(364)
(535)
(604)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الطلاق، مَا لاَ يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ.
فجر الأحد 1 جمادى الأولى 1443هـ.
باب مَا لاَ يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ
600- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أبِي أُمَيَّةَ فَزَوَّجُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا: مَا زَوَّجْنَا إِلاَّ عَائِشَةَ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَجَعَلَ أَمْرَ قُرَيْبَةَ بِيَدِهَا، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقاً.
1601- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ، وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْراً قَضَيْتِيهِ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقاً.
1602- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلاَ، عَنِ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا، فَتَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلاَ تَقْضِي فِيهِ شَيْئاً، فَقَالاَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلاَقٍ.
1603- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا، فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلاَقٍ.
1604- قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا، ثُمَّ افْتَرَقَا، وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً: فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا.
الحمد لله مُكْرمِنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته سيِّدنا مُحمَّد خير بريته، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل مودّته ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادة أهل القُرب من الله -تبارك وتعالى- وأهل حضرته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذِكر الأحاديث المتعلِّقة بالطلاق، وتقدَّم الكلام فيما إذا ملَّك الزوج زوجته أمر طلاقها، وأن ذلك يُعد تمليكًا أو توكيلًا، والجمهور: على أنه إنما هو تمليك. وعَلِمنا أن أكثر العلماء اشترطوا أن يكون ذلك في نفس المجلس إلا أن يصرّح بمدة معينة، وإلا فيكون على الفور في نفس المجلس.
وفرَّق الحنابلة بين الصيَغ، فقالوا:
في مسألة اختاري لنفسك: أنه في السَّاعة على الفور. فإن لم تختار، ذهب.
وقالوا فيما يتعلق بقوله: لأمرُك بيدك؛ أنه أمر مطلق، ويستمر ذلك لها.
وهكذا جاءت اجتهادات فقهاء الأُمة عند صدور هذه الأقوال، والتّمليك فيما يتعلق بهذه العلاقة التي أعدّها الله ميثاقًا غليظًا في كتابه، ورتّب عليها شؤونًا كبيرة تتعلّق بالأسرة والمجتمع والأُمة المُحمدية التي من أزكى مقاصد النِّكاح فيها كثرة الواردين على حوض رسول الله ﷺ في يوم القيامة، "فإني مكاثرٌ بكم الأُمم يوم القيامة".
وذَكر في الفصل الماضي ما يُبين من التمليك؛ أي: ما يقع به الفِراق. وذكر في هذا الفصل: "مَا لاَ يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ"؛ ما يكون من التخيير ومن تمليك الزّوجة لطلاقها.. ما لا يكون به فراق، ولا يحصل به طلاق؛ "مَا لاَ يُبِينُ مِنَ التَّمْلِيكِ"، وذلك بأن:
تختاره
أو تسكت وتُعرِض
أو ينقطع المجلس
على أن للزوج ولو أعطاها مدة أنه يرجع قبِل أن تتصرف، وقبِل أن تتطلق؛ يجوز له أن يرجع عن إعطاءه إياها ذلك الحق في طلاق نفسها.
فيتحدث هنا عمّا إذا أعطاها التمليك فاختارته؛ فإن ذلك لا يقع به تطليق، وكرّر في ذلك الآثار الواردة. ويرجع جوابًا على من قال: بأنه يقع وإن اختارته، يقع طلقة واحدة إما بائن أو رجعية، وكما يقول ربيعة.
ولكن الجمهور والأئمة الأربعة يقولون: إذا اختارت زوجها ولم تطلّق؛ فلا طلاق يقع بمجرد تخييرها؛ وبمجرد إعطاءها. والأصل في ذلك كله وفي الباب كله ما جاء من تخييره ﷺ لأزواجه، وأنه أعطاهنّ الخيرة بعد نزول قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:28-29]. إلا أن قوله في الآية (وَأُسَرِّحْكُنَّ)؛ يدل على أنه راجع إلى أنه يطلقهن وبعد ذلك إذا اخترن، وإلا وهذا الأصل ولذا اختلفوا في أن يكون ذلك على الفور وفي المجلس أما لا. والذين قالوا: أنه يستمر، واستدلوا بقوله لعائشة: لا تستعجلي، واستأمري أبويكِ، وأعطاها مدة وأعطاها مهلة حتى تذهب. فقالت: أفيك استأمر أبويّ؟! أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
فذكر لنا الإمام مالك هذا الحديث: "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ" أي؛ لأخيها "عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ" الصديق، "قُرَيْبَةَ". ويقال: قُريبة والمشهور: قَريبة، "قُرَيْبَةَ بِنْتَ أبِي أُمَيَّةَ" بن المغيرة المخزومية، أخت أم سلمة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. خطبتها لعبد الرحمن بن أبي بكر أخيها "فَزَوَّجُوهُ"، ولمَّا كانت الخاطبة أم المؤمنين، لم يفكّروا في الرد، ولا في النَّظر في المسألة، وقبلوا الخطبة ولم يبحثوا عن عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عنده في طبعه بعض الشِّدة في خُلقه، "فَزَوَّجُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَتَبُوا"؛ يعني: وجدوا في أنفسهم وغضبوا لمَّا رأوا بعض الشِّدة في خُلقه "عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا: مَا زَوَّجْنَا إِلاَّ عَائِشَةَ"؛ يعني: ما زوجنا عبد الرحمن. وثقنا بفضل عائشة وأنها لا ترضى لنا بأذى ولا تصوّر من أخاها الإضرار. فلمَّا حصل ذلك، "فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ"، أخيها أن يجيء به، جاء "فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ"، وكيف تتصرف هكذا؟ وكيف يغلب عليك طبعك هذا في المعاملة؟ وهم قد وثقوا بنا. قال: "فَجَعَلَ أَمْرَ قُرَيْبَةَ" في شأن الطلاق "بِيَدِهَا"؛ إن أرادت تتطلق، تطلق نفسها. "فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا"، لمَّا خيّرها على أن تبقى عنده وتتحمّل بعض ما في طبيعته أو إن شاءت تُطلّق نفسها. فقالت: لا اختار على ابن الصِّديق أحدًا. هذا ابن أبي بكر الصِّديق، ولا اختار على ابن الصِّديق أحدًا؛ يعني فاختارته، "فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقاً"، لكونه خيّرها، وجعل أمرها لنفسها. ما عُدّ ذلك طلاقًا لأنها لم تختر الطلاق؛ أي: فلا يحدث الطلاق إلا إذا أحدثت هي الطلاق قبل ذلك ،وطلّقت. فأما إن لم تختر الطلاق فلا يقع الطلاق، هذا هو مقصود الإمام مالك في الباب.
وذكر أثرًا آخر، "أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ" بابنة أخيها -عبد الرحمن الذي زوجته كانت قريبته-، فزوجة ابنته لمَّا كان غائبًا مسافر زوجته "الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ" بن العوام "وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ". كيف؟
بأن عند الشَّافعية يكون الحاكم أو القاضي أو الوالي متولي العقود هو وليّها.
وعند الحنفية إذا هي بالغ؛ ما تحتاج إلى ولي، إذا قدها بالغ.
واحتملوا أن يكون قد وكَّل عبد الرحمن من يُزوجها، فخطبت السيِّدة عائشة، ولمَّا كانت هي السَّاعية في الكلام والمُرتبة له، نسبوه إليها، قالوا: زوّجته. كما يقولون أهله زوّجوه، وأمه زوجته على بنت فلان، لا يعني ذلك أنها تولّت العقد؛ معناه تولت ترتيب الأمر. وهكذا في السيِّدة عائشة رتبت الأمر، فلما كانت هي المتولية لترتيب الأمر وتنظيمه بينهم، قالوا: حفصة بنت عبد الرحمن زوجتها على المنذر بن الزُّبير وأبوها غائب. فعاد "فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ" استنكر ماذا؟ استنكر إما أن المهر كان ما لا يرتضي، وإما أنه كان يرجو غير هذا، في أرفع من مستوى هذا الذي زوجته، بأن يريد أُناس أخرين وإلى غير ذلك من أسباب استنكاره. "قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ، وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ"، معنى يفتات علي:
الافتيات: الانفراد بالرأي في مسألة للشخص فيها حق، فينفرد الآخر بالرأي من دون أن يرجع إليه هذا افتيات. الافتيات عليه؛ له حق في المسألة، فيستقل آخر برأيه، فلا يرجع إليه ويبت في الأمر، هذا افتيات.
"فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ"، وقالت: إن عبد الرحمن وجد في نفسه شيء من الزواج الذي حصل في نفسه. "فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ". أنا أرد أمر النكاح هذا والعقد والطلاق إليه نفسه أبوها، إن شاء طلقها عني، وإن شاء أبقاها معي. فكلمت السيِّدة عائشة عبد الرحمن أخاها، وقالت: إن المنذر بن الزبير يقول الأمر لك في الطلاق. "فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْراً قَضَيْتِيهِ"؛ يعني: ما قصدي هذا الإنكار، ولكن شأن آخر معين ولكن بما أنه قد تم الأمر، ما أنا لأفسخ هذا النكاح ولا أطلق الآن نيابة عن زوجها أطلق ابنتي منه. "فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْراً قَضَيْتِيهِ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاَقاً." كونه خيّر والدها في الطلاق، ما عُدّ ذلك طلاق، وهكذا أورد الأثر بعد ذلك.
الثالث: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلاَ، عَنِ الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا، فَتَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلاَ تَقْضِي فِيهِ شَيْئاً، فَقَالاَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلاَقٍ."؛ ما دامت ما اختارت نفسها، ولا اختارت الطلاق؛ فلا يقع ذلك طلاقًا بمجرد تخييره إيّاها.
فإذا خيرتها، وقالت: اخترت أهلي، فاختلفوا في ذلك.
لو كان في خطابه لها، اختاري بيني وبين أهلك، وإما أهلك أو الطلاق، فهذا يقع.
ولكن إذا لم يكن سابق بذلك شيء، اختلفوا فيه؛ لأن اختيارها ل يمكن معه تمام الزواج، ما الشيء الذي يحصل، يمكن أن تكون على صلة حسنة بأهلها وهي متزوجة.
كذلك إذا قالت: اخترت الأزواج، اختلفوا في ذلك؛
فقيل أنه قالت: اخترت الأزواج، هذا هو واحد من الأزواج وهي أصلًا في عصمته.
وقيل: أنها لا تحل لأزواج حتى تخرج من عصمة هذا، ولا يحل لها الأزواج الآخرون إلا حتى تخرج؛ فهذا يعد طلاقًا.
وأما إذا قالت:
اخترت الزواج، فلا خلاف في أنه لا تطلُق.
أو قالت: اخترتك
وكذلك إذا سكتت أو أعرضت أو قامت.
وهكذا قال الحنفية:
إن كانت كلَّمها بالتخيير وكانت قاعدة فقامت، انقطع.
أما إن كانت قائمة فقعدت، لا ينقطع حقها، عادها أمرها بيدها الآن.
ويقول: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا، فَلَمْ تُفَارِقْهُ وَقَرَّتْ عِنْدَهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلاَقٍ."
"قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُمَلَّكَةِ إِذَا مَلَّكَهَا زَوْجُهَا أَمْرَهَا، ثُمَّ افْتَرَقَا، وَلَمْ تَقْبَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً: فَلَيْسَ بِيَدِهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا."، الذي ملَّكها فيه، وهكذا يقول الحنفية والشَّافعية.
وتقدَّم معنا أن الإمام أحمد لا يتقيّد عنده الاختيار في التمليك على المجلس، ولذا قد أعطاها الحق، فلها أن تطلّق ما شاءت إلا إن قال: اختاري. أما إن قال: أمرك بيدك أو طلقي نفسك فيبقى الحق لها عند الإمام أحمد.
عند الإمام الثلاثة، لا. وهذا قول عند الإمام مالك في الموطأ يوافق قول الحنفية والشَّافعية. وعند الإمام مالك رواية أخرى أنه رجع عن هذا القول. وأن لها الحق وتثبت عليه، كقول الإمام أحمد. وفيه أن الإمام مالك قد يترجح عنده وقت الإفتاء شيء، يكون قد رأى غيره في الموطأ فلا يغير ذلك من موطأه، يبقيه في الموطأ على ما هو عليه، "وَهُوَ لَهَا مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا."، وينتقل إلى الحكم في الإيلاء، وفيه جاءت الآية الكريمة.
أصلح الله أمور رجالنا ونساءنا وأهالينا وأهل ديارنا ومجتمعات المسلمين، ونوَّرهم بنور الشَّريعة والسُّنّة النَّبوية الكريمة، ودفع عنهم موجبات الآفات والعاهات والعار والنَّار والشَّر والأشرار، وحمانا والأمة من جميع المضار، وألهمنا الرُّشد وتمم لنا السُّعد، ورزقنا الاستقامة على منهج حبيبه خير عبد، وتولّانا به في كل غيبٍ ومشهد، وختم لنا بأكمل حُسنى وهو راضٍ عنا بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
08 جمادى الأول 1443