شرح المُوطَّأ - 327 - كتاب البيوع: باب ما يُفْعَل في الوَلِيدَة إذا بِيعَتْ وَالشَّرطُ فيها

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب البيوع: باب مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إذا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا، وباب النَّهْي عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْج.
فجر الأحد 12 رجب 1443هـ.
باب مَا يُفْعَلُ فِي الْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ وَالشَّرْطُ فِيهَا
1807- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا، فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ، فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأَحَدٍ.
1808- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً، إِلاَّ وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ.
1809- قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا، أَوْ لاَ يَهَبَهَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ: فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَلاَ يَهَبَهَا، فَإِذَا كَانَ لاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكاً تَامًّا، لأَنَّهُ قَدِ اسْتُثْنِيَ عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ، وَكَانَ بَيْعاً مَكْرُوهاً.
باب النَّهْي عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ
1810- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ جَارِيَةً، وَلَهَا زَوْجٌ، ابْتَاعَهَا بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لاَ أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا. فَأَرْضَى ابْنُ عَامِرٍ زَوْجَهَا فَفَارَقَهَا.
1811- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً، فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكْرِمِنا بالشريعة وأحكامها، وبيانها على لسان سيِّدها وإمامها، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه المتبوئين في الفضائل ذروة سنامها، وعلى آلهم وصحبهم ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم وقوف الخليقة بين يدي الرَّب وقيامها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الذين جعلهم الله لحقائق الفهم عنه أهل مكانتها وأعلامها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الرَّحمين.
وبعدُ،
فيواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق في بيع الأرقّاء والمملوكين، ويتحدث عن إذا تم البيع بشرطٍ. والْوَلِيدَةِ إِذَا بِيعَتْ ولا زال متعلِّق ببيعها شرط من الشروط قائم فيها.
فيذكر لنا حديث: "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ابْتَاعَ"؛ أي: اشترى "جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا، فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي تَبِيعُهَا بِهِ"، فلا حُرية له أن يبيعها على من شاء، وإنما تعود إليها. "فَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأَحَدٍ"؛ أي: أنه لا يتم لك الملك فيها، فالملك ناقص.
-
فقيل في معنى كلام سيِّدنا عُمَّر: أي لا تقرب تلك البيعة، ولا ترضى بها.
-
وقيل: أن البيعة صحيحة، ولا يجوز لك مسّ الجارية ولا قربها لأنه بقي شرط مُتعلق بشأنها، فلست بصاحب ملك تام عليها ولا حرية.
وفي هذا تأتي مسألة أن يبيع ويشترط:
-
فيقول الحنفية: يفسد البيع بالشرط الفاسد الذي لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ولا ورد به الشرع ولا يتعارفه الناس. وإنما ما فيه منفعة لأحد المتعاقدين، كأن يشتري شخص قماشًا على أن يخيطه البائع قميصًا، فقالوا: يصح حينئذ العقد، ويُلغى الشرط الباطل. ما كان فيه ضرر على أحد المتعاقدين، كأن يبيع إنسان شيئًا بشرط أن لا يبيعه المشتري. أبيعك هذا لكن بشرط ألا تبيعه على أحد. إذا بعتني إياه ماذا لك منها؟ إيش لك من حكم فيه؟ أو لا يهبه أحد، ما يعطيه أحد، فحينئذ يقولون: أن الشرط يبطل ويصح البيع.
-
قال المالكية: يبطل البيع والشرط، إن اقتضى الشرط منع المشتري من تصرُّف عام أو خاص فيما يملكه، فأبطلوا العقد من أصله.
-
ويقول الشَّافعية:
-
إذا كان الشرط لا يتناقض مع أصل العقد، وفيه مصلحة لأحد المتعاقدين مثل شرط الخيار أو الأجل أو الرهن أو الكفالة؛ فيصح.
-
ولكن إن كان الشرط منافيًا مقتضى العقد؛ فالعقد باطل من أصله، مثل أن لا يبيع.. كيف أن لا يبيع؟ هذا ملكه، إيش لك بهذا؟ يقتضي أنه ما ملك؛ فالعقد كله باطل.
-
-
وهكذا يقول الحنابلة: لا يبطل البيع بشرط واحد لأحد الطرفين. إن كان شرطان؛ يبطل البيع، واستدلوا بما جاء عن النَّبي ﷺ "لا يحلُّ سلفٌ وبيعٌ ولا شرطانِ في بيعٍ … ولا بيعُ ما ليسَ عندَك .."؛ ما يصح. إذًا لا يجوز اشتراط السَّلَف من أحد المتبايعين، ولا اشتراط ما يتنافى مع العقد.
وتكلَّم عن هذه الوليدة التي هي لزوجة سيّدنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ التي جاءت يومًا تستأذن الرَّسول ﷺ لتسأله، فقالوا: أتت تستأذنك زينب؟ قال: أيّ الزّيانب؟ قالوا: امرأة ابن مسعود، فأذِن لها فسألته. فقالت: إني أردت أن أتصدق، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت عليه، قال: صدق عبد الله، هو وولده أحق من تصدقت عليه. إذا معك صدقة، وزوجك محتاج، وولدك محتاج، هو أفضل من أن تعطينه واحد آخر أجنبي. وهكذا هذه زينب أخذ منها هذه الوليدة، فاشترطت عليه أنه لا يبيعها، فإذا باعها إلى أحد فهي لها، بنفس ما يبيعه بها، فجاء هذا جواب سيِّدنا عُمَر وظاهره أنه نهاه عن أن يقترب منها؛ لأن فيها شرطًا فلم يتم كمال البيع بعد، أو تمام البيع.
ثم أورد لنا: "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً، إِلاَّ وَلِيدَةً إِنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ."؛ أما ما كانت إما مُبعضة أو لا يتم ملكه عليها؛ فلا يجوز أن يطأها بملك اليمين.
"قَالَ مَالِكٌ فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى شَرْطِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا، أَوْ لاَ يَهَبَهَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ: فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَهَا"، كما قال ابن عُمَر، "وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَلاَ يَهَبَهَا، فَإِذَا كَانَ لاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَلَمْ يَمْلِكْهَا مِلْكاً تَامًّا، لأَنَّهُ قَدِ اسْتُثْنِىَ عَلَيْهِ فِيهَا مَا مَلَكَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، فَإِذَا دَخَلَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَصْلُحْ، وَكَانَ بَيْعاً مَكْرُوهاً"؛ لأنه فسد بالشرط.
إذًا؛ هل يُفسخ البيع أو يبطل الشرط؟
-
يوجد قولين عند الإمام مالك، والراجح عندهم بُطلان العقد إذا تم في ذلك شرط.
-
واغتفر الحنابلة الشرط الواحد، وأبطلوه إذا كان مع العقد شرطان فأكثر.
باب النَّهْي عَنْ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ وَلِيدَةً وَلَهَا زَوْجٌ
ثم ذكر إذا كانت الأمَة لها زوج. إذا كانت متزوجة؛ فلا يجوز لسيِّدها أو مالكها أن يطأها بملك اليمين ما دامت متزوجة حتى يطلقها زوجها ثم تُستبرأ بعد ذلك، بأن تحيض وتطهر، فيجوز لسيِّدها أن يطأها بملك اليمين. كما أنه إذا وطِئها بملك اليمين؛ لم يجُز أن يزوّجها حتى يستبرئها ثم يزوّجها لغيره. فما دامت في عقد نكاح؛ فلا يجوز لمالك رقبتها أن يستمتع بها، ولا أن يقربها بملك اليمين لوجود عقد النِّكاح.
قال: "عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَهْدَى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ جَارِيَةً، وَلَهَا زَوْجٌ، ابْتَاعَهَا"؛ يعني: اشتراها "بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: لاَ أَقْرَبُهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا زَوْجُهَا" وتستبرأ ثم تحل لمالكها. "فَأَرْضَى ابْنُ عَامِرٍ زَوْجَهَا" على أن يطلقها "فَفَارَقَهَا."؛ فإذًا سيِّدها لا يملك فسخ نكاحها، ما يملك فسخ نكاحها لأن الزوج بعقد النِّكاح قد ملك بضعها، سواءً كان هو السيِّد الذي عقد له أو انتقلت لملك غيره، ممَن لم يعقد له؛ لا يملك أن يفسخ النِّكاح؛ فشأن العقد ثابت حتى يطلقها. ولهذا راضى هذا الزوج حتى طلقها الزوج، فأرضاه بمال أعطاه إياه حتى فارقها، وتمّت عدتها لتحِل لسيِّدنا عثمان -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-.
وذكر: "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ابْتَاعَ وَلِيدَةً، فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا." إلى مَن باعها عليه؛ لأجل هذا العيب فيها، أنها متزوجة وهو ما كان يدري أنها متزوجة. وهذا هو عند الإمام مالك والإمام أبو حنيفة كذلك أنه عيبٌ تُرد بها إذا كانت ذات زوج. إذا أخذ وليدة؛ لا يعلم أنها ذات زوج؛ فهو عيبٌ فيها تُردّ به.
-
فهو عند مالك وأبي حنيفة، من جملة العيوب التي يُردّ بها عقد البيع لمَن اشترى تلك الأمة.
-
وكذلك يقول الشَّافعية -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-: فإذا لم يعلم أنها متزوجة، فوجدها متزوجة؛ كان له أن يفسخ البيع ويرُدّها؛ فيكون ذلك واحد من العيوب التي تُردّ بها البضاعة.
فعَلِمنا إذًا أنه لا ينفسخ عقد النِّكاح؛ لأن سيِّدها الذي عقد لها، باعها. لا ينفسخ بذلك عقد النكاح، وأنه لا تحل لمالكها حتى يطلقها الزوج وتعتدّ منه.
الفاتحة أن يصلح الله أحوالنا والمسلمين، ويدفع البلاء عنّا والمؤمنين، ويرفعنا إلى أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ويقينا الأسواء والأدواء في السِّر والنجوى، ويجعلنا عاملين بشريعته ومقتدين بهدي نبيه ومهتدين به، محفوفين بعناية الله ورعايته في جميع شؤوننا وأحوالنا، بالغين بذلك فوق آمالنا من خيرات الله الكبيرة ومننه الوفيرة، سائرين في أقوم سيرة، عابدين لله على بصيرة، وداعين إليه على بصيرة منيرة، وأصلح شؤون الأمة أجمعين، ووفّر حظنا من رجب وأيامه ولياليه، وبارك لنا فيه وفي شعبان بركة تامة واسعة، وبلّغنا رمضان وجعلنا من خواص أهله لديه في لطفٍ وعافية، وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
22 رَجب 1443