شرح الموطأ - 350 - كتاب البيوع: باب بَيْعِ النُّحاس وَالحَدِيد وما أشْبَههُمَا مِمَّا يُوزَن

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهُهُمَا مِمَّا يُوزَنُ.
فجر الأحد 24 شعبان 1443هـ.
باب بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهُهُمَا مِمَّا يُوزَنُ
1936- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ، مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ وَالرَّصَاصِ وَالآنُكِ وَالْحَدِيدِ وَالْقَضْبِ وَالتِّينِ وَالْكُرْسُفِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، يَداً بِيَدٍ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ، وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ.
1937- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلاَفُهُمَا، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الآخَرَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ، مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالآنُكِ، وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ، فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ.
1938- قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ، إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ، إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلاً أَوْ وَزْناً، فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافاً فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافاً، وَلاَ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْناً حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا.
1939- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى وَالْخَبَطِ وَالْكَتَمِ، وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، يَداً بِيَدٍ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلاَفُهُمَا، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ.
1940- قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْحَصْبَاءَ وَالْقَصَّةَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ، فَهُوَ رِباً، وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ، فَهُوَ رِباً.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرِمِنا بدينه وبيانه على لسان عبده وأمينه، سيِّدنا مُحمَّد بن عبد الله صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل اتباعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله- حكم بيع غير الذّهب والفضة والمطعومات ببعضها البعض، وهل يدخل فيها الرِّبا أم لا؟.. وعنده أن كلَّ ما اتحد فيه الغرض ثم بِيع بتفاضل ونسيئة؛ فإنه محط التُّهمة أن يكون كقرض جرّ منفعة؛
-
كقرضٍ: لوجود النسيئة فيه.
-
وجرّ منفعة: لعدم التماثُل ووجود التفاوت والتفاضُل بين العِوضين.
فجعل في ذلك تُهمة أنه كأنه اقترض قرضًا جرّ منفعة؛ فهو ربا؛ وعلى ذلك فرّع المسائل التي ذكرها في هذا الباب.
-
وقال الإمام الشَّافعي والإمام أحمد بن حنبل:
○ أن ما عدا الذّهب والفضة والمطعومات؛ يجوز بيعها متفاضلة وإن اتحدّ جنسها.
○ وكما يجوز بيع الشاة بالشاتين، والبقرة بالبقرتين، والثلاث وما إلى ذلك.
○ ويجوز أن يكون ذلك حالًّا أو يكون نسيئة.
○ يجوز أن يتقابضا في المجلس أو لا يتقابضا.
فخصّصوا ما ورد في الحديث بالأجناس الواردة في الحديث وكلها نقد وطعام، وما عدا ذلك خرج عن ذلك الحكم.
-
وقال الحنفية: ما حصره كيل أو وزن؛ من مكيلات أو موزونات كلُّها؛ لا يأتي فيها البيع بالنسيئة مع التفاضل أيضًا؛ لأنه يدخل في باب من أبواب الرِّبا، ولم يرتضِ النسيئة في المطعوم بمطعوم أو في بيع المبيع قبل قبضه إلا في الطعام وحده، غير المالكية. فجعلوا المالكية أن ذلك مخصوصًا بالطعام.
فيتكلم الشيخ -عليه رحمة الله- عن "بَيْعِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهُهُمَا مِمَّا يُوزَنُ"؛ أي: من الأشياء الموزونة.
يقول الإمام مالك: "الأَمْرُ"؛ يعني: المُرجّح "عِنْدَنَا"؛ أي: في المدينة المُنوَّرة عند عُلماءها "فِيمَا كَانَ مِمَّا يُوزَنُ، مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"؛ فتميّزت الذَّهب والفضة بأنهما النقدان اللذان يُعتبران الأثمان للأشياء. فيأتي فيها الرِّبا باتفاق ولكن ماعدا ذلك "مِنَ النُّحَاسِ وَالشَّبَهِ"؛ والشَّبه هو أيضًا نوع من أعلى النُّحاس، سُمّي شبه لكونه يشبه الذَّهب، ويقال له شَبَه، النوع الأعلى من النحاس. "وَالرَّصَاصِ" كذلك "وَالآنُكِ"؛ وهو أيضًا نوع من الرصاص الخالص أو الرصاص الأسود يقال له آنُك. وفي الحديث فيمَن يتكلم حال الآذان أو يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أنه يُصَبّ في أذنيه الآنُك يوم القيامة؛ أي: الرصاص المذوّب بالنار يصب في أذنه جزاء ما استمع لحديث قوم لا يحبون أن يستمع حديثهم أو كان يتكلم والمؤذّن يؤذن ولا يبالي بالنداء؛ فيتعرض أن يُصَب في أذنه هذا الرصاص المُذاب، الآنُك كما قال صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم.
قال: "وَالْحَدِيدِ وَالْقَضْبِ" القَضْب هذا إنما هو من مطعومات الحيوان، هذا طعم. "وَالتِّينِ" هذا في المطعومات كذلك، "وَالْكُرْسُفِ"، والكُرسُف هو القطن. "وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ" لكن اشترط الإمام مالك "يَداً بِيَدٍ"، ومنع فيها النَّسيئة كما تقدَّم معنا أنه إذا اتحد الغرض وكان البيع بنسيئة بتفاضُل؛ فإنه عنده ممنوع لأن في ذلك تهمة في الرِّبا كأنه بسبب النسيئة أقرضه، ولكن العوضان متفاضلان فكأنه أقرضه بقرضٍ جرّ منفعة. فبذلك منعه الإمام مالك، ولهذا قال: "يَداً بِيَدٍ"، أما تنتفي التُّهمة إذا كان بيع حاضر بالحال وكُل يمسك خلاص. وقال: "وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ، وَرِطْلُ صُفْرٍ بِرِطْلَيْ صُفْرٍ"، لكن كيف؟ بالحلول والتقابض.
فلا يلزم التماثل، فالتفاضل جائز عنده بشرط الحلول والتقابُض. فإذا كان الغرض من استعمال العِوضين واحد، وباع بنسيئة؛ فإنه ممنوع مع التفاضُل، ممنوع عنده.
"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ خَيْرَ فِيهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ"، ممنوع عنده، "فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ اخْتِلاَفُهُمَا، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ مِنْهُ يُشْبِهُ الصِّنْفَ الآخَرَ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ، مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالآنُكِ، وَالشَّبَهِ وَالصُّفْرِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ."؛ لأن الغرض في الاستعمال يأتي فيه واحد بسبب هذا الشبه.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ."؛ فإن شرط القبض قبل البيع عند الإمام مالك في المطعوم فقط، في غير المطعوم حتى من غير المطعوم ذكر فقال: يجوز لك أن تبيعه قبل القبض، هذا مذهب الإمام مالك.
-
وقد تقدَّم معنا أن الحنفية قالوا: لا يصح البيع قبل القبض إلا في الثابت غير المنقول من مثل العقار.
-
وفهمنا قول الشَّافعية ورواية أيضًا عن الإمام أحمد: أنه كلها لا يجوز فيها البيع إلا بعد القبض؛ بعد أن يقبضه. فلا يجوز بيع المبيع قبل قبضه سواءً كان في عقار أو في منقول، وكل شيء قبضه بحسبه؛ بحسب العرف فيه. إذا قبضه؛ جاز له أن يبيع، أما قبل قبضه؛ فلا.
فيتجنب الإنسان الشبهة ويخرج من الخلاف بين أهل العلم لتكون معاملته صحيحة على الاتفاق، ويكون ذلك أوفق له ألا يُعنّف ولا يُعاتب يوم التَّلاق.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اشْتَرَيْتَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلاَ بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا قَبَضْتَ ثَمَنَهُ، إِذَا كُنْتَ اشْتَرَيْتَهُ كَيْلاً أَوْ وَزْناً، فَإِنِ اشْتَرَيْتَهُ جِزَافاً فَبِعْهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ بِنَقْدٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ"؛ يعني: إن اشترط قبض الثمن إنما يكون فيما اشتريته كيلًا أو وزنًا، ولا يشترط النقد فيما اشتريته جزافًا. "وَذَلِكَ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ جِزَافاً، وَلاَ يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ وَزْناً حَتَّى تَزِنَهُ وَتَسْتَوْفِيَهُ، وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا"؛ يعني: بالمدينة المُنوَّرة.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ"؛ يعني: المختار "عِنْدَنَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ"، في المكيلات والموزونات "مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ، وَلاَ يُشْرَبُ، مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَالنَّوَى"؛ نوى التمر يجمعونه ويرضخونه، ويأكله الخيل ويأكله الغنم ويأكله الجمال، فالنَّوى ليس من الطعام المشتهر بين النَّاس. قال: "وَالْخَبَطِ" كذلك ما يُخبط من ورق الشجر بالعصا ونحوه وينزل. "وَالْكَتَمِ"، والكتم هذا نبات فيه حُمرة يختلط بالوسمة أو بالحناء، ويخضب بها الشعر، لهذا يقول البوصيري في الشَّيب:
لو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ *** كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتِم
بدا لي منه: هو لون بياضه
……………..…. *** كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتِم
هذا الكتم؛ يعني بهذا الشجر الذي فيه الحمرة سأخلطه وأخضب به الشَّيب.
"وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ" لكن عند مالك "يَداً بِيَدٍ"؛ لأن الجنس واحد، "وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ"، فبالأجل عنده اتهام الرِّبا، "فَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبَانَ اخْتِلاَفُهُمَا"؛ يعني: بيان واضح، "فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ"؛ يعني: بأن اختلفا الغرض من هذا والغرض من هذا، فعنده بُعد عن التهمة بالرِّبا. "وَمَا اشْتُرِيَ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى، إِذَا قَبَضَ ثَمَنَهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ."؛ لأنه ليس بطعام، وشرط القبض عنده مخصوص بالطعام. لكن عند غيره لا يختص بالطعام، فلا يجوز بيع المبيع حتى يقبضه أولًا المشتري ثم يبيعه.
"قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنَ الأَصْنَافِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْحَصْبَاءَ"؛ صغار الحصى، ينتفع بها في فرش المسجد في الأوقات السابقة أو العمارة به. "وَالْقَصَّةَ"؛ المراد به الجص هذا النّورة، "فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا" لا يجوز بيعه "بِمِثْلَيْهِ"؛ يعني: متفاضلًا "إِلَى أَجَلٍ، فَهُوَ رِباً"؛ لأن الغرض منه واحد وأجّله مع التفاضل، فبسبب النسيئة فهو ممنوع عند الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-. يعني:
-
ما كان من جنس واحد؛ يحرم فيه التفاضل إلى أجل.
-
وأما إن كان حاضرًا يدًا بيد؛ فلا يجب فيه التماثل، ويجوز فيه التفاضل بالاتفاق.
"وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِمِثْلِهِ وَزِيَادَةُ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَى أَجَلٍ، فَهُوَ رِباً" في حُكم الإمام مالك عليه رحمة الله تبارك وتعالى. وقد سمعنا في الحديث: أن الرِّبا بضع وستون شُعبة، أدناها -يعني: أقلها في الإثم أقلها- مثل أن ينكح الرجل أمه -والعياذ بالله تبارك وتعالى- "وإنَّ أربَى الرِّبا استطالةُ الرَّجلِ في عِرضِ أخيه"؛ يتكلم على أخوه، يأتي بكلمة وكلمتين وثلاثة هذا أربى الرِّبا؛ يعني: إثمه شديد عند الله، من أشدّ الذّنوب والسّيئات تطاولك على عِرض أخيك المُسلم. فصُن لسانك وصُن نفسك، واستعد لرمضان بهذا الصون للّسان، والبُعد عن أصناف الرِّبا كلها، وعن موجبات إعراض الإله عنك، وحرمانك من نظره في أول ليلة من رمضان.
فكُن على استعداد بنقاء جنانك وطهره، وبامتثال الأمر وتحقيق التوبة إلى بارئك -جلّ جلاله- حتى تكون محلًا لنظرته في أول ليلة من رمضان، ينظر إليك بعين رحمته؛ فيرضى عنك؛ فتسعد سعادة الأبد بهذا الإله الواحد الأحد، ببركة نبيّه سيِّدنا مُحمَّد ﷺ الذي به عرّفنا الله رمضان، ووَهَبنا الخصائص في رمضان، وعرّفنا كيف التعرّض لها وكيف الإقبال عليه، فلولاه لولاه لولاه ماعرفنا شيئًا من ذلك.. صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وحشرنا في زمرتهم، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
27 شَعبان 1443