شرح الموطأ -264- كتاب الفرائض: باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها

شرح الموطأ -264- باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها، من قول الإمام مالك: (وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ، إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَداً..)
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الفرائض، باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها.

فجر الأربعاء 22 صفر 1443هـ.

باب مِيرَاثِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ زِوْجِهَا.

1454 - قَالَ مَالِكٌ: وَمِيرَاثُ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ، إِذَا لَمْ تَتْرُكْ وَلَداً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ النِّصْفُ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَداً، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ - ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى - فَلِزَوْجِهَا الرُّبُعُ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ.

وَمِيرَاثُ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، إِذَا لَمْ يَتْرُكْ وَلَداً، وَلاَ وَلَدَ ابْنٍ الرُّبُعُ، فَإِنْ تَرَكَ وَلَداً، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ - ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى - فَلاِمْرَأَتِهِ الثُّمُنُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء:12].

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمدُ لله مُبيِّنِ الأحكامِ على لسانِ عبدِه وحبيبِه خيرِ الأنام، سيدِنا محمدٍ صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله الأطهار وصحبِه الكرام، وأفضلُ الصلاة والسلامِ عليهم وعلى مَن والاهُم في الله واتبعَهم بإحسانٍ إلى يوم القيام، وعلى آبائه وإخوانِه من الأنبياء والمرسلين القادةِ الأعلام، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميعِ عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين.

وبعدُ،

 فيذكرُ لنا الإمامُ مالكٌ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- فرضَ الزَّوجِ والزَّوجةِ إذا مات أحدُهما، مات الزوجُ وخلَّفَ زوجةً أو ماتت الزوجةُ وخلَّفت زوجًا، وذلك كما نصَّ اللهُ تبارك وتعالى عليه في كتابه؛

  • أنَّ الزوجَ يرثُ إمّا النِّصفَ وإمّا الرُّبعَ.

  • وأنَّ الزوجةَ ترثُ إما الربعَ وإما الثّمُنَ. 

وذلك أنَّه إن كان المُتوفَّى هي الزوجةَ وخلَّفت زوجًا، فيُنظَر: هل لها من ولد، ابنٍ أو بنتٍ، واحدٍ أو اثنين أو أكثر، ذكورٍ أو إناث، وهل لها أولاد ابنٍ إن لم يكن لها أولاد من صُلبها بأن قد ماتوا، فإن كان لها أولادُ ابنٍ لا أولادُ بنتٍ لأنهم لا يرثون شيئًا أولادُ البنت، ولكن أولادُ الابن، فإن وُجد لها اولاد او أولادُ ابنٍ وهو المسمَّى بالفرعِ الوارث.

  • الفرعُ الوارثُ: الفرعُ الذي يرثُ من الأصل، الأولاد وأولاد الابنِ، هذا الفرعُ الوارث، إن وُجد أحدٌ منهم فلِلزّوجِ الربع، فإن لم يكن عندها أولادٌ ولا أولادُ أولادٍ، إن لم يولد لها أصلاً أو وُلدوا وقد ماتوا، فللزّوجِ النصف.

 ولا فرقَ بين أن يكون أولادها أو أولاد الأولادِ منه أو من غيره، وقد يكون ما عنده أولادٌ لكن هي عندها ولدٌ واحدٌ من قبلُ، فله الربعُ لأن المُتوفّاةَ الزوجة عندها ولدٌ. ولا عبرة أن الزوجَ ما عنده أحدٌ، يقول أنا لا عندي ولد، لا ابنٌ ولا بنتٌ، أريد آخذ النصف! مالِكَ الا الربع لأن العبرة بها، وكذلك إذا كان عنده هو أولاد مِن غيرِها ولكن هي ليس لها أولاد، له النصف، وهذا فرضُ الزوجِ، إمّا النصفُ وإمّا الربع.

وقد تقدّمَ معنا أن الذي يرثُ النصفَ إمّا: الزوجُ وإمّا البنتُ وإما بنتُ الابنِ، وكذلك كما سيأتي معنا الأختُ الشقيقة والأخت لأبٍ، فهؤلاء الخمسةُ قد يصيب أحدهم ويكونُ فرضُه النصفَ، ولكنَّ ذلك بشروط.

فالأولُ هذا الزوج، يرثُ النصفَ بشرط أن لا يكون لزوجتِه المُتوفَّاةِ فرعٌ وارثٌ، ومَن الفرعُ الوارثُ؟ 

الفرعُ الوارثُ إما:

  • ولدٌ ابنٌ أو بنتٌ من الصُّلب

  • أو أولادُ ابنٍ

  • أو أولادُ ابنِ ابنٍ، إما ذكورٌ أو إناثٌ

 فإن وُجد لها فرعٌ وارثٌ انتقلَ فرضُ الزوجِ من النصفِ إلى الربعِ، وهو المذكور في قول ربنا تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء:12].

  • ولا فرقَ عند الأئمةِ الثلاثةِ والجمهورِ أن يكونَ تزوَّجَها في حال صحَّة وفي حال مرض، فتكونُ زوجتَه إن ماتتْ ورِثَها وإن مات هو ورثتْهُ.

  • قال الإمام مالك: إذا كان أحدُ الزوجين مريضًا مرضاً مَخُوفًا وتمّ العقدُ في هذه الحالةِ فلا توارثَ بينهم، ولا يصحّح النكاحُ، بل إن كان دخلَ بها فلها منه -إن كان هو مريضًا مرض مخوف- لها منه المهرُ فقط، المهرُ المسمَّى وليس لها غير ذلك، لأنه تزوَّجها في مرضِ موتِه، المرض المَخوف.

  • وجاء عن بعضِ أهلِ العلم: أنّه حينئذٍ كما يقول الإمامُ الأوزاعي: يصحُّ النكاحُ ولا توارُثَ بينهما، إذا كان أحد الزوجين في حالةِ مرضِ الموت، النكاحُ صحيح والإرثُ لا يصحُّ، لا يثبتُ بينهما إرث.

  • قال الجمهور: إنه لا فرقَ إذا كان العقدُ صحيح والنكاحُ صحيح فلا فرقَ بين أن يكون في مرضِ الموت أو غيرِه.

 وجاء أيضًا عن بعض الأئمةِ في مسألة الزواجِ في أيامِ المرض، عن القاسم بن محمد والحسن يقول: إن قصدَ الإضرارَ بورثته فالنكاحُ باطلٌ، وإن لم يقصد الإضرارَ فالنكاحُ صحيحٌ. هذا كلامهم فيما إذا كان الزواجُ تمَّ في حالةِ المرض.

 ولكنَّ الجمهور: لا فرقَ بين أن يتمَّ النكاحُ في المرضِ أو في غيره، فإذا تُوفيَ والعقدُ صحيحٌ فزوجتُه ترثُ منه، وإن تُوفِّيتْ فهو يرثُ منها، بل يمتدُّ ذلك أيضًا إلى الرجعية. ولبعض أهلِ العلم: إذا كان طلَّقَها بقصدِ الإضرارِ بها وحرمانِها من تَرِكَتِه فكذلك، وأمّا أنه يضرُّ زوجةً سابقةً بإدخالِ زوجةٍ أو زوجتَين عليها فذلك لا يؤثِّر شيئًا في صحةِ النكاحِ والإرث.

وهذا نصيبُ الزوج:

  • إمّا النصفُ 

  • وإما الربع

وليس له غيرُ ذلك، فالزوجُ في جميع مسائل الفرائض إنما يكون له إما النصف وإما الربع، أحدُ الفرضَين، لا شيء له غير ذلك. فإن كان لزوجتِه المتوفاةِ فرعٌ وارث؛ أي: ولدٌ أو ولدُ ابنٍ فله الربع، فإن لم يكن لها ولدٌ أصلاً أو لها ولد من غير الوارث، كأن ماتت زوجتُه وعندها ابن بنتٍ، لا بنت ولا ابن لكن ابن بنت، عندها ابن بنتٍ وخلَّفت الزوجَ؛ فللزوجِ عندئذٍ النصفُ. ولدُ البنتِ لا يرثُ ولا يؤثرُ شيئاً، إنما ينتقل الزوجُ من النصف إلى الربع إن كان لزوجته فرعٌ وارثٌ، المرادُ به بالولد، في قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ).

وكذلك ميراث الزوجة:

الزوجةُ ترثُ إمّا الربعَ وإما الثمنَ ولا شيءَ غير ذلك. فإن كان لزوجِها المُتوفَّى ولدٌ، المرادُ فرعٌ وارثٌ إما ولدٌ أو أولادُ ابنٍ، سواءً كان واحد أو أكثر وهو الفرع الوارث، إن وُجد له فرعٌ وارثٌ من ولدٍ لصلبه ذكرٌ أو أنثى، أو من أولاد ابنه أو أولادِ ابنِ ابنه، إن وُجد أحدٌ منهم فللزوجةِ الثمنُ، وإن لم يوجد له فرعٌ وارثٌ فللزوجةِ الربعُ. قال تبارك و تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ)؛ أي: إن كان للزوجِ عند وفاتِه فرعٌ وارثٌ فللزوجةِ الثمنُ، (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء:12].

 فإن كان له زوجتان: نفسُ الحكم؛ كيف؟ إن لم يكن له فرعٌ وارثٌ فلهما الربع يتقاسمانِه بينهما، وإن كان له فرعٌ وارث فلهما الثمن يتقاسمانه بينهما.

 إن كُنَّ ثلاثة؟ نفسُ الحكم؛ إن كان له ولد فلهن الثمن، الثلاثُ يتقاسمن بينهن أثلاثًا، وإن لم يكن له ولدٌ فلهن الربع يتقاسمنه بينهن أثلاثًا. 

فإن كُنَّ أربعة؟ نفسُ الشيء نفسُ الحكم ما يختلف؛ إن كان للزوج المتوفى ولد فلهن الثمن يقتسمنه بينهن أرباعًا، وإن لم يكن للزوج المتوفى ولدٌ -فرعٌ وارثٌ- فلهن الربع يتقاسمنه بينهن أرباعًا.

 فلا فرقَ بين أن يكُنَّ زوجةً واحدةً أو اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا، إمّا الربع وإما الثُمن، إن كانت واحدةً تستأثرُ به، وإن كانتا اثنتين فنِصْفان بينهما، وإن كُنَّ ثلاثّا فأثلاثٌ بينهن، وإن كنّ أربعًا فأرباعٌ بينهن؛ هكذا حكمُ إرثِ الزوجِ وإرثِ الزوجةِ.

 فهذه الثلاثةُ الفرائضُ ثلاثةٌ من الفروض المقدَّمة في كتاب الله: الثمنُ والربعُ والنصفُ، أو تقول: النصفُ والربعُ والثمنُ. النصفُ قلنا يشترك فيه خمسةٌ:

 الأول: الزوج بشرط أن لا يكون للزوجة فرعٌ وارث.

الثاني: البنتُ، بنتُ الصُّلبِ تستحقُّ النصفَ بشرطين: أن لا يكون لها مُعصِّبٌ واحدٌ، يعني أخٌ لها، ابنٌ ثانٍ للأب، إن كان لأبيها ابنٌ ثانٍ ذكرٌ فهي عصبةٌ انتقلت من الفرض إلى التعصيب، إنما تستحق الفرضَ وهو النصف إذا لم يكن لها مُعصِّبٌ، فمن المعصّب؟ معنى معصب ينقلها من حالة الفرض إلى حالة التعصيب، 

  • فالفرض نصيبٌ مقدٌَّر معلوم 

  • والتعصيب نصيبٌ غير مقدر بل تُعطى الفرائض لأربابها وما بقي فيكون لهذا العصبة، فإن لم يكن أحدٌ من أهل الفروض فيأخذ التركة كلها، هذا التعصيب.

أما الفرض نصيبٌ معين مقدَّر إما نصفٌ وإما ربعٌ وإما ثمنٌ وإما ثلثان وإما ثلث وإما سدس، ستةُ فروض مقدرة في كتاب الله تعالى.

 فقلنا البنت تستحق النصف بشرطين:

  • الشرط الأول: أن لا يكون لها معصب وهو أخوها، إن كانت بنتَ صلب، وإن كانت أمها أخرى غيرَ أمِّ هذا، ما دامت بنتَ الميت فهو مُعصِّبٌ لها سواءً كان أخاها الشقيق أو أخاها لأب إن كان المتوفى أبًا، أو أخاها لأم إن كانت المتوفاة هي الأم، فاذا كان يوجد لها معصب هو ابن للميت سواءً من أمها أو من غير أمها. أو كانت الميتة أنثى فالبنت؛ بنتُ هذه المرأة تستحق النصف إن لم يكن لها معصّب، والمعصب لها أخوها سواءً كان شقيقًا أو من الأم يعصّبها فتصير عَصَبة، فهذا الشرط الأول أن لا يكون لها معصّب.

  • والشرط الثاني: أن لا يكون لها مماثل؛ أختٌ مثلها، أختٌ لها، يعني بنتًا أخرى للميت سواءً من أمها أو غير أمها إن كان الميت ذكر، وسواءً من أبيها أو من غير أبيها إن كان الميت أنثى، فإن كان لها نظير مثيل؛ مماثل فإذًا، تنتقل إلى الثلثين، 

    • إن كان المماثل واحداً وهما بنتان؛ فالثلثان بينهما لكل واحدةٍ منهما ثلث، 

    • وإن كان المماثل اثنين فلهنّ الثلثان لكل واحدة منهن ثلث الثلثين، 

    • وإن كان المماثل أربعًا فكذلك ينقسم الثلثان بينهن بالسوية.

 إذاً؛ فهذا حكم إرث البنت:

  • إما النصف

  • وإما تشترك في الثلثين مع مثيلها 

وإن لم يكن لها مماثل أو معصب فلها النصف، هذا حكم إرث البنت.

 بنتُ الابن كذلك تستحق النصف لكن بثلاثة شروط:

  1. الأول: أن لا يكون للميت ولد صلب ولا ولد ابن أقرب منها.

  2. والثاني: أن لا يكون لها معصب.

  3.  والثالث: أن لا يكون لها مماثل.

 كذلك الأختُ الشقيقة تستحق النصف بأربع شروط كما سيأتي معنا، والأختُ لأبٍ بخمس شروط.

 فالذين يستحقون النصف خمسة: 

  • الأول يستحق النصف وهو الزوج بشرط واحد: أن لا يكون للزوجة فرعٌ وارث. 

  • والثاني يستحق النصف بشرطين وهو بنتُ الصلب؛ تستحق النصف بشرطين أن لا يكون لها معصب ولا مماثل.

  • والثالث بنت الابن تستحق بثلاثة شروط: أن لا يكون للميت ولد صلب، ولا ولدُ ابنٍ أقرب منها، وأن لا يكون لها معصب ولا مماثل.

  • والرابع بأربع شروط.

  •  والخامس بخمس شروط.

 يستحقون النصف، هؤلاء يستحقون النصف خمسة، مر منهم معنا البنتُ وبنت الابن والزوجُ يستحقون النصف، هذا حكم ميراث الزوج من زوجته والزوجة من زوجها.

 وذكر الآية الشريفة وهي محل الإجماع (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن)؛ يعني: يعتبر النصفُ أو الربع أو الثمن من بعد إخراج الوصية، إن أوصى الميت بشيء من ماله يُخْرج عنه بمقدار الثلث أو أقل من الثلث، أو أكثر وأجازه الورثة من بعد إخراج الوصية. وكذلك الدين إن كان عليه دين، فيجب أن يُقضى عنه دينه، فإنَّ روحَ الميت مرتهنةٌ بدَينه معلقةٌ حتى يُقضى عنه، والميت الذي عليه دينٌ تُحبس روحه في البرزخ لا يزور ولا يُزار حتى يُقضى عنه دينه.

 لذا؛ كانوا يَحذرون أن يموتون وعليهم دينٌ، وكان الأخيارُ إذا مات الميتُ وعليه دينٌ قضَوا دينَه قبل أن يدفنوه وقبل أن يخرجوه من بيته، حتى ينحلَّ عنه الرهنُ وتبرَأ ذمَّتُه، ويُخففُ عنه الحبسَ أن يلتزمَ بدَينه أحدٌ من ورثته أو غيرهم، ولكن مكانه يبقى عليه الأثر حتى يقضوا عنه دينه إن كانوا التزموا.

 وكان ﷺ إذا جيء بميت ليصلي عليه يقول: عليه دين؟ إن قالوا: عليه دين، قال: صلوا على ميتكم.. ما يصلي هو عليه، وكان ذلك يشقُّ على الصحابة ألاّ يصلي على ميتهم رسولُ الله ﷺ، فكانوا قد يلتزمون إذا كان عليه دينٌ دينَه في ذمتهم حتى يصليَ عليه ﷺ.

 ولما جاء بميتٍ وعليه ديناران قال: هل عليه دين قالوا: ديناران، قال ﷺ: صلوا على ميتكم، قال سيدنا قتادة: يا رسول الله عليَّ الديناران، قال: عليك في ذمتك؟ قال: نعم، فصلى عليه النبي ﷺ، فجعل لا يلقاني إلا يقول لي: يا قتادة أقضيت الدينارين؟ لم يكن عندي شيء فكنت أتوارى عنه وأتخفّى منه، حتى وجدت دينارين فقضيتُهما عن الميت، فجئت إليه، قال: قتادة أقضيت الدينارين؟ قال: الآن قضيتُهما يارسول الله، قال: الآن بردَ جلدُه؛ تمَّ فكاكُ رهنِه في برزخه، الآن في الوقت الذي قضيتَ عنه الدين.

 حتى وإن التزم به غيره، يبقى عليه تبعاتٌ إنما هي أخفُّ، مما لو لم يلتزم أحدٌ فحبسُه أضيقُ، يُحبس في القبر حتى يُقضى عنه دَينُه. 

  • أمّا إن كان والعياذ بالله يستدين بلا مبالاة وينوي عدمَ قضاء الدين فحسابُه شديدٌ وحالُه خطيرٌ. 

  • وأمّا إن كان يريد الوفاءَ وخصوصًا إذا استدان إما لمصلحة عامة أو إصلاح بين متخاصمَين و يريدُ الوفاء فإن الله ييسرُ له قضاءَ ذلك الدين إمّا في حياته أو بعد وفاته ويخفف الأمر عنه. 

  • أمّا إن كان غيرَ مبالٍ أو يستقرضُ لأجل الشهوات والملذّات بلا حاجة ولا ضرورة ولا يبالي بقضاء الدين فحالهُ خطير، ويتعسر عليه قضاؤه؛ لأن نيتَه غيرُ صالحة وأبعد عن أن يسامحَه الله تعالى لأنه عائبٌ خائنٌ في نيته، وقصده ما يقضي الدين والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 فهكذا قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن)، وقدَّم في الذكر الوصيةَ على الدّين مع أنّ الدَّينَ مقدمٌ على الوصية في الأداء؛ اعتناءً بشأن الوصية، لأنها تُخرج من غير مقابل فتشحُّ بها النفوسُ، أما الدّين فبمقابل أبعدُ عن أن شح به النفوسُ، فقدَّمه بالذكر لئلا يتساهل بتنفيذ الوصية.

 وقد كان يتوفرُ الأوصياءُ والأوفياء الذين يُقدِّمون حقَّ الميت وقضاءَ ديونه على كل مصالحهم، وقلُّوا بعد ذلك في أزماننا، وكم من وصيٍّ يخذلُ ولا يبالي، ينظر إن له مصلحة يأخذها ولا يبالي بقضاء الديون ولا بغيرها. 

وتنساك الأحبة بعد عشرٍ 

ويخذلك الوصيّ فلا وفاء

ولهذا كان بعضُ أهل الخير عندنا والعلمِ والمعرفةِ عنده بعضُ الثروة، وأحسنَ الإنفاقَ والتصدق منها والإخراج في سبيل الله، وكان له ولد يُسمى سقاف، وعنده أيضًا مملوكٌ قائم بالخدمة يُسمى مرجان، وكان يقول في آخر حياته: الذي يريد إنفاقه والتصدّق به قدمته ولا أنا مستأمن على سقاف ولا مرجان -مع أنهم من أهل الوفاء- من الآن الذي أراد تقديم قدّمه، والذي أراد التصدّق به تصدق، والذي أراد إنفاقه أنفقه في سبيل الله، رتّب أموره خلاص ما عاد يبقى عليه تبعة لأحد، ولا مطالبة ولا حسرة على أمر يريد يتصدق به، من صدقة جارية وغيرها؛ فواسى، وواصل، وتصدق، ووقّف الصدقات الجارية قبل ما  يموت، بدل ما يقول للوصي بعدين خرّج عنّي…، قال: لا أنا مستأمن على سقاف ولا على مرجان، لا على الخادم ولا على الولد، من نفسي انتبهت لنفسي بنفسي وقدّمت لآخرتي ولقاء ربي؛ وهكذا الأكياس والعقّال.

 (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ). ثمّ يذكر بعد ذلك ميراثَ الأب والأم كما سيأتي تفصيله، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون.

الله يحيي فينا الشريعة، وأحكامها البديعة، ويرزقنا الثباتَ على طرُقها الطيبة الوسيعة، ويعيذنا من الآفات والعاهات في الشأن جميعه، وأن ينظمنا في سلك أهل العنايات والرعايات أهل المراتب الرفيعة، وأن يقينا الأسواء والأدواء وكلَّ بؤسٍ وشرٍّ وقطيعة، وأن يثبتنا في ديوان أهل الصدق معه ممّن رعتهم عينُ عنايته وأحلّهم حصونَه المنيعة، في خيرٍ ولطفٍ وعافية، بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

24 صفَر 1443

تاريخ النشر الميلادي

01 أكتوبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام