شرح الموطأ -262- كتاب العقيقة: باب العمل في العقيقة

شرح الموطأ -262- باب العمل في العقيقة، من حديث نافِعٍ: أَنَّ عَبْدَالله بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب العقيقة، باب العمل في العقيقة.

.فجر الإثنين 20 صفر 1443هـ

باب الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ

1448 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ، عَنِ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ.

1449 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ: تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ.

1450 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّهُ عُقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ.

1451 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ.

1452 - قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ: أَنَّ مَنْ عَقَّ، فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، وَلَيْسَتِ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ، وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا، وَهِيَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا، فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ وَالضَّحَايَا، لاَ يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ، وَلاَ عَجْفَاءُ، وَلاَ مَكْسُورَةٌ، وَلاَ مَرِيضَةٌ، وَلاَ يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلاَ جِلْدُهَا، وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا، وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا، وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا، وَلاَ يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته الغرّاء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه الراقين الذُّرى، وعلى من تبِعهم بإحسان وسَار بِسيرهم سِرًّا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات الهداة الكُبراء، وعلى آلهم وصحبهم ومن والاهم ومن تبعهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

ويواصل سيدنا الإمام مالك -رضي الله عنه- ذكر الأحاديث المتعلقة بالعقيقة، ويقول: "الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ"؛ كيف يُعمل في هذا النُّسك؟ ومتى وقته؟ وما تعلّق بذلك. قال: "باب الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ"، فجاءنا في روايات أن تكون في اليوم السابع وذلك ليس على سبيل الحصر ولا التعيين عند الجمهور، وإنما على سبيل التخيير والجواز، على سبيل الاختيار أن يكون في يوم السابع وإلا فتُجزئ العقيقة قبل، وبعد كذلك عند جماهير العلماء. 

قال الإمام مالك: لا تكون العقيقة إلا في اليوم السابع، والأفضل في ذبحها أن تكون في وقت الضحى، وخِلاف الأَوْلى عنده أن يكون من بعد الزوال، أو قبل طلوع الشمس من بعد الفجر، ولا تُجزئ عنده في الليل، ولا تكون العقيقة في الليل ولا تجزئ. 

  • فقيَّدها باليوم السابع. 

  • وجعل أفضل وقتها وقت الضحى.

  • وجعلها شاةً سواءً للذكر أو للأنثى.

 وقال الجمهور: أنها لا تتقيد باليوم السابع. وفي قولٍ أيضًا عند المالكية: أنه إن فاتت في اليوم السابع (السبع الأول)، فإنه تُقضى في اليوم الرابع عشر (السبع الثانية)، ثم يوم الحادي والعشرين (السبع الثالثة)، ولا تُفعل بعد ذلك. وقال الجمهور: بل تُفعل في السبع الأُولى، أو السبع الثانية، أو السبع الثالثة، ثم بعد ذلك لا يُتقيّد بالسبعات عند الجمهور كذلك، فهي عبارة عن قضاء في أي وقتٍ كان يقضي، لا ينتظر سبعًا فسبعًا فيقضيها. 

بل وجاء أنه يستمر وقتها بالنسبة للوليّ أو الوالدين إلى أن يبلغ الصبي، أما إذا بلغ فقد انتقلت إليه، وقد رُوي أنه ﷺ عَقَّ عن نفسه، مع ما جاء أيضًا في السيرة أنه قد عَقَّ عنه جدّه عبدالمطلب في اليوم السابع. 

وكذلك إذا مات الطفل قبل السابع فَتُسَنُّ أن تُذبح عنه العقيقة. وحديث أن الطفل أو الغلام مُرتَهنٌ بعقيقته يوم سابعه؛ اختلفوا في معنى كونه مُرتَهن بذلك، كيف مُرتَهنٌ بذلك؟ 

فكان قول الإمام أحمد، واستحسنه الكثير: أنّ معناه أنه إن لم يَعُقْ عنه والداه فمات طفلًا حُرِمَا شفاعة الطفل لعدم عقيقتهما عنه، فهو مُرتَهن بعقيقته. 

وقيل غير ذلك في معنى ارتهانه بالعقيقة. فإذا مات قبل يوم السابع أيضًا تُسَنُّ العقيقة عنه، بل البحث أيضًا في السِّقْطِ، هل يُعَقُّ عنه أم لا؟ والذي اعتمده الشافعية وغيرهم: أن العقيقة شاملة للكل، ولأن للسِّقْطِ شفاعة، وأن السِّقْطَ ليَجُرُّ أمه بسَررِه إلى الجنة كما جاء في الحديث، إذًا؛ فأيضًا يُعَقُّ عن الكل. 

"باب الْعَمَلِ فِي الْعَقِيقَةِ"، أورد لنا حديث: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَكَانَ يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ، عَنِ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ."؛ 

  • وهذا أيضًا مذهب الإمام مالك، وأنه لا فرق في سُنّية الشاة الواحدة عن الذكر والأنثى.

  • والذي قال الحنفية والشافعية: أنه للذكر شاتان وللأنثى شاة، وقد جاء ذلك في الحديث. 

وفيه أن عبد الله ابن عمر كان أقاربه إذا جاء لهم مولود يسألونه العقيقة فيبادر، وذلك أنّه كان مُسارعًا إلى الخيرات، وما سألوه من الخير والهدى كان يبادر به، ويعطيهم من عنده العقيقة، وفيه أنه يلوذ به جماعة من أقاربه وأهله، وبنفسه كان يُباشر العقيقة إذا وُلِدَ له ولد، يَعُقُّ عن ولده بشاةٍ شاةٍ، وعن وُلْدِه أيضًا كذلك، بشاة شاة عن الذكور وعن الإناث يُخرج الشاة. وعندنا أيضُا في الحديث أنه ﷺ عَقَّ عن الحسن بشاة وعن الحسين بشاة، لم يُذكر الشاتان، ولكنه جاء في الحديث ذكر الشاتين عن الغلام، فيُحمَل على أن ذلك الفعل على حسب الموجود الذي كان عنده ﷺ، ولم يتكلّف شاة ثانية لكون ذلك غير موجود لديهم. 

والقول في هذا مُقدَّم، فإذا جاء في السُّنة الأمر بقوله ﷺ فيُقدَّم على الفعل، فيكون هو التشريع فيما شَرَعَ لنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وشَذَّ بالقول من يقول: إن العقيقة إنما تكون عن الغلام وليس للأنثى عقيقة، وهذا قول شاذ، والجمهور: أنه يُسَنُّ العقيقة سواءً كان ذكر أو أنثى، وقال مالك: شاة عن كلٍّ منهما، وقال الآخرون: بل شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى. 

وفيه وَضْعُ سيدنا عبد الله بن عمر، وهو المعلوم بحرصه على اتباع السُّنة والاقتداء برسول الله ﷺ، ويساعد أهله وذويه على كل ما كان من باب السُّنة والطاعة والخير. وكذلك يجب أن تكون أولياء الأمور وأُسَرَهم والقرابات بينهم، أن يبادروا ويسارعوا إلى الخيرات، وأن يتوقّفوا ويُحجِموا عن المكروهات، وعن خلاف الأَولى ولا يساعد بعضهم بعضًا على ذلك، ولا ينطلقوا في ذلك فيساعدوا على إقامة غِناء ماجن، أو على شيء من العادات الخبيثة، فهذا الذي يجب أن يُحجِم عنه أولو الألباب، ويُحجب عنه المؤمنون بحكم المنع عن المكروه، فكيف بالحرام؟ -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وإنما يُعين القرابة بعضهم بعضًا على المُقرِّبات إلى عالم الخَفيِّات وبارئ الأرضين والسماوات جلّ جلاله وتعالى في علاه. 

وذكر: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي"؛ يعني: إبراهيم بن الحارث، "يَقُولُ: تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ."؛ يعني: المبالغة في الحرص على العقيقة، ويعني لو كان العصفور يُجزئ فالقصد أن كلّ من تَمكّن وقَدَر. بل جاء عن الحسن البصري كما جاء عن داود الظاهري: أنّ الواجد للعقيقة عن المولود يجب عليه العقيقة، يعني يجب عليه أن يَعقّ، ولم يقل أحد من الأئمة الأربعة بوجوبها، ولكن قال بوجوبها غيرهم من التابعين وداود الظاهري وغيرهم قالوا بوجوبها، وإنّ كل من وجد العقيقة فهي كالفِطرة، ما وَجد ما زاد على نفقته فعليه أن يُخرج العقيقة إذا توفرت.

فهي إذًا: سُنّة مؤكدة، وأشار إلى تأكيدها بقوله: "تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةَ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ."، ولكن إنما المُجزئ في العقيقة شاة.

  • وقال الشافعية وغيرهم كذلك: إنما تكون شاة مُجزِئة في الأُضحية وليست أيَّةُ شاة، لا بد أن تجتمع ويتوفر فيها شروط الإجزاء في الأُضحية، حتّى يَصِحَّ ذبحها عن العقيقة، كما يَصِحُّ أيضًا أن يَذبح بقرةً أو جملًا، 

  • ومن أهل العلم من قال: لا يُجزئ إلا الشاة.

  •  ولكن الجمهور والأَوْجَه: أنّ ذلك مُجزئ في الإبل والبقر والغنم كالأضحية كما يأتي معنا في باب الأضحية. 

وذكر لنا بعد ذلك: "عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّهُ عُقَّ عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ."؛ وقد تقدّم معنا عقَّهُ ﷺ، في بعض الروايات أنه عَقَّ علي، وحمله بعضهم على أمر النبي ﷺ لسيدنا علي؛ فنُسِبَ إليه العَقُّ من حيث أَمْرُه، ولكن الذي تدلّ عليه الروايات أنه بنفسه عَقَّ ﷺ، وبذلك جاء حديثهم: هل يَعُقُّ عن المولود غير أبيه؟ وحمل ذلك بعضهم على الخصوصية للنبي ﷺ، كيف والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم!. 

إذًا؛ فيُجزئ الشاة من المعز أو الضأن، أو البقرة أو الجمل، وكالأضحية يمكن السُّبُعْ من البقرة أو من الجمل يكون عقيقة، ويقول عن عروة بن الزبير: "كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ."؛ وهذا كما أسلفنا مذهب الإمام مالك عليه رضوان الله تبارك وتعالى. وجاء عن بُرَيْدَة قال: "عقَّ رسولَ اللهِ ﷺ عن الحسنِ والحسينِ"، رواه الطبراني في الكبير، رجاله رجال الصحيح.

 "قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْعَقِيقَةِ: أَنَّ مَنْ عَقَّ، فَإِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلَدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ،"؛ هذا مذهبه،  "وَلَيْسَتِ الْعَقِيقَةُ بِوَاجِبَةٍ،"؛ وهذا مذهب الجماهير، وإنما قال بوجوبه بعض التابعين وبعض أهل العلم من بعدهم، والمذاهب الأربعة على أنها ليست بواجبة، "وَلَكِنَّهَا يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهَا، وَهِيَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَنَا، فَمَنْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ، فَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ النُّسُكِ وَالضَّحَايَا، لاَ يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ، وَلاَ عَجْفَاءُ،"؛ فلا بد أن تكون مُجزئة في الأضحية كما أسلفنا.

"لاَ يَجُوزُ فِيهَا عَوْرَاءُ، وَلاَ عَجْفَاءُ، وَلاَ مَكْسُورَةٌ"؛ القَرْن، "وَلاَ مَرِيضَةٌ"، إذًا؛ حكم العقيقة حكم الأضحية:

  • في سِنِّهَا وسلامتها من العيوب.

  • ويستحب فيها من الصفات التي تُستحب في الأضحية. 

إذًا؛

  • فلا يُجزئ أقل من الجَذَعِ من الضأن والثَّني من المعز.

  • ولا تجوز فيها العوراء البَيِّنْ عَورها

  • والعرجاء البَيِّنْ ضِلعُها

  • والمريضة البَيِّنْ مرضها

  • والعجفاء التي لا تُنْقِي

  •  والعضباء الذي ذهب أكثر من نصف أُذُنِها أو قَرْنِها

  •  وتُكره فيها الشَّرقاءُ والخرقاء، ويُستحب استشراف العين والأذن

"وَلاَ يُبَاعُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ وَلاَ جِلْدُهَا،"؛ كالأُضحية، وجاء عن الإمام أحمد أنه يُباع الجلد والرأس والسَّقَطْ، ويُتصدق به. 

قال: "وَيُكْسَرُ عِظَامُهَا"؛ يعني: في الطبخ؛ لأنهم كانوا من أيام الجاهلية يقولون ما تُكسِّرون عظام العقيقة؛ يعني إذا عَقُّوا عن المولود لم يُكسِّروا العظام.. فأتى الرخصة بذلك في الإسلام، وبل وإن بقيَ بعض القائلين بأنه ينبغي أن لا يُكسِّر عظامها، فقد قال بعض أهل الأذواق: أنه ينبغي تكسير عظامها تفاؤلًا بأن تنكسر نفس الصبي وتتذلّل للحق جلّ جلاله وتعالى في عُلاه. 

"وَيَأْكُلُ أَهْلُهَا مِنْ لَحْمِهَا"؛ كَسُنّة الأُضحية كذلك، والتصدُّق بها يُجزئ أن يكون مطبوخًا، وليس ذلك في الأضحية، فالأضحية يجب أن يتصدق بشيء من لحمها نيء، أما في العقيقة فيمكن التصدُّق به مطبوخًا. "وَيَتَصَدَّقُونَ مِنْهَا، وَلاَ يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا."؛ كما كان يفعل أهل الجاهلية فيأخذون من دم العقيقة ويُلطِّخون به الصبي إما بطنه وإما رأسه، وذلك عمل أبطله الإسلام، ولما جاء بدَّل ﷺ ذلك بالطيب والخَلُوقْ، أن يُطيّب بدل أن يلطخونه بالدم يلطخونه بالطيب، يحلقون له ويطيِّبون رأسه ويطيبونه، لا ان يوسخونه بدم العقيقة، ولهذا قال: "وَلاَ يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا."؛ يقول بُريدة: كنّا في الجاهلية إذا وُلِدَ لأحدنا غُلام ذبح شاة ولَطَّخ رأسه بدمها، فلما جاء الله في الإسلام صرنا نذبح شاة ونحلق رأسًا ونُلطِّخه بزعفران، نجيء له بطِيْب، شيء رائحته حسنة نُطيّبه به. 

وهكذا قال الحنابلة وغيرهم من الأئمة: يُكره أن يُلطّخ رأسه بدم، فهو مكروه عند الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك، وكذلك من رأى أنه لا بأس بذلك أخذ برواية: "الغُلام مرتَهَنٌ بعقيقتِهِ تذبحُ عنْهُ يومَ سَابعِه… ويُدْمَى"، ولكن لا تتعيّن هذه اللفظة، وفيها: "ويُسمّى"؛ وفي قولهم "ويُسمّى"؛ إما محمول على تسميته في يوم السابع، أو يُسمّى يعني عند الذبح، يُسمّى بسم الله تعالى، يُسمّى الله تعالى عند الذبح ويُكبِّر. وجاء في روايات: التكبير، واللهم منك وإليك، واللهم هذه عقيقة فلان، الله أكبر ثم يَذبح، فهذا معنى قوله "ويُسمّى"؛ أي: يُسمّى الله جلّ جلاله وتعالى في علاه. 

وقيل: أن التسمية يوم السّابع، ولكن جاء أيضًا في الأحاديث أنّه سمّى بعض الأطفال في يوم مواليدهم، 

وكذلك قال الشافعية وغيرهم: أنه يدخل وقت العقيقة بانفصال المولود تمامًا عن بطن أمه، أما قبل انفصاله عن بطن أمه فلا تُعدُّ عقيقة، لكن من بعد الانفصال، والاختيار أن يكون في يوم السابع. وقد سمعنا ما جاء عن مالك وعن الشافعي أيضًا: أنه إن كان الولادة بعد الفجر فلا يُحسب ذاك اليوم من اليوم السابع ولكن من اليوم الذي يليه، فيصير في مثل ذلك اليوم من الأسبوع القادم هو اليوم السابع، أما إن ولد قبل الفجر فيُحسب اليوم، وقيل يُحسب حتى في نفس اليوم الذي فيه وُلِدْ، وهذا اختيار الرافعي، والإمام النووي قالوا: ما يُحسب، لا يُحسب اليوم كما جاء عن الشافعي، كما جاء عن الإمام مالك: أنه إن وُلِدَ بعد الفجر فلا يُحسب ذلك اليوم من السبع. 

وجمهور أهل الفقه عندنا: كَرِهوا لَطْخَ رأس المولود بدمها، أو بطنه كما كان يفعل الجاهلية.

رزقنا الله الإنابة والخشية والاستقامة، وفقّهنا في دينه وسَلك بنا مسالك أهل محبوبيته مع الإخلاص والصدق والتوفيق والصلاح والفلاح والنجاح، ودفع الآفات والعاهات عنّا وعن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

22 صفَر 1443

تاريخ النشر الميلادي

29 سبتمبر 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام