ويستقر على إحداهما، أو يكون ذلك بإبهامٍ في الثمن بالتفريق بين أن يكون مُعجّلًا ومؤجلًا.
وكما علمنا أن المعاملات تقوم على حكم الشرع المصون، وفيها الحِل فيما يتناول النَّاس وتناله أيديهم من بعضهم البعض، في شأن هذه الأموال التي يسأل الله تعالى أربابها عن كل درهمٍ منها، من أين أخذه؟ من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟
ويقول: "باب النَّهْىِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ"، تثنية بَيع: "بَيْعَتَيْنِ" اثنتين "فِي بَيْعَةٍ"، في عقدٍ واحد. وجاءنا أيضًا في الحديث نهيه ﷺ عن الصفقتين في صفقة، فورد لنا في كلامه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، النهي عن هذا البيع.
وقد اتفق الأئمة -رضي الله تعالى عنهم- على تحريم بيعتين في بيعة، وأن ذلك باطل.
واختلفوا في تفسير معنى البيعتين بالبيعة.
والروايات التي جاءت عنه ﷺ:
الرواية الأولى: "نهى النَّبي ﷺ عن بيعتين في بيعة"، وجاء عن عددٍ من الصَّحابة -رضي الله عنهم- وفي بعض الروايات زيادة: "عن ربح ما لم يضمن".
والرواية الثانية: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسُهما أو الرِّبا".
والرواية الثالثة: "نهى النَّبي ﷺ عن صفقتين في صفقة"، و "لا تحِل الصفقتان في الصفقة".
إذًا؛ فالبيعتان في بيعةٍ عقدٌ مُحرَّم، يأثم من قَدِم عليه، والاختلاف في تفسير ذلك كيف هو؟
فذكر لنا في الرواية الأولى: ما بلغ الإمام مَالِكْ من الحديث الذي هو موصولٌ عند الترمذي والنَّسائي وغيرهما: "نَهَى ﷺ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ". ثُمَّ ذكر "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَجُلٍ: ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ، حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ".
أدخلَ هذا في باب بيعتين في بيعة، أن هذا الرجل قال للآخر ابتعني، أشتري لي هذا البعير بنقدٍ حتى أبتاعه منك بأجلٍ، أو إلى أجلٍ يعني نسيئة، يعني أزيد في الثمن وأعطيك زيادة على ما أخذته به، فكرِه ذلك ابن عُمَر ونهى عنه، لأنه انعقد بينهما أن الذي يشتري البعير بالنقد يشتريه على أنه قد لزم مبتاعه بأجلٍ بأكثر من ذلك، فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمّن بيعتين:
الأولى التي في النقد
والثانية المؤجلة
يقول: اشتر لي هذا أنت هذه السيارة، أو هذه الدراجة، أو هذه البضاعة، وأنقد ثمنها و وسَأشتريها منك بأكثر من ذلك الثمن مؤجلًا، كأن تُباع السُلعة بالنقد وليس عنده نقد، فيطلب من واحد ثاني صاحب النقد يقول اشترها أنت وأنا أشتريها منك بتأجيل الثمن، ثمن أكثر، فيذهب ذاك يشتري هذه على أنه يبيعها لهذا الذي أمره باشترائها، وأنها ملزمةٌ له بحُكم ما جرى بينهما من اتفاق، فهذا أدخله الإمام أيضًا مَالِكْ في بيعتين ببيعة وهو منهيُّ عنه.
ذكر لنا بعد ذلك: "أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْداً، أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَاراً إِلَى أَجَلٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ." وهو من البيعتين في بيعة، وهو أيضًا حرام في بيعة واحدة وعقد واحد، يقول: بعتك هذه السيارة، وهذه الدابة، وهذا الجهاز إن كان نقدًا بمائة، وإن كان مؤجّلًا بمائةٍ وخمسين، فَبعتُكها مُعجلًا بمائة، ومؤجلًا بمائةٍ وخمسين، فأيُّ الثَمنين الآن هو ثمن هذه السلعة؟
أمّا إن سأله أتريد عندك نقد الثمن أو تريده بديْن؟ فقال: أريده بديْن، فقال: هي بكذا كذا فهذا ليس بيعتين ببيعة، وهو جائز؛ ولكن إذا قال بعتك إياها نقدًا بكذا ومؤجلًا بكذا، فهذا عقد واحد لمُعجّل ومؤجل يُختار بعد ذلك واحد منهما، فهو بيعتان في بيعة لا يصح.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ سِلْعَةً مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ نَقْداً، أَوْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَاراً إِلَى أَجَلٍ، قَدْ وَجَبَتْ لِلْمُشْتَرِي بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ، إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي ذَلِكَ"؛ أي: طريقة البيع بهذه الصورة تدخل في المنهيِّ عنه، هو بيعتان في بيعة، لماذا قال الإمام مَالك؟ لماذا لا ينبغي؟ قال: "لأَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ الْعَشَرَةَ"؛ يعني: لم يَنقُدها، "كَانَتْ" صارت "خَمْسَةَ عَشَرَ"؛ لأن القيمة في النسيئة خمسة عشر، وهذا لم يَنقُد العشرة فكأنه اشترى العشرة بخمسة عشر نسيئة، "وَإِنْ" كان "نَقَدَ الْعَشَرَةَ" في الحال كان الناقد "كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَى بِهَا"؛ أي: بالعشرة "الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي إِلَى أَجَلٍ".
فمن هنا جعل الإمام مَالِكْ أن هذا هو العلة في تحريم هذه البيعة؛ لأنه عرض له ثمنين، عشرة وخمسة عشر، فإن أختار العشرة فكأنه اشترى الخمسة عشر بالعشرة، وإن أختار الخمسة عشر فكأنه اشترى العشرة بالخَمسة عشر، وفي كل ذلك بيع نقدٍ بنقدٍ مع المفاضلة فلا يجوز.
يقول: "فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً بِدِينَارٍ نَقْداً، أَوْ بِشَاةٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ، قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ: إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لاَ يَنْبَغِي، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهَذَا مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ." وذلك أنه يقول لو هي بالنقد بدينار، أو بشاة موصوفة، وصفها كذا كذا كذا إلى أجل، والآن يُخيّر بين:
أن ينقد الدينار
أو يضمن ويلتزم بالشاة المؤجلة
فهذا بيعتان في بيعة.
"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَشْتَرِى مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ" نوع من التمر المعروف، "خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً" مثلًا "أَوِ الصَّيْحَانِيَّ" هذا نوع أيضًا من أجود أنواع التمر، "عَشَرَةَ أَصْوُعٍ، أَوِ الْحِنْطَةَ الْمَحْمُولَةَ" حنطة غبراء كثيرة الحب يُقال لها الحنطة المحمولة، "خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً، أَوِ الشَّامِيَّةَ" أجود من المحمولة، "عَشَرَةَ أَصْوُعٍ بِدِينَارٍ قَدْ وَجَبَتْ لِي إِحْدَاهُمَا:" يعني إحدى البيعتين، "إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لاَ يَحِلُّ وَذَلِكَ أي السبب أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ صَيْحَانِيًّا" إذا اختارها "فَهُوَ" بعد ذلك "يَدَعُهَا"؛ أي: يترك العشرة، "وَيَأْخُذُ" بدلها "خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً" من العجوة، لأن من خُيّر بين الأمرين يُعدّ منتقل عند المَالِكْية، إما يصير بائعًا لهذا بهذا، أو بهذا إن أختار واحد، فقد باعه بالآخر، وهذا لا يستقيم البيع بهذه الصورة، لأنه بيع نقدٍ بنقدٍ على تفاضل.
وهكذا يأتي عندنا تفسير البيعتين في بيعة، ومنه:
يخلط العقدين بمعنى الصفقتين
أو يشترط في هذا البيعة: بِعتك هذا بكذا على أن تبيعني أنت كذا بكذا..
أو على أن تأُجرني محلك الفلاني، أو مكانك الفلاني فيخلط البيع بعقدٍ آخر.
أما لو قال له: بعتك هذا بكذا، وأجرتُك المكان الفلاني بكذا فكل واحدٍ منهما عقد، هذا عقد بيع وهذا عقد إجارة لا دخل لهذا في هذا ولا هذا في هذا، وكلٌ ثمنه معروف فذلك جائز ولا شيء فيه.
وأما ما ذكر الإمام مَالِك "أنه أَشْتَرِى مِنْكَ هَذِهِ الْعَجْوَةَ، خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً، أَوِ الصَّيْحَانِيَّ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ.."، "بِدِينَارٍ"؛ يعني: هذا الدينار إما تعطينا به عشرة أصوع من الصيحاني، أو تعطيني به خمسة عشر صاع من نوع تمر العجوة، هذا لا يَصح، ولكن إما اشتر العجوة وإما اشتر الصيحاني بثمنٍ معين.
كذلك الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ بالحنطة الشامية أو الحنطة الشامية يقول له: بدينار، معي دينار لك أشتري به منك خمسة عشر صاع من الحنطة المحمولة، أو عشرة أصوع من الحنطة الشامية بالدينار، خذه بالدينار هذا اشتريته، فهذا لا يصح كذلك ويدخل في المنهيّ عنه.
قال: "أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعاً مِنَ الْحِنْطَةِ الْمَحْمُولَةِ، فَيَدَعُهَا"؛ أي: يتركها "وَيَأْخُذُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ مِنَ الشَّامِيَّةِ" فكأنه باع خمسة عشر من الحنطة بدل العشرة لجواز أنه اختار إحداهما أولًا ثم الأخرى ثانيًا. قال سيدنا مَالِكْ "فَهَذَا أَيْضاً مَكْرُوهٌ لاَ يَحِلُّ، وَهُوَ أَيْضاً يُشْبِهُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَهُوَ أَيْضاً مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُبَاعَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الطَّعَامِ، اثْنَانِ" منه "بِوَاحِدٍ".
إذًا؛ علمنا اتفاق الفقهاء بتحريم بيعتين في بيعة، واختلفوا في التفصيل، فاتفقوا على بعضها واختلفوا في بعض هذه الصور، فوجب الاحتراز عن كل ما نُهيّ عنه من البيوع، وجاءت الشريعة أيضًا بقاعدة يتحدث عنها في الباب الذي بعد هذا وهو النهيُّ عن كل ما فيه غرر، وهو ما كان على غير عُهدة ولا ثقة يدخل في بيوع ما يحيط المتبايعان بحقيقتها وكنهها، فيكون فيها جهالة بالعاقبة فيها، والفائدة والخسران فيها، وهكذا بيع الغرر من البيوع المنهي عنها، قال تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء:29]، (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) [النساء:30]، يقول الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله تعالى.
إذًا؛ فكسب الحلال هو ذريعة المؤمن وزاده لقيامه بعبادة الله على ظهر الأرض، والسلامة من الوبال والنَكال.
رزقنا الله الاقتداء والاهتداء بحبيبه مُحمد في جميع الأحوال، وبارك لنا به في خاتمة شعبان وفي إقبال رمضان، وجعلنا من خواصّ أهل رمضان عنده تعالى، الممنوحين رحمته ومغفرته وعتقه، والفائزين بنيل الحظ الوافر من نظره وعنايته، ورعايته، ووهبه، ومِنحه، وهداياه في الشهر الكريم لأهل التكريم من كل ذي قلبٍ سليم، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي مُحمد ﷺ.
27 شَعبان 1443