شرح الموطأ - 227 - كتاب الحج: باب ما يَفعل مَن نسي مِن نسكه شيئًا، وباب جامع الفِدية

شرح الموطأ - 227 - كتاب الحج، باب ما يَفعل مَن نسي مِن نسكه شيئاً، من رواية سعيد بن جبير
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب ما يَفعل مَن نسي مِن نسكه شيئاً، وباب جامع الفِدية.

فجر الإثنين 23 ذي الحجة 1442هـ.

 باب مَا يَفْعَلُ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئاً

1259- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئاً، أَوْ تَرَكَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَماً.

قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي قَالَ: تَرَكَ، أَوْ نَسِىَ.

1260- قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْياً فَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكاً، فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ.

 باب جَامِعِ الْفِدْيَةِ

1261- قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئاً مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَوْ يُقَصِّرَ شَعَرَهُ، أَوْ يَمَسَّ طِيباً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ، قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ، وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ.

1262- وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْفِدْيَةِ مِنَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ النُّسُكِ، أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ، وَمَا النُّسُكُ، وَكَمِ الطَّعَامُ، وَبِأَىِّ مُدٍّ هُوَ، وَكَمِ الصِّيَامُ، وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ، كَذَا أَوْ كَذَا، فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، أَيَّ شَيْءٍ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَعَلَ. قَال:َ وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ، بِالْمُدِّ الأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ ﷺ.

1263- قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِذَا رَمَى الْمُحْرِمُ شَيْئاً، فَأَصَابَ شَيْئاً مِنَ الصَّيْدِ لَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ، إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ، وَكَذَلِكَ الْحَلاَلُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئاً، فَيُصِيبُ صَيْداً لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلُهُ، إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ، لأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ.

1264- قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُصِيبُونَ الصَّيْدَ جَمِيعاً وَهُمْ مُحْرِمُونَ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاءَهُ، إِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْي، فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ الصِّيَامُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً، فَتَكُونُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِتْقَ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ.

1265- قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى صَيْداً، أَوْ صَادَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ، وَحِلاَقِ رَأْسِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ: إِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [المائدة:2] وَمَنْ لَمْ يُفِضْ فَقَدْ بَقِىَ عَلَيْهِ مَسُّ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ.

1266- قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَداً حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.

1267- قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجْهَلُ، أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا فَلاَ يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدَمَ بَلَدَهُ، قَالَ: لِيُهْدِ إِنْ وَجَدَ هَدْياً، وَإِلاَّ فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ، وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا ببيان أحكام الشَّريعة، وتوضيح أحكامها على لسان عبده المُصطفى مُحمَّد ذي المراتب الرَّفيعة، اللَّهم صلّ وسلِّم وبارك وكرّم على عبدك المُجتبى المخصوص منك بالمِنن والعطايا الوسيعة، سيِّدنا مُحمَّد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم أداء الوديعة، وعلى آبائه وإخوانه مَن الأنبياء والمُرسلين الهُداة المهتدين أهل الوجاهات العظيمة الوسيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين وإليه يرجع الأمر جميعه. 

أما بعدُ،

فيذكر الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما يلزم مَن ترك شيئًا من أعمال النُّسك -أعمال الحج وأعمال العُمرة-، وهي منقسمة إلى فرائض متفق فيها على الإحرام والوقوف والطَّواف، فهذه عند الجميع فرائض من فرائض الحج.

قال الشَّافعية: والسَّعي بين الحج والعُمرة؛ أي: بين الصَّفا والمروة أيضًا ركنٌ من أركان الحج، وقالوا: عن الحلق والتقصير أيضًا. فعدّوا الأركان خمسة: 

  1. الإحرام

  2. والوقوف بعرفة

  3. وطواف الإفاضة

  4. والسَّعي بين الصَّفا والمروة

  5. والحلق أو التقصير 

ومنها ما يكون من الواجبات دون الفرائض كمثل: كون الإحرام من الميقات، وكمثل المبيت بمِنى ليالي التَّشريق، وكمثل المبيت بمزدلفة وأمثال ذلك، فهذه الواجبات، قال الشَّافعية: 

○ مَن ترك منها شيئًا؛ وَجَبَ عليه الفِدية. 

○ وإن كان بغير عذر؛ فعليه الإثم وحجّه صحيح. 

وأما ما عدا ذلك من السُّنن، فمَن ترك شيئًا منها؛ فلا شيء عليه وحجّه صحيح وفاته الثواب. إذًا؛ فأعمال الحج عند الشَّافعية: 

  • أركان

  • وواجبات

  • وسُنن 

وقالوا:

○ مَن ترك ركنًا؛ لم يصح حجّه أصلًا حتى يأتي بذلك الرُّكن. 

○ ومَن ترك واجبًا؛ صح وعليه الدم. فإن كان بغير عذر فعليه الإثم مع الدم. 

○ وأما السُّنن، فيفوت بها الثواب ولا تؤثر على حجّه شيئًا، ولا فدية فيها.

فلذلك قال الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر في نظْمه:

وغير هذه سُنَنَ فيها فضايل جزال *** فمَن ترك ركن ما حجّه صحيح بحال

ومَن ترك واجبًا صحّ بغير جدال *** لكن عليه الوبال والدّم للاختلال 

وهكذا يأتي اختلاف الأئمة -رضي الله تعالى عنهم- في مَن ترك شيئًا من أعمال الحج. وروى عن ابن عباس: "مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئاً، أَوْ" قال: مَن "تَرَكَهُ"، ترك من النُّسك شيئًا "فَلْيُهْرِقْ دَماً". وأَيُّوبُ يضبط الرواية "قَالَ: لاَ أَدْرِي قَالَ: تَرَكَ، أَوْ نَسِىَ" أي وحدة من اللفظتين. إذًا؛ فهناك مسائل اختلف اجتهاد الأئمة فيها، وهناك مسائل متفق عليها -مجمع عليها-، فنية الدُّخول في الحج الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، متفق عليها أنها فرائض؛ لا يصح الحج بدونها. وبعد ذلك اختلفوا في الواجبات، 

  • فمَن الواجبات أن يكون الإحرام من الميقات

○ فإذا أخّره وأحرم أقرب إلى مكَّة؛ صح إحرامه وعليه دم.

○ وإن كان فعل ذلك متعمدًا؛ أثِم أيضًا فعليه التوبة وعليه كفَّارة.

والكفَّارة إما أن يذبح شاةً، فإن عجز فيصوم عشرة أيام. 

  • وكذلك من الواجبات في الحج المبيت بمزدلفة. اختلفوا في الجمع بين اللَّيل والنَّهار في عرفة، 

    • فاعتمد الشَّافعية، أن ذلك سُنَّة.

    • وقال غيرهم من الأئمة: أن ذلك واجب أن يجمع بين اللَّيل والنَّهار، بأن يكون حاضرًا في عرفة شيئًا من ساعات النَّهار وأول اللَّيل أو شيئًا من ساعات اللَّيل.

  •  ثم يأتي الوقوف بمزدلفة عند الخروج من عرفة.

    • فمَن ترك المبيت بمزدلفة بعذر؛ لا فداء عليه، بمرض وضعف جسمه وما إلى ذلك. 

    • حتى ذكر الحنفية وغيرهم خوف الزحام على المرأة فعدّوه من الأعذار. 

    • وكذلك قال الشَّافعية: إذا ورد متأخرًا فاشتغل بالوقوف بعرفة، فذهب يدرك الوقوف بعرفة قبل الفجر، فما عليه المبيت بمزدلفة؛ لاشتغاله بركن من الأركان بل هو أهم الأركان بالنسبة للحج.

 

  • ثم يأتي من الواجبات المبيت بمِنى ليالي التَّشريق

    • إما ليلتين، فيجوز أن ينفِر في اليوم الثاني وهو الثاني عشر من شهر ذي الحجة؛ -اليوم الثاني من أيام التَّشريق، الثاني عشر من شهر ذي الحجة- بعد أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني.

    • أو يكمل الثلاث قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ) [البقرة:203].

  • فإذا ترك المبيت بمزدلفة؛ وجب عليه بذلك دم كما أسلفنا في ترك الميقات، وهو ذبح شاة أو صيام عشر. إن عجز عن ذلك، فصيام عشرة، أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، إذا ترك المبيت بمزدلفة.

    • وقيل: أنه سُنَّة عند الشَّافعية وعند غيرهم. 

    • والمعتمد عند الشَّافعية: أنه واجب المبيت بمزدلفة ليلة العيد.

    • ولكن قال المالكية: معنى المبيت أن يحضر في أرض مزدلفة قدر ما توضع الرِّحال ثم تشد؛ أي: من مقدار ساعة إلا ربع. 

    • وقال الشَّافعية: لا يكون المبيت إلا بأن يحضر بعد نصف اللَّيل ولو لحظة في مزدلفة.

    • وقال الحنفية: لا بُد أن يطلع عليه الفجر وهو بمزدلفة. 

  • فإذا ترك المبيت في مِنى كذلك بغير عذر؛ وجب عليه أن يُخرج الفِدية. 

وقد عذر ﷺ أهل الرِّعاية وأهل السّقاية -رعاة الإبل للحجيج، وأهل السّقاية بمكَّة، سيِّدنا العباس وقومه ينزحون للناس الماء بمكَّة-، فعذرهم عن المبيت في مِنى. 

  • وإذا ترك المبيت كله؛ فعليه دم. 

  • فإذا ترك ليلة من اللّيالي الثلاث؛ فعليه مُد من الطّعام.

  • وإن ترك ليلتين؛ فعليه مُدّان. 

  • وإن ترك الثلاث ليال؛ فعليه ذبح شاة. 

  • فإن عجز؛ فصيام عشرة أيام.

ويأتي في الأعذار مَن يخاف على نفسٍ أو مال أو ضياع مريض بلا متعهد، فيُسمح له في ترك المبيت بمِنى أيام التَّشريق.

وفي قولٍ أيضًا عند الشَّافعية: 

○ أن المبيت ليالي التَّشريق بمنى سُنَّة. 

  • كذلك الرَّمي -رمي جمرة العقبة في أول يوم ثم رمي الجمار الثلاث أيام التَّشريق- وهذا من الواجبات؛ 

    • فمَن تركه وجب عليه دم

    • فإذا ترك حصاة واحدة؛ فعليه مُد

    • أو حصاتين؛ فمُدان

    • أو ثلاث حصي؛ فعليه دم

وقال المالكية: إذا ترك شيء من الرَّمي ولو حصاة واحدة؛ فعليه دم. يقول: "قَالَ مَالِكٌ: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْياً فَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَكَّةَ"، كما تقدَّم معنا أن ما وجب من الذَّبح على الحاج يجب أن يكون بمكَّة، "وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكاً، فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ"؛ يعني: ما لزم من الهدي فلا بُد أن يكون بمكَّة، قال تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة:95]. 

وقسّم المالكية دماء الحج على نوعين: 

  • الهدي 

  • والنُّسك

 فيختص الأول بمكَّة. ولكن عند الشَّافعية والحنابلة وكذلك الحنفية: كل ما تعلّق بالذبح والإطعام، فلا بُد أن يكون في مكَّة إلا دم المُحصِر فحيث أُحصِر. وما كان من صيام؛ فيجوز أن يكون في أي مكان.

 

 باب جَامِعِ الْفِدْيَةِ

 

قال: "باب جَامِعِ الْفِدْيَةِ"، "قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئاً مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي"؛ يعني: لا يجوز "لَهُ أَنْ يَلْبَسَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ"، وأراد أن "يُقَصِّرَ شَعَرَهُ"؛ يعني وهو مُحرم "أَوْ يَمَسَّ طِيباً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِيَسَارَةِ مُؤْنَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ"؛ يعني: سهل عليه أن يخرج الفِدية، ما عليه مشقة. "قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُرْخِصَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ" فما ينبغي يستسهل الفِدية لقلتها وأن لا يبالي "وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ"، وأيضًا معلوم أنه إن ترك واجبًا أو فعل محظورًا؛ أثِم ما لم يكن معذورًا. 

"وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْفِدْيَةِ"؛ يعني: أحكام الفِدية "مِنَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ النُّسُكِ، أَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ، وَمَا النُّسُكُ، وَكَمِ الطَّعَامُ، وَبِأَىِّ مُدٍّ هُوَ"، أسئلة، كذلك "وَكَمِ الصِّيَامُ، وَهَلْ يُؤَخِّرُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، أَمْ يَفْعَلُهُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ" تعالى يعني "فِي" بيان "الْكَفَّارَاتِ، كَذَا أَوْ كَذَا، فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ"، أو أو، إذا قالت الآية أو كقوله تعالى: (فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ..) [البقرة:196] فذلك تخيير؛ أي ذلك أحبّ أن يفعل له، أن يفعل ما شاء ممّا خُيّر فيه. قال: "وَأَمَّا النُّسُكُ"؛ يعني المراد بالنُّسك؛ "فَشَاةٌ"، هذا جواب المسألة الثانية. "وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ" (مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فالصيام ثلاثة أيام، وعليه جماهير أهل العلم أن المراد بالصوم؛ صوم ثلاثة أيام. "وَأَمَّا الطَّعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ"، قال تعالى: (فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ) [البقرة:196]، كم الصَّدقة؟ قال: إطعام "سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ"؛ نصف صاع كما تقدَّم معنا ذكر هذه المسألة. قال: "بِالْمُدِّ الأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ ﷺ". هذا جوابه بأي مد؟ المراد به المد النَّبوي الذي كان في عهده  ومقداره معلوم. 

"قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِذَا رَمَى الْمُحْرِمُ شَيْئاً، فَأَصَابَ شَيْئاً مِنَ الصَّيْدِ" رمى من دون قصد أن يصيب، فأصاب شيئًا من الصَّيد "لَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ، إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ"، وإن كان غير متعمَّد؟ 

نعم، وإن كان غير متعمَّد، لماذا؟ 

لأن فيه إتلاف، وما كان فيه إتلاف سواءًا كان متعمَّد أو غير متعمَّد؛ إلا أن المتعمَّد يأثم، وغير المتعمَّد لا يأثم ولكن الفِدية على الجميع. 

"وَكَذَلِكَ الْحَلاَلُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئاً"، من دون أن يكون مُحرِم ولكن في حدود الحرم، يرمي شيئًا من دون قصد أن يصيد فوقعت رميته على صيد "فَيُصِيبُ صَيْداً لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلُهُ، إِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ"؛ لأن ما كان من باب الإتلاف ما يسقط الفِدية فيه ولو كان خطأ، "لأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ"؛ أي: في وجوب الجزاء "بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ" ولكن يكون الفرق الإثم، المتعمَّد يأثم وغير المتعمَّد لا يأثم، ولكن الفِداء لا بُد منه في مَن قتل صيدًا إما وهو مُحرِم بأي مكان أو غير مُحرِم ولكن في حدود الحرم.

"قَالَ مَالِكٌ: فِي الْقَوْمِ يُصِيبُونَ الصَّيْدَ جَمِيعاً وَهُمْ مُحْرِمُونَ"، اجتمعوا على صيد "أَوْ فِي الْحَرَمِ"،  ولو كانوا غير محرمين. "قَالَ: أَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ جَزَاءَهُ، إِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْهَدْي، فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، وَإِنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمُ الصِّيَامُ"، صحيح وكذلك الإطعام على كل واحد منهم. "وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ خَطَأً، فَتَكُونُ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِتْقَ رَقَبَةٍ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ".

قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى صَيْداً، أَوْ صَادَهُ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ، وَ" بعد "حِلاَقِ رَأْسِهِ"؛ يعني: إذا كان في خارج حدود الحرم "غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ: إِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ"، الذي رماه أو صاده لماذا؟ لأن جواز الصَّيد متعلق على التحلل وعاده ما تحلل هذا تحلل كامل، "لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [المائدة:2]" ومَن لم يطف بعد طواف الإفاضة كيف يكون قد حلّ؟! يعني ما يحل الصَّيد إلا بعد أن يتم التحلل كاملًا من الحج والعُمرة، هذا مذهب الإمام مالك -رضي الله عنه-. 

لكن الأئمة الثلاثة يقولون: الصَّيد كغيره من محرَّمات الإحرام، إذا صاد في غير حدود الحرم؛ يجوز له إذا قد عمل اثنين من الثلاثة الرَّمي والحلق والطَّواف؛ إذا قد فعل اثنين، يعني: بالتحلل الأول يجوز كل شيء إلا النِّكاح، وبفعل الثالث يحل النِّكاح وغيره. ولكن مذهب مالك: أن الصَّيد مثل النِّكاح ما يحل إلا بالتحلل الثاني؛ ما يجوز أن يصيد حتى يتحلل التحلل الثاني.

"قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَداً" من السلف حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ"؛ يعني: عمل غير طيب أن يقطع شجرًا من شجر الحرم وقد نهى ﷺ. قال ﷺ: "فلا يحلُّ لامرئٍ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ أن يسفِكَ بِها دمًا -يعني مكَّة- أو يعضدَ بِها شجرةً". ولكن قال الأئمة الثلاثة غير مالك: 

  • أن عليه في الشَّجرة الكبيرة بَدنة

  •  وفي المتوسطة بقرة

  • وفي الصَّغيرة شاة

 إذا قطع شجرة من شجر الحرم فعليه الفِدية، عند غير الإمام مالك.

"قَالَ مَالِكٌ: فِي الَّذِي يَجْهَلُ، أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا فَلاَ يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدَمَ بَلَدَهُ، قَالَ: لِيُهْدِ إِنْ وَجَدَ هَدْياً، وَإِلاَّ فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ، وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ"؛ يعني: يفصل بين الثلاث والسبع بمدة تكفيه أن يأتي من موطن الحج إلى بلده (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [البقرة:196]، فيفصل بين الثلاثة الأيام وبين السَّبع بمدة يكفيه، لو كان هناك في الحج كفته أن يعود إلى بلاده. فهذه بعض أحكام الحج وما يلزم بترك واجب من واجبات الحج.

حفظ الله علينا وعلى المُسلمين شعائر دينه ومَواطن بيته الحرام وحَرَم رسوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وبيت المقدس، وطهّره من أيدي الغاصبين والظَّالمين والفاجرين والكافرين، وأصلح شؤون المُسلمين أجمعين، وجعلنا في الهُداة المُهتدين بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

25 ذو الحِجّة 1442

تاريخ النشر الميلادي

04 أغسطس 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام