(364)
(535)
(604)
شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النكاح، باب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وباب مَا جَاءَ فِي الإِحْصَانِ.
فجر الأحد 9 ربيع الثاني 1443هـ.
باب النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
1554- قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُوِدِيَّةٍ، وَلاَ نَصْرَانِيَّةٍ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة:5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) [النساء:25] فَهُنَّ الإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ.
1555- قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نُرَى نِكَاحَ الإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يَحْلِلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ.
1556- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
باب مَا جَاءَ فِي الإِحْصَانِ
1557- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، هُنَّ أُولاَتُ الأَزْوَاجِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا.
1558- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَبَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولاَنِ: إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الأَمَةَ فَمَسَّهَا، فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ.
1559- قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ: تُحْصِنُ الأَمَةُ الْحُرَّ، إِذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا، فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ.
1560- قَالَ مَالِكٌ: يُحْصِنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ، إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ، وَلاَ تُحْصِنُ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ، إِلاَّ أَنْ يَعْتِقَ وَهُوَ زَوْجُهَا، فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ، حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ.
1561- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْصِنُهَا نِكَاحُهُ إِيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ، حَتَّى تُنْكَحَ بَعْدَ عِتْقِهَا، وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا، فَذَلِكَ إِحْصَانُهَا.
1562- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ، فَتعْتقُ وَهِيَ تَحْتَهُ، قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَإِنَّهُ يُحْصِنُهَا، إِذَا أُعتقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ، إِذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْتِقَ.
1563- وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ، وَالأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ، يُحْصِنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ، إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا.
الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته، صلّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وعلى مَن والاه وتمسّك بمتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين محل نظر الرَّحمن -جلّ جلاله- وصفوته من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
ويذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل حكم نكاح إماء أهل الكتاب، بعد أن تبيّن لنا أن العاجز عن مهر الحُرة من المؤمنين إذا خشيَ على نفسه العنت؛ جاز له أن ينكح أمة مؤمنة كما قال -تبارك وتعالى-: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ) [النساء:25]، وخصّ المؤمنات بذلك مع أنه أباح للمسلمين تزوج الحرائر من أهل الكتاب؛ من اليهود والنَّصارى الذي هم المُراد بأهل الكتاب؛ وهم الذين بقوا في وقت النَّبي ﷺ معهم أثر من التوراة والإنجيل وإن كانوا قد حرّفوا وبدّلوا وغيروا الكثير منه، بخلاف بقية الطوائف والأمم فلم يبقى بأيديهم أثر من الكتاب؛ الكتب التي نزلت من قبل.
على أن بعض أهل العلم قال: أراد بأهل الكتاب كل قومٍ ينتمون إلى نبيّ أنزل عليه كتاب؛ فهم أهل كتاب.
ولكن جمهور أهل العلم قالوا: لا، إنما المُراد بهم الموجودون من اليهود والنَّصارى الذي دخلوا اليهودية والنَّصرانية قبل بعثة نبينا مُحمَّد ﷺ، ولِما بقي عندهم من أثر التوراة والإنجيل، وبقي منه القليل مما يتداول وأكثره حُرِّف وبذل وبقي أيضًا كثيرًا منه مكتوم مع بعض أحبارهم ورهبانهم.
فجعل لهم سُنَّة مخصوصة أهل الكتاب وأباح التزوج منهم.
على أنه كرهه جماعة من أهل العلم وجعلوه لمثل الضرورة؛ لما يترتب عليه بعد ذلك من خشية سوء تربية الأولاد وفساد عقيدتهم "وإن العرق دسّاس" يقول ﷺ.
ولذلك كان لبعض الصحابة ثم لمَن بعدهم نظرٌ في أن هذا الحِل الذي جاء في القرآن -وهو مُجمَع عليه- إنما جاء لحالٍ مخصوص ووجهٍ مخصوص، وأنه لا ينبغي الاسترسال في مثل ذلك؛ حفاظًا على المسلك والتربية؛ وعلى سلامة الدّين والمُعتقد. وما خافوه من هذا الشّر واقع أيضًا الآن في بعض المسلمين الذين ما يتزوجون يهودية ولا نصرانية، ولكن يأتون بيهودية أو نصرانية أو وثنية أو هندوسية أو بوذية أو غيرها من أصحاب الأديان الأُخرى ويسلِّمون لها رقاب وأيدي الأبناء والأطفال -بنين وبنات-. كما يخاف من أمهات اليهود والنَّصارى، صار هذا أشد خوفًا منه لأنهم يزاولون مخاطبتهم وحديثهم ويلبسونهم ويجلسون معهم أكثر مما يجلس معهم أبوهم وأمهم، وخصوصًا إذا كانت الأم تخرج من البيت -لما يُقال له العمل- والزوج يخرج كذلك، ويا كافرة هؤلاء الأولاد لطخّيهم بما شئت، وأفسديهم بما أردتِ.. وحصل من ذلك مفاسد كثيرة وشرور وآفات ومحذور كثير.
وهكذا كل انطلاقٍ بعمى بصيرة من غير تروٍّ ولا تمسكٍ بأسسٍ صحيحة في الدّين والعقل؛ ينتج مثل هذه النتائج السّيئة في واقع النَّاس ولكن أكثر النَّاس لا يعلمون، ويعملون كما يعمل الفراش؛ يظن النَّار منفذ ينفذ منه، يدخل فيه؛ يحرق نفسه. وقد ينجو أول مرة، يرجع ثاني مرة وهو نفسه ما تفيده التجربة! يبعد يسلم، يرجع ثاني مرة، أحيانًا ثالث مرة، رابع مرة حتى يحترق.. فبعض النَّاس مثل الفراش هكذا، عقلياتهم هكذا وحتى يحرقوا أديانهم ويحرقوا أولادهم. وقد كانوا يحذرون على أبنائهم وبناتهم من مسلمين ومسلمات، ما يرتضون منهم خُلُقُهم أو نَبْوَةً في ألفاظهم. يحافظون على أولادهم ما بغوهم يجالسونهم، ولا يمشون معهم، ولا يسمعون كلامهم النابي وهم مسلمين، فكيف الحال في مثل هذا! -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ولكن ذهاب العقول، والاغترار بزخرف القول، وسيئات الأفكار التي تنتشر بين النَّاس.
فالحكم في إماء أهل الكتاب: أن المسلم إن كان حُرًا إذا عجز عن صداق الحُرة وخاف على نفسه العنت؛ جاز له أن يأخذ أمة مسلمة. كما أنه يجوز للرقيق المسلم؛ أن ينكح أمة مسلمة.
والحر والعبد من المسلمين؛ لا يجوز له أن ينكح أمة كافرة، يملكها كافر. لا يجوز لهم أن ينكحوها، على ذلك جماهير العلماء إلا ما جاء عن الإمام أبي حنيفة عليه رحمة الله تعالى.
قال الأئمة الثلاثة وغيرهم: أنه لا يجوز للمسلم سواء كان حرًا أو مملوكًا أن ينكح أمة كافرة.
وعلى هذا عقد الفصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ليبيّن أن من شرط نكاح الأمة أن تكون مسلمة.
فلو كانت كتابية؛ ما يصح، قال تعالى: (فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ) [النساء:25] فهذا مذهب الشَّافعية والحنابلة والقول المعتمد عند المالكية أيضًا. وأخذوا بعموم قول: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ) [النساء:24] بعد أن ذكر المحارم وجعلوا هذا منها.
إذًا؛ فالشرط عند جمهور الفقهاء أن تكون الجارية التي تُنكح مسلمة أو كِتابية؛ فلا يحل غيرها ولو كانت مجوسية. وإن كانت مجوسية وإن سُنّ بهم في الجزية سُنَّة أهل الكتاب المجوس.
ولكن كما جاء عن سيِّدنا علي، عن النَّبي ﷺ: أنه قال لمجوسي هجر مَن أسلم منهم ومَن أبى، تُضرب عليه الجزية على أن لا تُنكح نسائهم ولا تؤكل ذبيحتهم. فليسوا مثل أهل الكتاب؛ لا تؤكل ذبيحتهم ولا ينكح نساؤهم، وإن كان قَبِل منهم الجزية كما قبلها من أهل الكتاب، على أن قبول الجزية أيضًا عند بعض أهل العلم من غير أهل الكتاب له مجال. وعَلِمنا ما جاء في الحديث من قول: سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب؛ على أن المراد في قبول الجزية منهم؛ سنّوا بهم سنة أهل الكتاب. وعَلِمنا أن أهل الكتاب المراد بهم: اليهود والنَّصارى.
إذًا فليس للمسلم ولوكان عبدًا أن يتزوج أمة كتابية، وعليه -كما علمت- جماهير أهل العلم.
قال مالك: "وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ."، كما لا يحل نكاحها؛ لا يحل وطؤها بملك اليمين، أيضًا عليه جماهير أهل العلم؛ أنه يجوز للرجل الحر أن يستمتع بجاريته، وبشرط أن تكون مُسلمة أو كتابية.
يقول الإمام مالك: "لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُوِدِيَّةٍ، وَلاَ نَصْرَانِيَّةٍ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة:5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ" دون الأرقاء المملوكات منهن، "وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) [النساء:25] فَهُنَّ الإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ".
"قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نُرَى نِكَاحَ الإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يَحْلِلْ نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ".
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ أَمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ."، عليه إجماع الفقهاء؛ مادامت على مجوسيتها حتى تنتقل إلى الإسلام ودين الحق؛ حينئذٍ يتغير الحكم كما هو معلوم. وإذا كان الأمر بالتّخيُّر للنُّطف، والأمر في السُّنَّة بالظفر بذات الدّين حتى من بين المسلمات أنفسهن، فمن باب أولى غير ذلك.
ويتكلم بعد ذلك عن الإحصان الذي يصير به المكلّف مُحصنًا. يقول: "باب مَا جَاءَ فِي الإِحْصَانِ"، فإنه فُرِّق بين المُحصن وغيره في الحدّ، وغير المُحصن ما جاء في الآية: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) [النور:2] وجاء الرَّجم في حق المُحصن. يقول سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: "الْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، هُنَّ أُولاَتُ الأَزْوَاجِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الزِّنَا."؛ لأنه لا يتأتى العقد عليها، فهي محرَّمة على غير زوجها حتى تُطلَّق أو يفارقها بموت وتنقضي العدة. ومادامت كذلك فهي محرَّمة؛
○ ولا يجوز لأحدٍ أن يقربها.
○ ولا أن ينكحها.
○ ولا أن يعقد عليها.
حتى يتم فسخ نكاحها من زوجها بطلاقٍ أو فسخ ثم تنقضي عدتها، أو يموت عنها زوجها وتنقضي عدتها، في قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء:24] هذا فيما يتعلَّق بالعدد.
والمحصنات ذوات الأزواج، أيضًا إذا كانت الأمة متزوجة فلا تحل لسيِّدها حتى يُطلّقها زوجها، ثم تنقضي براءتها من زوجها؛ فحينئذٍ يحل لسيِّدها قُربها بملك اليمين.
وقال "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَبَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولاَنِ: إِذَا نَكَحَ الْحُرُّ الأَمَةَ فَمَسَّهَا، فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ"؛ أي: يُعدّ بذلك مُحصن؛ يصير الحر محصنًا و يترتب عليه شروط الإحصان. وعند الحنفية: لا يصير مُحصن إلا بالحرية؛ بشرط أن يطأ حُرة. فلا يصير مُحصنًا؛ إلا أن يكون حرًا؛ ويطأ حرة لا أمة.
"قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ"؛ يعني: من أهل العلم في المدينة المُنوَّرة "كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ"؛ أي: مثل ما قال الزُّهري والقاسم: "تُحْصِنُ الأَمَةُ الْحُرَّ"، تجعله مُحصنًا "إِذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا".
"وقَالَ مَالِكٌ: يُحْصِنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ"؛ يجعلها مُحصنة "إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ، وَلاَ تُحْصِنُ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ"، لفقدان شرط الحرية "إِلاَّ أَنْ يَعْتِقَ وَهُوَ زَوْجُهَا، فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ"، كما قال تعالى في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء:25]، "قَالَ مَالِكٌ: يُحْصِنُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ، إِذَا مَسَّهَا بِنِكَاحٍ، وَلاَ تُحْصِنُ الْحُرَّةُ الْعَبْدَ، إِلاَّ أَنْ يَعْتِقَ وَهُوَ زَوْجُهَا، فَيَمَسَّهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ، حَتَّى يَتَزَوَّجَ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَيَمَسَّ امْرَأَتَهُ."
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ، ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْصِنُهَا نِكَاحُهُ إِيَّاهَا وَهِيَ أَمَةٌ، حَتَّى تُنْكَحَ بَعْدَ عِتْقِهَا، وَيُصِيبَهَا زَوْجُهَا، فَذَلِكَ إِحْصَانُهَا."، فشرطه أن يكون الحرية لوجود الإحصان.
"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمَةُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ، فَتعْتقُ وَهِيَ تَحْتَهُ، قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَإِنَّهُ يُحْصِنُهَا، إِذَا أُعتقَتْ وَهِيَ عِنْدَهُ، -يعني- إِذَا هُوَ أَصَابَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْتِقَ."
"وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ، وَالأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ، يُحْصِنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ، إِذَا نَكَحَ إِحْدَاهُنَّ فَأَصَابَهَا."، فيصير بذلك محصنًا؛ إذا وطئ الكتابية الحُرة أو الأمَة المسلمة وهو حُر مُسلم، وهكذا على خلاف بين الأئمة في ذلك.
ومعلومٌ أن الشَّرائع من عهد آدم إلى عهد نبيّنا ﷺ جاءت بحفظ الأديان والأعراض والعقول والمال وهذا الجسد، في كل ما كان في الشَّرائع، إلى أن تم الكمال لشريعة الله بما أوحى إلى عبده ونبيه سيِّدنا مُحمَّد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليه وعلى آله، وتم الكمال في الأحكام التي إليها مرجعية النَّاس إلى يوم القيامة، لا يكون أصلح لهم منها ولا أنجح لهم في صلاح معاشهم ومعادهم.
رزقنا الله الاستقامة على منهج نبيّنا، وتولانا به في سِرّنا وعلننا، ورزقنا حسن متابعته ظاهرًا وباطنًا، وأصلح به أسرنا وأهلينا وذرياتنا وذوينا، وصانهم من الآفات والعاهات الظواهر والخفيات، وجعل لهم قرّة أعينٍ لجميع آبائهم وأمهاتهم ولنبيّهم يوم يقوم الأشهاد، وأسمع آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم أطيب النِّداء يوم التناد، وكفانا وإياهم موجبات الخزي في يوم القيامة، وأتحفنا بالمِنن والكرامة بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
11 ربيع الثاني 1443