شرح المُوطَّأ - 328 - كتاب البيوع: باب ما جاء في ثَمَرِ المال يُباع أصْلُه، وباب النهي عن بَيْعِ الثمار حتى يبدو صلاحها

شرح المُوطَّأ - 328 - كتاب البيوع: باب مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُه
للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع، باب مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُه، وباب النَّهْي عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا.

فجر الإثنين 13 رجب 1443هـ.

باب مَا جَاءَ فِي ثَمَرِ الْمَالِ يُبَاعُ أَصْلُهُ

1812- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ".

باب النَّهْي عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا

1813- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ.

1814- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي؟ فَقَالَ: "حِينَ تَحْمَرُّ". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ".

1815- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ.

1816- قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.

1817- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا.

1818- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِرْبِزِ، وَالْجَزَرِ: إِنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ حَلاَلٌ جَائِزٌ، ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ، وَيَهْلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِىَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِداً، كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعاً عَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته سيِّدنا مُحمَّد عبده وصفوته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى من والاهم في الله وتابعهم بإحسان إلى يوم ملاقاته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين المخصوصين من الحق -سبحانه وتعالى- باصطفائه ومصافاته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقرّبين وعلى جميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّحمين. 

ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يتعلق ببيع الثِّمار وبيع الأشجار. ويروي لنا: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"."، والحديث أيضًا في صحيح الإمام البُخاري ومُسلم -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-. ومعنى أبرت؛ أي قد لقحت بأن أُخذ من طلع النخل الذّكر ويوضع على طلع النّخل الأنثى، فتتهيأ بذلك لإنجاح التمر وإخراجه. فما كان يؤبر من الشجر كمثل النّخل، فالعبرة بتأبيره. 

وفرَّق الشَّافعية والحنابلة وكذلك المالكية بين المؤبّر وغير المؤبّر كما نقرأ في الحديث.

  • وأن ما قد أُبِّر فاشتُري بعد التأبير؛ فالثمرة للبائع. 

  • وما اُشتُري قبل التأبير؛ فالثمرة للمشتري. 

كذلك ما لا يؤبّر فالعبرة أيضًا فيه باشتداد الحب وتهيئه وتلونه إن كان يتلون؛ فحينئذ يكون بدا صلاحه. 

  •  فإذا بدا صلاحُه، فاشتُري؛ فالثمرة للبائع.

  • وقبل بُدوِ الصلاح؛ فالثمرة للمشتري.

وقال الحنفية ومثلهم الأوزاعي: الثمرة مطلقًا للبائع إلا أن يشترط المشتري. فلا فرق بين أُبّرت أو لم تؤبّر، الثمرة للبائع إلا إذا اشترط المشتري عليه أن الثمرة له. وهذا خلاف قول ابن أبي ليلى يقول: الثمرة للمشتري دائمًا. قال: لأنها متصلة بالمبيع اتصال خِلْقة. متصلة بالأصل اتصال خِلْقة فهي مثل الأغصان تدخل في البيع والثمرة كذلك. 

لكن قال الجمهور منهم المالكية والشَّافعية والحنابلة: الفرق بين ما قد أُبّر وما لم يؤبّر: 

  • فإن كانت الثمرة مؤبّرة فهي للبائع. 

  • وإن كانت غير مؤبّرة فهي للمشتري. 

  • إلا أن يشترط أحد المتبايعين فهي له. 

  • إلا أن المالكية قالوا: ما يصح أن يشترط البائع الثمر غير المؤبّر. قالوا: لأنه بمنزلة شرائه له قبل بدو صلاحه. 

  • وقال الشَّافعية والحنابلة: إذا اشتُرط ذلك فهو جائز كما يشير إليه الحديث. 

"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ"؛ يقول له أهل حضرموت: فُخّطت، فيسمون التأبير تفخيط. "فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"؛ يعني: المُشتري لنفسه أن تكون له. فإذًا؛ البيع متى وقع على نخلٍ مثمرة مؤبّرة، ولم يشترط المشتري الثمرة؛ فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبّرة؛ فهي للمشتري، عَلِمنا بذلك مذهب مالك والشَّافعي وأحمد بن حنبل. 

وعَلِمنا قول ابن أبي ليلى: أنها للمشتري دائمًا، مع قول الإمام أبي حنيفة والأوزاعي هي في الحالين للبائع لأن هذا نماءٌ له حد، فلم يتبع أصله في البيع، كما إذا باع الأرض عليها زرع، فلا يتبع الزرع الأرض، وهكذا مذهب الحنفية إلا أن يشترطها المشتري، إذًا هذا اختلافهم. 

يقول: إذا اشترط أحد المتبايعين الثمرة له؛ فهي له؛ سواءً كانت مؤبّرة أو غير مؤبّرة. 

لكن قال الإمام مالك كما ذكرنا: إن اشترطها المشتري بعد التأبير جائز، -وهي قدها له- لأنها بمنزلة شراءها. وإن اشترطها، يجوز له أن يشترط من؟ المشتري بعد التأبير لأن منزلة شراءها مع أصلها كأنه اشترى الإثنين. وإن اشترطها البائع قبل التأبير؛ لم يجز عنده، لم يجز عند الإمام مالك قال: لأن اشتراطه لها بمنزلة شراؤه لها؛ فهو يشتري شيء لم يبدُ صلاحه بعد؛ فلا يصح. 

ولكن قال غيره من الشَّافعية والحنابلة: يصح أن يشترط أن تكون الثمرة له ولو قبل بُدوِّ الصلاح، فتكون إذا جاءت كما جاءت له. 

  • فإذًا بالشرط يصح عند الأئمة الثلاثة سواءً اشترط البائع أو المشتري. 

  • وقال الإمام مالك: لا، إن اشترط المشتري قبل بدو الثمر أو قبل بدو الصلاح -قبل التأبير- أن تكون الثمرة له؛ فلا يصح. 

  • قال الأئمة الثلاثة: يصح. 

    • فإذا اشترطها المشتري، فيكون له بمقتضى الشرط وهذا اتفقوا عليه. 

    • ولو اشترط أحدهما جزءًا من الثمرة معلوم، فهي في مثل اشتراط الكُل في قول الجمهور.

  • قال ابن القاسم من أصحاب مالك: لا يجوز اشتراط بعضها؛ لأن الخبر جاء والحديث فيه اشتراط الجميع. 

  • وقال الآخرون: ما جاز اشتراط جميعه، جاز اشتراط بعضه كمثل مُدة الخِيار. إذا اشترط بعض الأيام الثلاثة فله. فإذا كان اشترط الخيار ليومين فقط، له ذلك أو يوم واحد، فله ذلك. ولا يُقال: لا بُد تأخذ الخيار ثلاثة أيام! فكذلك الاشتراط في الثمر يجوز أن يكون بعضه معيّن، هذا ثمرها لي وهذا ثمرها لك.

هكذا قال الجمهور خلاف ابن القاسم من المالكية ولكن أشهب من المالكية يقولون كما قال الجمهور في المسألة: فإذا كانت الثمرة للبائع، فله تركها في الشجر إلى أوان الجذاذ -إلى وقت جزّها- سواءً كان استحقها البائع بالتأبير أو بالاشتراط، فيُبقيها. ما يمكن للمشتري أن يخرجها وينزعها، بل يبقيها حتى يأتي أوان الجذاذ، أوان الجزاز؛ فيجُزّها.

  • وجاء عن أبي حنيفة: أنه يلزمه قطعها وتفريغ النخل فيها لأنه مبيعٌ مشغول بملك البائع، فيلزمه نقله وتفريغه. 

  • قال الجمهور: بل يبقيها حتى يأتي الوقت المعهود للجذاذ، فيجذها. 

بل لو باع نخلة بعضها مؤبّر وبعضها غير مؤبّر؛ فالجميع للبائع لأن فيها تأبير. فإن باع نخلتين كذلك فكذلك يشترط اتحاد الصفقة، فإن أفرد لكل واحدة، فلكل واحدة حكمها. وإن باع عدد في بستان كامل، بعضه مؤبّر وبعضه غير مؤبّر:

  • فإن كان قليل غير المؤبّر أو قليل المؤبّر فالحكم للكثير. 

  • وإن لم يُحكَم فيه بالقِلة؛ فلكلٍّ حكمه:

    •  المؤبّر للبائع.

    • وغير المؤبّر ثمره للمشتري.

 

باب النَّهْي عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا

 

وقال: "باب النَّهْي عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا"؛ يعني: تُزهي؛ يبدو فيها الحُمرة والصُّفرة؛ النُّضج واشتداد الحَب إذا كانت حبًّا، وهذا في الثمار. العنب والتمر فهذا بالتلوّن؛ إذا بدا فيه الاصفرار والاحمرار، فهذا بدو الصلاح. فإذا كان العنب أسود ونحا لونه إلى السواد، وكذلك العنب الأبيض نحا إلى البياض، وكذلك الزيتون إذا قد نحا إلى السواد فهذا بدوّ صلاحه، فكل شيءٍ بحسبه. فظهور الحُمرة والصُّفرة؛ علامة بدوّ الصلاح. 

  • وجاء عن عطاء: أنه لا يُباع حتى يؤكل من الثمر شيء قليل أو كثير، فإذا لم يصل إلى حد صلاحية الأكل، فلم يبدُ صلاحه عند عطاء. 

  • وعلمت ما قال الجمهور: أن المراد تلونه، فإذا تلون الثمر؛ فقد بدا صلاحه ويصح بيعه. 

ذكر لنا: "عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ"؛ يعني: الحِمل الذي تُخرجه الشجرة، فيدخل في الثمر الورد والياسمين ونحوها من المشمومات، "حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا"؛ يظهر صلاحها؛ لأنه قد يحصل لها آفة فيصير البيع والشراء في لا شيء، حتى يبدو صلاحهن "نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ" للبائع لئلا يأكل مال أخيه بالباطل والمشتري كذلك، "نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ". 

  • فبيع الثمرة قبل بدو الصلاح، إما أن يشتريها بشرط التبقية، فالبيع لا يصح بالاتفاق لما جاءنا في الحديث. وإذا اشترط التبقية لأنه لا يُعلم ماذا يأتي منها، وما الذي يصلح وما يكون من النتيجة. فإذا كان بشرط التبقية، لا خلاف في منعه بين الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، وحُكي بذلك الإجماع.

  • والقسم الثاني يبيعها بشرط القطع في الحال، فما قصده أن تنجح ويأكلها ثمر، ولكن قصده فيها على ما هي موجودة؛ لأن له غرض فيها بإطعامها للحيوان أو استعمالها في شيء مما يفيد من الزيوت أو المطعومات الحلال أو غير ذلك. فإذًا هذا يصح، فإذا كان شرط قطعها في الحال، يصح باتفاق لأنه ما فيها غرر ولا يُخاف منها تغير شيء، ويريدها بهذا الحال الذي هي فيه، يقطعها في الحال يأخذها. فإذا كان بشرط أن يقطعها في الحال، فيصح لأنه ما يُخاف منه تلف الثمرة ولا حدوث العاهة عليها لأنه يريدها هو على ما هي عليه الآن.

وفي الحديث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ". 

"وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ". كما جاء في البُخاري، فتأخذه على إيش؟ إيش المقابل؟ إذا وقعت عليه آفة ولم يثمر. 

  • والثالث: إذا باعها مطلقًا لم يشترط التبقية ولا قطع. 

    • فهذا يقول الإمام مالك والإمام الشَّافعي: أنه باطل. 

    • وقال أبو حنيفة: جائز لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فهو كما لو اشترط القطع. 

فإذًا:

  • عندنا بيع الثمرة بشرط التبقية؛ هذا باطل بالاتفاق. 

  • الثاني بشرط القطع في الحال؛ فهذا جائز بالاتفاق.

  • الثالث بيعها مطلقًا من غير مالك الأصل؛ وهذا الذي أجازه أبو حنيفة وجعله مثل اشتراط القطع. 

  • والرابع بيعها مع الأصل؛ نبيع الثمرة مع الأصل. 

  • الخامس بيعها بيد مالك الأصل؛ يبيعها بشرط القطع ثم يتركها حتى يبدو صلاحها.

ويذكر لنا عن أنس بن مالك: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. حَتَّى تُزْهِيَ"؛ من أزهى يُزهي. أزهى النَّخل؛ يعني: بدا صلاحه. في رواية: "حتى تزهو". فجاء: "حتى تُزهي" و "حتى تزهو". فإذًا، جاءت الرواية على اللغتين، يُزهي ويزهو. 

  • فيقال: زها يزهو، إذا ظهرت ثمرته. 

  • ويقال: أزهى يُزهي، إذا احمرّ أو اصفرّ 

فهي روايتان. بخلاف من أثبت إحدى الروايتين ونفى الأخرى، بل يزهو صحيح من جهة النقل ومن جهة اللُّغة، ويزهي كذلك صحيح. يزهو ويزهي كلاهما صحيح لُغةً ورواية. 

"فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تُزْهِي؟ فَقَالَ: حِينَ تَحْمَرُّ". أرادوا استبيان مُراده بـ "حَتَّى تُزْهِيَ" قال: حتى تحمر أو في رواية: "حتى تحمر أو تصفر"؛ يعني: تظهر على خُضرة البلح حُمرة؛ أول ما يتغير لون البلح للحُمرة فهذا هو الازهاء. ثم منه ما يصفرّ، ومنه ما تستتم حُمرته، فجعل الله تلوين التمرة على هذا الحال فسبحانه -عزّ وجلّ-. 

يبدو أخضر وبعد ذلك يبدأ يحمر، إما أن يرجع إلى الحمرة، وإما أن تُستكمل حمرته، وإما أن يرجع إلى الصُّفرة ويصفرفمَن يغيره من لون إلى لون؟ لا أصباغ يصبغونه بها، من نفسه هو يتغير، سبحان القوي القادر.

وفي كل شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنّه الواحد 

"وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ"، وأنت بعت ثمرة، بأن تلفت "فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ". قال تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) [البقرة:188]، أو (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) [النساء:29].

وعن: "مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ"؛ يعني: ببدوّ الصلاح لأن العاهة تقل بعد ذلك، نادرًا أن يصيبها عاهة بعد أن يبدو صلاحها.

"قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ"؛ أي: فلا يكون جائزًا لأن الآفة قبل بدو الصلاح قد تكثُر. 

و "عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأنصاري -رضي الله عنه-: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَبِيعُ ثِمَارَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا"؛ النَّجم المعروف؛ لأنها عندئذٍ تكون قد احمرّت أو اصفرّت، وبدا صلاحها وتنجو من العاهة. وجاء عن ابن عُمَر أنه نهى عن بيع الثمر حتى يؤمن عليه العاهة. قيل: متى؟ متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قيل لعبد الله بن عُمَر متى تؤمن عليه؟ قال: إذا طلعت الثُّريا. إذا ارتفع النجم ورُفعَت العاهة عن كل بلدة. إذًا المراد بالنجم الثُّريا، وهذا من المُتفق.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْخِرْبِزِ، وَالْجَزَرِ" ويقال فيه: جُزَر، هذا الجزر المعروف، "إِنَّ بَيْعَهُ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ حَلاَلٌ جَائِزٌ"، لأن صلاح تلك الثمر قد بدا، فباقيها تبع لها، "ثُمَّ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا يَنْبُتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَمَرُهُ، وَيَهْلِكَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ يُؤَقَّتُ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَرُبَّمَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ فَقَطَعَتْ ثَمَرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِىَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ الْعَاهَةُ بِجَائِحَةٍ تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَصَاعِداً، كَانَ ذَلِكَ مَوْضُوعاً عَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ"، في مذهب الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، والله أعلم.

اللَّهم ارزقنا الإيمان واليقين والإخلاص والصِّدق والتَّوفيق، واسلك بنا أقوم طريق، وألحقنا بخير فريق، وأعذنا من كل تعويق، وألهم الرشد وأتِمّ السُّعد في لطفٍ وعافية بِسِرّ الفاتحة، وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

22 رَجب 1443

تاريخ النشر الميلادي

23 فبراير 2022

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام