شرح الموطأ - 318 - كتاب الطلاق: باب ما جاء في العَزْل

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، باب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ.
فجر الأحد 27 جمادى الآخرة 1443هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ
1746- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْياً مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، فَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ".
1747- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ.
1748- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ مَوْلَى أبِي أَيُّوبَ الأَنْصَاري، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لأبِي أَيُّوبَ الأَنْصَاري: أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ.
1749- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْزِلُ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ.
1750- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ، أَنَّهُ كَانَ جَالِساً عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَجَاءَهُ ابْنُ فهْدٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ: إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي، لَيْسَ نِسَائِي اللاَّتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي، أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ. قَالَ فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ. قَالَ أَفْتِهِ، قَالَ فَقُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ، إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ. قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ، فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ.
1751- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِيفٌ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ، فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ: أَخْبِرِيهِمْ. فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ. فَقَالَ: هُوَ ذَلِكَ، أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ.
1752- قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَعْزِلُ الرَّجُلُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا، وَمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةُ قَوْمٍ، فَلاَ يَعْزِلُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأهل بيته وصحابته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين خيرة الله في البرية وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقرّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- بابًا في الْعَزْلِ؛ وهو أن يُخرج الرجل منيّه في خارج فرج زوجته. فإذا أحس بنزول المني، نزع، فلم يتعرّض بذلك للحمل وللولادة. وهذا العزل فيه اختلاف بين سادتنا الصَّحابة وفقهاء الشَّريعة.
-
والجمهور منهم: على أن الأفضل تركه مطلقًا.
-
والقائلون بالجواز بعد ذلك، اختلفوا.
وذهب الجمهور أنه بالنسبة للسيِّد، فعزله عن الأمة يجوز له ذلك. وأما بالنسبة للحُرة ففيه رأيان لأهل العلم:
-
الأول: الإباحة مطلقًا، مع أن الأفضل تركه، وبذلك يقول الشَّافعية وجماعة من أهل العلم والحنابلة أيضًا.
-
والرأي الثاني يقولون: لا بُدّ من إذن زوجته. فيُباح بإذن الزوجة وهذا جاء عن الإمام مالك، وهو قول عند الشَّافعية كذلك، وبه يقول الحنفية.
-
إلا أن منهم من قال: إذا فسد الزمان وخاف على الأولاد من الفساد، فلا يحتاج إلى الإذن من زوجته.
فهذا الحكم في المسألة.
وذكر فيه سؤال سيِّدنا أبي سعيد الخُدري -رضي الله تعالى عنه- عن الأمر، فأجاب بما كان في غزو بني المُصطلق. يقول: فرأيت أبا سعيد الخدري يقول: عن "ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ"، وذلك أن التابعين كانوا يُعظِّمون الصَّحابة وإذا وجدوا أحدًا منهم في المسجد أو غيره، جلسوا إليه والتفّوا حوله، يأخذون منهم ما كان من هدي النَّبي ﷺ وما رأوه منه وما سمعوه عنه ﷺ. قال: "فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ"؛ أي: لاقتباس فوائده والاستفادة من علمه، "فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ؟"؛ أي: حكمه جائز أم لا؟ "فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رضي الله عنه-: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ"، وأصله بالتاء مُصتلق فبُدّلت إلى الطاء لقربها من الصاد، فقيل: مُصطلق، غزوة بني المصطلق. وهم قومٌ من العرب المُصطلق هذا جدّهم اسمه جزيمة، سمي مُصطلق لأنه كان حسن الصوت وكان أول من غنّى من خزاعة. فقالوا له: المُصطلق، وهؤلاء بنو المُصطلق كانت غزوتهم في سنة ست. وقيل: سنة خمس، غزاهم ﷺ، ووجدهم يستقون الماء فكان القتال بينهم وبين أصحاب رسول الله ﷺ. وهذه الغزوة تسمى غزوة المريسيع، وكان ماء لبني خزاعة هناك يردون إليه فهي غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق.
قال: "فَأَصَبْنَا سَبْياً"؛ أي: جواري مسبيات "مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ"؛ أي من نساء العرب. وفي رواية لمُسلم: فسبينا كرائم العرب، وهو في هذا أيضًا جواز استرقاق الذراري والنِّساء من العرب كغيرهم. وفي قولٍ عند الحنفية: أن العرب لا يسترقّهم مشرك العرب، لا يسترقون، ولكن المُفتى به والموجود في كتبهم ما قاله الجمهور: أن مشركي العرب كغيرهم من بقية الأجناس، فإنما أنكر الحنفية استرقاق الرجال، فما جعلوا الرّق يُضرب على الرجال المقاتلين وإنما يكون للذراري وللنساء.
يقول -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-: "فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ"؛ وفي رواية: أحببنا الثّمن؛ يعني أنهن ما نريد أن اللاتي ملكْنهن من الجواري، يتحولنّ إلى أمهات أولاد؛ يعني: خفن أن تحمل إحداهن، "فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، فَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ". والحديث أيضًا في الصَّحيحين وغيرهما. ولم يقل ما عليكم أن تفعلوا، ولكن: ألَّا تفعلوا؛ يعني: ما يضركم ألَّا تفعلوا، ففيه تبطين كراهة الأمر مع عدم التحريم، لذلك قال: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا"، وأما ما تخافونه من الحمل فإنه "مَا مِنْ نَسَمَةٍ"؛ يعني: نفس "كَائِنَةٍ" قدّر الله كونها "إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ"، عزلتم أو لم تعزلوا، وإذا لم يرد لم يحصل شيء.
وهكذا كما جاء أيضًا في صحيح مُسلم: عن جابر أن رجل سأل النَّبي ﷺ قال: إنَّ لي جَارِيَةً، هي خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقالَ: "اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْتَ، فإنَّه سَيَأْتِيهَا ما قُدّر لها". وكان لهما ولد، فلبث الرجل ثم أتى، قال: إن الجارية قد حبلت. ذهب إلى رسول الله ﷺ، قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدّر لها. فقد يحصل أيضًا مع ذلك الحمل لسبق شيءٍ من ماءه أو لغير ذلك، فلا ينضبط لهما الأمر، فإن قَدّر الله تكوين نسمة فلا بُد أن تتكون.
-
وبعد ذلك قد يكون هناك حاجة داعية لذلك فيصير إلى حد الإباحة أو الكراهة.
-
أما من غير حاجة فالكراهة متيقنة.
-
واختلفوا في الحُرمة وخصوصًا للحرة.
يقول: عن سعد بن أبي وقاص: "أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ"؛ أي: ممَن يرى إباحة ذلك من جملة الصَّحابة.
وذكر: "عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ مَوْلَى أبِي أَيُّوبَ الأَنْصَاري، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لأبِي أَيُّوبَ الأَنْصَاري: أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ"؛ يعني أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- الذي نزل النَّبي ﷺ في بيته، فحدّثته أم ولده أنه كان يستعمل العزل.
قال: "وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَعْزِلُ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ"، وهو ممَن رُوي عنه المنع من ذلك كأبيه عُمَر بن الخطاب، حتى كان ابن عُمَر يقول: لو علمت أن أحدًا من أولادي يعزل لنكّلته. فكان يرى النَّهي عن ذلك أو حُرمة ذلك.
و "عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ، أَنَّهُ كَانَ جَالِساً عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- الأنصاري، فَجَاءَهُ ابْنُ فهْدٍ"؛ قيس بن فهد، وقيل: قيس بن عمرو "-رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ" يقصد سيِّدنا زيد بن ثابت: "إِنَّ عِنْدِي جَوَارِيَ لِي، لَيْسَ نِسَائِي اللاَّتِي أُكِنُّ بِأَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ كُلُّهُنَّ يُعْجِبُنِي أَنْ تَحْمِلَ مِنِّي"؛ يعني: قد احتاج إلى بيع أحد منهن إذا قد حملت مني، ما أستطيع بيعها. "أَفَأَعْزِلُ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَفْتِهِ يَا حَجَّاجُ. قَالَ فَقُلْتُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ"؛ يعني: أنت أحق بالإفتاء مني "إِنَّمَا نَجْلِسُ عِنْدَكَ لِنَتَعَلَّمَ مِنْكَ" المسائل. "قَالَ أَفْتِهِ"، وهو قد سمع منه الحكم قبل. "قَالَ فَقُلْتُ: هُوَ حَرْثُكَ، إِنْ شِئْتَ سَقَيْتَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ" كما يتخير الإنسان في حرثه أن يسقيه أو لا يسقيه. "قَالَ -الحجاج-: وَكُنْتُ أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ" بن ثابت، "فَقَالَ زَيْدٌ: صَدَقَ". حجاج أكد كلامه أنه كذلك أنه مال إلى الإباحة والسؤال في الأمة.
وروى لنا عن ابن عباس أنه سئل عن العزل، "فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ: أَخْبِرِيهِمْ" يجوز له العزل، "فَكَأَنَّهَا اسْتَحْيَتْ" وسكتت وراحت. "فَقَالَ: هُوَ ذَلِكَ، أَمَّا أَنَا فَأَفْعَلُهُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَعْزِلُ."؛ أي: أرى إباحة ذلك. والحديث أيضًا يتعلق بجارية، وفيه: حياء النِّساء ولو كُن جواري.
"قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَعْزِلُ الرَّجُلُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا"، وهذا مذهب الإمام مالك أنه لا بُد من إذنها، ولا يجوز أن يعزل عنها بغير إذنها لأن لها حق في ذلك. قال: "وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا"، هذا هو ما ذكرناه في الرأي الثاني.
-
أما الأمة فالجمهور على أنه يجوز مطلقًا بإذنها أو بغير إذنها.
-
وأما الحُرة، فاشترط الإمام مالك وغيره إذنها، وقال: يباح بشرط إذنها. فإن كان لغير حاجة، كُرِه.
وهو الذي يُروى أيضًا عن سيِّدنا علي، ويُروى عن سيِّدنا عُمَر، ويُروى عن سيِّدنا عُمَر المنع. وهذا يُروى عن سيِّدنا علي وابن مسعود ومالك، قالوا: إن كان لحاجة. وهو أيضًا قول عند الشَّافعية: أنه لا بُد من إذنها كما قال هؤلاء، وهو أيضًا قول الحنفية.
إلا أن منهم من قال: إلا إذا فسد الزمان فلا يحتاج إلى الإذن. بالإشارة إلى أنه ليس المقصود إلا ما يتعلّق بتربية الأولاد وتقويمهم في السير والسلوك، وأن هذه هي المقاصد؛ لا هربًا من الإنفاق عليهم وما إلى ذلك، فإنه سواءً كان العزل أو أي وسيلة من وسائل منع الحمل استُعملت للفرار من النَّفقة على الأولاد، فلا تجوز. وذلك هو ما كان يدعو بعض أهل الجاهلية إلى قتل بناتهم ووأدهنّ. وإن كان لغرض لغير ذلك كصحة الأم أو لشيءٍ يتعلق بالتربية كما سمعت، فذلك في استعمال المؤقّت منه؛ أي: الذي لا يقطع الحمل أصلًا؛ ففيه الوجه.
وهكذا يقول بعض الحنابلة: يجوز العزل عن أمَته بغير إذنها، ونصّ عليه الإمام أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة، والشَّافعي. فجمهورهم أنه بالنسبة للأمة يجوز من غير إذنها. ولا يعزل عن زوجته الحُرّة إلا بإذنها هذا في قول غير الإمام الشَّافعي، وهو قولٌ عند الشَّافعية. فأوجب الإمام أحمد وغيره الإذن منها، وصار عند الشَّافعية وجهان.
وجاء عن عُمَر، قال رسول الله ﷺ: "لا يُعزل عن الحرة إلا بإذنها"، رواه الإمام أحمد في مُسنده وابن ماجة. نهى أن يُعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها؛ لأن لها حق في الولد، ويكون في العزل عليها ضرر إلى غير ذلك.
رزقنا الله الاستقامة على ما يُحب، وبارك لنا في أهلينا وأزواجنا وأولادنا وذرارينا ولا أضرَّهم، ووفقنا ووفقهم لطاعته ورزقنا بِرّهم، وأصلح لنا ولهم الظَّاهر والباطن ورزقنا حسن أداء الأمائن والاستقامة على ما يُحبّه منا ويرضى به عنا في جميع ما نأتي وندع، وما نقول وما نفعل وما نبصر وما نسمع، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به عبده المُشفّع، ورفعنا به المقام الأرفع بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
01 رَجب 1443