شرح الموطأ - 297 - كتاب الطلاق: باب ما جاء في الخُلْعِ

شرح الموطأ - 297 - كتاب الطلاق: باب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ
للاستماع إلى الدرس

العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، باب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ.

فجر  السبت 7 جمادى الأولى 1443هـ.

باب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ

1639 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصَاري: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ، فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ هَذِهِ؟". فَقَالَتْ : أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَا شَأْنُكِ؟". قَالَتْ: لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ". فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: "خُذْ مِنْهَا". فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا.

1640 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ مَوْلاَةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أبِي عُبَيْدٍ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

1641 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: أَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا، مَضَى الطَّلاَقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا.

قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا.

1642 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِىَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا، بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغرّاء، وبيان أحكامها البيّنة على لسان خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه المرتقين أعالي الذرى، وعلى من والاهم في الله وبمسيرهم سار وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات المقربين الكبراء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعدُ،

فيواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في الموطأ ذكر الأحاديث المتعلقة بأبواب النكاح والطلاق، وذكر: "باب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ"، 

  • وهو الذي استعمله الفقهاء بضم الخاء، يريدون المفارقة بين الزوجين على عوضٍ ومالٍ يعود إلى الزوج.

  • ومأخوذٌ من الخَلع، وهو النزع.

  • ويستعمل فيما عدا الفراق في النكاح بالخَلع بفتح الخاء.

 وفي هذا الباب يقول: "الخُلع"، وهو من الألفاظ التي إذا ذُكر معها المال صارت من صرائح الطلاق على المعتمد المقرر عند الشافعية. وعليه جمهور أهل العلم أن الخُلع يعتبر طلاقاً، بل من صرائح الطلاق. الخلع، والمفاداة بالمال مع الطلاق، والفراق، والتسريح، كما جاءت الألفاظ في القرآن، فهذه الخمسة الألفاظ عدّها صريح الطلاق. 

فقال الشافعية: إذا تلفظ بلفظ الطلاق، أو التسريح، أو الفراق، فقد حصل الطلاق، ادّعى أنه نوى أو لم ينوِ. وأما إن كان بكلمة أخرى تحتمل الطلاق وغيرها، فيكون هو الكناية متعلق الأمر فيه بنيّته، فهو بينه وبين الله -تبارك وتعالى- مسؤول عما أكنّه ضميره وعما نواه، وعلى ذلك يترتب الحكم.

وكذلك إذا جاء مع ذكر المال لفظ الخُلع أو المفاداة فقال لها: "فاديتك" أو "خلعتك بكذا" فيكون أيضًا صريحًا، لأنها الألفاظ التي جاءت في الكتاب والسنة.

فهذا الخلع مشروعيته متفق عليها مما أجمعت عليه الأمة، ولم يعدّوا قول بكر بن عبدالله المزني التابعي في إنكار ذلك؛ لأن الإجماع قد ثبت قبله وبعده، وقوله أن الآية المنسوخة، ردّوا عليه، وأنها قد جاءت في ذلك آيات وأحاديث، قال تعالى: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)[النساء:4] وقال تعالى: (إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ)[البقرة:229] وهكذا..

وقد تكلم -عليه رحمة الله- في ذكر حديث الأنصارية، أنها كانت تحت ثابت بن قيس، اسمها حبيبة بنت سهل، "كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وكانت معرضة عنه"، لا تميل إليه، وقالت في بعض أخبار رسول الله ﷺ: "إني لا أنقم على ثابت ديناً، ولا خُلقاً، ولكني أكره الكفر في الإسلام"؛ يعني: أكره أن أعاشر الزوج وأعامله معاملة سيئة حرمها الله عليّ وأنا مسلمة، لسبب ما في طبعي ومزاجي أني لا أميل إليه، ولا أحبه، فكانت تقول له ﷺ فقال لها: "أتردّين عليه حديقته؟" وكان قد أصدقها حديقة أو حديقتين، فقالت: "نعم أردّ عليه حديقته"، فقال: "اقبلِ الحديقة، وطلّقها تطليقة"، يقول ﷺ وأصلح بينهم ﷺ على أن يأخذ المال الذي أعطاها إياه صداقًا ومهرًا لها، فترده عليه مقابل الفراق، وحينئذٍ تكون هذه الطلقة بائن، أي لا يجوز له مراجعتها. 

"عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصَاري: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ، فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ هَذِهِ؟". فَقَالَتْ : أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَا شَأْنُكِ؟". قَالَتْ: لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ". فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: "خُذْ مِنْهَا". فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا".

فيقول في هذه الرواية: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ"؛ أي: ليصليَ بالناس الصبح في أول الوقت -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- "فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ"، فلم يظهر ضوء بعد، ولم يأتِ إسفار، وهذه قائمة عند الباب، فرأى ﷺ أثر المرأة قائمة "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ هَذِهِ؟". ففي تمييزها أنها امرأة، وعرفها، وإن كان وقت غلس، "فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا شَأْنُكِ ؟". إيش الذي جاء بكِ في هذه الساعة في هذا الوقت إلى عند الباب في بكرة النهار؟! ما هو وقت زيارة لواحدة من أمهات المؤمنين، وقت طلب حاجة، إيش هذا التبكير؟ ما شأنك؟ "قَالَتْ: لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ"؛ يعني: ما نجتمع أنا وإياه أبدًا، وعليه يقولون أن ذلك أول خلع كان في الإسلام، وقد كان حصل له نظير فيكون في الجاهلية، وأن امرأة تزوجها رجل، كان زوّج ابنته من ابن أخيه فكرهته، فشكا إليه قال: "لا أجمع عليك الفراق والمال، خذ المال الذي أعطيتها، وطلقها"، فكان ذلك يقولون أنه أول خلع في العرب، وهذا أول خلع في الإسلام.

قال: "فَلَمَّا جَاءَ زَوْجُهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ"، أتت إليّ الصباح "قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ".  ويبيّن رسول الله ﷺ ما كان منها والحال، يمهد له في أن يتخذ رأيه وقراره في الأمر، حتى لا تبقى حياة نكدة ولا منغَّصة، فإن أمر الديار والبيوت إنما يستقر على السكون، قال الله تعالى: ( لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ)[الروم:30]، جل جلاله فإذا لم يتيسر ذلك، فينبغي أن يُتخذ السبيل للعلاج، وهذا آخر ما كان -كما يقولون- "آخِرُ الدواءِ الكيُّ"، كما أنه شُرع الطلاق لمثل هذه الحالات.

وهكذا كلما أراد البشر بأفكارهم أن يضعوا من عندهم نظامًا يخالفون فيه نظام الله، تعبوا وتنكّدت معيشتهم وحالتهم. وبعض الدول في العقود الماضية صلّحت منعًا من الطلاق، ممنوع أحد يطلّق! وعاشت بعد ذلك أُسَرٌ في جحيم من الكيد لبعضهم البعض، ثم لما اتخذوا في يوم إباحة الطلاق، وإذا بالألوف من الطلاق في اليوم الواحد، مشاكل في البلاد! ما تجد أحسن من نظام الرب ولا تعليمه وتوجيهه جلّ جلاله وتعالى في علاه.

وجاء ناس، وصلّحوا عقدة النكاح وأمر الطلاق، وخرّجوه من الرجل، وجعلوها في يد المرأة، وحصلت أنكاد ومشاكل كبيرة، ولما رجعوا بعد ذلك، ولا شيء أحسن من نظام الله وترتيبه -جلّ وعلا- وهو أعلم بعباده وخلقهم، ونفسياتهم، وأحوالهم، وشؤونهم، وعقولهم، وما يكتنفهم. (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:14] جل جلاله وتعالى في علاه. ولذا كان لكل من الزوجين إذا تعمّد إيذاء الآخر أن يتنكد عليه شأنه وحاله في أحواله وهو في الخارج، فإذا لم يراعي حق الآخر وتجاوز الحد فيه انظر تجد الكدر ملازمه في خارج البيت وحيث ما ذهب وتتنكد عليه شؤونه وأحواله لأنه هو تسبب في تنكيد أصل يرتكز عليه شأن الأسر في مجتمع الإسلام، إذا تعدّى حده مع زوجته أو الزوجة آذت زوجها فما يطيب لها حال ولا تستقر لها قرار تأمل، تتنكد معيشتها في الخارج، إلا أن يقوم بحق الزوجة وتقوم بحقها ويتسامحا وتستقر أحوالهم حتى بواطنهم وبالهم يُسَر وتندفع عنهم الشرور وتتيسر لهم الأمور.

 وهكذا قال ﷺ في هذا الإرشاد: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً في شيءٍ رآه منها، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر"، الكمال ما يجيء عند أحد كامل، ولكن انظر إذا ساءك خُلق، وكرهت وصف بتحصّل أوصاف ثانية طيبة وحسنة، لا تتركها ولا تغلّب هذا على هذا، وما دام يتأتى تدارك الأمور، واستمرار الحياة بالتغاضي عن بعض الأمور، فتغاضى عنها، وهذا هو المنهج القويم والسليم.

وهذه القصة كانت أول خلع في الإسلام، فأمره ﷺ أن يقبل منها العوض، وفي رواية أنه جاء إليه وقال له: "خذ بعض مالها وطلقها" قال له: "ويصح ذلك يا رسول الله؟" يجوز لي؟  قال له: نعم إذا رضيت بذلك وأعطتك فخذه، من أجل أن تفتدي بنفسها، كما قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ)[ البقرة:229]  وهكذا.. قال: ولكن إذا آذاها، ومن شدة أذاه أرادت التخلص منه، فيبقى عليه شبهة فيما يأخذه. 

وجاء أيضًا في (الأم) للإمام الشافعي وغيره: أنه إذا هدّدها بالضرب أن تعطيه شيئاً من المال، وطلّقها، ثم ادّعت أنه أكرهها فقالوا: فإن مالها يرجع إليها، والطلاق يقع عليه رجعيًا. إذًا، يقع الطلاق رجعياً، وليس بخلع، ولا يجوز أن يأخذ فيه مالاً، لأن الآية الأخرى قال: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)[النساء:4] فإن طبن لكم عن شيء منه سواء كان طلاق أو لم يكن طلاق، إذا أعطت زوجها من مالها بطيب نفس فكان ذلك من أحلّ الأموال وأهناها، يقول: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا). 

قال: "فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: خُذْ مِنْهَا"؛ يعني: اقبل، من الإرشاد من رسول الله ﷺ. "فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا."

  • وفي رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها من الصداق. 

  • والرواية الثانية كالجمهور: أنه سواء أقل أو أكثر لا فرق غير إنما إذا وقع الطلاق على عوض يعود لجهة الزوج، سواء كان من الزوجة نفسها، أو حتى من غيرها، وأُقيم الطلاق عليه، فيصير خُلعيًا؛ يعني: بائنًا لا رجعة فيه إلا بعقد جديد ومهر جديد. 

إذًا؛ 

  • فالذي عليه الجمهور أن الخلع طلاق، وإن وقع الخلع من دون الطلاق، فهو وما تصرّف منه يُعدّ طلاقًا. 

  • وهكذا، جاء النص للإمام الشافعي في (الإملاء) وغيره. وهذا قول الجماهير. 

  • وقيل: أنه فسخ، وهذا أيضًا يروح عن الإمام أحمد بن حنبل؛ أنه يعد فسخًا إذا قَبِل مقابل الفراق مالًا. 

  • وفي قول: إذا لم ينوِ الطلاق لا يقع به فرقة أصلاً، 

  • ولكن المعتمد هو الأول. 

  • وجاءت الروايات عن الإمام أحمد: 

    • أنها تعد طلقة. 

    • أو أنها تعد فسخاً للنكاح، ولا تُحسب من عدد الطلقات.

يقول: "عَنْ نَافِعٍ، عَنْ مَوْلاَةٍ لِصَفِيَّةَ " هي أمَة صفية "بِنْتِ أبِي عُبَيْدٍ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا، "  كل شيء يكون في ملكها، حتى جاء في رواية ابن أبي شيبة: "اختلعت ببعض ثيابها"، "فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ"؛ فتبيّن أنه يجوز أن تعطيه مقدار ما أصدقها -ما أعطاها من الصداق- أو أقل، أو أكثر. 

  • فأن يُخالعها بما أصدقها وأقل منه.. جائز عند جميع الفقهاء ولا خلاف فيه.

  • والخلع بأكثر من ذلك، فهذا فيه الخلاف، والجمهور على أن ذلك جائز. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُفْتَدِيَةِ الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا: أَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا أَضَرَّ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، وَعُلِمَ أَنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا، مَضَى الطَّلاَقُ وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا." "قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا". إذًا؛ هذه المسألة الثانية، أنه إذا حصل هذا الخلع بسبب الإضرار والتضييق عليها فأكرهها أن تعطيه شيئًا من ماله، فيقول الإمام مالك: "مَضَى الطَّلاَقُ" حُسب عليه الطلاق: "وَرَدَّ عَلَيْهَا مَالَهَا"، هذا الذي ذكرناه من كلام الإمام الشافعي أيضًا، ولكنها تعد رجعية.

"قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ تَفْتَدِىَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا، بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا." من أجل عموم الآية، فهكذا يقول الإمام مالك والإمام الشافعي وجماعة من أهل العلم: يجوز أن تختلع بأكثر مما يصير لها من المهر والصداق إذا كان النشوز من قِبلها. 

وقال بعض أهل العلم: ليس له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، كما هو الرواية عن الإمام أحمد بن حنبل، عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

يقول ابن قدامة في (المغني) لما ذكر الحديث قال: "هذا يدل على صحة الخلع بأكثر من الصداق، وأنهما إذا تراضيا على الخلع بشيء صحّ. قال: هذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن عثمان، وابن عمر، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أبي حنيفة. 

ويُروى عن ابن عباس، وابن عمر أنهما قالا: لو اختلعت المرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزًا.

وجاء عن عطاء، وطاووس، والزهري: لا يأخذ أكثر مما أعطاها من صداق ومهر. وجاء عن جميلة بنت سلول: أنها أتت رسول الله ﷺ، قالت: والله ما أعيب على ثابت في دين، فأمر أن يأخذ منها حديقته، ولا يُزاد؛ فكأنهم رأوا في ذلك على ما أعطاها، وعلى كل حال، قال الأئمة الثلاثة: لا شيء في ذلك، أقل أو أكثر مما أعطاها ما تراضيا عليه صحّ وجاز. 

ثم قال في طلاق المختلعة، والله أعلم.

نظر الله إلينا، وأصلح ديارنا ومنازلنا وأهالينا وبيوتنا، وأصلح المسلمين، ووقاهم شر وفتن النفوس والأهواء، وكل سوء أحاط به علمه، وألهم الرشد، وبلغ الآمال، ونظمنا بسلك أهل الصلاح والفلاح والنجاح والفوز والسعادة والاستقامة، نوّرنا بأنوار الشرع المطهر، وبلاغ الحبيب الأنور، وتولّانا به فيما بطن وفيما ظهر، وأصلح شؤون أمته وكشف عنهم الكُرَب، وأصلح أحوالنا في الدنيا والمنقلب، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

 

تاريخ النشر الهجري

14 جمادى الأول 1443

تاريخ النشر الميلادي

17 ديسمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام