شرح الموطأ - 218 - كتاب الحج: باب صَلاَة مِنى، وباب صلاة المقيم بمكة ومِنى

شرح الموطأ - 218 - كتاب الحج: باب صَلاَةِ مِنًى، من حديث مالك في أهل مكة: (إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ)
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب صَلاَةِ مِنًى، وباب صلاة المقيم بمكة ومِنى.

فجر الأحد 1 ذي الحجة 1442هـ.

باب صَلاَةِ مِنًى

1197- قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى مَكَّةَ.

1198- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الصَّلاَةَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ شَطْرَ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ.

1199- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئاً.

1200- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئاً.

1201- سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كَيْفَ صَلاَتُهُمْ بِعَرَفَةَ، أَرَكْعَتَانِ أَمْ أَرْبَعٌ، وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَكَيْفَ صَلاَةُ أَهْلِ مَكَّةَ بمِنَى فِي إِقَامَتِهِمْ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْصُرُونَ الصَّلاَةَ، حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ. قَالَ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضاً إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلاَةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِناً بِمِنًى مُقِيماً بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ بِمِنًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِناً بِعَرَفَةَ مُقِيماً بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ بِهَا أَيْضاً.

باب صَلاَةِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى

1202- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلاَلِ ذِى الْحِجَّةِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى، فَيَقْصُرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى مُقَامٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بالبيان على لسان عبده المُصطفى سيِّد الأكوان، مَن أُنزل عليه القرآن صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه في كل حينٍ وآن، وعلى آله الأطهار وأصحابه الغُرّ الأعيان، وعلى مَن والاهم في الله واتّبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الَّذين رفع الله لهم المنزلة والمكان والقدر والشأن، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويواصل سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذكر الأحاديث المتعلّقة بصلاة الحاج في عرفة وفي مُزدلفة وفي مِنى وفي مكة كيف تكون.

و "قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ"؛ يعني: الظُّهر والعصر والعِشاء؛ الصَّلوات الرُّباعية التي هي صلوات القصر، فاعتبر أنها لأجل النُّسك، وخروجهم من مكَّة سفر، وهو قصير ولكن لا يعتبر في غير النُّسك سفرًا لجواز القصر، ولكن في النُّسك يعتبر. 

  • فهذا مذهب الإمام مالك والذي اشتهر عنه أن القصر في منى ومزدلفة وعرفة لأجل النُّسك؛ أي: لأجل الإحرام بالحج. 

  • وقال الأئمة الثلاثة: القصر إنما هو لأجل السَّفر؛ 

○ فمن كان مسافرًا سفرًا معتبرًا بأن جاء بعيدًا من مكَّة المُكرَّمة وبينه وبينها مسافة مرحلتين؛ فيقصر. 

○ وأما مَن كان من أهل مكَّة أو قريب منها دون المرحلتين إلى عرفة؛ فلا يقصر. 

  • وقال الإمام مالك: كل الحجّاج يقصرون.. إلا لو فرضنا ساكنين سكنوا بمنى؛ أو مقيمين أقاموا بعرفة بيوتهم وجلسوا هنا، فإنهم في محل إقامتهم؛ لا يقصرون، وفي المحل الآخر يقصرون.

    • بحيث لو فرضنا سكان بعرفة، فإذا خرجوا إلى مزدلفة يقصرون، وإذا جاؤوا إلى منى يقصرون أيضًا.

    • أو سكانًا بمنى، فبمنى لا يقصرون، لكن إذا خرجوا إلى عرفة يقصرون، وفي المزدلفة كذلك يقصرون.

 إذًا، فاعتبر الإمام مالك النُّسك ولكن مع سفر أيضًا، أما مع نفس الإقامة فلا. إلا أن السَّفر الذي اعتبره غير السَّفر الذي اعتبره لغير المُحرِم، وهو أن يكون مسافة مرحلتين بسير الأثقال، مسيرة يومين؛ هذا لم يعتبره الإمام مالك فجعل بسبب النُّسك أدنى سفر يدخله في القصر، ويجيز له القصر. 

"قَالَ مَالِكٌ فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِمِنًى إِذَا حَجُّوا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ"؛ يعني: الظُّهر والعصر والعشاء؛ لأن القصر عنده منوط بالنسك ويكفي فيه أدنى سفر. 

وروى: "عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الصَّلاَةَ الرُّبَاعِيَّةَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ."، والرباعية هي الظُّهر والعصر والعشاء "وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ  بن عفان -رضي الله عنه- صَلاَّهَا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ شَطْرَ" زمانه أو "شَطْرَ إِمَارَتِهِ"، شطر أيام كان أمير المؤمنين، وقد مكث في الخلافة اثنتي عشر سنة. والشَّطر؛ يطلق على النصف وعلى الجزء من الشيء، يكون أقل من نصفه أو أكثر منه، يُقال شطره.  كما جاء في الصَّلاة أن الله وضع شطرها لمَّا سأله أن يخفّف الصَّلاة، والمراد جزءًا منها، فيطلق على النصف، ويطلق على الجزء من الشيء، يُقال له: شطر، وإن كان الأكثر استعماله في النصف. ولهذا قال بعضهم: أنه صلَّى في منى لمَّا حج ست سنين؛ لأنها نصف أيام خلافته -رضي الله تعالى عنه-. وقيل: غير ذلك. والقصد أنه صلَّى عددًا من السنوات بعد أن تولّى الخلافة كما صلَّى رسول الله وأبو بكر وعُمَر ركعتين ركعتين. "ثُمَّ أَتَمَّهَا بَعْدُ" ذلك؛ يعني: في آخر حجّاته أتمّ، فصلَّى أربعًا أربعًا. 

واختلفوا لمَ فعل ذلك سيِّدنا عثمان -عليه رضوان الله- مع أنه عَرف السُّنَّة قبله، وصلَّى مع رسول الله ومع أبي بكر وعُمَر ركعتين ركعتين؟ وذلك لأمرٍ رآه سيِّدنا عثمان ما بين أن بعض الأعراب الذين جاؤوا للحج لمّا رأوه يصلي كل يوم بمنى ركعتين، رأوا أن الصَّلاة دائمًا ركعتين الظُّهر والعصر والعشاء. وسمع بعضهم يقول: إني منذ صليت معك العام الماضي لم أزل أصلي ركعتين! فلمّا رأى ذلك صلّى بالناس أربعًا حتى لا يلتبس على الأعراب وعامة النّاس أن هذه أربع، إنما تُقصر لعُذر. 

  • وقيل: أنه نوى الإقامة في تلك السَّنَة التي صلَّى فيها أربعًا قريبًا من مِنى في الطَّائف أو في مكَّة، فأراد أن يقيم فبذلك جعل نفسه مقيمًا فأتم. 

  • وقيل: إنّما فعل ذلك لبيان أنها رُخصة ليست بواجبة.

    • وهي عند الحنفية للمسافر يجب القصر.

    • وعند غيرهم رُخصة لا يجب فيها القصر فكأنما ذهب أنها رخصة. 

وعلى كل الاحتمالات، فإن لسيِّدنا عثمان -عليه الرضوان- في ذلك مغزى وحُجّة، وقد صرَّح لبعض الذين ناقشوه في المسألة أنهم من أجل هؤلاء الأعراب صلَّى أربعًا لئلا يلتبس عليهم. فقد جاء أن ما رواه الواقدي أن عثمان لمّا صلّى بمنى أربعًا، أتى آت لسيِّدنا عبد الرّحمن بن عوف قال: هل لك في أخيك صلّى بالناس أربعًا؟ فذهب سيِّدنا عبد الرّحمن بن عوف إلى عثمان بن عفان، قال: ألم تصلي في هذا المكان مع رسول الله ﷺ ركعتين؟ قال: بلى، قال: أفلم تصلي مع أبي بكر -رضي الله عنه- ركعتين؟ قال: بلى، قال: أفلم تصلي مع عُمَر -رضي الله عنه- ركعتين؟ قال: بلى، قال: ألم تصلي صدرًا من خلافتك ركعتين؟ أنت بنفسك… قال: بلى، فاسمع مني يا أبا مُحمَّد، إني أُخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة النَّاس قد قالوا في عامنا الماضي إن الصَّلاة للمقيم ركعتان، هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين، فنحن نصلي ظُهر وعصر ركعتين، أما خو صلاها لكونه حاجًا لا أنه طول عُمرِه يُصلي ركعتين وهم إنما صلوا معه في الحج، فلذلك أتمَّها سيِّدنا عثمان، رضي الله تبارك وتعالى عنه.

إذًا؛

  • فالأصل أن فيها القصر 

  • لكن عند الأئمة الثلاثة للسفر المُعتبر؛ وهو مسير مرحلتين؛ وهو ما يكون سبعًا وسبعين كيلو، فما زاد على ذلك، فهو مسيرة يومين، وهو مرحلتان، وهو مسافة قصر.

 إذا المسافة تتسع إلى سبع وسبعين كيلومتر فزيادة؛ لأنهم بيّنوها وفسّروا مسيرة اليومين بثمان وأربعين ميلًا هاشميًا. والثمانية والأربعين الميل تساوي قريبًا من سبعًا وسبعين كيلومتر، ثمانية وأربعين ميل هاشمية. وهذه الأميال هي التي نقلها المسلمون معهم إلى الأندلس وأخذوها منهم، ولم يزل إلى الآن في الغرب الأميال حق السّيارات وغيرها على هذه الأميال الهاشمية التي تلقّوها من المسلمين لمّا جاؤوا إلى بلادهم، فصارت عندهم الأميال، وما كانت عندهم مقاسات هذه الأميال فأخذوها، فإلى الآن لا تزال عندهم الأميال في سياراتهم وفي غيرها وطائراتهم. فالميل: 48 ميلًا تساوي 77 كيلومترًا.  

  • لكن الإمام مالك قال: الحاج لا، إذا هو في غير بلده المستوطن فيها ولو كان قريبًا فيقصر. 

إذا لم يكن مستوطنًا بمنى؛ فيقصر بمنى. إذا لم يكن مستوطنًا بمزدلفة؛ فيقصر بمزدلفة. إذا لم يكن مستوطنًا بعرفة؛ يقصر بعرفة. ولو كان من سكان مكَّة فيُقصر بمنى، ويقصر بعرفة، بخلاف مكَّة البلد المستوطن فيه، لا يقصر فيه.. وما عدا ذلك ما دام أنه في الحج ما يشترط 48 ميل، ولا مسير يومين، أي مسافة يكفي. فهذا يحمل الذين يقصرون من نواحي قريبة من مكَّة، من جدة ومن غيرها فيقصرون، فيكون على مذهب الإمام مالك، وإن كان المسافة من ديارهم أقل من مسافة القصر. 

وكذلك الجمع:

  • الجمع أيضًا عند الأئمة لأجل السَّفر. 

  • ولكن رأى الإمام أبو حنيفة، أن الجمع للمسافر غير جائز ولكن الجمع في عرفة ومزدلفة لأجل النُّسك؛ فالحاج وحده يجمع في عرفة وفي مزدلفة فقط، فعنده هذا هو الجمع، وأما بقية الأسفار فليس عند الحنفية جمع وإنما يجب القصر من دون جمع. 

  • وقال غيرهم: الجمع أيضًا جائز للمسافر بين الظُّهر والعصر تقديمًا وتأخيرًا، وبين المغرب والعشاء إما تقديمًا وإما تأخيرًا.

"وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئاً."؛ يعني: مكَّة وإنما بالنبي؛ لأنه ﷺ لمّا كان بمكَّة يقصر لأنه لم ينوِ الإقامة بمكَّة. 

  • والإقامة التي تقطع السَّفر:

    •  هي عند المالكية والشَّافعية والحنابلة أربعة أيام، فإذا نوى أن يقيم في أي بقعة أربعة أيام غير يوم الدُّخول والخروج؛ انقطع سفره. 

    • عند الحنفية خمسة عشر يوم، إن نوى أن يقيم خمسة عشر يوم فأكثر انقطع سفره، وإلا فيقصر إذا كان أقل من خمسة عشر يوم.

وقال الأئمة الثلاثة: أربعة أيام..

  • إذا نوى أن يقيم أربعة أيام فأكثر، انقطع السَّفر، ويصلي أربعًا، ولا يجمع. 

  • وإن لم ينوِ أربعة أيام، بأن نوى ثلاثة أيام فما دونها، فيقصر.

  •  إلا إذا كان لحاجة، إلا إذا كان لحاجة توقع أن يسافر أي يوم، فيجوز أن يستمر قصره إلى الخمسة عشر إلى الثمانية عشر ثم يوقف. 

وقالوا: أن النبي ﷺ أقام بمكة في ترتيب شؤون يتوقع السَّفر، فلذا قصر مدة خمسة عشر أو سبعة عشر يوم أو ثمانية عشر يومًا بمكَّة المُكرَّمة، وكان يقول لهم: إذا سلّم أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْر؛ أي مسافرون. وفعل ذلك مرة سيِّدنا عُمَر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فقال: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى"، ما قال سيدنا عمر: يا أهل مكة أتموا صلاتكم، وهذا دليل مذهب الإمام مالك؛ أنهم إنّما يتمون وسط البلد الذي هم فيها، وإذا خرجوا في نُسك ولو إلى مكان قريب فلا يتمون. فلهذا قلنا سيِّدنا عُمَر في مكَّة، قال لأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قومُ سفر، ولمّا صلى في مِنى ركعتين ما قال شيء، ما خاطب أهل مكَّة ولا غيرهم. ولكن مَن كان مقيمًا بمكَّة -فكما سمعنا كلام مالك- أنه لا يقصر بمكَّة، ومَن كان مقيمًا بمِنى لا يقصر بمِنى.

وروى: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ، ثُمَّ صَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ بِمِنًى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ شَيْئاً."

"سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كَيْفَ صَلاَتُهُمْ بِعَرَفَةَ، أَرَكْعَتَانِ أَمْ أَرْبَعٌ، وَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْحَاجِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِعَرَفَةَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَكَيْفَ صَلاَةُ أَهْلِ مَكَّةَ بمِنَى فِي إِقَامَتِهِمْ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ بِعَرَفَةَ وَمِنًى مَا أَقَامُوا بِهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ يَقْصُرُونَ الصَّلاَةَ، حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ. قَالَ: وَأَمِيرُ الْحَاجِّ أَيْضاً"؛ أي كذلك "إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَصَرَ الصَّلاَةَ بِعَرَفَةَ وَأَيَّامَ مِنًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِناً بِمِنًى مُقِيماً بِهَا"، يقول: "فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ بِمِنًى"؛ يعني: ويقصر في عرفة، ويقصر في مُزدلفة؛ لأنه مُقيم بمِنى، هذا مذهب الإمام مالك. "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ سَاكِناً بِعَرَفَةَ مُقِيماً بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُتِمُّ الصَّلاَةَ بِهَا"؛ أي: بعرفة "أَيْضاً" ويقصر في مزدلفة ويقصر في منى، العبرة بمكان الإقامة.

 

باب صَلاَةِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَمِنًى

 

يقول "مَالِكٍ: مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ لِهِلاَلِ ذِى الْحِجَّةِ"؛ يعني أول الشَّهر "فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلاَةَ"؛ لأنه نوى إقامة من أول الحجّة إلى الطلوع إلى مِنى ثمانية أيام، هذا تجاوز الأربعة الأيام فهو ناوي أن يقيم، فإذًا يُتم. إذا جاء في هلال ذي الحجة أول ذي الحجة باقي ثمانية أيام من طلوع منى، فهو مقيم إذًا. أما مَن جاء باقي يوم أو يومين من الذهاب؛ فهذا مسافر. قال: فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لِمِنًى، فَيَقْصُرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى مُقَامٍ"؛ أي: استقرار "أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ لَيَالٍ"، والأربع ليال هو عند الأئمة الثلاثة، وسمعنا عند الحنفية خمسة عشر ليلة.

رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وأصلح شؤوننا والمسلمين، وأرانا هذه المشاعر مزدحمة بعباد الله من شرق الأرض وغربها على خير الوجوه، استجابة للنِّداء الذي أرسله الله على لسان الخليل إبراهيم (یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ) [الحج:27]، الله يسهل لذلك الطّريق، ويزيل كل تعويق، ويدفع البلايا والرزايا والآفات التي حلّت بالأُمة في المشارق والمغارب، ويعاملنا بفضله وما هو أهله مع صلاح الشأن كله لنا ولأهل لا إله إلا الله، وتوفير حظنا من أيام العشر وليالي العشر، وجوده لمحبوبيه فيها في السِّر والجهر، وينقّي قلوبنا ويصفّي مشروبنا ويبلغنا آمالنا مع صلاح أحوالنا وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

 

تاريخ النشر الهجري

02 ذو الحِجّة 1442

تاريخ النشر الميلادي

12 يوليو 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام