شرح الموطأ - 309 - كتاب الطلاق: باب جامِع عِدَّة الطلاق

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، باب جامع عدة الطلاق.
فجر الثلاثاء 1 جمادى الآخرة 1443هـ.
باب جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلاَقِ
1708 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ، فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ، وَإِلاَّ اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ.
1709 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلاَقُ لِلرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ.
1710 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ.
1711- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ، الَّتِى تَرْفَعُهَا حَيْضَتُهَا حِينَ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا: أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ، اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الأَشْهُرَ الثَّلاَثَةَ، اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الأَشْهُرَ الثَّلاَثَةَ، اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّالِثَةَ، كَانَتْ قَدِ اسْتَكْمَلَتْ عِدَّةَ الْحَيْضِ، فَإِنْ لَمْ تَحِضِ اسْتَقْبَلَتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ، وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلاَقَهَا.
1712- قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا: أَنَّهَا لاَ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمَ طَلَّقَهَا عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ، إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلاَ حَاجَةَ لَهُ بِهَا.
1713 - قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ماَدامَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ طَلاَقاً، وَإِنَّمَا فَسَخَهَا مِنْهُ الإِسْلاَمُ بِغَيْرِ طَلاَقٍ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة، وبيان أحكامها على لسان عبده المصطفى محمد ﷺ ذي الدرجات الرفيعة والوجاهات الوسيعة، اللهم صل وسلم وبارك وكرّم على عبدك المختار سيدنا محمد ﷺ وعلى آله الأطهار وأصحابه المتحصنين بحصونه المنيعة، وعلى من تبعهم بإحسان وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، من رفعت لهم القدر والشأن، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين في كل آن، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا كريم يا رحمن.
أما بعدُ،
فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى- في هذا الباب مسائل تتعلق بالطلاق والعدة وقال: "باب جَامِعِ عِدَّةِ الطَّلاَقِ،"؛ أي: الأحاديث متفرقة فيما يتعلق بعدة الطلاق. وابتدأ بقول سيدنا عمر-رضي الله تعالى- عنه: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ، فَحَاضَتْ حَيْضَةً واحدة أَوْ حَيْضَتَيْنِ اثنتين، ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا" انقطع الدم، تريد الحيضة الثالثة من أجل تكون ثلاثة قروء تطهر فما تأتيها، شهرين ثلاثة أربعة… ما الحكم في عدتها؟
-
فجاء قول سيدنا عمر: وعليه مذهب الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل: أنها تنتظرُ تسعة أشهر من بعد الحيضة، وهي مدة الحمل المعتادة، فإن لم يجيء شيء لحقت بالآيسة، فتعتد بثلاثة أشهر فيصير المجموع سنة من بعد الحيضة ذلك تسعة أشهر مدة الحمل، وثلاثة أشهر صارت اثنا عشر شهر فتعتد بذلك.
-
وقال الإمام الشافعي وكذلك عند الحنفية: إنها لا يمكن أن تعد في الآيسات إلا أن تبلغ سن اليأس، ولكن تنتظر إما أن يأتيها الحيض أو تبلغ سن اليأس فتكون من اللائي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر، وهو على الراجح عند الحنفية خمس وخمسون سنة، وهو كذلك عند بعض أهل العلم واحد وستون سنة، إذا بلغت ذلك فقد بلغت سن اليأس.
يقول سيدنا عمر: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ، فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ، وَإِلاَّ اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ" صارت سنة "ثُمَّ حَلَّتْ"؛ أي: حلَّ أن تنكح أزواجًا، وهذا قضاء سيدنا عمر- رضي الله عنه - وقال به جماعة، وهو أيضًا رواية عن سيدنا الشافعي، ويذكر أنها في مذهبه القديم. ويروى أنها تتربص أربع سنين أنها أكثر الحمل وعند بعضهم خمس سنين.
ولكن مذهب الحنفية كالمقرر في مذهب الشافعية: أنها تصبر إلى أن تحيض أو تبلغ سن اليأس؛ حد اليأس.
وهكذا جاء: أن علقمة بن قيس طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، فحاضت حيضة واحدة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها بعد ثمانية أشهر أو ثمانية عشر شهر، سنة ونصف سنة ما عاد جاءها الحيض ثم ماتت، فسأل علقمة عبد الله بن مسعود - عليه الرضوان- عن هذه المرأة التي هي زوجته، طلقها طلاق رجعي حاضت حيضة واحدة أو حيضتين ثم انقطع ثمانية عشر شهر ما جاءها حيض ثم ماتت، فإن كانت لا زالت في العدة فهو يرثها لأنها رجعية، وإن كانت قد انقضت العدة ما يرثها، جاء في الرواية سأله عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال: هذه امرأة حبس الله عليك ميراثها كُله؛ لأنها ما زالت في العدة ثمانية عشر شهر ما جاءها حيض ما كملت ثلاثة قروء فلا زالت زوجته قال: هذه امرأة حبس الله عليك ميراثها فكُله. وجاء أنه سأل عبد الله بن عمر فقال له: لك ميراثها كله، عدّوها أنها لا تزال في العدة وهو كذلك على مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي أنها لا تزال معتدة حتى تحيض أو تصل سن اليأس.
"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلاَقُ لِلرِّجَالِ"؛ يعني: العبرة في الطلاق بقول الرجال، وإلا لو قالت الزوجة طلقتك، أو أنت مطلق مني أو طلقت نفسي ما يعد ذلك شيئًا. "الطَّلاَقُ لِلرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ." لا خلاف في ذلك. "الطَّلاَقُ لِلرِّجَالِ" وبذلك يأتي أيضًا قول الأئمة الثلاثة: أن العبرة في الطلاق بالزوج، إذا كانت الزوجة إما مملوكة أو حرة فلا نظر إليها، والخبر عنده هو، إذا كان الرجل هو الحر هو الذي يملك الثلاث تطليقات وإن كان هو مملوك فله تطليقتان، ولا اعتبار بالمرأة، إلا عند الحنفية كما تقدم معنا فاعتبروا أن الأمر يرجع إلى الزوجة، إن كانت حرة فله معها ثلاث تطليقات، وإن كانت مملوكة فله معها تطليقتان سواءً كان هو حر أو مملوك.
وجاء: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ"؛ أي: تقيم في العِدّة سنة، كيف هذا؟ المستحاضة إذا كان لم تميز..
-
إذا كان لها عادة أو تمييز يُحكم لها فيه بالطهر والحيض فإن عِدتها تنقضي بما يُحكم لها من العادة والتمييز.
-
وأما إن لم يكن لها عادة فهي عنده سنة.
-
فإن ميّزت فعِدّتها بالأقراء لا بالسَنة معلوم.
وهذه جاءت أيضًا عن مالك روايتان أن "عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ سَنَةٌ" أو أنها إن كانت مميزة فالعبرة بالتمييز كما هو عند الجمهور.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ، الَّتِي تَرْفَعُهَا"؛ أي: تُرفع عنها حيضتها، "حِينَ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا" حكمها: "أَنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ،" على حسب ما قال سيدنا عمر: "فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِيهِنَّ، اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الأَشْهُرَ الثَّلاَثَةَ" أو بعد انقضائها قبل الثلاثة الأشهر "اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ"؛ أي: استأنفت العدة في الحيض؛ لأنها صارت من ذوات القروء، "فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتِ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ الأَشْهُرَ الثَّلاَثَةَ، اسْتَقْبَلَتِ الْحَيْضَ"؛ أي: استأنفت العدة في الحيض، "فَإِنْ مَرَّتْ بِهَا"؛ يعني: بعد الحيضة الثاني "تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ" حيضًا ثالثًا، "اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ" صارت آيسة بعد الحيضة الثانية، يقول: فَإِنْ لَمْ تَحِضِ ثالثًا "اسْتَقْبَلَتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَلَّتْ، وَلِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ" عليها "الرَّجْعَةُ" لأن العدة باقية قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَتَّ طَلاَقَهَا" فلا رجعة له عليها كما هو معلوم.
"قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ"؛ أي: طلقها طلاقًا رجعيًا، "فَاعْتَدَّتْ بَعْضَ عِدَّتِهَا، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا"، زوجة "ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا: أَنَّهَا لاَ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا"؛ من بعض العدة "وَأَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ مِنْ يَوْمَ طَلَّقَهَا" مرة ثانية "عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً" لأن حكم الزوجية ينافي حكم العدة، فإذا ثبتت الرجعة بطلت العدة السابقة، والآن تحتاج إلى عدة جديدة بعد الطلاق؛ لأنها وإن اعترضت قالت من حين راجعني لم يمسّني؟ فيُقال لها: أنتِ أصلًا مدخول بك؛ قد دخل بك هو، وإنما الآن في مدة العِدة الرجعية أرجعك إلى عقده ثم أخرجك، فتحتاجين للطلاق الجديد إلى عدة جديدة، أنت مدخول بك من قِبله فعليك عدة جديدة من بعد أن طلقك المرة الثانية.
"وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ"، في فعل هذا ، إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها، وإنما فقط أراد أن ينكل بها ويشوش عليها ويطيل عليها العدة، قال: رجّعتك ثم قال: طلقتك!... ظلم نفسه! وإن طالت هي عليها العدة لكنه سيطول عليه الحساب هو.. مشكلة عليه كبيرة بيطول عليه الحساب، لأنه أراد الإيذاء والتنكيل والحق يراعي مقاصد القلوب، (وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ) [البقرة :284] أصلح مقاصدنا ونياتنا يا رب.
"وَقَدْ ظَلَمَ زَوْجُهَا نَفْسَهُ وَأَخْطَأَ، إِنْ كَانَ ارْتَجَعَهَا وَلاَ حَاجَةَ لَهُ بِهَا." والحالة أنه لا حاجة له بها إلا فقط ليطيل عليها العدة ويضارّها بذلك، (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ)[البقرة:231].
-
وعند ابن القصار وتبعه بعضهم: إذا كانت القرينة تدل على أنه لم يرد برجعتها إلا تطويل العِدّة أنها تبني على الأولى.
-
ولكن قال الجمهور: لا، الإثم عليه وهي عليها تعتد من جديد.
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا: وَالأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ماَدامَتْ فِي عِدَّتِهَا"؛ أي: بالإسلام ابتدأ الفراق بينها وبينه، ولكن في أثناء عدّتها أسلم، فهو أحق بها ما دامت في عدّتها؛ أحق بزوجيتها ما دامت في عدتها فتعود إليه بنفس العقد، فإن انقضت عدتها قبل إسلامه فلا سبيل له عليها لانقضاء العدة .
وإن تزوّجها بعد انقضاء عدتها لم يعد ذلك طلاقًا، بل تكون هي معه كالمتزوجة المستأنفة على عصمة كاملة وثلاث تطليقات وإنما فسخها الإسلام. كيف؟ انقضت عدتها منه فحكمنا بانفصالها عنه فجاء وخطبها وتزوجها فالآن هو أسلم، أسلم وخطبها وتزوجها والآن كم له باقي من الطلقات؟ قال باقي ثلاث.. هل سبق طلقتها؟ قال: لا، إنما هي أسلمت وانفصلت منّي ثم أنا أسلمت وتزوجتها، فيُقال له: باقي الثلاث كاملة معك، فلك الثلاث كاملة، لأن لم يصدر منك طلاق ولك ثلاث تطليقات، وإنما كان ذلك التفريق بسبب طرو الإسلام عليها.
فإذا أسلم أحد الزوجين:
-
إن كان قبل الدخول بها تعجّلت الفرقة بينهما، وهذا يكون فسخ ليس بطلاق .
-
يقول أبو حنيفة: لا تتعجل الفرقة
-
إن كان في دار الإسلام عُرض الإسلام على الآخر فإن أبى وقعت الفرقة
-
وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء العدة، فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة .
-
قال وإن كان الإباء من الزوج يُعدّ طلاقًا؛ لأن الفرقة حصلت من قِبله، وإن كان من المرأة كان فسخًا لأن المرأة لا تملك الطلاق. يشير بهذا إلى مذهب الحنفية ومذهب الإمام أحمد.
وفي مذهب الحنفية قال: إذا كان قبل الدخول خلاص تعجّلت الفُرقة لأنه لا عدة، تعجلت الفرقة بينهما؛ لأنه لم يدخل بها فمن حين إسلامه صارت غير حلال له، وهكذا قول الشافعي وقول الإمام أحمد.
وقال أبو حنيفة: لا تتعجل الفرقة، بل إن كان في دار الإسلام عرض الإسلام على الآخر إن أبى وقعت الفرقة. وإن كان في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء العدة، فإذا لم يسلم الآخر وقعت الفرقة وينتقل إلى باب ما جاء في الحَكمين.
رزقنا الله اتباع سيد الكونين، والاقتداء به في كل قول وفعل ونية وقصد من غير زيغٍ ولا ميل، وسلك بنا مسالك من كتب لهم الحسنيين وسعادة الدارين، مع اللطف والعافية وصلاح الشؤون الظاهرة والخافية وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
05 جمادى الآخر 1443