شرح الموطأ - 349 - كتاب البيوع: باب السُّلْفَةِ في الْعُرُوض

شرح الموطأ - 349 - كتاب البيوع: باب السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ.

فجر السبت 23 شعبان 1443هـ.

باب السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ

1930- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ: عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ، فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ. وَكَرِهَ ذَلِكَ.

1931- قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ.

1932- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ عُرُوضٍ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفاً، فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ، فَحَلَّ الأَجَلُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَبِيعُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ، بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا، صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَانْتَفَعَ بِهَا، فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي، بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا، فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ.

1933- قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّفَ ذَهَباً أَوْ وَرِقاً فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفاً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ حَلَّ الأَجَلُ، فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الأَجَلُ، أَوْ بَعْدَ مَا يَحِلُّ، بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ، يُعَجِّلُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، بَالِغاً مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلاَّ الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ، بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ، يَقْبِضُ ذَلِكَ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، لأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ، وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ: أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْناً لَهُ عَلَى رَجُلٍ، بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ.

1934- قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَلَّفَ فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ، وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ يُشْرَبُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ، بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ، إِلاَّ بِعَرْضٍ يَقْبِضُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تَحِلَّ، فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا، بَيِّنٍ خِلاَفُهُ يَقْبِضُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ.

1935- قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ، وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَاباً دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا، فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَثْوَابُ: أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَأبِي هَذِهِ: إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الأَجَلُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الأَجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَيْضاً، إِلاَّ أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَاباً لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته سيِّدنا مُحمَّد عبد الله وصفوته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومحبّته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله المُترقّين في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين. 

وبعدُ،

فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في هذا الباب: "السُّلْفَةِ فِي الْعُرُوضِ"، ويتحدث عن مسائل مما يتعلَّق بالسلَم والمُسْلَم فيه من البضاعة، هل يجوز بيعه والتَّصرف فيه أم لا؟

فذكر لنا حديث ابن عباس أنه سأله رجلٌ "عَنْ رَجُلٍ سَلَّفَ فِي سَبَائِبَ"؛ يعني: عمائم من الكتّان وغيرها، "فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تِلْكَ الْوَرِقُ بِالْوَرِقِ. وَكَرِهَ ذَلِكَ".

وقد تقدَّم معنا أن البيع قبل القبض ممنوع عند الجمهور ولا يختصّ ذلك بالطعام. 

  • خلافًا للإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- فإنه قال: 

    • إنما النَّهي مخصوص بالطعام؛ فلا يُباع قبل قبضه. 

    • وما غير الطعام؛ فيجوز التصرف فيه وبيعه قبل قبضه. 

  • وقال الشَّافعية: لا بُد من القبض كل شيءٍ بحسبه، ولا فرق بين الطعام وغيره، ولا بين المنقول وغير المنقول من مثل العقار والديار. 

  • وفرَّق الحنفية بين المنقول وغير المنقول، فقالوا: 

    • غير المنقول يجوز بيعه قبل قبضه.

    • وأما الذي يُنقل فلا يصح فيه البيع قبل قبضه. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ"، فالصحة عند المالكية أن يبيع المُسْلَم فيه على غير صاحبه وكذلك بما لا يزيد عن الثمن الذي أسْلمه به، فلهذا أوّل كلام ابن عباس في كراهته لهذه المسألة بأن ذلك إنما "أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ." في مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-. 

إذًا: 

  • فعنده لا يُباع الطعام قبل أن يُستوفى. 

  • أما غير الطعام من العروض والحيوان والثياب؛ فإنه يجوز له أن يبيعها ولو قبل القبض في مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ سَلَّفَ فِي رَقِيقٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ عُرُوضٍ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَوْصُوفاً، فَسَلَّفَ فِيهِ إِلَى أَجَلٍ، فَحَلَّ الأَجَلُ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يَبِيعُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ"؛ يعني: "مِنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ، بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي سَلَّفَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَا سَلَّفَهُ فِيهِ"، فهذا شرطه في صحة بيع ما لم يُقبض، أن يكون لغير الذي سلّفه وأن يكون بنفس الثمن الذي سلّف فيه. فإذا قبض فله أن يبيع بما شاء. 

قال: "وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ الرِّبَا، صَارَ الْمُشْتَرِي إِنْ أَعْطَى الَّذِي بَاعَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، فَانْتَفَعَ بِهَا، فَلَمَّا حَلَّتْ عَلَيْهِ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي، بَاعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهَا، فَصَارَ أَنْ رَدَّ إِلَيْهِ مَا سَلَّفَهُ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ."، فصار ربا؛ لأن "كل قرض جرّ منفعة فهو ربا"، وهذا هو تسليف ثم إنه بعد ذلك لم يجد ولم يحضر المسلَم فيه فأراد بيعه على الذي أسلمه فيه بأكثر من الثمن الذي اشترى منه به، فلما أراد ذلك فكأنه استدان منه ذلك الدّين ورجّع إليه نفس الدنانير وزاد عليه زيادة؛ وهذا هو الربا، فلهذا ذكر هذه الشروط الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.

"قَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَلَّفَ ذَهَباً أَوْ وَرِقاً"؛ يعني: فضة "فِي حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ إِذَا كَانَ مَوْصُوفاً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ حَلَّ الأَجَلُ، فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الأَجَلُ، أَوْ بَعْدَ مَا يَحِلُّ، بِعَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ، يُعَجِّلُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، بَالِغاً مَا بَلَغَ ذَلِكَ الْعَرْضُ إِلاَّ الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ" عنده له حكم المخصوص، أخذًا برواية: "من اشترى طعامًا فلا يبِعه حتى يستوفيه"، خصّصه بالطعام. "وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ" وللمشتري أن يبيع تلك السلعة من غير صاحبها، فعنده أن يبيعها من صاحبها بعَرَض من العروض عرضها لغير المُسْلَم فيه، يعجّله ولا يؤخره "إِلاَّ الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ، بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ" لا خصوص العروض. 

إذًا؛ فإن أراد بيعها على الذي أسلم إليه: 

  • فإن كان يبيعها بعروض دون الدراهم والدنانير؛ فيجوز. 

  • وأما إن كان بدراهم ودنانير؛ فلا يجوز. 

  • كل ذلك ما لم يكن طعامًا؛ فإنه لا يجوز مطلقًا. 

وأما إذا أراد بيعها في مذهب الإمام مالك لغير الذي أسلم إليه؛ فيجوز أن يكون بالدراهم وبالدنانير وبالعروض كذلك. "بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ"؛ يعني: بشرط أن "يَقْبِضُ ذَلِكَ" البدل عاجلًا "وَلاَ يُؤَخِّرُهُ، لأَنَّهُ إِذَا أَخَّرَ ذَلِكَ قَبُحَ"؛ أي: حَرُم ذلك البيع، "وَدَخَلَهُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ"؛ يعني: بيع الدّين بالدّين "وَالْكَالِئُ بِالْكَالِئِ"؛ بيع الدّين بالدّين؛ فلا يصح "أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَيْناً لَهُ عَلَى رَجُلٍ، بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ. 

و"الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ" زيد مثلًا "دَيْناً لَهُ عَلَى رَجُلٍ" عمرو مثلًا بدين له "بِدَيْنٍ" لعمرو "عَلَى رَجُلٍ آخَرَ" بكر مثلًا؛ يعني يبيع دين له على رجل من رجل آخر بعَرَض يؤخره عليه؛ هذا بيع "الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ". 

"قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَلَّفَ""؛ يعني: أسلم "فِي سِلْعَةٍ إِلَى أَجَلٍ"، وهذا هو السلَم؛ هو أن يسلم إليه مالًا على أن يأتي له بالسلعة الفلانية المبيّنة بأوصافها في أجل معلوم، "وَتِلْكَ السِّلْعَةُ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ يُشْرَبُ"؛ يعني: شيء غير الطعام كما هو شرط الإمام مالك "فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبِيعُهَا"؛ يعني: لرب الَّسلَم يبيع السلعة المُسْلَم فيها "مِمَّنْ شَاءَ، بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا"؛ لأن النهي عند المالكية مخصوص بالطعام "مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي"؛ يعني: لا يجوز "لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ، إِلاَّ بِعَرْضٍ" فقط -هذا هو مذهب مالك كما شرحنا- "يَقْبِضُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ". لئلا يدخل في بيع الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، ففرّق بين أن يبيعها من المُسْلَم فيه فلا يصح إلا بالعروض ويستلمها في الحال، وبين أن يبيعها على غيره فيجوز له أن يكون بالدنانير وبعروض.

  • "قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ" المذكورة "لَمْ تَحِلَّ"؛ يعني: ما جاء وقت الأجل المضروب "فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا بِعَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهَا، بَيِّنٍ"؛ يعني: ظاهر "خِلاَفُهُ"؛ لأنه إذا ما ظهر مخالفته له صار من الجنس، والجنس لا بُد فيه من الحلول والتقابض، "يَقْبِضُهُ وَلاَ يُؤَخِّرُهُ". إذًا؛ المسلَم فيه إما طعام أو غيره.

    •  الطعام، لا يجوز بيعه قبل القبض مطلقًا.

    •  غير الطعام كالحيوان والثياب ونحوها، يحل بيعه من البائع بعوض. إذا كان معجّل لا بدراهم ودنانير، ومعجّل حتى لا يدخل في بيع الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ هذا قول مالك. 

  • لكن غير الإمام مالك من جماهير أهل العلم يقولون: لا يجوز التصرف في المسلَّم فيه قبل قبضه، ولا أن يعتاض عنه شيئًا آخر. فهذا هو مذهب الإمام الشَّافعي ومذهب الإمام أبي حنيفة: أنه لا يجوز أن يتصرّف في المسلَم فيه حتى يقبضه؛ يأتي الأجل ويسلّمه له ويقبضه بعد ذلك يتصرّف فيه. أما قبل ذلك لا يجوز بيعه، لا بالعروض ولا بالدراهم والدنانير، لا لنفس المُسْلَم إليه ولا لغيره؛ فلا يجوز ذلك هذا عليه الجمهور، والذي تقدَّم مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-. 

"قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ سَلَّفَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فِي أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ مَوْصُوفَةٍ إِلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الأَجَلُ تَقَاضَى صَاحِبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ، وَوَجَدَ عِنْدَهُ ثِيَاباً دُونَهَا مِنْ صِنْفِهَا، فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَثْوَابُ: أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أَثْوَابٍ" وهو أسْلَم في أربعة أثواب ولكن وُجدت أثواب دون الأثواب الموصوفة، فأراد أن يعوّض ذلك بزيادة العدد. "فَقَالَ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَثْوَابُ: أُعْطِيكَ بِهَا ثَمَانِيَةَ" بدل الأربعة "أَثْوَابٍ مِنْ ثِيَأبِي هَذِهِ: إِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ" عند الإمام مالك "إِذَا أَخَذَ تِلْكَ الأَثْوَابَ الَّتِي يُعْطِيهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الأَجَلُ، فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَحِلِّ الأَجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ أَيْضاً، إِلاَّ أَنْ يَبِيعَهُ ثِيَاباً لَيْسَتْ مِنْ صِنْفِ الثِّيَابِ الَّتِي سَلَّفَهُ فِيهَا."، فهكذا إذا سلّف؛ أعطى نقد ومال في أربعة أثواب موصوفة، ثم جاء الأجل ولم يجد هذا الوصف في تلك الأثواب فأراد أن يعطيه ثيابًا أخرى..

  • فعند مالك: إذا كان هذا بعد حلول الأجل والاستلام في نفس الوقت بالحلول والتقابض، أنه يجوز أن يستعوضها بغيرها من الثياب. إذا حلّ الأجل؛ جاز أن يأخذ أفضل من ثيابه أو أدنى أو أكثر عددًا، هذا عند الإمام مالك. 

  • وعند الجمهور، لا يجوز أن يعتاض عنه شيء آخر ولا أن يبيعه قبل قبضه، كما تقدّمت الإشارة. 

فهكذا يجب أن يكون معاملة المؤمن على بصيرة من الشَّريعة، ولا يبيع ولا يشتري إلا على بيّنة من أمره، فإنه مسؤول عن كل قليل وكثير يدخل تحت يده. ولا تزول قدمه على الصِّراط يوم القيامة، إما بالعبور عليه والسلامة إلى الجنَّة، وإما بالسقوط في النَّار.

"حتى يُسئل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عُمره فيما أفناه"، وشبابه من عمره لكن السؤال عن العمر إجمالي، والسؤال عن الشباب خصوصًا؛ لأنه وقت القوة، فالسؤال عنه وعن أيامه سؤال مخصوص غير بقية العمر "عن شبابه فيما أبلاه"، "وعن علمه ماذا عمل فيه"، "وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه".

ولهذا تعلم الشؤم الذي وقع على أهل الإسلام من اتّباعهم أنظمة، تأتي من الكُفَّار على غير قواعد الشَّرع المصون، حتى وقعوا فيما أخبر عنه ﷺ: "إنه سيأتي على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا آكل الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره". صدق ﷺ وذلك بتبعية المسلمين للأنظمة التي يصوغها أفكار وعقول الجشعين الطماعين أرباب اللَّهف على الدُّنيا، فيتبعونهم من ورائهم طمعًا في شيء من متاع الحياة الدُّنيا ثم لا يُبارك لهم فيه. 

فوجب على المؤمن أن يستسلم لشرع الله، وأن لا يقبل معاملة إلا على موافقة الشَّرع المصون الكامل التام الواسع الذي أنزله عالِم كل شيء -جلّ جلاله-، وبيّنه حبيبه المُصطفى مُحمَّد ﷺ.

في ذلك سَمِعنا قول سيِّدنا عُمَر -رضي الله عنه-: "مَن لم يتفقّه في ديننا، فلا يبع في سوقنا". فلا يبع في سوقنا؛ ليكون المعاملة كلها على بيّنة وبصيرة وهدي من الشَّريعة، فإنك تُسأل عن كل قليل وكثير، من أين اكتسبته، وفيمَ أنفقته؟ من أين اكتسبته، وفيمَ أنفقته؟ ولو فلس، ولو ريال. السؤال من أين اكتسبته، وفيمَ أنفقته؟ من أين اكتسبته وفيمَ أنفقته؟ فعِش في مملكة الله على نظام الملك، على شرع الملك -جلّ جلاله وتعالى في عُلاه-، ولا تغالط نفسك فتخسر عند الوصول إليه وعند لقائه، جلّ جلالُه. 

جنّبنا الله الشُّبهات، وجنّبنا الله الحرام حيث كان وأين كان وعند من كان، وحال بيننا وبين أهله وقبض عنا أيديهم وقلوبهم حتى لا نتقلب إلا فيما يرضيه، ولا نستعين بنعمته إلا في ما يحبّه ويرضاه. اللَّهم ثبتنا على الاستقامة، وارزقنا تعظيم شريعتك والعمل بها على خير الوجوه وأحبّها إليك، بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

27 شَعبان 1443

تاريخ النشر الميلادي

30 مارس 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام