شرح الموطأ -236- كتاب الجهاد: باب ما يُرَدُّ قبل أن يقع القسم مِمّا أصاب العَدُو

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الجهاد، بَابُ مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُو.
فجر السبت 13 محرم 1443هـ.
باب مَا يُرَدُّ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْقَسْمُ مِمَّا أَصَابَ الْعَدُوُّ
1308 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عَبْداً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ، وَأَنَّ فَرَساً لَهُ عَارَ، فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ.
1309 - قَالَ وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلاَ يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ.
1310 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلاَمَهُ، ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ، بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ غُرْمٍ، مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلاَمُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ.
1311 - قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ، ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْقَسْمِ: إِنَّهَا لاَ تُسْتَرَقُّ وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الإِمَامُ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلاَ يَدَعَهَا، وَلاَ أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا، وَلاَ يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ، لأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا.
1312 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ، أَوْ فِي التِّجَارَةِ، فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ، أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ. فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلاَ يُسْتَرَقُّ، وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئاً مُكَافَأَةً، فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ، بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ, وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ الأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ، وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئاً مُكَافَأَةً، فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْماً عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ.
نص الدرس مكتوب:
الحمد لله مُكرِمنا بالشريعة البيِّنة وصلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم على عبده من جمع الله له الصفات الحسنة، وعلى آله وأصحابه ومن والاه في الله تبارك وتعالى واتبعه فيما أسرّه وأعلنه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الذين جاؤوا بشرائع الحق القويمة البيِّنة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعدُ،
فيواصِل سيدنا الإمام مَالِكْ -عليه رضوان الله تعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالجِهاد، ويذكر لنا هنا ما أخذه المشركون مِنْ أموال المسلمين ثُمَّ عاد إلى أيدي المسلمين بواسطة المجاهدين، فماذا يصنعون بهذا المال الذي كان مِلكًا لأحدٍ مِنَ المسلمين؟ فيتفرَّع لذلك فروعٌ في فقه الشريعة المُطهرة؛
-
وقال فيها الشَّافعية: أن كل ما ثَبُت مُلكه لمسلم ثُمَّ أخذه الكفار بأيّ وجه، بغلبةٍ أو بغير غلبة، أو بفرار آبقٍ إليهم وما إلى ذلك، فإنه مُلكٌ لصاحبه لا يزول عنه مُلكه بأخذ الكفار له، وأنه يعود إلى مالكه وإلى صاحبه، يُعاد إليه، يُرجع إليه؛ لا فرق في ذلك بين أن يكون قبل القسمة أو بعد القسمة، فإذا كان بعد القسمة عوَّض الإمام مَنْ وقع ذلك في يده عنه ورُدّ ذلك المال إلى مالكه من المسلمين.
-
ومذهب الإمام مَالِكْ ما أشار إليه في الموطأ:
-
أنه إن عرفه وأصابه قبل القسمة فهو له.
-
وأما بعد القسمة فلا يرجع إليه شيء.
-
فإذا أستولى الكفار -والعياذ بالله- على مال مسلم ثُمَّ غلب عليه المسلمون فهكذا الحكم عند الشَّافعية: أن يرجع إلى مالكها، وأنه لا يملكه الكُفار بغلبَتهم الغاشمة الظالمة، وجاء روايتان عن الإمام أحمَدْ أنهم يملكون بالقهر، وهكذا في ما مال إليه الإمام مَالِكْ وأبو حَنِيفَة روايتان عن الإمام أحمَدْ كقول الشَّافعي:
-
أنهم لا يملكونها، لأن أخذهم إياها بغير وجه حق، فلا تدخل في أملاكهم، وأن الله عظّم حُرمة المسلم فلم يُبِح مِنْ ماله شيئًا إلا ما كان عن طِيب نفس، وما عدا ذلك فلا يخرج عن مُلكه، فمن أخذه بغير طِيب نفس مالكه فهو حرامٌ عليه وهو لا زال مُلكًا لمالكه.
وهكذا الحُكم في أموال المسلمين التي تُسترد من أيدي الكفار القول بأنها لأربابها هو قول الإمام الشَّافعي وعليه أبو ثور وغيره من الأئمة.
-
والقول الثاني: أنّ ما أسترده المسلمون فهو غنيمة الجيش وليس لصاحبه منه شيء، يروى ذلك عن بعض الصَّحابة وعن بعض التابعين.
-
والقول الثالث هو قول الإمام مَالِكْ: ما وُجِد من أموال المسلمين قبل القسم فصاحبه أحقّ به بلا ثمن. وما وجد من ذلك بعد القسم صاحبه أحق به لكن بقيمة، يُسلِّم القيمة للغانمين ويأخذ مُلكه الذي قد أخذه عليه الكفار.
فهكذا يرى ذلك الإمام مَالِكْ في كل ما استرده المسلمون مِنْ أيدي الكفار، وبه يقول أيضًا سفيان الثوري.
وُيروى عن سيدنا عُمَر رضي الله عنه. ومن أهل العِلم مَنْ فرّق بين ما صار مِنْ ذلك على أيدي الكفار غلبة وحازوه حتى أوصلوه إلى دار المشركين وديارهم ومنازلهم، وبين ما أخذوه فأُخذ منهم قبل أن يَحوزوه ويبلغوا به دار الشرك، قالوا ما حازوه فهذا هو حكمه كما قال الإمام مَالِكْ.
وجاءت هذه الأقوال فيما استُرِدّ واستدل الإمام الشَّافعي ومن وافقه، فيما جاء عن سيدنا عُمران بْنِ حصين -رضي الله عنه- أنَّ جماعةً من المشركين أغاروا على سرح المدينة فأخذوا ناقة النَّبي ﷺ العضباء، وأخذوا امرأة، ثُمَّ قامت المرأة ليلة وهم نيام فجاءت الى كل بعيرٍ فجعلت لا تمِس بعيرٍ إلا رغى فتركتها، فجاءت إلى العضباء ناقة النَّبي ﷺ فوجدتها ذلول يسيرة، فركبتها ومشت، هربت مِن بينهم، ونذرت إن نجّاها الله أن تذبحها -هذه الناقة التي ركِبت عليها- فجاءت إلى المدينة ولمّا دخلت عرفها النَّاس قالوا هذه ناقة رسول الله، وجيء بها إلى النَّبي ﷺ، فأخبرته بنذرها قال: بئسما جزيتيها! تنجين عليها وتخلصكِ من الأذى وتقومين بذبحها أهذا جزاءها؟! ثُمَّ قال: "لا نذرَ لابنِ آدمَ فيما لا يَمْلِكُ"، هذا شيء ما تملكينه، فأعدّ أنها غير مالكة لو كانت دخلت مُلك الكفار لملكتها، لأنها غَانِمة لها أن تأخذ مِنْ أموال الحربيين ما تأخذه فيكون مُلك لها؛ إلا الخُمس يُخرج منه الغنيمة؛ ولكن لمَّا نفى المُلك عنها واستلمها ﷺ ورُدَّت إليه؛ عُلِم أنه لا يزول مُلك المُسلم بأخذ الكفار لماله، هذا مذهب الإمام الشَّافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وهو كذلك عند مَالِكْ ما لم يُقسَم؛ فإن قُسِم فلا حقٌ له فيه إلا بالثمن.
وذكر: "أَنَّ عَبْداً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَبَقَ" فرّ وهرب، "وَأَنَّ فَرَساً لَهُ عَارَ" عار عليه؛ يعني: انقلبَ على وجهه، "فَأَصَابَهُمَا الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَنِمَهُمَا الْمُسْلِمُونَ، فَرُدَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمَا الْمَقَاسِمُ". رُدّا على عبدا لله بْنِ عُمَر لأنه مالكهما، وهو كذلك عند الإمام الشَّافعي وعند الإمام مَالِكْ مُقيّد بما لم يدخل في القسمة، فإذا دخل في القسمة فلا حق له عند الإمام مَالِكْ إلا أن يؤدي الثمن، فإذًا يقول الشَّافعي تُردّ لأن الكفار لم يملكوها.
وقال الأئمة الآخرون: بل مُستولي الكفار مِنْ أموال المسلمين يرجع إلى صاحبه قبل القسمة، ما استولى عليه الكفار من أموال المسلمين يرجع إلى صاحبه قبل القسمة.
وهكذا فتبيّن أن
-
الأئمة الأربعة يقولون بإرجاعه قبل القسمة واختلفوا فيما بعد القسمة.
-
وعند الإمام الشَّافعي: لا يزول مُلكه أصلًا عن مالكه بأخذهم له.
-
وعند الأئمة الآخرين: أنه يزول مُلكه باستيلائهم عليه ولكنه هو أحق به قبل القسمة.
-
ومن غير المذاهب الأربعة ما رُوي عن بعض التابعين وبعض الصَّحابة: أنه لا حق فيه قط لصاحبه بل هو من جملة غنائم المسلمين يُقسم على المسلمين، وقد فات على صاحبه ودخل في قبضة الكفار فما له منه شيء، وإنما يدخل في ضمن الغنائم مُطلقًا قبل القسمة أو بعدها.
يقول: "وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: فِيمَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُ إِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلاَ يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ"؛ يعني: أنه لا يكون أحقّ بدون ثمن، وهكذا تقول الحَنَفِية وهي رواية عن الإمام أحمَدْ كما أسلفنا.
يقول: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلاَمَهُ"، استولى عليه وأخذوه إلى بلادهم "ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ، بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلاَ قِيمَةٍ، وَلاَ غُرْمٍ"؛ يعني: أنَّ له أخذه، ولا يدفع فيه قيمته، قيمته: ما يساوي يوم أخذه، ولا ثمنًا إن كان وقع فيه تبايع بين المشركين قبل أن يغنم، ولا يغنم بسبب ذلك من أنفق عليه، "مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ"؛ وذلك أن الغنيمة لا يستقر ملك الغانمين عليها بنفس الغنيمة؛ وإنما بالقسمة، عندما قال: "فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلاَمُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إِنْ شَاءَ"؛ يعني: هو أحق به من غيره لكن يُسلِّم الثمن لمن وقع في سهمه.
"قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدِ"؛ وهي: الجارية تِلدُ مِنْ سيدها فتصير أمَّ ولدٍ تُعتق بموته، أصابها المشركون، "فِي أُمِّ وَلَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَازَهَا الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَقُسِمَتْ فِي الْمَقَاسِمِ، ثُمَّ عَرَفَهَا سَيِّدُهَا" يعني: "إِنَّهَا" هذه الصورة "لاَ تُسْتَرَقُّ"؛ فعندهم أمَّ الولد لا تُسبى، "إِنَّهَا لاَ تُسْتَرَقُّ وَأَرَى أَنْ يَفْتَدِيَهَا الإِمَامُ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا وَلاَ يَدَعَهَا"؛ لأنها صارت أمَّ ولد، فهذا اختلفت في المسألة في مذهب الإمام مَالِكْ يقول: "وَلاَ أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا، وَلاَ يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ، لأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إِذَا جَرَحَتْ" إذا اعتدت على واحد فعليه أن يُسلِّم الأرش حق العدوان ويأخذها، فكذلك إذا وقعت في أيدي العدو يُسلِّم لهم قيمتها ويأخذها هو إذا صارت أمَّ ولد. "فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ"؛ يعني: أخذ المشركين لها بمنزلة اعتداءها على أحد، فعلى سيدها أن يُسلِّم أجرة العدوان.
"وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ، أَوْ فِي التِّجَارَةِ، فَيَشْتَرِيَ الْحُرَّ أَوِ الْعَبْدَ، أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ. فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلاَ يُسْتَرَقُّ، وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئاً مُكَافَأَةً، فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ، بِمَنْزِلَةِ مَا اشْتُرِيَ بِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ الأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَهُ أَسْلَمَهُ"، فيُخيّر سيده الأول:
-
إن شاء أن يأخذه ويدفع للذي اشتراه ثمنه.
-
وإن أحبّ أن يُسِلمه؛ يعني: يتركه للذي اشتراه؛ "أَسْلَمَهُ".
"وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ" ليس له ثمن "إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ" يعني: الموهوب له، "أَعْطَى فِيهِ شَيْئاً مُكَافَأَةً" لهم "فَيَكُونُ مَا أَعْطَى فِيهِ غُرْماً عَلَى سَيِّدِهِ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ"، ويُسلِّم هذا الذي الذي أعطوه إياه، الذي استلمه مِنَ المشركين، وما أعطاهم إياه مقابل ذلك هو مكافأة، يُسلمه سيده لهذا ويفتديه به، والله أعلم.
الله يرزقنا الإيمان واليقين والصدق والإخلاص، والتوفيق لمرضاته، ويعزّ الإسلام والمسلمين وينصرهم على أعدائهِ أعداء الدِين، وأعداء المِلة، وأعداء الأُمة، وأعداء الإنسانية، ولا يُبلغهم مراد فينا، ولا في أحد من المسلمين، ويُحوّل الأحوال إلى أحسنها، ويعجّل بغياث الأمة، ويكشف كل غُمة ويعامل بمحض الجود والرحمة لنا ولأهل لا إله إلا الله وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
21 مُحرَّم 1443