شرح الموطأ -267- كتاب الفرائض: باب ميراث الجَد

شرح الموطأ -267- باب ميراث الجد، من حديث يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب ميراث الجد.

فجر الإثنين 27 صفر 1443هـ.

باب مِيرَاثِ الْجَدِّ

1459- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْجَدِّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنِ الْجَدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلاَّ الأُمَرَاءُ، يَعْنِي الْخُلَفَاءَ، وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَكَ، يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الأَخِ الْوَاحِدِ، وَالثُّلُثَ مَعَ الاِثْنَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَتِ الإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنَ الثُّلُثِ.

1460- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ.

1461- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، لِلْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ الثُّلُثَ.

1462- قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا: أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الأَبِ لاَ يَرِثُ مَعَ الأَبِ دِنْيَا شَيْئاً، وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ، وَمَعَ ابْنِ الاِبْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً، وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَخاً أَوْ أُخْتاً لأَبِيهِ يُبَدَّأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ، فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً.

1463- قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ وَالإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ، يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَمَا بَقِىَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ وَالإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ، الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلإِخْوَةِ، أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ الإِخْوَةِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ، يُقَاسِمُهُمْ بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ، أَوِ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ، وَكَانَ مَا بَقِىَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلإِخْوَةِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، إِلاَّ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ: امْرَأَةٌ تُوُفِّيتْ، وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا، وَأُخْتَهَا لأُمِّهَا وَأَبِيهَا، وَجَدَّهَا، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلأُخْتِ لِلأُمِّ وَالأَبِ النِّصْفُ، ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ، وَنِصْفُ الأُخْتِ، فَيُقْسَمُ أَثْلاَثاً، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ، وَلِلأُخْتِ ثُلُثُهُ.

1464- قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الإِخْوَةِ لِلأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لأَبٍ وَأُمٍّ، كَمِيرَاثِ الإِخْوَةِ للأَبِ وَالأُمِّ سَوَاءٌ، ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَالإِخْوَةُ لِلأَبِ، فَإِنَّ الإِخْوَةَ لِلأَبِ وَالأُمِّ يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لأَبِيهِمْ، فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ، وَلاَ يُعَادُّونَهُ بِالإِخْوَةِ لِلأُمِّ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ، لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئاً، وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ، فَمَا حَصَلَ لِلإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلإِخْوَةِ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ، دُونَ الإِخْوَةِ لِلأَبِ، وَلاَ يَكُونُ لِلإِخْوَةِ لِلأَبِ مَعَهُمْ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا مَا كَانُوا، فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ، كَانَ لَهَا دُونَهُمْ، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا، وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا، وَلإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَهُوَ لإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته، وبيانها على لسان عبده وحبيبه مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن استقام على مِلَّته واستضاء ببرهانها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الذين جعلهم الله -سبحانه وتعالى- لملَّة الحق أعين أعيانها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويتكلم الإمام مالك -عليه رضوان الله- على حكم مِيرَاثِ الْجَدِّ؛ أي أبو الأب أو أبْ أبِ الأب. وكما هو المعلوم ليس يرث أبو الأم شيئًا من ابن بنته، كما لا يرث ابن البنت شيئًا من جدته أم أمّه، فكذلك الجد أبو الأم لا يرث من ابن بنته شيء، وإنما الجد أبو الأب وإن علا فهو الذي يُتحدث عن إرثه.

وذكر الإمام مالك ما هو مذهب سيِّدنا زيد بن ثابت -عليه رضوان الله تعالى- ومَن وافقه من الصَّحابة ومَن بعدهم، فذكر: "أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى سيِّدنا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- يَسْأَلُهُ عَنِ الْجَدِّ"، ففيه رجوع الصَّحابة إلى أكابرهم وفُضلائهم عامة وإلى المخصوصين منهم بالخصوصية خاصة، فسيِّدنا زيد خُصّ في الفرائض بشهادة رسول الله بقوله: "أَفْرَضُكُمْ زيد بن ثابت". "فَكَتَبَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنِ الْجَدِّ"؛ وهو الجد أب الأب إذا خلَّف الميت أبا أب أو أب أب ابن لم يكن أقرب منه إلى الميت. قال: "وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إِلاَّ الأُمَرَاءُ، يَعْنِي الْخُلَفَاءَ"، أي: أنها من المسائل التي هاب الحديث عنها عامة المنتسبين إلى العلم من المُفتين، وكانوا إذا حصل مثل هذه المسألة رجعوا إلى الخلفاء؛ الأمراء الذين ورثوا رسول الله ﷺ. "وَقَدْ حَضَرْتُ الْخَلِيفَتَيْنِ" قال: وأراد بهما سيِّدنا عُمَر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- "قَبْلَكَ، يُعْطِيَانِهِ النِّصْفَ مَعَ الأَخِ الْوَاحِدِ، وَالثُّلُثَ مَعَ الاِثْنَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَتِ الإِخْوَةُ لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنَ الثُّلُثِ". يعني: يرى الأفضل له إن كان معه أخ واحد فالمال بينهما، وإن كان معه اثنان فالمال بينهم أثلاث، فإن كثروا على ذلك فلا ينقِصون الجد عن الثلث. فأخبره سيِّدنا زيد بما عنده في ذلك من العمل الذي يُرجع إلى مثله من قضاء أبي بكر وعُمَر وذلك بعد المشاورة فيه والمراجعة واستحسان ما نُقِل عنهما. 

ومسألة الجد مع الإخوة من المسائل التي تشّعب فيها اجتهاد الصَّحابة ولم يجتمعوا فيها على شيء، واختلف فيها الأئمة من بعدهم. 

  • فجعل الإمام أبو حنيفة -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- كما جاء عن جماعة من الصَّحابة: أنهم أقاموه مقام الأب تمامًا، فجعلوه حاجبًا للإخوة، فلا يرث أحدٌ من الإخوة لا أشقاء ولا لأب ولا لأم مع وجود الجد شيئًا. 

  • وقال الأئمة الثلاثة، وجماهير أهل العلم: بل الإخوة من الأم يسقطون بوجود الجد، فلا إرث لهم مع وجود الجد ما داموا إخوة من الأم. 

أما الإخوة الأشقاء والإخوة من الأب، فيرثون مع الجد ولكن يُراعى في ذلك شأن الجد، ولا يحجبهم الجد بل يرثون معه ويتقاسمون، فقد يكون مع الجد والأخوة أحد من ذوي الفروض وقد لا يكون. 

  • فإن لم يكن معهم أحد من ذوي الفروض، فيُنظر للجد ما هو الأفضل له أن يقاسمهم خير له، هل مقاسمته إياهم خير له؟ بأن يكونوا أقل من مثليه أو أن الثلث خير له. فيعطى الأوفى والحظ له ما بين المقاسمة وما بين أخذ ثلث المال لا ينقصونه عن الثلث، كما أشار إليه سيِّدنا زيد بن ثابت في عمل الخليفتين.

  • وإن كان معهم ذو فرض، فيُنظر أيضًا يعطى ذو الفرض فرضه ثم يعدّ الأفضل للأب والجد من ثلث الباقي أو المُقاسمة أو سدس جميع المال، فيُعطى الجدّ الأحظ له من ذلك والأفضل، إلا أنه كما أشار في المقاسمة الأخوة الأشقاء يُعدون رؤوس الأخوة لأب ثم لا يكون للأخوة من الأب شيء مع وجود الأخوة الأشقاء إذا وجِد شقيق ذكر. 

قال: "لَمْ يُنَقِّصُوهُ مِنَ الثُّلُثِ"، يقول الشَّافعي: أول جد ورِث في الإسلام عُمَر بن الخطاب -رضي الله عنه- مات ابن العاصم بن عُمَر وترك أخوين، فاستشار سيِّدنا عُمَر علي وزيد في ذلك فمثّلا له مثلًا، فقال: لولا أن رأيكما اجتمع؛ يعني سيِّدنا علي مع سيِّدنا زيد ما رأيت أن يكون ابني ولا أكون أباه. أخرجه البيهقي. يعني لولا اجتماع رأي سيِّدنا زيد مع سيِّدنا علي بن أبي طالب لكان يرى أنه لا يرث الأخ مع وجود الأب شيئًا، كما لا يرث مع وجود الأب شيئًا، فكأنه محل الأب ولكنه استأنس باجتهاد ورأي سادتنا علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، وإنما خصّهما بذلك لمكانهما في العلم ولخصوصيتهما فيه، فهذا باب مدينة العلم وهذا أفرض الصَّحابة بالنصّ، لذلك رجع إليهم سيِّدنا عُمَر، وترك اجتهاده ورأيه باجتماع اجتهاد هذين الاثنين الكريمين علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت، فمالَ إلى اجتهادهما وترك اجتهاده رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

يقول: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ لِلْجَدِّ الَّذِي يَفْرِضُ النَّاسُ لَهُ الْيَوْمَ."؛ يعني: ما يفرض للجد في ذلك الزمان والذي كان يختاره سيِّدنا عُمَر بمعرفة نصيبه، معلومٌ أنه قال: بقول سيِّدنا علي وسيِّدنا زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنهم-.

قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، لِلْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ الثُّلُثَ"؛ يعني: قدّروا له تقدير لا ينقص عن الثلث، لكن قد يُزاد عليه، فيكون يرث بالفرض مع الإخوة الثلث. وإن حصل أكثر من ذلك، يرجع إليه بالتعصيب. أو المعنى: أنهم أوجبوا له الثلث، فإن الجد يقاسم الإخوة للأب والأم أو الإخوة من الأب ما لم تنقصه المقاسمة عن الثلث. فإن نقصته من الثلث، أوجبوا له الثلث. إذًا:

  • فإن كان معه من الإخوة والأخوات أقل من مثليه، فالمقاسمة خير له. 

  • وإن كان معهما أكثر من مثليه، فالثلث خير له. 

  • وإن كان معه مثليه، فيستوي المقاسمة والثلث.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا: أَنَّ الْجَدَّ أَبَا الأَبِ لاَ يَرِثُ مَعَ الأَبِ دِنْيَا"، الأب دنيا؛ الأب الأدنى؛ الأب المباشر للميت؛ فأبوه وأبو أبوه ما يرثون شيء مع وجود الأب الأدنى؛ الأب الأقرب الملتصق بالميت "لاَ يَرِثُ مَعَ الأَبِ دِنْيَا شَيْئاً"، فالأب يحجب الجد، وأبو الأب يحجب جد الأب وهكذا، "وَهُوَ يُفْرَضُ لَهُ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ"؛ أي: يُفرض للجد، وهو يعني الجد يفرض له إذا لم يكن هناك أب؛ فالجد الأقرب يفرض له مع الولد إلى الميت، الولد ذكر للميت "وَمَعَ ابْنِ الاِبْنِ الذَّكَرِ السُّدُسُ فَرِيضَةً"؛ سهمًا معينًا "وَهُوَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ"؛ أي: إذا لم يكن هناك ابن للميت ولا ابن ابن "مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَخاً أَوْ أُخْتاً لأَبِيهِ يُبَدَّأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَّكَهُ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ"، إن أحد مِن أهل الفروض معهم "فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ"، حصصهم التي سمّيت "فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ"، كان للجد السدس فريضة والباقي تعصيب. وإن لم يفضُل من المال السدس فما فوقه، "فُرِضَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً"، وعالت المسألة فلا ينقص حظه من السدس، هذا إذا لم يكن معه إخوة أو أخوات.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالْجَدُّ وَالإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، إِذَا شَرَّكَهُمْ أَحَدٌ بِفَرِيضَةٍ مُسَمَّاةٍ، يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَهُمْ -أولًا- مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ" أهل الفرائض "فَرَائِضَهُمْ"، من بنت وزوجة وما إلى ذلك.. "فَمَا بَقِىَ بَعْدَ ذَلِكَ"، بعد إعطاء أهل الفرائض فرائضهم "لِلْجَدِّ وَالإِخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ"؛ أي: أي شيء بقي يبقى لهم "فَإِنَّهُ يُنْظَرُ" في ذلك الشيء والمال الباقي؛ التركة الباقية "أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ"، إما الثلث من الباقي أو السدس من جميع التركة أو مقاسمته للإخوة والأخوات "الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ لَهُ وَلِلإِخْوَةِ" وحده، "أَوْ يَكُونُ" الجد "بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنَ الإِخْوَةِ" ممَن يقاسمهم "فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَهُمْ، يُقَاسِمُهُمْ" مقاسمةً يكون كأحدهم "بِمِثْلِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ"؛ أي: الإخوة "أَوِ" الأفضل "السُّدُسُ" من جميع المال أو يُعطى الجد السدس "مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ"، وهذه صورة ثالثة. إذًا فيُنظر بعد إعطاء ذوي الفروض فرائضهم، ما هو الأفضل للجد؟

  • السدس من جميع التركة. 

  • أم ثلث الباقي. 

  • أم المقاسمة للإخوة، فيقاسمهم، فيكون كأحدهم. 

فإن كان إذا قاسمهم حصّل أكثر، فيُعطى. وإن كان سدس جميع المال أكثر، يُعطى. وإن كان ثلث الباقي أكثر، فيُعطى ثلث الباقي بعد إخراج الفرض لذوي الفرائض. والفرائض المقدّرة في كتاب الله هي ستة: 

  • النصف

  • والربع

  • والثمن

  • والثلثان

  • والثلث

  • والسدس

 ولكل وارث بشروط كما تقدّم معنا. 

  • فيرث الثلثان: البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات لأب، يرثون الثلثين إذا لم يكن لهم معصب لهم أو لهن الابنتين أو بنتي الابن معصِّب، فإذًا لهما الثلثان. 

  • وبنات الابن كذلك، إذا لم يكن لهما معصِّب ولا ولد للميت فرع أقرب منه. فإن كان هناك أقرب إلى الميت أحد من بنات الابن، إما إن كان ذكر؛ فيحجبهم نهائيًا حجب حرمان. وإن كان الأقرب أنثى، إن كان واحدة؛ فلها النصف. بأن تكون بنت مثلًا وبنات ابن، فالبنت تأخذ النصف، ويُعطى بنات الابن السدس تكملة للثلثين. فأما إن كان هناك عدد من البنات للميت؛ فلهن الثلثان، وليس لبنات الابن شيء إلا أن عُصّبن بذكر في طبقتهما أو أنزل منهما.

قال: "أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ الْجَدُّ، وَكَانَ مَا بَقِىَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلإِخْوَةِ لِلأَبِ وَالأُمِّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، إِلاَّ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتِلْكَ الْفَرِيضَةُ: امْرَأَةٌ تُوُفِّيتْ، وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا، وَأُخْتَهَا لأُمِّهَا وَأَبِيهَا"، يعني: أخت شقيقة "وَجَدَّهَا"، قال الإمام: "فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ"، لأنه ليس للزوجة ولد "وَلِلأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ"، وبعد ذلك أخت وأشقاء عندنا كيف نعاملهم؟ 

إن كانت شقيقة؛ لها النصف. بعد ذلك صار أخذت الأخت النصف والجد سُدس فقط، نقول: لا، أعطِ أهل الفروض فروضهم غير هذه البنت، فاجمع سدس الجد مع نصف الأخت هذا الذي ترثه، اجمعه مع السدس ثم قسّمه أثلاثًا، أعطي الجد من مجموع سدسه ونصف الأخت الذي هو ثلثين الآن، أعطه منه قسمين وللأخت قسم يعني؛ "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ"، فيُجمع سدس الجد ونصف الأخت؛ صار ثلثي التركة. يأخذ منها ثلثي هذا الثلث الجد وثلث للأخت؛ يعني تُقسّم أثلاثًا، ثلثين للجد وثلث للأخت، فيجمع حصتها النصف مع سدسه، ثم يُقسّم أثلاثًا، ثلثين للجد وثلث لتلك الأخت، "فَيَكُونُ لِلْجَدِّ ثُلُثَاهُ، وَلِلأُخْتِ ثُلُثُهُ". علِمنا بذلك، وعلِمنا قول الحنفية: أنه لا يرث أحد من الإخوان -ذكورًا كانوا أو إناثًا- مع وجود الجد، فالجد كالأب عندهم.

"قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الإِخْوَةِ لِلأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لأَبٍ وَأُمٍّ"، لا إخوة أشقاء، أخوة لأب فقط "كَمِيرَاثِ الإِخْوَةِ للأَبِ وَالأُمِّ سَوَاءٌ"، كميراث الأشقاء سواء، "ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَالإِخْوَةُ لِلأَبِ"، فهذه تسمى مسائل المعادَّة؛ لأنهم عند القسمة يعدّون الرؤوس الإخوان من الأب مع الإخوة الأشقاء على الجد، يعدّونهم مع الجد ثم لا يعطونهم شيء، ليس لهم شيء ولكنهم يُحسبون الإخوة من الأب يُضافون إلى عدد الإخوة الأشقاء، فتكون المقاسمة باعتبار الكل، فإذا عُدّوا وكان الحظ له فيُعطى ثم الباقي يقتسمه الإخوة الأشقاء وليس للإخوة لأب شيء، وإن كانوا عدّوهم في القسمة على الجد.

"قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الإِخْوَةِ لِلأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لأَبٍ وَأُمٍّ"؛ يعني: إخوة أشقاء، فـ "كَمِيرَاثِ الإِخْوَةِ للأَبِ وَالأُمِّ سَوَاءٌ، ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ، وَالإِخْوَةُ لِلأَبِ، فَإِنَّ الإِخْوَةَ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: الأشقاء "يُعَادُّونَ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهِمْ لأَبِيهِمْ، فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ بِعَدَدِهِمْ، وَلاَ يُعَادُّونَهُ بِالإِخْوَةِ لِلأُمِّ"؛ لأنهم ما يرثون أصلًا فهم محجوبين، "لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجَدِّ غَيْرُهُمْ، لَمْ يَرِثُوا مَعَهُ شَيْئاً، وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ"، إذا لم يكن مع الميت إلا إخوة من الأم والجد موجود فالجد هو الذي يأخذ المال، وليس للأخوة من الأم شيء. بخلاف إذا كان إخوة أشقاء وإخوة لأب، فإنه يأتي لهم حكم في الإرث عند الأئمة الثلاثة كما سمعت. 

"فَمَا حَصَلَ لِلإِخْوَةِ مِنْ بَعْدِ حَظِّ الْجَدِّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلإِخْوَةِ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ، دُونَ الإِخْوَةِ لِلأَبِ، وَلاَ يَكُونُ لِلإِخْوَةِ لِلأَبِ" مع وجود الأشقاء "مَعَهُمْ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِخْوَةُ لِلأَبِ وَالأُمِّ"؛ يعني: الأشقاء "امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهَا تُعَادُّ الْجَدَّ بِإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا مَا كَانُوا"؛ يعني: أي عدد كانوا، "فَمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهَا مِنْ شَيْءٍ، كَانَ لَهَا دُونَهُمْ، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا، وَفَرِيضَتُهَا النِّصْفُ"، فتأخذ الشقيقة إلى النصف -إن كان الباقي بعد المعادّة على الجد- نصف فأقل، تأخذه الأخت الشقيقة. "فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا، وَلإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا فَضْلٌ" أكثر "عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ"، إذًا الزائد على النصف يُعطى للإخوة من الأب، كما أنه إذا كانت الإخوة الأشقاء اثنتين أو ثلاثة أو أربع، فيُعطين إلى الثلثين، إن زاد شيء من الثلثين يرجع إلى الإخوة إلى الأب، وإلا فلا شيء لهم. "فَهُوَ لإِخْوَتِهَا لأَبِيهَا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ". والله أعلم.

إذًا؛ فعلمنا نظام الشَّريعة الغرّاء فيما يتعلق بقسمة التركات، ويأتي كلامه عن الجدة ومن يرثها كل ذلك لسدّ باب الخِصام والنّزاع بنظام الخالق -جلّ جلاله وتعالى في عُلاه- ولا يبقى للنفوس مجالٌ على التحاسد ولا على التخاصم، وقد تولّى الله القِسمة بنفسه في عامة مسائل التركات وفرائضها وعصبتها لذوي الفروض والعصبة من الورثة.

الله يرزقنا تعظيم الشَّريعة والعمل بها والقيام بحقّها، والاتباع التام الكامل لحبيبه خير الأنام في جميع الأمور في البطون والظهور، مع اللطف والعافية بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

 

تاريخ النشر الهجري

03 ربيع الأول 1443

تاريخ النشر الميلادي

09 أكتوبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام