شرح الموطأ - 3 - كتاب وُقُوت الصلاة: تتمة باب وُقُوت الصلاة

شرح الموطأ - 3 - باب وُقُوتِ الصلاة، من حديث: (أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: أن صلِّ الظهر إذا زاغتِ الشمسُ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، تتمة باب وُقُوت الصلاة.

فجر الأحد 29 شوال 1441هـ.

باب وقوت الصلاة

7 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ، وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ. 

8 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلاَثَةَ فَرَاسِخَ، وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ. 

9 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا أُخْبِرُكَ، صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ، وَالْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ. يَعْنِي الْغَلَسَ. 

10 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ. 

11 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. 

12 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمِنا بالشريعة الغرَّاء، وَبيانِها على لسانِ خَيرِ الورى، صلَّى اللهَ وَسلَّمَ وَبَاركَ وكرَّم عليه وعلى آلهِ وَأصحابه، ومنْ سَارَ في مَساره، وجرى بمجراهُ خيرَ مَجرى، وعلى آبائه وإخوانه مِنْ الأنبياءِ وَالمرسلينَ، المرتقينَ الى أعالي الذُرى، وعلى آلهم وصَحبِهم وَتابعيهم، والملائكةِ المُقربين، وَجَميعِ عِبادِ الله الصالحين، وَعلينا مَعهم وَفيهم، إنّهُ أكرمُ الأكرمينَ وأرحمُ الراحمين.

ولا تزال أحاديث الإمام مالك في موطئه عن وقوت الصلاة، ويذكر: "عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى" الأشعري، عبد الله بن قيس عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وقد تقدّم معنا كتابة سيدنا عمر إلى العُمّال -عمّاله المُتولّين في الأقطار- وسيدنا أبو موسى منهم، يُحتمل أن يكونَ كَتبَ إليه هذا الكتابَ في أيامِ ولايته، أو يكون كَتبَ إليه هذا الكتاب في غير أيام ولايته، وَحدهُ لنفسهِ، ويقول: "َكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ"،  في هذا مُخالفة للكتابِ السابقِ الذّي كَتبه إلى العُمّالِ، كان قال لهم: "أَنْ صلّوا الظُهرَ إِذا كَانَ الفَيُّء ذِراعًا"، وهذا: "إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ"، من قبل أن يصل الفيء ذراعًا، إنما بدأ الزَّوال؛ إذا زاغت؛ يَعني: مَالت الشمس، أول وقت ميلِ الشّمس؛ وَهُوَ أولُ وقت الزوال. فلذا، احتملَ بَعضُهم أن يكونَ كَتبَهُ له بِخصوصهِ، وأنَّهُ كتبَ للعمّال لمُراعاةِ أهلِ الحِرف وَالمِهن وَأعمال النَّاس، حَتى يَنتهوا مِنْ أعمالهم، وَيُدرِكُوا الجَماعة مع الأمير في المسْجِد، فيدركون الجماعة الأولى، فَأمرَهم يَتأخرونَ حَتى يَصِيرَ الفيَّء ذِراعًا، وأمَّا هَذا فِي حَق نفسه وَحده كُل مَا بَكَّر أحسن يُبكَّر. وقال: "أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ" في أولِ مَا تَزيغْ الشمس؛ وَفِيه المُبَادرة إلى الصّلاة فِي أوّل وَقتها. 

"وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ"، كما تَقَدّمَ فيما كتب إلى العُمَّال، "وَالشَّمْسُ" مرتفعة "بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ". وَهَذه الأحاديث وَالتي بَعدها تَدلُ على التَبكير أيضًا بالعَصْر، وَالمُبادرة بِه. وَكما تقدّمت إشارات -ويأتي معنا- أقوالُ الأئمةِ فِي بِداية وَقت كلِ فَريضة وَنِهايتُه، وَتَقسِيمُهُم الوَقت إلى أقسْام كذلك. يقول: "وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ"؛  ففيه أَنَّ التأخيرَ إلى الاصفرار مكروه؛ يُكره أَن يُؤخِّر الصلاة إلى أن تَصفَّر الشّمس، وَإن كَان لا يَخرجْ وقت العَصّر إلا بغروبه، لكنّ التأخير إلى الاصفرار مكروهٌ، يَنبَغي أن يَتجنّبه. حتى حُمِل عليه حديث: "من فاتتْهُ العَصْرِ، فكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"، إذا أخَّرها إلى الاصفرار فَقْد فَاتتهُ.

 يقول: "وَالْمَغْرِب إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ" وهذا أحد الأوقات المُجمع عَليها، أي: غُروب الشّمس إذا غَربتْ، دخلَ وَقتْ الَمغرِب. يقول: "وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ" وهذا أيضًا وَقت الاختيار، تَأخيرُ العِشاءِ عن أولِ وَقِتها، "مَا لَمْ تَنَمْ

  • فَقيلَ: أنّه يخاطبُ فيهِ سَيدّنا أبا مُوسى عَلى وَجْهِ الخُصوص؛ لمَا عَلِمْ أنّه كَانَ يُبَادِرُ بِالنَّوم أوَلِ اللْيلِ، رغبةً في التَهجُّدْ وَالقِيام فِي آخرِه. فقال له: "أخّر الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ" ؛ أخِّرِ العشاء إلى أن يغُلبكَ النوم الذَّي تريد أن تنام فيهِ؛ فصلِّ قبلَ أنْ تنام. 
  • كمَّا كرَّر التَّشنيعَ على النَّوم قبلَ صلاة العشاء، فيما كتبهُ للعُمَّال في الحديثِ السَّابق. يقولُ لهم: "فمَن نامَ فلا نامَت عينُهُ"، فمن نامَ، يعني: قبل صلاةِ العشاء، وأصلُهُ حديث عنه ‎ﷺ: "من نامَ قبلَ العشاء -الآخرة- فلا نامَت عينُه". 

يقولُ: "وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَخِّرِ الْعِشَاءَ مَا لَمْ تَنَمْ، وَصَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ"؛ وهذا يُشير إلى أنَّهُ كان إمامًا لقومٍ، وأنَّ الأمرُ لهُ لِيَؤمَّ النَّاس وليُصلِّ بهم، "سُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ"؛ والذَّي هو في أشهر الأقوال: 

  • من سُورةِ الحُجرات إلى سُورة عمَّ، أو إلى سُورة عبس؛ طُوال المُفَصَّل. 
    • وما بعدها فأوساط المُفَصَّل إلى سُورة الضُّحى، أو إلى سُورة الزَّلزلة، قول إلى الضُّحى وقول إلى الزَّلزلة؛ هذا أوساطُ المُفَصَّل. 
    • وما بعدها من الزَّلزلة إلى النَّاس قِصارِ المُفَصَّل
  • وقيل المفصَّل: أنَّها من ق، وقيل: أنَّها من قبل ذلك؛ والمفصَّل: الذَّي يكثرُ فيهِ الفصلُ بسرعة السُّورة إلى السُّورة، فكَثُر فيهِ الفَصْل؛ فسُميَّ المُفَصَّلِ لذلك. 
  • وقيلَ: المُفصَل لِبيان أحكامه ووضوح أحكامه. 
  • وقيل: المُفَصَّل أنَّهُ قلَّ النَّسخَ فيهِ. ولهذا أيضًا يُسمى المُحكم. 

فكانَ هذا معنى المُفَصَّلِ 

  • إمَّا لِكَثرة الفَصل بينَ السُّور. 
  • وإمَّا لِكونهِ مُفصّل مُبيّن واضح الأحكام. 
  • وإمَّا لكونه لا نسخَ فيهِ -يقل النسخ فيهِ- فهو مُحكم، فقيل لهُ مُفَصَّل. 

هذا المُفَصَّلِ من سُور القرآن الكريم. وكان أكثر قراءتهُ ‎ﷺ في الصَّلواتِ الجَهرية مِن المُفصَل، وقدْ قرأَ من غيرِها. 

  • وأكثر قراءته في الصُّبح من طُوال المُفصل، وقد قرأَ بِغيرها. 
  • وأكثر قراءتهُ في صلاةِ العشاء من أوساطِ المُفصَل، وقدْ قرأَ بغيرها. 
  • وأكثر قراءتهُ في صلاةِ المغرب من قِصار المُفصل، وقد قرأَ بغير ذلك، من غير قِصار المُفصل ‎صَلَّى الله عَليهِ وآلهِ وصحبه وَسلّمَ. 

حتى قالَ بعض أصحابهِ: أنَّهُ لم يكن يهجُر شيئًا من القرآن، صلواتُ ربي وسلامه عليهِ. تسمع منهُ هذهِ السُّورة وهذهِ السُّورة وهذهِ السُّورة، حتى أنَّهم يسمعونهُ أحيانًا -الذَّين هم قريبون منه في صلاةِ الظُّهر- قالوا: ويُسمعنا السُّورة أحيانًا؛ نعرِفُ منهُ من خلال ظهور بعض الألفاظ من لسانه الشَّريف؛ يعرفون أنَّهُ يقرأُ سورة كذا كذا ﷺ. وكانت الظُّهر أيضًا بالنسبة لهُ طويلة، والعصر متوسطة كالعِشاء، والظُّهر طويلة كالصُّبح، حتى قالوا في صلاة الظُّهر: إنَّهُ لَيحرِمُ بالصَّلاةِ فيخرُج أحدُنا إلى البقيعِ يتوضأ فيأتي فيُدرك معهُ الرَّكعةَ الأُولى، يدركهُ قبل أن يركع ‎ﷺ. 

قال: "صَلِّ الصُّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، وَاقْرَأْ فِيهَا بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ"، يعني بعدَ قراءة الفاتحة كما هو معلوم، لا يحتاج تذكيره بهِ ولا تنبيهُه عليهِ.

يقولُ عليهِ رحمةُ الله:  "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، -وقد تقدّمَ مثل هذا- قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلاَثَةَ فَرَاسِخَ، وَأَنْ صَلِّ الْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ" فهو وقت الاختيار "..فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ"، نصفِ اللَّيل، لِما جاءَ عنهُ ‎ﷺ أنَّهُ أخَّر مرًة صلاةَ العشاءِ إلى نصفِ اللَّيل، ثُم قال: "..النَّاسَ قد صلَّوا ورقدوا ولم يبقَ من يُصلي في هذهِ السَّاعة على وجهِ الأرض إلاَّ أنتُم وأنتُم في صلاة ما انتظرتم الصَّلاة"؛

  • فقالوا: إنَّ الله كشف لهُ تلكَ اللَّيلة أنَّهُ ليسَ أحٌد من النَّاسِ في تلكَ السَّاعة في صلاة إلاَّ هو والصَّحابة الذَّين تأخروا معه لصلاةِ العشاء. 
  • وقالَ: وكان يُحبُ تأخيرها إلى ثُلثِ اللَّيل، ولكن إذا رآهُم اجتمعوا خرجَ إليهم عليهِ الصَّلاةُ والسلام، لأنَّ فيهم أرباب الحِرف والمِهن، ويأتونَ يريدون الصَّلاة معهُ ويكونوا مُثقلين يحتاجون إلى المنام، فإذا رآهم اجتمعوا بكَّروا خرج إليهم مُبكرًا وإلّا تأنّى بهم. وقالَ في بعضِ لياليهِ وقد أخَّرَ صَّلاة العشاء: "أنَّهُ لوقتها، لولا أن أشُقَّ على أُمتي" ‎ﷺ.

يقولُ لهُ في هذا الكتاب سيدنا عمر-: "وصلِّ العشاء وما بينك وبين ثُلثِ اللَّيل فإن أخَّرتَ فإلى شطّر اللَّيل" وفيها أقوال: 

  • بعضُهم عن خُروج وقتِ العشاء في نصفِ اللَّيل. 
  • والذَّي عليهِ جُمهور أهلِ العلم: لا يخرج وقت العشاء إلاَّ بِطلوع الفجر.

"قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلاَثَةَ فَرَاسِخَ"، يقول هنا، هذا وقت طويل؛ ويشير إلى  التَّبكير بصلاةِ العصر. 

يقول له: "..وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ"

  • "وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ" بتأخيرها عن نصف اللَّيل، أي: لا تتخذ تأخير الصَّلاة إلى شطرِ اللَّيل عادة فتكون من الغافلين. 
  • "وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ"؛ أي: كُن مجموع القلب على الحق ذاكرًا لهُ مهتمًا بأداء الفرائض في وقتها، ولا تتكاسل وتتساهل وتدخل في أهل الغفلة. 
  • "وَلاَ تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ"، ويُروى في حديث: "من حافظَ على هؤلاء الصَّلواتِ المكتوبات لم يُكتب من الغافلين" ولشناعة الغفلة حذَّر منها الحق تبارك وتعالى وذلك: (..أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:136]. وقالَ لحبيبهِ المُصطفى: (وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف:205]، صلواتُ الله على سيد الذَّاكرين للّٰه. 

يقول: "حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا أُخْبِرُكَ، صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ"، كيف هذا؟ أليس فيه إشكال؟ "ظِلُّكَ مِثْلَكَ" خلاص سوف يخرج وقت الظُّهر ويدخل وقت العصر! كيف ذلك؟ يعني: هذا آخرها؛ يعني: لكَ تصلي الظَّهر  من عند الزَّوال إلى أن يصير ظِلُّكَ مِثْلَكَ. 

"وَالْعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ"، وفيهِ إرشاد إلى تأخير صلاة العصر، وهو الذَّي عليهِ الحنفية، وأنَّهُ لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظلّ الشيء مثليهِ، وكان من استدلالهم حديث الاستئجار للعمل؛ وأنَّ مثُلنا ومَثَلُ اليَهودِ والنَّصارى كمَثَلِ ملٍك أستأجر عُمالًا، فعمِلوا من أولِ النَّهار حتى كان نصفهُ.." وقت الظُّهر، وقفوا .. تعِبوا، فأعطاهم أجرهم قيراطًا قيراطًا، ثم أستأجرَ أُجَرَاءَ، فَعمِلوا مِنْ الظَّهر الى العصر، فأعطاهم أجرهم قيراطًا قيراطًا، ثم استأجر أُجَرَاءَ، فعمِلوا من العصر إلى المغرب؛ فأعطاهم أجرهم قيراطينِ قيراطينِ، فقالَ الأولونَ: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أجرًا أعطيتنا قيراط وهؤلاء أعطيتهم قيراطين، فقالَ: هل ظلَمْتُكم من حقكم شيئًا؟ قالوا لا، قال: فذلِكَ فضْلِي أوتِيهِ مَنْ أشاء. قال: فدلّ الحديث على أن وقت العصر أقلّ من وقت الظهر، "نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أجرًا"؛ لابد يكون الوقت، ولا يكون وقت الظَّهر أطول من وقت العصر إلّا إذا امتدّ إلى مصير ظل الشيء مثليهِ، وبعد مصير ظلّ الشيء مثليهِ يكون الوقت أقلّ من وقتَ الظَّهر بمدّة لابأسَ بها، فإلى غيرَ ذلك من الاستدلال. 

وقال الجمهور: بل هو من حين أنْ يصير ظلَّ الشيء مثلهُ، ولا مانع أن يكون هناك التَّمثيل، وليسَ المُراد من أولِ العصر، استئجار القوم ولكن بعدَ أنْ تعب أُولئك وذهبوا، استدعى هؤلاء واستأجرهم آخر العشية، باقي قليل من وقت المغرب، فعملوا إلى المغرب وأعطاهم قيراطينِ قيراطينِ، وهكذا إثابته لهذه الأُمة فضلًا منهُ جلَّ جلالهُ، قال: "..وليرضون منّي باليسير من الرَّزقِ وأرضى منهم باليسيرِ من العملِ، من عَمِل منهم حسنةً كتبتُها عشر حسنات ومن عمِل سيئة كتبتُها سيئةً واحدة، ومن هَمَّ بعملِ حسنة ولم يعملها كتبتُها لهُ حسنة، ومن هم بِسيئة فلم يعملها كتبتُها لهُ حسنة" سبحانهُ عزَّ وجل، تفضلَ الله على هذهِ الأُمة ببركةِ نبيها ﷺ، فجعلنا الله من خيار هذهِ الأمة، اللهم آمين.

ولهذا قالوا أنَّهُ يُحتمل أنَّ السَّائل سأل أبو هُريرة عن آخر الوقت، فإذا كان كذلكَ فمعنى: "إذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ"  قال هذا آخر وقت الظُّهر، وعليهِ يكون عندهُ أيضًا خروج وقت العصر بمصير ظلّ الشيء مثليهِ، كما هو رواية عن مالك بخروج وقت العصر إذا صار ظلُّ الشَّيء مثليهِ، وهذا إنما وقت دخول العصر عند أبي حنيفة! فبهذا لا يكون الخروج من الخلاف إلّا بأن يُصلّي أولًا ثُم بعد أنْ يصير ظلَّ الشَّيء مثليهِ يُصلي ثانيًا، فيكُون باتفاقهم أنَّهُ صلَّى العصر في وقتِها.

"وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ"، معناه هو هذا وقت واحد، "وَالْعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ"، معناهُ وقت الاختيار هذا، آخر وقتِ الاختيار ثُلث اللَّيل، أمَّا الوقت ما زال باقي، ولكنَّ يُشكِل على هذا قولهُ: "وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ"، إذا بغبش فما زال هناك وقت باقي بعده، يعني: بِغلس، "يَعْنِي الْغَلَسَ"، الظُّلمة ما زالت باقية، هذا ما هو آخر وقتها بيقين، ليس آخر وقت الفجر. "وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ، يَعْنِي الْغَلَسَ" الغبش والغَبس والغَلس؛ كلُّها يجعلون على آخر ظلام اللَّيل، وأوّل ما يكون في الفجرِ قبلَ الإسفار، وقدْ يُطلق الغَبش على أوّل اللَّيل يكون الغَبش، يقولونَ أول اللَّيل غبش وآخره.

يقول: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ"، وهذه إحدى العوالي، وهي ما بين قُباء والمدينة، بل في العوالي من ناحية ديار بني سالم بن عوف بين قُباء والمدينة التي صلَّى فيها ‎ﷺ الجُمعة، أول الجُمعة صلاَّها، "فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ"، وفيهِ:

  • أنَّهم يُصلون في المسجدِ النَّبوي في أوّل الوقت. 
  • وأنَّهم في القُرى لِكثّرة اشتغالهم بالحِراثة وغيرها، يُؤخرون الوقت، ما دام الوقت باقي فيأتون ويُصلون بعدَ ذلكَ، وأنَّ المَجال مفتوٌح لهُم في هذا الوقت من بعد أنْ يصير ظلِّ الشَّيء مثلُهُ إلى الإصفرار، فكُلُّهُ وقت أختيار إلى أنْ تصفر الشَّمس. 
  • وهكذا فبعضُهم يُصلَّون مُتأخرين فما كانوا مساجد المدينة كلَّها تُصلي في وقٍت واحد.

 ويقولُ: "حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ"؛ وهُنا بعضُ المحدّثين قال: إنّ قُباء وَهم وإنَّما هي العوالي، وردّوا عليهِ بأنّها جاءتْ وتُوبِعت، وأنَّ قُباء من العوالي أيضًا، وهي القُرى التَّي حوالي المدينة من جِهةِ نَجد؛ تُسمّى عوالي. وكان عِندنا أيضًا البُلدان التَّي من جهة الشَّمال من جهة نَجد يقُولون لها: عَلوَى، الأخرى مُنحدرة مَائلة إلى الجنوب والى الشَّرق يقولون لها: حَدرى. وهَكذا العوالي، المَحلات المُرتفعة، القُرى التَّي حوالي المدينة تُسمى: العوالي، جمع عَالية؛ الواحدة منها عالية. ومن كان في الشَّقِ الثَّاني فيُقابل العوالي. فيُسمّونَها العوالي. وفيهِ أيضًا: أن إلى قُباء يستغرق ساعة إلاَّ ربع أقلّه، إذا كان يمشي مشي طيّب سيستغرق ساعة إلا ربع من المسجد النَّبوي إلى أنْ يصِل مسجد قُباء، يَجدهم ما زالوا يُصلّون، أو "..يَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ"  أي: ما زال الوقت مُتسع.

"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ"، كيف يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِيٍّ؟ يعني يُبردون بالظُّهر، خاصًة وقتَ الحر، ليس معناه يؤخرونها إلى وقت العصر. ويأتي العَشيّ من بعدِ الزَّوال يُقال لهُ: عَشيّ، وإن كان أكثر ما يُطلق على ما بعد العصر إلى الغُروب.

هذا الأحاديث المُتعلقة بِوقوتِ الصَّلاة، ويتكلم بعدَ ذلكَ عن خصوص الجُمعة، فتبيّن بهذا أوقات الصَّلوات فمِنها:

صلاةُ الصُّبح، وكَون مبدأها بِطلوعِ الفَجر الصَّادق مُتفق عليهِ، ثُمَّ يقولونَ أنَّهُ غالِب ما بينَ الفَجر الكاذب والفَجر الصَّادق مِقدار ثلاث درجات، فهذا بداية وقت الصُّبح. 

أمَّا نهاية وقت الصُّبح: 

  • عند أبو حنيفة وأصحابهُ: قُبيل طُلوع الشَّمس، لأنَّ عندهم إذا طلعت الشَّمس بطلت الصَّلاة، إذا طلعتْ الشَّمس وهو يُصلَّي بطلتْ صلاتهُ، فإذًا آخرها قُبيل الطُّلوع، آخرها عندهم قُبيل الطُّلوع، هذا عند أبي حنيفة وأصحابه. 
  • وكذلكَ يقولُ الإمام مالك: 
    • الوقت الاختياري لصلاةِ الصُّبح إلى الإسفار،
    • بعدَ الإسفار إلى وقت طُلوعِ الشَّمس قالَ هذا وقت ضَرورة، إنْ طهُرت، وإلاَّ أفاقَ مُغمى عليهِ وإلاَّ قام من نومهِ النَّائم، قال يُصلون في هذا الوقت بعد الإسفار، وإلاَّ فعَلى مُقتضى قولهُ أنَّ الذَّي كانَ مُستيقظ من قبل وتأخر إلى الإسفار أنَّهُ يُؤَاخذ، هذا في نهاية الوقت. 
  • الشَّافعية يقولونَ:
    •  أنَّ وقت الصُّبح لهُ وقت فضيلة وهو أوّله 
    • وله وقت اختيار إلى الإسفار
    • وله وقت كراهة إلى الحُمرة 
    • ووقت حُرمة أن يُؤخرهُ إلى أن يبقى ما لا يسع الوقت،
    • والنَّهاية بطلوعِ الشَّمس، آخرهُ نهايته: طلوع الشَّمس، فيُقسمونَّهُ هذهِ الأقسام. 
  • وهكذا يقولُ الإمام أحمد: 
    • آخر وقتها الاختياري الإسفار 
    • بعد الإسفار وقت عُذر وضرورة حتى تطلع الشَّمس

ولهذا يقول: من نام عن صلاة الصُّبح لم يستيقظ إلاَّ بعد الأسفار جازَ لهُ أنْ يُصلّي الصُّبح بلا كَراهة، وأمَّا من استيقظ قبل وبقي وأخّر صلاة الصُّبح إلى ما بعد الإسفار فيلحقُهُ المُؤاخذة ويكون صلاتهُ مَكرُوهة، أي: تأخيره للصلاة لهذا الوقت مكروهة. 

  • إذًا وعلمنا أنَّ الحنفية يقولون: أنَّ تأخيرها إلى الإسفار هو الأفضل، ويذكرون فيهِ: "أنْ أسفِروا بالفجرِ فأنَّهُ أعظمُ للأجر".

كذلكَ وقت الزوال بداية وقت الظهر -باتفاق أهل العلم-؛ مَيلها عنْ كَبِدْ السَّماء إلى اتجاه الغُروب، فلا يَصح أدائها قبل الزَّوال بِحال. ونهاية وقت الظُّهر:

  •  فعند الجمهور ومنهم صاحبَا أبي حنيفة: أنّ آخرَ وقت الظُّهر أنْ يصير ظلَّ الشَّيء مثله، غير ظلّ الاستواء، إذا صارَ ظل الشَّيء مثلهُ، هذا عليهِ الجمهور، ومنهم صاحبا أبي حنيفة. 
  • ومن جملة استدلالات أبي حنيفة التَّي قال في حتى يصير ظلَّ الشَّيء مثليهِ. قول: "أبرِدوا بالظُّهرِ فإنَّ شدة الحر من فيحِ جهنَّم". وقال الإبراد ما يحصُل إلّا إذا صار ظلَّ الشّيء مثليهِ، أمَّا قبل ذلك أين الأبراد؟  قال: لا يمكن الإبراد، إذا قُلنا أنَّهُ إذا صار ظلَّ الشَّيء مثله خرج الوقت، قالَ: لن يتمكن من الإبراد. على كُلِّ حال هذهِ من استدلالاته، والجمهور قالوا: بِمُجرد أنْ يصير ظِلَّ الشَّيء مثلهُ، دخلَ وقت العصر وخرجَ وقت الظُّهر. 
  • وهكذا يقولُ الشَّافعية:
    • لهُ وقت فَضِيلة أوّله. 
    • وقت اختيار مُستمر في جواز إلى أنْ يبقى ما يسعه.
    • حُرمة، إلى أنْ يبقى ما لا يسعه.
    • وقت عُذر لِمن يجمع ويُؤخره إلى وقت العصر. 
    • ووقتَ ضّرورة لِمن زالَ عنهُ المَانع، ولو لم يبقَ من الوقت إلاَّ مِقدار تكبيرة.
  • وجاءَ عن الإمام مالك: 
    • أنَّ الوقتَ الاختياري للظُّهر إلى بلوغ ظلّ كُلِّ شيء مثله، 
    • وقته الضَّروري حينَ الجمع بين الظَّهر والعصر، جمع تأخير، فيُصلي الظَّهر بعدَ بلوغ ظَل الشَّئ مثلهُ إلى ما قبل غروب الشَّمس. 

 

وكذلك وقت العصر:

  • فبدايته عند الجمهور وعند الصَّاحبَين: بعد أنْ يصير ظِلّ الشيء مثلهُ، فبِإدنى زيادة -والزِّيادة من وقت العصر تعتبر- يدخل وقت العصر. 
  • عند أبي حنيفة: حتى يصيرَ ظَلَّ الشيء مثليهِ. 
  • وكثير من المالكية مالوا إلى التَّداخل في وقتي الظَّهر والعصر فيقولوا: لو أنَّ شخص صلَّى الظُّهر عند صيرورة ظَلِّ كُلِّ شيء مثلهُ، وآخر صلَّى العصر في هذا الوقت، يقول كانتْ صلاتهما أداء.

وخالف قليلٌ من المالكية في ذلك، فيقولون: أنَّ عند مصير ظَل الشيء مثلهُ يتفق؛ هو آخر وقت الظَّهر، وهو أول وقت العصر عندهم، فعندهم يتفقون في هذا الوقت، يستدلون بالحديث الذي جاء أنَّهُ في اليوم الأول صلَّى بِهم العصر حين صار ظِلَّ الشيء مثلهُ، وفي اليوم الثَّاني صلَّى بهم الظَّهر في آخرها؛ صلّى بهم حين صار ظِل الشيء مثله، فجعلوا هذا الوقت مُشترك هو آخر وقت الظُّهر وهو أول وقت العصر هذا عند أكثر المالكية. واستدلّوا بظاهر حديث إمامة جبريل: صلَّى بهِ العصر في اليوم الأول في الوقت الذَّي صلَّى فيه الظُّهر في اليوم الثَّاني عند مصير ظِل الشيء مثلهُ. 

نهاية وقت العصر: ما لم تغب الشَّمس، هكذا يقول أبو حنيفة وهكذا يقول الحناَبلة إلى أنْ تغيب الشَّمس، وهكذا عند الشَّافعية، وإنْ فصَّلوا الوقت إلى السَّبعة الأوقات، ولكن يقولون وقت الاختيار: 

  • يقول الحنابلة: ينتهي بمبدأ الاصفرار، وفي رواية حين: يَصير ظِل الشَّئ مثليهِ. 
  • وفي رواية عند الإمام مالك: أنَّ آخر وقتها ما لم تصَفرّ الشَّمس، "إذا صلَّيتُم العصر فإنَّه وقتٌ إلى أنْ تصفرّ الشَّمس" استدلّوا بذلكَ، فجعلوا وقت الاصفرار نهاية الوقت، وإلا -لغير الضرّورة- يحرم تأخير الصَّلاة إلى وقت اصفرار الشَّمس. 
  • يقول الشَّافعية: 
    • وقت فضيلة أوله. 
    • وقت اختيار إلى أنْ يصير ظِل الشَّيء مثليهِ. 
    • ووقت عُذر لِمن يجمع بينَ الظَّهر والعصر جمع تأخير، أو تقديم يُقدّم. 
    • ووقت جواز بِلا كَراهة بعد المثْلين إلى الاصفرار.
    • وقت كَراهة وهو بعد الاصفرار.
    • ووقت حُرمة أنْ يبقى مالا يسعَ الوقت. 
    • ووقت ضرورة وهو ولو مِقدار تكبيرةِ لمن زالتْ عنهُ الموانع والله أعلم.

ملأنا الله بالإيمان واليقين ورزقنا إقام الصَّلاة. ما قال سيدنا عمر لعُماَّله "إنَّ أهمَ أعماِلكم عندي الصَّلاة" إلاَّ وهي أهم أركان الدَّين بعد الشَّهادتين، فشأنها شأنٌ عظيم، يجب أنْ يُعظّم في كُل بيت مسلم، ويُعظم في قلب كل مسلم، ويعظم عند الرِّجال والنّساء والصّغار والكبار، وَيُنتَشل الذَّين أغوتهُم أهوية وضلالات ومُتع الحياة الدَّنيا وزخرُف القول، فصَاروا لا يبالون بالصَّلاة من رجال أو نساء، صغار أو كبار، كُل ذلكَ خلل في الدِّين يُوجبُ الأمراض والأسقام والغلاء والبلاء والقحط والشَّدائد، والعياذُ بالله تباركَ وتعالى. 

فأوّل ما يُنظر إليهِ من الأعمال الصَّلاة، فيجب أنْ تُعَظّم لصِغارنا و كِبارنا ورجالنا و نسائنا، ومسافرينا ومقيمينَا، لا ما نراه اليوم؛  طائرات وحافلات تنقل خلقَ الله أوقات الصَّلوات ولا يدرون، ويندر وَيقل المُصلّون فيهم والذَّين يقومون للصَّلاة، سواءً وسط الطَّائرة، أو عند الإيقاف، ولا أصحاب الشَّركات يُبالون بالوقت، يجعل الرَّحلة قبل الفجر بِخمس دقائق، بِعشر دقائق، وتصل بعد الإشراق بنصف ساعة، أو بساعة! لماذا أنت وشركتك تعملوا هذا؟ أخّر نصف ساعة أو ساعة، دع النَّاس يصلون ثم يطلعون طائرتك هذهِ التي لن تُنجيهم من النَّار ولا تُنجيك أنت! ولكن هيبة الدَّين قلّت في القلوب، وعظَّموا نِظام الشَّرِكات والتعامل به وقدّموه على نظام التَّوقيت القُرآني، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]، ما هناك مجال! لا مواقيت بيني وبينَ الشَّركة الفُلانية والشركة الفلانية،… هذا لابد أنضبط لهُ! أعوذُ بالله من غضبِ الله.. صارَ الخلق عندكم فوق الخالق وأعظم من الخالق!!. 

الله يحوّل حال المسلمين إلى أحسنِ حال، ويدفع عنّا البلايا والأهوال، ويُصلح شُؤوننا بِما أصلح بهِ شُؤون الصَّالحين، بسرِ الفاتحة وإلى حضرةِ النَّبي ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

01 ذو القِعدة 1441

تاريخ النشر الميلادي

21 يونيو 2020

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام