شرح الموطأ -281 - كتاب النكاح: باب نكاح الرجل أمّ امرأةٍ قد أصابها على وجه ما يُكرَه، وباب جامع ما لا يجوز من النكاح

شرح الموطأ -281 - باب نكاح الرجل أم امرأةٍ قد أصابها على وجه ما يُكرَه، من حديث الإمام مالك رضي الله تعالى عنه
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النكاح، باب نكاح الرجل أم امرأةٍ قد أصابها على وجه ما يُكرَه، وباب جَامِعِ مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ.

فجر الإثنين 3 ربيع الثاني 1443هـ.

 باب نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَةٍ قَدْ أَصَابَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يُكْرَهُ

1531 - قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا: إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا، وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَاماً، وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مَا أُصِيبَ بِالْحَلاَلِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ بِالنِّكَاحِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء:22].

1532 - قَالَ مَالِكٌ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً، نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، نِكَاحاً حَلاَلاً فَأَصَابَهَا، حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلاَلِ، لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ، وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا، فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الأَبِ ابْنَتُهَا، إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا.

باب جَامِعِ مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ

1533 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.

1534 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَاري، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَرَدَّ نِكَاحَهُ.

1535 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِىَ بِنِكَاحٍ، لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلاَ أُجِيزُهُ، وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ لَرَجَمْتُ.

1536 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ طُلَيْحَةَ الأَسَدِيَّةَ، كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِي فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَ الآخَرُ خَاطِباً مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الآخَرِ، ثُمَّ لاَ يَجْتَمِعَانِ أَبَداً.

قَالَ مَالِكٌ : وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا.

1537 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ، يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً: إِنَّهَا لاَ تَنْكِحُ إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا، حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ، إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا مُحمَدٍ صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاهم في الله وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وعباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

وبعدُ،

فيواصل الإمام مَالِكْ -عليه رحمة الله- ذكرَ الأحاديث المتعلقة بالنِكاح، ويذكر في هذا الباب ما يترتب على النِّكاح الحرام هل يُحرّم كما يُحرّم النِّكاح الحلال لحرمته ولمكانته.

وقد أجمع فقهاء الشرع المُطهّر، على وجود التحريم بالنِّكاح الحلال الصحيح، فيصير له:

  • أم زوجته التي دخل بها وأمهاتها محارم

  • وبناتها كذلك إذا دخل عليها محارم

وتصير أمهاتها كما تقدم معنا عند الجمهور محارم بمجرد العقد، وبناتها وإن سَفُلن يصرن أيضًا محارم بعد الدخول بها.

وأما إذا كان -والعياذ بالله -تبارك وتعالى- زنًا وحرام فلا يترتب عليه تحريمٌ عند كثيرٍ من أهل العلم، وأختُلف في ذلك؛ لأنه لا حُرمة ولا كرامة لهذا الفعل المشين، الذي يُغضب الجبار -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- ويُعرِّض أصحابه للعار والنار.

يقول: "قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهَا: إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا، وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ" لأنه لو كان نَكَحَها في حلالٍ لكانت حرامًا على ابنه لقوله تعالى: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء:22] أي وقع أيام الجاهلية (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) [النساء:22] قال: "وَيَنْكِحُهَا ابْنُهُ إِنْ شَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهَا حَرَاماً" ولا حرمة في ذلك.. 

  • ولا يترتب عليه التحريم عند الإمام مَالِكْ وعند الإمام الشَّافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-

  • أما الإمام أبو حَنِيفَة فقد جعل المُقاربة نفسها محرِّمة وإن كانت في حرامٍ فلا تحل له أمها، ولا يحل له ابنتها، وهكذا رتّب عليها الحكم.

"قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ"، وكأنه احترز عن الذي يُقام فيه الحدّ وهو شُبه النِّكاح الذي هو شُبهة، فإن شُبه النِّكاح وإن كان حرامًا لا يوجب الحد، ويترتب عليه التحريم -وطء الشُبهة- بخلاف الوطء الحرام؛ فإنه لا يترتب عليه التحريم ويقام على صاحبه الحد. "إِنَّهُ يَنْكِحُ ابْنَتَهَا"؛ أي: يجوز له أن ينكح ابنة تلك المرأة "وَيَنْكِحُهَا"؛ أي: المرأة ابنه، وإن وطئها الأب لأنه في حرامٍ وطئها والعياذ بالله -تبارك وتعالى- فلا يترتب عليه الحكم.

قلنا خالف بذلك الإمام أبو حَنِيفَة -عليه رحمة الله- ومثله الثوري، والأوزاعي، فقالوا: بمجرد أن يطأها تصير حرامًا عليه بنتُها ومِنْ باب أولى أمهاتها، ويَحرم على ابنه أن يتزوجها لأنها موطوءة أبيه.

قال مَالِكْ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [النساء:22]."، فعلى مذهب الإمام مَالِكْ لا يدخل الزنا فيما نكح آباؤكم مِنَ النساء أصلًا، فلا يُوجب الحُرمة كما هو مذهب الإمام الشَّافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، وقال أبو حَنِيفَة: يحرم.

"قَالَ مَالِكٌ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً، نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، نِكَاحاً حَلاَلاً" كيف هذا؟ هي معتدة من رجل آخر، فكيف يعني؟ على طريق النِّكاح المشروع؛ قيل له هو حرام لأنه لا يجوز له أن يتزوجها حتى تنتهي عِدّتها. "فَأَصَابَهَا" بهذا العقد، وبهذا النِّكاح الذي هو على صورة النِّكاح الصحيح؛ "حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا"؛ لأنه وطء شُبهة، "وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا عَلَى وَجْهِ الْحَلاَلِ"؛ أي: الطريق المشروع، لكن على حالٍ "لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدُّ"؛ لأنه يعتقد جواز ذلك، وأنَّ النِّكاحَ صحيح، "وَيُلْحَقُ بِهِ" أي بسبب هذا النِّكاح، "الْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ بِأَبِيهِ" لو ولدت لكان ملحقًا به، فالمُتكوّن من وطء شبهة يلحق بأبيه؛ بخلاف المتكوّن من الوطء الحرام فإنه لا يُنسب لأبيه عند جمهور العلماء. "وَكَمَا حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، حِينَ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي عِدَّتِهَا وَأَصَابَهَا، فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الأَبِ ابْنَتُهَا، إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا".

نعم يقول: "يَحْرُمُ عَلَى الأَبِ ابْنَتُهَا، إِذَا هُوَ أَصَابَ أُمَّهَا" أي بالنِّكاح ولو كان النِّكاح في العدة:

  • لأنه جاء على وجهٍ لا يُوجب الحدَّ فيدخل في وطء الشبهة.

    • ويثبت به التحريم.

    • وينسب به الولد.

    • ولا يُقام فيه حد

 فهذا يُحرّم كما يُحرّم النِّكاح الصحيح.

ومع ذلك فهو عند مَالِكْ أيضًا  يُؤدب ولا يُحدُّ، وقيل أنه يُحدُّ لصدق حدِّ الزنا عليه. وهكذا كلامهم عن الوطء في الشُبهة وهو في نكاح فاسد، أو شراءٍ فاسد، يتعلّق به التحريم.

ولكن حُرمة المصاهرة تثبت عند الحَنَفِية ولو بالزنا، فبالوطء في النِّكاح الفاسد من باب أولى. والنكاح الفاسد ونحوه من وطء شبهة لا يقام فيه الحدّ.

وجاء عند الإمام أحمَدْ بْنِ حَنبَل: أنه يجب الحدّ في الوطء في النِّكاح بلا وليٍ إذا اعتقد حُرمته، ومع ذلك أقدم عليه.

وإذًا؛ الذي يقول الجمهور: لا حدَّ بشُبهة العقد عند الإمام.

 

باب جَامِعِ مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ

 

وذكر في "باب جَامِعِ مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ النِّكَاحِ": نِكاح الشَّغار، ونكاح الشَّغار أن يُزَّوِجه وليّته بلا مهرٍ بل يجعل مهرها بالمقابل أن يُزَّوِجه الزوج الذي زوّجه هو وليته؛ فيزوّج الولي، هذا الزوج يزوّج الولي وليَّته مقابل أنَّ هذا الوليّ زوّجه وليّته سواءً أن كانت بنتًا، أو أختًا، أو بنت ابنٍ أو نحوه إذا كان هو وليها فزوّجها وجعل الصَدَاق أن يزوّجه الثاني مِنْ وليّته، فهذا هو نِّكاح الشِّغار المُحرَّم في الشرع المصون، أن يُزوِجه من دون مهر، ويجعل المهر بالمقابل أن يُزوِجه الثاني فهذا لا يجوز؛ وإنما شُرِّع المهر لحق الزوجة، وتُسلَّمه هي، وهي تملكه دون أبيها وغيره مِن أقاربها، فإنما هو حقّها وهذا أسقط المهر فبطل بذلك النِّكاح.

الشِّغار مصدر شاغر، شاغَر، يُشاغِرُ، مُشاغَرةً وشغارًا، فالأصل في اللغة:

  • الشِّغار: الرفع، يقول شَغَر الكلب إذا رفع رجله ليبول.

  • وقيل من شَغَر البلد إذا خلا عن السلطان

  •  يُقال شَغَرت المرأة إذا رفعت رجلها.

 وكان الشِّغار هذا من نِكاح الجاهلية، وأجمع علماء الشريعة على أنه مَنهيُّ عنه وأنه حرام، ولكن اختلفوا: هل النهي يَقتضي إبطال النكاح أم لا؟ أو يثبُت على أنه عليه أن يُسلِّم مهر المثل؟

  • فقيل: النِّكاح من أصله باطل.

  • وقيل: بل يلزمه أن يُسلِّم مهرًا، أو مهر المثل، ولا يَصُّح جعل المهر زواج مقابل زواج.

يقول عُبيد الله بن عُمَر قلت لنافع: ما الشِّغار؟ فذكر هذا التفسير الذي ذكرناه. وقالوا لماذا جاء النهيُّ عن ذلك؟ تزويج كلٌ مِنَ الولييّن وليَّته للآخر بشرط أن يُزّوِجه وليته، وخلو كل منهما من الصَدَاق والمهر؟ وهكذا يقول الشَّافعية علة النهي: الاشتراك في البِضع، لأن بِضع كل واحدٍ منهم يصير مورد العقد، وجعلُ البِضع صَداقًا مخالف لإيراد عقد النِّكاح.

إذًا؛ لا يصح هذا النِّكاح عند الجمهور، فهو لا يجوز، منهيٌّ عنه، وقال الجمهور أيضًا: هو باطل، في رواية عن مَالِكْ:

  • قبل الدخول يُفسخ.

  •  بعد الدخول يلزم مهرُ الِمثل.

يقول: "عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَاري، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ"، أباها اسمه خَدَّام الصَّحابي هذا، وقيل أنه ابن َوديعة، وقيل أنه ابن خالد، "زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ"؛ أي: قد تزوجت من قبل. جاء في رواية أنها قالت: وأَنا أريدُ أن أتزَوَّجَ عمَّ ولدي. فكأنها ولدت مِنْ زوجها الأول -وهو وأُنيس بن قتادة- فأرادت أن تتزوج بعم ولدها، فزوّجها أبوها برجلٍ آخر، "فَكَرِهَتْ ذَلِكَ"؛ أي: الرجل الذي أنكحها إياها أبوها، "فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ" قالت له: إنَّ أبي أنكحني رجلًا، وإن عمَّ ولدي أحب إليّ منه، "فَرَدَّ ﷺ نِكَاحَهُ"؛ لأنه زوَّج ثيّبًا من دون إذنها، فلا يَصِّح ذلك، ردّ النبي ﷺ نِكاحه.

وذكر: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِىَ بِنِكَاحٍ، لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ وَلاَ أُجِيزُهُ".

فنِّكاح السرِ المَنهي عنه:

  •  أن يتزوّج من دون شاهدين عَدلين هذا نكاح السر، مجموعٌ على بُطلانه وتحريمه.

  • وأما إن كان بعَدَلين وأخفوه عن غيرهم

    •  فهذا يجوز عند الجمهور.

    •  وهو عند المَالِكْية: لا يصح، لأن نكاح السر عندهم لا يجوز.

وعلمنا ممّا جاءنا في السُّنة أنَّ المستحب أن يُظهر النِّكاح ويُضرب فيه بالدف حتى يُشتَهر ويُعرف، يقول ﷺ: "أعلِنوا النِّكاحَ"، فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النِّكاح، فأما إذا عُقد النِّكاح بوليّ وشاهدين، وتواصوا بكتمانه.. كُره ذلك وصَّح النِّكاح 

  • وبصحّته يقول الإمام أبو حَنِيفَة والإمام الشَّافعي، يقولون أن النِّكاح صحيح.

  • وجاء عند المَالِكْية: أنَّ هذا النِّكاح باطل.

وقال ﷺ: "لا نِكاحَ إلا بوليٍّ وشاهدَي عدْل" فاكتفى به الأئمة، وقال المَالِكْية أنَّ الإعلان عنه شرطٌ، فلا يَصِّح أن يكون سرًا.

حتى يقول: "وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهِ"؛ يعني: سبقتُ غيري، "لَرَجَمْتُ"؛ لأن الشهادة لم تَكمُل في هذا الزواج، لم يكن رجلان وإنما كان رجل وامرأة، فهي شهادة ناقصة.

ويقول: "عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ طُلَيْحَةَ الأَسَدِيَّةَ، كَانَتْ تَحْتَ رُشَيْدٍ الثَّقَفِي"، طُليحة بنت عبد الله الأسدية كانت تحت رَشيدٍ، ويُقرأ رُشَيد -بضم الراء- الثَقفي، أي: من بني ثقيف، "فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا" مع أنه طلّقها طلاق بينونة كبرى، أي: طلقها البتّة كما جاء في روايات. يقول: "فَطَلَّقَهَا، فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"؛ أي: تأديبًا، "وَضَرَبَ زَوْجَهَا" الذي تزوجها في العدّة، فلم يُقِم الحدَّ لوجود الشُبهة، ولكن أقام التأديب والتعزير، قال تعالى: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) [البقرة:235] وحرّم الخطبة في أثناء العدة، وأباح التعريض مِنْ دون التصريح، وأن يقول: رُبَّ راغبٍ فيكم، إذا انتهت العدة فتأنّوا وأشعِرونا، بمثل هذا التعريض (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ) [البقرة:236] نوى أنه عندما تنتهي عدّتها أن يخطبها، له أو لابنه، نيّته والتعريض لا يَحرُم؛ ولكن التصريح ممنوع، أن يُصرّح بالخطبة حتى تنتهي العدة، (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) [البقرة:235]

"وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا" سيدنا عُمَر بْنِ الخطَّاب -رضي الله عنه- "وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَ الآخَرُ"؛ أي: الزوج الآخر الذي فرَّقت عنه "خَاطِباً مِنَ الْخُطَّابِ"؛ أي: مِنْ جُملة الخاطبين لها، ليس بأحق من غيره، "وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الأَوَّلِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الآخَرِ"، يقول: "ثُمَّ لاَ يَجْتَمِعَانِ أَبَداً". أي لا يجوز لهذا الناكح في العدة أن يتزوجها أبدًا، إذًا التحريم بينهما يتأَبد فلا تَحِل له. إذًا؛ المشهور في مذهب مَالِك: أنه يتأبد التحريم وبه قال الإمام أحمَدْ بِنْ حَنبَل -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-

"قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا"، يجب عليه أن يُسلِّم المهر. وقال سيدنا عُمَر في البداية بمنع الصَداق لها ثُمَّ قال بوجوبه، يُخرج المهر والصَداق ولكن يُفرّق بينهم لكونها تزوجت في العدة.

"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا"؛ أي: المختار عندنا، "فِي الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ، يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَتَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً: إِنَّهَا لاَ تَنْكِحُ إِنِ ارْتَابَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا، حَتَّى تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا مِنْ تِلْكَ الرِّيبَةِ، إِذَا خَافَتِ الْحَمْلَ".

فاتفق أهل العلم على أن عدَّة الحرة من زوجها الحر أربعة أشهر وعشرًا (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة:234] يقول الله تعالى، أما الحامل فعِدّتها وضع حملها لقوله سبحانه وتعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق:4]، والله أعلم.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفَنا بالكرامة، و أصلح شؤوننا وديارنا ومنازلنا وأهلينا، وجعلنا مِمّن يخشاه في الغيب والشهادة، ويسعد بذلك أعلى السعادة، ووقانا الأسواءَ والأدواء وكل بلوى في السِرّ والنجوى والأمة أجمعين بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي مُحَمَد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

05 ربيع الثاني 1443

تاريخ النشر الميلادي

10 نوفمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام