(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب مِيرَاثِ الأَبِ وَالأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا.
فجر السبت 25 صفر 1443هـ.
باب مِيرَاثِ الأَبِ وَالأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا
1455 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، أَنَّ مِيرَاثَ الأَبِ مِنِ ابْنِهِ، أَوِ ابْنَتِهِ، أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَداً، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَراً، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَداً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَراً، فَإِنَّهُ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَ الأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ، فُرِضَ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً.
وَمِيرَاثُ الأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تَوَفَّى ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا، فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَداً أَوْ وَلَدَ ابْنٍ - ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى - أَوْ تَرَكَ مِنَ الإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِداً - ذُكُوراً كَانُوا أَوْ إِنَاثاً - مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ مِنْ أَبٍ، أَوْ مِنْ أُمٍّ فَالسُّدُسُ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدَاً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ، وَلاَ اثْنَيْنِ مِنَ الإِخْوَةِ فَصَاعِداً، فَإِنَّ لِلأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلاً، إِلاَّ فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ، وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ: أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ، فَلاِمْرَأَتِهِ الرُّبُعُ، وَلأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِىَ، وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَالأُخْرَى: أَنْ تُتَوَفَّىَ امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا، فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ) [النساء:11] فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِداً.
الحمدلله مُكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان خير الورى، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الكبراء، وعلى من سار مسارهم سِرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين في الفضل والشرف أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعدُ،
يواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذكر الأحاديث الواردة في الفرائض والميراث، ويتكلم في هذا الباب عن ميراث الأب والأم، وهما الأصلان اللذان لا يُحجَبان، و أدليا إلى الميت بنفسيهما،
فالأب والأم
ومثله الإبن والبنت
وكذلك الزوج والزوجة
لا حاجب لهم يحجبهم عن إدراك نصيبٍ من إرث الميت إذا توفي. فالأب والأم يرث كلٌّ منهما إذا مات ولدهما -ذكرًا كان أو أنثى- يرث كل منهما السدس.
ثم إن الأب إن لم يكن للميت -وهو ولد- ابن أو بنت، إن لم يكن له ابن صلب ذكر، فيثبت له مع الفرض أنه عاصب، فيأخذ ما بقي فيأخذ السدس فرضًا، وما بقي تعصيبًا، وهذه من خصوصيات الأب، أن له فرضاً وعصبة، بخلاف بقية العصبة الذين لا فرض لهم إذا جاء من أهل الفروض معهم من استغرق التركة، فلا شيء لهم، ولكن الأب -وإن كان معه من أهل الفروض من استغرق التركة- فيُفرض له سدس، وتعول المسألة وما زاد بعد السدس مما فضل عن فرائض الورثة، يرجع إلى الأب تعصيبًا.
قال: "باب مِيرَاثِ الأَبِ وَالأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا" إذًا؛ فللأب أحوال:
أن يرث فيها بالفرض فقط، وذلك إذا كان لولده المتوفى ذكر أو أنثى موجود، للمتوفى ابنٌ، أو ابنُ ابنٍ، فحينئذ لا يرث الأب إلا الفرض، ولا يجيء إليه التعصيب ما دام الميت قد خلّف ابنًا، أو ابنَ ابنٍ ذكرًا، فحينئذ يختص الأب بالسدس فقط فرضًا بلا تعصيب، فإن العصبة هو الابن، أو ابن الابن.
وإذا لم يكن مع الميت أحد من الأولاد لا ذكور ولا إناث، فحينئذ فالأب يرث بالتعصيب، نعطي الفروض فروضهم، وما بقي فللأب.
وبقي الحال الثالث: أن يكون الميت -وهو ولده الذي توفي- عنده أولاد إناث أو بنات ابن، إما بنات صلبه، أو بنات ابنه، فحينئذٍ يرث الأب بالفرض والتعصيب معًا، بأن يُفرض له السدس، وإن بقي شيء بعد أخذ أهل الفروض فروضهم يرجع إليه.
إذن، فصارت حالات الأب:
حالة يرث فيها بالتعصيب فقط: إذا لم يكن لابنه المتوفى أو بنته المتوفاة لم يكن لهما أحد من الأولاد، لا ذكورًا ولا إناثًا، فالواجب للأب حينئذ إنما هو العصبة، يكون وارثًا بالتعصيب، نعطي أهل الفروض فروضهم، وما بقي فلهذا الأب.
والحالة الثانية: أن يكون لابنه المتوفى أو بنته المتوفاة أولاد من الإناث ليس فيهم ذكر فحينئذ يرث بالفرض والتعصيب يُفرض له السدس وإن بقي شيء بعد أهل الفروض فيُعطاه الأب؛ يُسلّم للأب فيَرِثُ بالفرض والتعصيب.
والحالة الثالثة: أن يرث بالفرض فقط وهو إذا كان ابنه المتوفى أو بنته المتوفاة عندهم ابن أو ابن ابن ذكر فلا يرث الأب إلا بالفرض فقط وهو السدس.
يقول : "باب مِيرَاثِ الأَبِ وَالأُمِّ مِنْ وَلَدِهِمَا" سواءً كان الولد ذكرًا أو أنثى، والأم فرضها إما الثلث وإما السدس:
فإن لم يكن لابنها أو بنتها المتوفاة، إن لم يكن لهم فرع -لا ابن ولا بنت- ولم يكن أيضًا لهذا المتوفى عدد من الإخوة والأخوات، فللأم الثلث.
فإن كان يوجد للميت أحد من الفروع، ابن، أو ابنُ ابنٍ، أو بنتُ ابنٍ، أو بنت، فالأم لها السدس.
أو كان للمتوفى عدد من الإخوة والأخوات يعني أكثر من اثنين اثنين فأكثر، فحينئذ يصير فرض الأم السدس.
إذًا، فهي ما بين الثلث والسدس، إلا ما يأتي في مسألة تسمى الغرّاوين، وهو إذا مات وترك زوجًا أو زوجةً، وترك بنتًا أو بنتين، وأبًا وأمًا، فحينئذٍ يُفرض للأم بعد أن نعطي أهل الفروض والبنت أو بنت الابن نصيبهم، يُفرض لها ثلث الباقي، ويرجع الباقي إلى الأب.
إذًا فقد يكون لها الثلث، ولكن الثلث بشرطين -كما نصّت الآية في كتاب الله تعالى- قال تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ ) يعني: ولد ابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن (فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ) ذكر الشرط الثاني، قال: (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)[النساء:11] إن كان مع الميت أخ، أخوين، أو أختين، أو أخ وأخت، أو أكثر من ذلك، فللأم السدس. إذًا، ترث الأم الثلث بشرطين:
أن لا يكون للميت فرع وارث.
ولا يكون له عدد من الإخوة أو الأخوات، والعدد اثنين فصاعدًا
هذا إرث الأم. فإن وُجد للميت -الذي هو ابنها أو بنتها- إذا وُجد له فرع وارث، فليس لها إلا السدس. أو كان للميت عدد من الإخوة، أو من الأخوات، سواءً كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، فإذا وُجد له عدد من الأخوة والأخوات، فلأمّه السدس، قال تعالى: (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).
ثم في حالة إذا كان هناك للميت زوج إن كان الميّت أنثى، أو زوجة إن كان الميت ذكر، وأب وأم.
فحينئذ يُعطى الزوج النصف؛ لأنه تقدم معنا أن الزوج إذا لم يكن للزوجة المتوفاة أولاد لا ذكور ولا إناث فنصيبه النصف.
فإذا أعطينا زوج المتوفاة النصف فيبقى النصف، ومعنا أب وأم، لا عدد من الإخوة والأخوات، ولا فرع وارث، فللأم الثلث في أصل المسألة إذا أعطينا الثلث، لن يبقى للأب إلا السدس! ففي هذا جاء اجتهاد الصحابة ومنهم سيدنا زيد بن ثابت، وسيدنا علي وغيرهم، أنه يُعطى الزوج النصف كما ذكر الله (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ)[النساء:12] نعطي الزوج النصف، والباقي ما نعطي الأم الثلث والأب السدس، فيكون إرث الأب نصف إرث الأم! ولكن نقول:
نعطي الأم ثلث الباقي، الباقي نصف، وثلثه سدس، نعطيها سدس التركة.
باقي ثلث يُعطاه الأب.
وإنما قالوا ثلث الباقي أدبًا في اللفظ مع حكم القرآن الذي ذكر لها الثلث.
كذلك إذا كان المتوفى ابنٌ لهما، ومعه زوجة، وليس عنده أولاد،
فالزوجة حينئذ تستحق الربع كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ)[النساء:12]
فإذا أعطيناها الربع، تبقى ثلاثة أرباع، لو أعطينا الأم الثلث، لكانت قريبة من الباقي وهو الذي للأب، وما فُضّلت تفضيل المعهود، فحينئذٍ نقول أيضًا:
للزوجة الربع؛ لأن زوجها توفي وليس عنده أولاد، فلها الربع.
وللأم أيضاً ثلث الباقي.
والباقي للأب.
فهاتان المسألتان اللتان تسمّى الغرّاوين، أن يموت الميت ويترك زوجًا -إن كانت أنثى- أو يترك زوجةً -إن كان ذكراً- وأبًا وأمًا، فحينئذٍ يأتي هذا الذي جاء عن الصّحابة رضي الله تعالى عنهم.
إذا كان زوج وأبوان: يُعطى الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب.
إذا كانت زوجة وأبوان: يُعطى للزوجة الربع، والأم أيضًا ثلث ما بقي، وما بقي فللأب.
ويُقال لهما المسألتان الغرّاوان، ويُقال لهما العُمَريتان أيضاً، لأن سيدنا عمر قضى فيهما بهذا القضاء، فاتبعه سيدنا عثمان، وسيدنا علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وهكذا، وعليه من بعدهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي كلهم قالوا: تُعطى ثلث الباقي بعد أن نُخرج الفرض، إما نصف للزوج، وإما ربع للزوجة.
"قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ يعني: المدينة المنورة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام، "أَنَّ مِيرَاثَ الأَبِ مِنِ ابْنِهِ، أَوِ ابْنَتِهِ،" فيه تفصيل وأحوال،"أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَداً، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَراً، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً" فقط ولا شيء له غير ذلك؛ هذه الحالة الأولى للأب. الأب إما أن يرث بالفرض فقط، أو يرث بالتعصيب فقط، أو يرث بالفرض والتعصيب، ثلاثة أحوالٍ؛ أحوالُ إرث الأب إذا مات ابنه أو بنته، فإذا مات الابن أو البنت وترك أباً، فإما أن يكون مع الميت أحد من الأولاد، فإن كان ذكرًا فليس للأب إلا السدس فقط فرضًا، وإن كان أنثى، فحينئذٍ يرث السدس فرضًا، وإن بقي شيء فتعصيباً، وإن لم يكن له ولد لا ذكر ولا أنثى ففرض الأب التعصيب، يُعطى أهل الفرض فروضهم، والباقي يكون عصبة للأب، هذه أحوال إرث الأب.
قال رضي الله عنه: "فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَداً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَراً، فَإِنَّهُ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَ الأَبَ" أو شاركه وعبّر بشرّك في رواية، "مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ"
ولا يرث أحد من أهل الفرائض مع وجود الأب إلا الفرع الوارث.
فإن لم يكن الفرع الوارث، فلا يرث أحد من الإخوان ولا من الأخوات مع وجود أب للميت، فحينئذٍ يُحجب جميع الإخوة والأخوات، سواءً كانوا واحد أو أكثر، سواءً كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، مع وجود الأب لا يرثون.
إنما يرث الزوج أو الزوجة مع وجود الأب.
كما يرث الابن والبنت أيضًا مع وجود الأب.
أما الإخوة والأخوات فيُحجبون بوجود الأب، كالجدّة والجدّات ما دام أب الميت على قيد الحياة، فلا يرث أحد من إخوانه وأخواته، ولا من أجداده وجدّاته، بسبب وجود الأب.
يقول: "فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً"، ما دام مع المُتوفى ابن أو ابن ابن، فإن لم يترك المُتوفى ولدًا، ولا ولد ابن ذكرًا، فإنه يُبدأ بمن شرّك الأب من أهل الفرائض، "فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ،"من بنت لها النصف أو بنتين لهما الثلثان، "فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ،" أو أكثر من السدس، "فُرِضَ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً." وعالت المسألة، فلا ينقص نصيب الأب من إرث ابنه أو بنته عن سدس، فأقل ما يرث السدس فرضًا، وقد يرث أكثر من ذلك، كما هو حكم العصبة، إذا انفرد استحق المال كله، وإن وُجد أحد من أهل الفروض، يُعطى أهل الفروض فروضهم، والباقي يرجع إلى الأب.
يقول: "فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَداً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَراً، فَإِنَّهُ يُبَدَّأُ بِمَنْ شَرَّكَ الأَبَ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ كَانَ لِلأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ" بل أقل من السدس "فُرِضَ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً."، فلا ينقص نصيب الأب من تركة ابنه أو بنته عن سُدس، "وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَمَا فَوْقَهُ، فُرِضَ لِلأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً".
"وَمِيرَاثُ الأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تَوَفَّى ابْنُهَا أَوِ ابْنَتُهَا، فَتَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَداً أَوْ وَلَدَ ابْنٍ - ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى - أَوْ تَرَكَ مِنَ الإِخْوَةِ اثْنَيْنِ فَصَاعِداً - ذُكُوراً كَانُوا أَوْ إِنَاثاً - مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ مِنْ أَبٍ، أَوْ مِنْ أُمٍّ"، فقط؛ أشقاء أو إخوة لأب أو إخوة لأم، "فَالسُّدُسُ لَهَا،"فإذا وُجد عدد من الأخوة والأخوات فللأم السدس. وإن كانوا لا يرثون؟ وإن كانوا لا يرثون.. فلها السدس ولكن موجود مع الميت إخوة وأخوات منعهم من الإرث مثلا وجود الأب نعم.
قال: "وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدَاً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ، وَلاَ اثْنَيْنِ مِنَ الإِخْوَةِ فَصَاعِداً، فَإِنَّ لِلأُمِّ الثُّلُثَ كَامِلاً،" علمنا هذا. إذً؛ الأم إما ترث الثلث، أو ترث السدس إن كان للميت فرع وارث ذكر أو أنثى فلها السدس، أو كان للميت عدداً من الإخوة والأخوات فللأم السدس، كما نصّ القرآن (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ)[النساء:11] هذا الشرط الأول: أن لا يكون له ولد للأم الثلث.
قال الشرط الثاني: (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ) عدد من الإخوة والأخوات، يعني الأخ الواحد ما يحجب الأم من الثلث إلى السدس، والأخت الواحدة كذلك، ولكن إذا كان أختان، أو أخوَان، أو أخ وأخت فأكثر، فيتحوّل نصيب الأم من الثلث إلى السدس (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ)[النساء:11].
إذًا؛ إن لم يكن للميت أولاد، ولا عدد من الإخوة والأخوات، فللأم الثلث. قال الإمام مالك: "إِلاَّ فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ،" مع اجتماع الشرطين يكون لها الثلث دائمًا، لا ولد للميت، ولا عدد من الإخوة والأخوات، فللأم الثلث، إلا في مسألتين هاتين العمريتين أو الغرّاوين اللتين ذكرناهما. "وَإِحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ: أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ" زوجته "وَأَبَوَيْهِ،"أب وأم، فكيف نقسم التركة؟ مات وترك ولم يُخلّف من الورثة إلا زوجته وأباه وأمه، فإنّا نعطي زوجته الربع، "فَلاِمْرَأَتِهِ الرُّبُعُ،" تمام، لأمه؟ ثلث الباقي؛ فهذه إحدى المسألتين المستثنى فيها الأم من إعطائها الثلث، ثلث الباقي، ثم الباقي للأب. قال: "وَلأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِىَ، وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ."؛ لأنه ثلاثة أرباع باقية، أخذنا ربع للزوجة باقي ثلاثة أرباع كم ثلث الثلاثة أرباع؟ ربع؛ فالربع الثاني يذهب إلى الأم، ويبقى النصف يرجع إلى الأب؛ هذه المسألة الأولى؛ إحدى الفريضتين أن يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمّه الثلث ممّا بقي وهو الربع من رأس المال.
المسألة الأخرى، الفريضة الأخرى "وَالأُخْرَى: أَنْ تُتَوَفَّىَ امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا،" كذلك نفس الشيء " فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ"؛ نعطيها ثلث الباقي، وقال: "وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ،"؛ هذا ثلث الباقي؛ لأنه باقي نصف، نصف أعطيناه الزوج -زوجها له نصف- باقي نصف.. ثلث الباقي، وثلث الباقي يعتبر سدس من التركة، يعتبر السدس، هكذا ثبت اجتهاد الصحابة في هاتين المسألتين مع اجتماع الشرطين، ما تعطى الأم الثلث كامل من التركة، ولكن إن كان المتوفى رجل فالزوجة تُعطى الربع، وتُعطى الأم ثلث الباقي وهو الربع، وليس ثلث التركة، أو كان المتوفى امرأة فيُعطى زوجها النصف، وثلث الباقي -وهو السدس- يرجع للأم، والباقي للأب.
"أَنْ تُتَوَفَّىَ امْرَأَةٌ وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا، فَيَكُونُ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَلأَبَوَيْهِ)؛ أي: الميت (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) فإن
كان ذلك الولد ذكرًا، فليس للأب شيءٌ سوى السدس، والأم كذلك.
وإن كان أنثى فللأب السدس ثم ما بقي بعد أهل الفروض.
أما الأم فسواءً كان الولد ذكراً أو أنثى لها السدس فرضاً، ولا تدخل في التعصيب الأم.
(وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ). علمنا إلا في المسألتين الغرّاوين (فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ)[النساء:11] من الإخوة؟ قال: اثنين فصاعدًا، ما تقول الاثنين ما يحجبان الأم، بل يحجبانها، إنما الواحد من الإخوة لا يحجبها، قال: "فَمَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِداً"، المراد به في الآية: ليس شرط ثلاثة، وهو وإن كان بلفظ الجمع ولكن المراد منه اثنان فما فوقه، فإذا وُجد اثنان أو أكثر من الإخوة أو الأخوات انتقل فرض الأم من الثلث إلى السُدس، (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ).
قال: روى الحاكم، وصحّحه البيهقي: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث، قال الله: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ) فالأخوان بلسان قومك ليسا بإخوة، فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي، ومضى في الأمصار" يعني: قضى به سيدنا عمر، وتوارث به الناس، أنه إذا كان اثنين فيعتبرون إخوة، إنما المراد بالإخوة فوق الواحد، وليس فوق الاثنين.
وهكذا جاء في مذهب زيد بن ثابت على أنه يحجب الأم باثنين من الأخوة والأخوات.
بخلاف ابن عباس قال: طالما ليسوا ثلاثة فأكثر، فلها الثلث.
ولكن الجمهور على غير ذلك.
وقد وافق اجتهاد الإمام الشافعي في هذه المسألة، وعامة المسائل، مذهب زيد بن ثابت -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- وقد شهد له النبي بقوله "أفرضكم زيد"
قال الحبيب أبو بكر بن شهاب:
وأفرضُ الأمة زيدٌ ذا وردَ *** به الحديث وهو نصٌّ لا يُرد
ومال نحو قوله مجتهدا *** إمامنا المطّلبي المُقتدى
فكان في التقليد أسمى منزلا *** إذ وافق اجتهاده المشهود له
وافق اجتهاده اجتهاد سيدنا زيد بن ثابت، وزيد بن ثابت شهد له ﷺ بقوله: "أفرضكم زيد"، فكانت مسائل الفرائض دائمًا يتفق اجتهاد الإمام الشافعي معه في المسائل التي اختلف فيها الصحابة، يتفق اجتهاده مع اجتهاد سيدنا زيد بن ثابت -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
لا زال نور الفضل منهلًّا على *** قبريهما وللجميع جلّلا
إذًا؛هذا حكم مسألة إرث الأب والأم كما دلّت عليه الآية الكريمة.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالمِنَن والمواهب والكرامة، في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار المُقامة، وربطنا بالمظلّل بالغمامة، ربطًا لا ينحل، ورفعنا به إلى أعلى محل، في لطفٍ وعافية بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
28 صفَر 1443