(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الصيد، باب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الَمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ.
فجر السبت 11 صفر 1443هـ.
باب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الَمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ
1417- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ، فَأَصَبْتُهُمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ، فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ، فَطَرَحُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضاً.
1418- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ.
1419- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الإِنْسِيَّةُ، بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنَ الرَّمْي وَأَشْبَاهِهِ.
1420- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ أَرَى بَأْساً بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ، إِذَا خَسَقَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) [المائدة:94]. قَالَ: فَكُلُّ شَىْءٍ نَالَهُ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ، أَوْ بِشَىْءٍ مِنْ سِلاَحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ: فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى.
1421- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ، فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ، أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ، حَتَّى لاَ يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ، وَأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ.
1422- قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ، وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ، إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَراً مِنْ كَلْبِكَ، أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ، مَا لَمْ يَبِتْ، فَإِذَا بَاتَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ.
الحمد لله مُكْرِمِنا ببيان الشَّريعة على لسان عبده المُصطفى ذي المراتب الرَّفيعة، اللَّهم صلِّ وسلَّم وبارك وكرِّم على سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقرّبين، وعبادك الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.
وبعدُ،
فيذكر الإمام -عليه رحمة الله- الأحاديث المتعلِّقة بالصيد، والصَّيد في أصله مصدر صَادَ، يصيد ولكن استُعمل كثيرًا في معنى المُصاد، ومعنى الحيوان الذي يُصاد فيُقال له: صيد، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ) [المائدة:96]؛ أي: الحيوان الذي يُصاد. يقول الإمام -عليه رحمة الله-: "باب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الَمِعْرَاضُ"؛ ما ليس بحادٍّ يقطع الجلد ويسيل الدّم. "الَمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ" مثلُه، فيكون المُصاد: أن يُصاد بشيءٍ من الحديدة الجارحة التي تقطع الجلد وتُسيل الدّم؛ يصير الصّيد بذلك حلالًا. بخلاف ما قُتل بمعراض؛ بمُثقّل كالرصاص وما إلى ذلك؛ فإنه لا يحل أكله كما قال جماهير أهل العلم بالشريعة المُطهرة.
فأما ما جَرَح بمُحدّدٍ؛ فهو الذي يصح أكله ويجوز في الصَّيد.
وأما الذي خَرَق الجلد بمُثقّلٍ لا قاطعٍ ولا جارح كالرصاص؛ فإنه لا يحل أكله عند جمهور أهل العلم.
يقول: "باب تَرْكِ أَكْلِ مَا قَتَلَ الَمِعْرَاضُ وَالْحَجَرُ"
فالمِعراض؛
أصله: خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديد، وقد تكون بغير حديد. فالمِعراض؛ سهمٌ بلا ريش أيضًا دقيق الطرفين يُطلق عليه المِعراض.
والقصد: ما كان بغير مُحدّدٍ يقطع الجلد ويُنهر الدّم.
وما كان من نصلٍ عريض له ثقل ورزانة أو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط كل ذلك داخل في المِعراض.
قال: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ"؛ أي: في الصَّيد؛ سواءً صيد الطّير والحيوانات المتوحشة في البر، فالحكم فيها واحد. يقول: "رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ"؛ أي: خرج متصيّدًا فوقع رمي الطّيرين بالحجر "وَأَنَا بِالْجُرْفِ، فَأَصَبْتُهُمَا، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ، فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ" -رضي الله عنهما-؛ أي: أنه لم يستحلّه لأنه مات بنفس الضّربة وهي الرمي بالحجر، والحجر ما يقطع الجلد ولا ينهر الدّم؛ فلا يُجوّز أكل الصيد. "وَأَمَّا الآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ"، فطلب القَدوم؛ آلة النّجار هذه التي يستعملها في الخشب ينحت بها، "فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ"؛ أي: فاتت ذكاته لتأخر التمكّن من تحضير القَدوم والسكين؛ ما عنده سكين ولا قَدوم ولا وصلوا إليه بالقَدوم إلا وقد مات، "فَطَرَحُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضاً"؛ أي: رمى الآخر فلم يمسّ الأول الذي مات مباشرة، ولا الثاني الذي مات بعد وقتٍ لكنه لم يُدرك ذكاته. إذًا؛
فهذا هو المذهب الذي عليه الجمهور أنه إن رمى صيدًا بمُثقّل أو بمعراضٍ فأدركه حيًّا حياة مستقرة -وإن كان مشرف على الموت- فذبحه؛ فهو حلال وإلا فلا يَحل.
وهكذا حكم القتل بالمُثقّل ولو كان محددًا كبندقة أو سوط. وحتى كان ابن عبد السلام يُفتي بحُرمة الرمي بالبندق. وقال الإمام النَّووي: إن كان لا يقتله غالبًا؛ فيجوز رميه بالبندق كأن يرمي رجليه ونحوها ثم يدركه حيًّا فيذبحه.
فالمَقدور عليه بالاتفاق لا يحل أكله إلا أن يذكّى.
بخلاف غير المقدور عليه. غير المقدور عليه من هذا الحيوان المتوحش أو إذا توحّش إنسيّ كبعير النّدّ؛ فلا يُستطاع القرب منه ولا وضع اليد عليه؛ فحينئذٍ يصير حكمه كحكم الوحش؛ كصيد الوحش؛ فيُرمى بحديدة. فإذا رُمي بحديدة فأسالت منه الدّم فمات؛ فهو حلال كصيد الوحش على خلافٍ في المسألة.
يقول "مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ كَانَ يَكْرَهُ" -أحد الفقهاء السَّبعة، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق- "كَانَ يَكْرَهُ مَا قَتَلَ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ"؛ لأنه غير المحدّد الذي يقطع الجلد ويسيل الدّم، وعلى ذلك عامة فقهاء الشَّريعة المُطهرة.
قال: "أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الإِنْسِيَّةُ"؛ وهي مقابل الوحشيّة؛ يعني: الأهليّة من الحيوانات التي تألف البيوت ويُقدر عليها وتُمسك."أَنْ تُقْتَلَ الإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنَ الرَّمْي وَأَشْبَاهِهِ" سواء، وهذا إذا لم تنِدّ فواضح وعليه الاتفاق. وأما إذا ندّت، فقال الكثير من أهل العلم: صارت كالوحش كما قال الإمام الشَّافعي، فحينئذ يجوز رميها بأي حديد يقطع الجلد ويسيل الدّم وحينئذ تكون حلالًا. كذلك إذا تمكّن وقدر من الوحشية وصارت تحت يده وتركها حتى ماتت بسبب رمي بحجر ونحوه ولم يذكّها؛ فهي حرام ولا يجوز له أن يتناولها.
فالمقدور عليه سواءً كان إنسيًا أو وحشيًا، سواءً كان أهليًّا أو نادًّا فارًّا؛ لا يحل حتى يُذكّى بالذكاة المعتبرة الشَّرعية.
والوحشي:
إذا صِيد ولو بكلب معلّم؛ فيحلّ أكله.
فإذا قُتل بمِعراض أو ببندقة؛ فلا يُحلّ أكله إلا أن يُدرَك حيًّا حياة مستقرة فيُذكّى.
"بَلَغَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الإِنْسِيَّةُ، بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنَ الرَّمْي وَأَشْبَاهِهِ". فإذا ندّ بعير فلم يقدر عليه فرماه بسهم ونحوه مما يسيل به دمه فقتله أكله، وعلى ذلك الجمهور. ونحوه إن تردّى في بئر فلم يقدر على تذكيته فجرحه، في أي موضع قدر عليه فقتل؛ قال الإمام أبو حنيفة: يجوز إلا أن تكون رأسه في الماء؛ فلا يؤكل. وقال: بما يقتل بالصيد من الرمي وأشباهه، أمثال الرمي من آلات الصيد والجوارح ومعنى لا يؤكل بالعقر حتى يُذبح. وقال الأئمة الثلاثة: إذا لم تتوحش، فأما إذا توحشّت فإنه يصير حكمه حكم الوحشي.
وهكذا جاء عن سيِّدنا رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه-، كنّا مع النَّبي ﷺ فندّ بعيرٌ؛ توحش، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه. فقال ﷺ: "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا"؛ فأباح لهم أكله، وعلى هذا الأئمة الثلاثة. وكان هذا الحديث لم يبلغ سيِّدنا مالك -عليه رحمة الله- فلم يقل بحِلّ ذلك، إذا ندّ الحيوان الإنسي والأهلي. وقال الأئمة الثلاثة: إذا ندّ فرُميَ بما يُرمى به الصيد فهو حلال؛ صار بمنزلة الوحش.
وهكذا "قَالَ مَالِكٌ -عليه رحمة الله-: وَلاَ أَرَى بَأْساً بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ"؛ أي: بحدّه، فما كان فيه من حدّ يشق الجلد ويُسيل الدّم فيجوز. ولهذا قال: "إِذَا خَسَقَ"؛ أي: صار ينفذ فيه بحدّته فيقطع ويشق الجلد ويسيل الدّم، معنى خسقه. "وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ" المقاتل:
من انقطاع النُّخاع
أو انتشار الدّماء
أو فري الأوداج
أو انفتاق المصران
أو انتثار باطنه وحشوته
فهذه مقاتل. قال: "أَنْ يُؤْكَلَ".
إذًا؛ علمنا هذا، وعلمنا اختلافهم في المُثقل، إذا لم يدركه فيذكّيه وإنّما قُتل بالمثقل. فالجمهور ومشاهير فقهاء الأمصار يقولون:
ما قتله بثِقَله فهو غير جائز أكله.
وما قتله بحدّه فجائزٌ أكله.
"قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) [المائدة:94]"؛ أي: وأنتم حرم (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ) [المائدة:94] "قَالَ: فَكُلُّ شَىْءٍ نَالَهُ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ رُمْحِهِ، أَوْ بِشَىْءٍ مِنْ سِلاَحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ: فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى".
وقال الإمام مالك: "أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ، فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ"؛ ضرب صيدًا يصطاده فانصاد، فإن وقع في ماء فلم ندري أمات بسبب الضربة أو بسبب الغرق؟ "أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ" أمسكه فجرحه فمات فلم يدري، أمات بما أصابه هو من جرحه أو بسبب جرح الكلب؟ والكلب غير معَلّم (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِۖ) أما ما لم يُعلَّم فأمسكه الجارحة من الكلاب غير المعَلّمات؛ فلا، (وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) [المائدة:4]، ولهذا إذا الكلب وإن كان معَلّمًا أكل شيئًا من الصيد؛ فلا يحل لأنه أمسكه على نفسه ولم يمسكه عليكم، (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)، إنما أمسكه لنفسه هذا ما أمسكه للغير. وينبغي عند إرسال الكلب المعلّم أن يُسمّي الله -تبارك وتعالى- على ما تقدّم من وجوب التسمية على اختلاف وجوب التسمية. "إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ، فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ"، لا سبب آخر "أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ، حَتَّى لاَ يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ، وَأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِلصَّيْدِ حَيَاةٌ بَعْدَهُ"؛ أي: بعد بلوغ هذا السهم إليه؛ فحينئذٍ يصير حلالًا، وكذلك قال الأئمة عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
"قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِأَكْلِ الصَّيْدِ، وَإِنْ غَابَ عَنْكَ مَصْرَعُهُ."؛ وجدته في نحو غار أو غيضة، ما رأيته "إِذَا وَجَدْتَ بِهِ أَثَراً مِنْ كَلْبِكَ"، المُعلّم الذي أرسلته "أَوْ كَانَ بِهِ سَهْمُكَ، مَا لَمْ يَبِتْ"، شرط أن لا يمضي عليه الليل. أما إذا مضى عليه الليل وبات، "فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ"؛ أي: كراهة تحريم عند الإمام مالك عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
وهكذا جاء في الحديث: أن رجلًا أتى النَّبي ﷺ بظبي قد أصابه بالأمس وحصّله ميت، قال للنبي ﷺ: يا رسول الله عرفت فيه سهمي وقد رميته بالأمس. قال: لو أعلم أن سهمك قتله أكلته، لكن لا أدري وهوام الأرض كثيرة.
فإذا لم يتيقّن أن مقتله كان بسبب السَّهم فلا يجوز.
وهكذا جاء أن أعرابي أهدى النَّبي ﷺ ظبي، فقال: من أين أصبته؟ قال: رميته فطلبته فأعجزني حتى أدركني المساء، فرجعت فلما أصبحت واتبعت أثره وجدته في غار، وهذا مشقصي فيه؛ يعني: السهم الذي رميته به أعرفه. قال: بات عنك ليلة، فلا آمن أن تكون هامّة أعانتك عليه، لا حاجة لي فيه، فلم يأكله ﷺ. في رواية قال: إن هوام الأرض كثيرة، فإذا لم يتيقن أنه إنما مات بسبب رميه لا بسببٍ آخر؛ فلا يحل.
وجاء أيضًا أن عدي بن حاتم قال: يا رسول الله إنّا أهل صيد، وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين فيتبع الأثر فيجده ميتًا. وجاء في رواية: كله ما لم يُنتِن. والإمام مالك علِمت مذهبه: أنه إذا قد مرّ عليه الليل؛ فلا يحلّ لاحتمال أنه مات بغير ضربه وبغير رميه بسبب آخر.
وقد أشرنا إلى أن الأصل هو التحريم، إنما يحل لنا أكل لحوم ما أُبيح لنا أكله:
بالذكاة
أو ما يقوم مقامها من الرمي في الصيد.
فإذا لم نتيقن الذكاة والرمي المعتبر في الشَّرع، فالأصل هو الحُرمة؛ حُرمة تلك اللحوم وتلك الحيوانات التي لم نعلم ذبحها أو الوصول إلى قتلها بالطريقة الشَّرعية التي جاءتنا بها سنة رسول الله ﷺ.
إذًا؛ فما مات بغير هذا الحدّ من الصيد وبغير التذكية؛ صار من الموقوذة التي حرّمها الله تبارك وتعالى.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وأذهب عنا الآفات والعاهات، ورزقنا حُسن مراقبته في الظواهر والخفيّات بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
15 صفَر 1443