شرح الموطأ - 278 - كتاب النكاح: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب النكاح، باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
فجر السبت 24 ربيع الأول 1443هـ.
باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ
1518- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا، أَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ.
1519- قَالَ مَالِكٌ: فَالأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، أَنْ لاَ أَنْكِحَ عَلَيْكِ، وَلاَ أَتَسَرَّرَ، إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلاَقٍ، أَوْ عِتَاقَةٍ، فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكْرِمنا بشريعته الغرَّاء وبيانها على لسان خير الورى، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه الكُبراء، وعلى مَن والاهم في الله وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين مَن رقوا في الفضل أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وفي هذا الباب يذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي عقد النِّكَاحِ، وذكر عَنْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ -عليه رضوان الله- أنه "سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا، أَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: يَخْرُجُ بِهَا إِنْ شَاءَ."؛ أي: لا يلزمه ذلك، فإن ذلك الشرط ليس من مقتضى العقد وليس من مقتضى النكاح.
-
وأن الشروط إن كانت مخالفة ومضادة لمقتضى العقد، كأن تزوجت بشرط أن يكون في وقت معين أو محدّد، فالعقد من أصله باطل ولا يصح.
-
وإن كان لا يتعلق بمناقضة أصل العقد ولكنه أمر خارجٌ عنه، يكون لغرض الزوجة أو لغرض الزوج، فهذا اختلفوا فيه
-
والأئمة الثلاثة على أن هذه الشروط لا يلزم الوفاء بها، وإنما يُستحب إذا قد التزمها.
-
وأما الإمام أحمد بن حنبل، فجعل لذلك الاشتراط إباحةً وأصلًا، فيلزمه الوفاء بذلك.
-
-
وأما القسم الثالث، وهو أن يشترط شيئًا من مقتضى عقد النكاح، فهذا يلزم الوفاء به، اشترطه لم يشترطه، كالزواج على أن يمسكها بمعروف أو يطلقها بإحسان أو على حسن معاشرتها، هذا واجب عليه ولازم وثابت، ولا بُدّ له من ذلك اشترط أو لم يشترط؛ لأن هذا من مقتضى عقد النكاح.
فذكر كلام سعيد بن المُسيِّب بأنه لا يلزمه بالحكم، أما على الوفاء أنها من الشروط، فإنه مأمور به وذلك مستحب.
"قَالَ مَالِكٌ: فَالأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، أَنْ لاَ أَنْكِحَ عَلَيْكِ"؛ أي: لا يتزوج غيرها "وَلاَ أَتَسَرَّرَ"؛ أي: لا يتخذ له من السرايا والجواري من يطؤها "إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ بِطَلاَقٍ"، نعم، إذا علّق الطلاق أو العتاق عليه أو حلف يمينًا فيحنث إذا خالف ذلك، وعليه كفَّارة اليمين، ويحصل عليه الطلاق إذا علّق الطلاق بذلك، ويحصل عليه العتق إذا علّق عتقًا بذلك.
وهكذا؛ فصارت هذه الشروط في النكاح إلى هذه الأقسام الثلاثة:
-
ما يعود نفعه إلى المرأة مثل أن لا يُخرجها من البلد أو لا يسافر بها وأمثال هذه الشروط.
-
يلزم الوفاء به عند الحنابلة
-
وقال الأئمة الثلاثة: لا يلزم ذلك ولكنه يبقى في استحباب الوفاء.
-
-
وكذلك ما جاء من الشرط الذي هو من مقتضى عقد النكاح، فكما أسلفنا:
-
منه ما يبطل الشرط ويصح العقد، مثل يشترط أن لا مهر، كيف يشترط أن لا مهر هذا؟
-
قال الشَّافعي: باطل هذا العقد، ولا يصح لأنه من أركان النكاح أن يكون هناك المهر.
-
وقال الإمام أحمد: أنه عليه يلزم مهر المثل، ويلزمه مهر المثل ويبطل هذا الشرط، يبطل الشرط ويصح العقد.
-
وجاء أيضًا رواية عن الإمام أحمد كغيره من الأئمة الثلاثة: أن هذا يُبطل العقد من أصله.
-
-
وكذلك ما اتفقوا على أنه يُبطل النكاح بأصله مثل أن يشترط توقيت النكاح؛ فذلك باطل في الأصل، وبطل العقد من أصله فلا عقد، ولا يُعتبر بذلك نكاح. وكذلك في بقية العقود إذا جاء شرطٌ مخالف ولا يتعلّق بصُلب العقد؛ فالعقد ينفذ والشرط باطل.
وقالت السيِّدة عائشة له ﷺ أنه: يبيعونني البَرّة ليعتِقها أو بريرة لتَعتقها. فتريد أن تشتريها منهم لتعتقها، قالوا لها: إذا أردت أن تشتَرينها وتعتقينَها شرط الولاء هذا لنا! فلمَّا قالت السيِّدة عائشة للنبي ﷺ، قال لها: بيعي واشترطي فإنما الولاء لمَن أعتق؛ يعني: الشرط هذا باطل. قال: إنما الولاء لمن أعتق. وقال بعد ذلك في الخطبة: ما بال قوم يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله -تبارك وتعالى-. مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله؛ فهو ردُّ عليه. الولاء لمَن أعتق. مَن أعتق هو له الولاء؛ هذا شرط باطل. وهكذا قامت شؤون الشريعة على تصحيح المعاملة بين العبد وبين ربه، وبين العبد وبين العباد في التعامل بينهم على منهج الحق جلَّ جلاله، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، وليس للعباد أصلح ولا أنجح ولا أفلح لهم من ذلك.
رزقنا الله الاستقامة على ما يحبّه منا ويرضى به عنّا، ووقانا الأسواء والأدواء وكل بلوى إنه أكرم الأكرمين، وأصلح شؤون المسلمين في المشارق والمغارب ودفع عنا وعنهم البلايا والرزايا وجمع شملهم على ما يحب، وجعلنا وإياكم في مَن يحب بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
26 ربيع الأول 1443