شرح الموطأ - 345 - كتاب البيوع: باب ما يجُوز من بَيْعِ الحيوان بَعْضِه بِبَعضٍ والسَّلف فيه

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب مَا يَجُوزُ من بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالسَّلفِ فِيهِ.
فجر الأحد 17 شعبان 1443هـ.
باب مَا يَجُوزُ مَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالسَّلْفِ فِيهِ
1907 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ بَاعَ جَمَلاً لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيراً بِعِشْرِينَ بَعِيراً إِلَى أَجَلٍ.
1908 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ.
1909 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعٍ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ؟ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ.
1910 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ يَداً بِيَدٍ، وَلاَ بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ، الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَداً بِيَدٍ، وَالدَّرَاهِمُ إِلَى أَجَلٍ. قَالَ: وَلاَ خَيْرَ فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ، الدَّرَاهِمُ نَقْداً، وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ لاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضاً.
1911 - قَالَ مَالِكٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْتَاعَ الْبَعِيرُ النَّجِيبُ بِالْبَعِيرَيْنِ أَوْ بِالْأَبْعِرَةِ مِنْ الْحَمُولَةِ مِنْ حَاشِيَةِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ إذَا اخْتَلَفَتْ فَبَانَ اخْتِلَافُهَا، وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ.
1912 - قَالَ مَالِكٌ، وَتَفْسِيرُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ فِي نَجَابَةٍ وَلَا رِحْلَةٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَك فَلَا يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْت مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْهُ إذَا انْتَقَدَتْ ثَمَنَهُ.
1913 - قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَوَصَفَهُ وَحَلاَّهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ لاَزِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ، وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.
نص الدرس مكتوب:
الحمدُ لله مُكرمِنا بشريعتِه وكتابه والمبيّنِ على لسانِ رسولهِ كريمِ خطابه، اللهم صلّ وسلم وبارك وكرّم على عبدك المصطفى سيدِنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه، وأهلِ حضرة اقترابِه من أحبابه، وعلى آبائهِ وإخوانه من أنبيائك والمرسلين، وآلِهم وصحبهم أجمعينَ وعلى ملائكتِك المقربين، وجميعِ عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
وبعدُ،
فيذكرُ الإمامُ مالكٌ -عليه رحمةُ الله تباركَ وتعالى- ما يتعلّقُ ببيعِ الحيوان بعضه ببعضٍ، وما يجوزُ من السَّلفِ فيه؛ أي: السلَم. قال: "باب مَا يَجُوزُ مَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَالسَّلْفِ فِيهِ".
وأوردَ لنا حديثَ سيدنا علي بنِ أبي طالبٍ -كرمَ الله وجهَه ورضيَ عنه- أنه "بَاعَ جَمَلاً لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيراً بِعِشْرِينَ بَعِيراً" صغارًا "إِلَى أَجَلٍ"؛ أي: باعه نسيئةً، وفيه: بيعُ الحيوانِ بالحيوانِ مع التفاضلِ ومع النسيئة.
-
وقد جعل الشافعية أن العلةَ في الرِّبا إنما هي وجودُ الطُعم أو وجودُ الثَمَن، -النقدية-، فإذا لم يكن طَعمٌ ولا نقدٌ، أي: لم يكن نقدًا بنقدٍ وطعام بطعامٍ، فإنه يجوزُ فيه التفاضل، ويجوز فيه النسيئة، ولا ربا فيه.
-
وقال الحنفية: إنما يكونُ ذلك إذا لم يكن من جنسٍ واحد، أما الجنسُ الواحدُ فلا بدّ فيه من التقابضِ وإن جاز التفاضلُ في غيرِ المطعومِ وغيرِ النقدِ بالنقد.
-
ورأى المالكية: أنه إذا اجتمعَ تفاضلٌ ونسيئةٌ في جنسٍ واحدٍ المقصودُ منه منفعةً واحدةً فلا يجوز، كأن يبيعَ بعيراً لأجل الرُكوبِ ببعيرينِ لأجلِ الركوبِ إلى أجلٍ، فهذا ممنوعٌ عندهم، لأنه حصلَ التفاضلُ والنسيئةُ، والمقصودُ منهما واحدٌ وهو الركوب. بخلاف ما إذا كان مقصودُ واحد منهما الركوبَ وواحد لغير الرُّكوب، كما أشار إليه الحديثُ، فلا يَضرُّ ذلك.
-
ومذهب الحنابلة كالشافعية في هذا.
إذًا، فهذا حكمُ المسألةِ عند الأئمةِ عليهم رضوانُ الله تعالى.
وذكرَ لنا حديثَ سيدِنا علي بن أبي طالبٍ، وأن هذا الجملَ الكبيرَ الذي يُسمى عُصَيفير، بِيعَ بعشرين بعيرًا صِغاراً إلى أجل، أي: باعهُ بنسيئةٍ.
-
فقال المالكيةـ: أنه تباينت الأغراضُ فيه، فهؤلاءِ العشرينَ الصغار ليس المقصودُ بها كالجملِ الكبير الذي هو للحملِ ونحوِه، وليس ذلك في الصغيرِ، فعندَهم أن التفاضلَ والنسيئةَ لأنه اختلفَ الغرضُ والمنفعة.
-
ولم يلتفت إلى ذلك بقيةُ الأئمة، بل قال الشافعيةُ والحنابلة :أنه لا طَعميةَ ولا نَقديةَ.
-
وقال الحنفية: إن فيه وجود الجنسِ الواحد لكنْ أيضًا مع اختلافِ الغرض، حيثُ يقولُ بذلك المالكيةُ إذا اختلف الغرضُ. ووجودُ الجنسية عند الحنفية يقتضي أيضًا دخولَ الربا، ويحرمُ البيعُ فيه بنسيئة عندهم.
يقول الحديثُ الثاني: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ". ففيه السّلَفُ وفيه السلَمُ، والتفاضلُ أيضًا بين راحلةٍ وأربعةِ أبعرة.
وكذلك قال أن سيدَنا مالك "سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعٍ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ؟ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ"، اثنين بواحدٍ إلى أجلٍ، أي نسيئةً، فقال الزُهري: لا بأسَ بذلك.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا:" يعني: في المدينة "أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْجَمَلِ"؛ أي: يجوزُ بيعُ الجملِ "بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ" يكونُ في أحدِ الجانبين، إما مع هذا أو مع هذا، فجاز التفاضلُ "يَداً بِيَدٍ" بلا نسيئةٍ "وَلاَ بَأْسَ بِالْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ" بأن يكونَ "الْجَمَلُ بِالْجَمَلِ يَداً بِيَدٍ، وَالدَّرَاهِمُ" مؤجلةً، أي: نسيئةً.
وقال: "وَلاَ خَيْرَ"؛ بمعنى: لا يجوزُ البيع "فِي الْجَمَلِ بِالْجَمَلِ مِثْلِهِ وَزِيَادَةِ دَرَاهِمَ" بأن تكونَ الدراهمُ حاضرةً نقدًا يد بيد "وَالْجَمَلُ إِلَى أَجَلٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَ الْجَمَلَ وَالدَّرَاهِمَ" معًا "لاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ أَيْضاً"؛ يعني: لا يجوزُ فيه التفاضلُ، نقدًا من غير المُقتاتِ والذهبِ والفضة، فإن من باعَ بعضَه ببعضٍ يدًا بِيَد، فلا يَفسد ذلك عند مالكٍ وما كان معه من زيادةٍ من غير ذلك الجنس، سواءً كان نقدًا أو إلى أجل .
"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ بِالْبَعِيرَيْنِ، أَوْ بِالأَبْعِرَةِ مِنَ الْحَمُولَةِ"؛ أي: ما يُحملُ عليه "مِنْ حَاشِيَةِ الإِبِلِ"؛ يعني: جوانبِ الإبلِ أو صِغارِ الإبلِ، كابن المخاضِ وابنِ اللَّبون "وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَعَمٍ وَاحِدَةٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُشْتَرَى مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ، إِذَا اخْتَلَفَتْ"؛ كيف اختلفت؟ لم تتحد عندَه المنفعة والغرض. "إِذَا اخْتَلَفَتْ" وفي نُسَخ: "إذا اختلفَ". "فَبَانَ اخْتِلاَفُهَا" اختلافُ النوعين بصِغَرٌ وكِبَرٌ، أو كان بعضُه للحملِ وبعضُه للركوب، إلى غير ذلك من اختلافِ المقاصد.
"وَإِنْ أَشْبَهَ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَاخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهَا أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ، فَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ" إذا أشبهَ بعضُها بَعضًا في الوصفِ المقصودِ منها، والمرادُ والغرضُ من البيعِ والشِراء، فأما إذا اختلفَ الجنسُ مثلَ بغال بحمير وما إلى ذلك، فلا دخلَ عنده للربا في نسيئةٍ ولا تفاضُل.
إذًا؛ علمنا من مذهبِ المالكيةِ: أنه إذا حصلَ التفاضل مع النسيئةِ في ما يكون الغرضُ منه شيءٌ واحد فلا يجوز.
فإذا علمنا هذا فإذا أرادَ السَّلمَ والإسلافَ في الجوزِ مع الجوزِ أو البيضِ مع البيض أو التفاح مع التفاح مثلاً، لا يجوز هذا، لأن الشافعيةَ يقولون: الطُعم موجودٌ، والحنفيةُ يقولون: الجنس، فهذا محرمٌ عندهما.
ولكن إذا أسلفَ ثوبًا من نوعٍ بثوبٍ من نوعٍ آخر، فهذا أيضًا عند الحنفية أنه مهما كان هذا ثوب مصري وهذا ثوب شامي، أو ثوب هروي أو ثوب مروي؛ يعني: من مرو، فالجنسُ واحدٌ عندهم فلا يجوز.
وعند الشافعية: يجوز، لماذا؟ لأنه ليس عندهم علةٌ في الجنس الواحد، ليس فيه طَعمية ولا نَقدية، فيجوز بيع هذا بهذا، لأن مناطَ الرِبا عندهم وعلّتَه النقديةُ والطَعمية، وهذا لا نقديةَ فيه ولا طعمية، لا أحد يأكل الثياب وليست الثياب بنقدٍ؛ لا دراهمَ ولا دنانير، بخلاف الحنفية قالوا: ما دام جنس واحد ما يمكنُ البيع فيه بنسيئة ولا السَّلمَ فيه ما يمكن.
والجنسيةُ التي أشرنا إليها: إذا كان الثوبُ من نوعٍ واحد. أما إذا اختلفَ النوعُ كما ذكرنا فيجيء الاتفاق، تبطلُ الجنسية عند الحنفية ، كما إذا مثَّلنا بثوب هروي وثوبٍ مرَوي، هذا من مرو وهذا من هراوة، وإذا كان كذلك فالجنسية أيضًا بَطُلت عند الحنفية فصحّ. فإذا كانا من جنسٍ واحدٍ كلاهما هروي، فهذا الذي يحرم عند الحنفية، ويباح عند الشافعية؛ لأن الشافعيةَ لا عبرةَ بالجنسِ عندهم، إنما العبرةُ بالطَعمية أو النَقدية.
أما إذا كان هذا من جنسٍ وهذا من جنسٍ، جازَ عند الحنفية وعند الشافعية كذلك، فعندَ الحنفيةِ لعدم اتحادِ الجنس، وعند الشافعية لأنه لا طَعميةَ فيه ولا نَقدية .
هذا الذي قارنّا ما بين الحنفية والشافعية، مثل ما يُسلمَ نقود في نقود، أي يُسلمَ الفلوس في الفلوس، لا يجوز عند الحنفية، لأن الجنسَ أيضًا واحد، ولا عند الشافعيةِ لأن النقديةَ موجودةٌ، فهؤلاءِ من أجل النقدية وهؤلاءِ من أجل اتحادِ الجنس. فلا يجوز أن يُسلفَ فلوس في فلوس، يُسْلف يعني: يبيعها بأجل، يبيع عليه الدراهمَ بأجل، هذا ممنوع عند الكل، لماذا؟ لأن النقديةَ موجودةٌ وهي العلةُ عند الشافعية، والجنسُ موجودٌ وهي العلةُ عند الحنفية، إذا بيبيع فلوس بيسلمُ فيها في فلوس أخرى، فلا يجوزُ هذا لأن البيعَ بأجلٍ.
وعلمنا من مذهبِ الإمام مالك: أن الحيوانَ بالحيوانِ نسيئةً إلى أجلٍ:
-
إذا تشابهت منفعتُه كشاةٍ حَلوبةٍ بشاةٍ حلوبةٍ إلى أجل، لا يجوزُ عنده.
-
وإذا اختلفت المنافعُ جاز، كما جاء عندنا في الحديث بيعُ البعيرِ النجيب ببعيرينِ للحَمولة، هذا للركوب وهذا للحمولة، فاختلفت الأغراضُ فجازَ عندهم.
إذًا؛ النسيئةُ جائزةٌ فيه كما يجوز التفاضلُ فيه.
يقولُ الشافعية: ما سوى الذهبِ والفضةِ والطعامِ فيجوز بيعُه متفاضلاً ومتماثلاً وحاضرًا ومؤجلاً بنسيئةٍ أو منجّزًا؛ كلُ ذلك جائزٌ، وإنما تأتي هذه الشروط كما وردت في الأحاديث، في المطعوماتِ والنقود، فيُشترط فيها التقابض والحلول، وإن اتحدَ الجنس زاد شرطٌ ثالثٌ وهو المماثلة.
"قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ مَا كُرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَفَاضُلٌ، فِي نَجَابَةٍ وَلاَ رِحْلَةٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلاَ يُشْتَرَى مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ إِلَى أَجَلٍ"؛ لأنه اتحدَ فيه الجنس والمنفعة والغرضُ المقصود، "وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَبِيعَ مَا اشْتَرَيْتَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ، مِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْهُ إِذَا انْتَقَدْتَ ثَمَنَهُ".
هذا يتكلمُ على بيعِ ما لم يُقبَض، وتقدمَ معنا الحديثُ عن النبي ﷺ: "من ابتاعَ طعاماً فلا يَبِعْه حتى يَقبضَه"، وفي لفظٍ: "حتى يَكتالَه".
إذًا؛
-
فمذهبُ الشافعية وهو الروايةُ عن الإمام أحمد: أنه لا يصحُ بيع المبيعِ قبلَ قبضه، لا فرقَ بين المنقولِ أو العقار، لا يصحُ حتى يقبضَه بما يُعَدُ له قبضًا عُرفًا. إذا اشتريت مبيعًا فلا تبِعهُ حتى تقبضَه.
-
وقال الحنابلةُ: لا يجوزُ هذا، لأنه لم يتمَ الملكُ بعد قبل القبض.
-
وقال الحنفيةُ:
-
إن كان منقولاً فلا يصحُ بيعُ المنقول قبلَ قبضِه، ولو كان من بائعه.
-
وإن كان عقاراً فيجوزُ بيعُ العقار، كما هو عند أبي حنيفة وأبي يوسف، يجوزُ بيعُ العقار قبلَ قبضِه لأنه غير منقول؛ ليس مما يُنقل.
-
-
وخالَفَهم الإمام محمد من الحنفية، فقال: لا يجوزُ بيعُ العقار أيضاً قبل قبضهِ كالمنقولِ، كما هو مذهبُ الشافعيةِ والحنابلة.
-
وأما المالكيةُ فيَعتبرون الطعامَ فقط؛ الطعامُ لا يجوزُ بيعُه قبلَ قبضه، وغيرُ الطعام يجوزُ فيه البيعُ ولو قبلَ أن يقبضَ المشتري.
"قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ سَلَّفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَوَصَفَهُ وَحَلاَّهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ لاَزِمٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ عَلَى مَا وَصَفَا وَحَلَّيَا"؛ على حسَب الوصْفِ والشرطِ الذي اشترطوه بينهم. "وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ الْجَائِزِ بَيْنَهُمْ، وَالَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ يعني: المدينة المنورة، يعني في السَّلَم في الحيوان، والله أعلم .
رزقنا الله التقيّد بالشريعة والعمل بها حتى يرقّينا إلى المراتب الرفيعة، ووقانا شرّ الأهواءِ والأسواء والأدواء في السر والنجوى، وكسانا بالفضل خِلَع التقوى، وبارك لنا في بقية ليالي وأيام شعبان، وجعله لنا شاهدًا عنده لا شاهدًا علينا، وجعله لنا حجةً عنده لا حجةً علينا، وهيأنا لحُسنِ استقبالِ رمضان ولياليه وأيامه، وحيازة بُسُط فضل الله وإكرامه وعظيم إنعامه، على خواصّ محبوبيه في عافية وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
23 شَعبان 1443