شرح الموطأ - 209 - كتاب الحج: باب هَدْي المُحرم إذا أصاب أهلَه

شرح الموطأ - 209 - كتاب الحج: باب هَدْي المُحرم إذا أصاب أهلَهُ، من حديث مالكٍ رضي الله عنه
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب هَدْي المُحرم إذا أصاب أهلَهُ.

فجر الإثنين 18 ذي القعدة 1442هـ.

 باب هَدْي الْمُحْرِمِ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ

1128- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَج؟ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ، يَمْضِيَانِ، لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ. قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ: وَإِذَا أَهَلّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا.

1129- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئاً: فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَى عَامٍ قَابِلٍ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ، فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا، فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ، وَيُهِلاَّنِ مِنْ حَيْثُ أَهَلاَّ بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ. وَيَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا. قَالَ مَالِكٌ : يُهْدِيَانِ جَمِيعاً بَدَنَةً بَدَنَةً.

1130- قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي الْحَجِّ، مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِىَ الْجَمْرَةَ، إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ إِصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْي الْجَمْرَةِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ.

1131- قَالَ مَالِكٌ: وَالَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ.

1132- قَالَ: وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضاً الْمَاءُ الدَّافِقُ، إِذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ، فَأَمَّا رَجُلٌ ذَكَرَ شَيْئاً حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ دَافِقٌ، فَلاَ أَرَى عَلَيْهِ شَيْئاً.

1133- قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَبَّلَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ دَافِقٌ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْقُبْلَةِ إِلاَّ الْهَدْيُ.

1134- قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَاراً، فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ، إِلاَّ الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ إِنْ أَصَابَهَا فِي الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهَا فِي الْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعُمْرَةِ الَّتِى أَفْسَدَتْ وَالْهَدْيُ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته الغرَّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى. اللَّهم صلّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المُصطفى سيِّدنا مُحمَّد المخصوص بالمعراج والإسراء، وعلى آله مَن أكرمتهم به ووهبتهم طُهرًا، وأصحابه مَن رفعت لهم به قدرًا، وعلى مَن سار في مسيرهم قاصدًا وجهك الكريم سرًّا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين الذين رفعتهم في الفضل أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المُقرّبين وعبادك الصَّالحين طُرًا، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الرَّاحمين ويا أكرم الأكرمين يا مَن يرى ولا يُرى.

وبعدُ،

فيذكر الإمام مالك -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- في هذا الباب ما يجب من الهدي على مَن أفسد حجَّه، قال: ولا يُفسِد الحج بشيء من الأعمال إلا بالجِماع. فمَن جامع أهله وهو مُحرِم؛ فسد حجّه. 

وإذا فسد حجه:

  • وجب عليه أن يمضي في الحج فيُكمله كله وهو فاسد كأنه لم يفسد، فيُكمل جميع أعمال الحج.

  • ثم عليه أن يحج من العام القابل

  • ثم عليه أن يُخرِج الكفَّارة؛

    • وهي بَدنة 

    • فإن لم يجد، فبقرة

    • فإن لم يجد، فسبع شياه

    • فإن لم يجد، فعليه ثمن البَدنة

    • وإن لم يجد، فيصوم بعدد الأمداد في ثمن البَدنة؛ كم تأتي به من أمداد.. يصوم عن كل يوم مُد.

وفي الحج كما هو في الصَّوم؛ أوجب الله -تبارك وتعالى- على الأزواج أن يمتنعوا عن قُرب أهليهم في هذه المواطن، ويحصل الفساد في الحج إذا أتى أهله قبل التَّحلُل ولو بعد الوقوف بعرفة. 

  • إلا أن الحنفية قالوا: لا يفسد إذا قد وقف بعرفة، إنما "الحج عرفة"، وإنما يكون الفساد إن وطئ أهله قبل الوقوف بعرفة. 

كذلك في العُمرة إنما تفسد العُمرة قبل التَّحلُل، وإنما التَّحلُل واحد في العُمرة. فإما بعد السَّعي وقبل الحلق أو التّقصير على قول المعتمد عند الشَّافعية وغيرهم، غير أن الحلق أو التقصير نُسك. وأما من قال أن ذلك استحلال لما حُرِّم قبل ذلك، فلا يفسد بعد تمام السَّعي، هكذا قال الأئمة.

إلا أبا حنيفة أيضًا فإنه يقول: إذا قد طاف بالبيت أربعة أشواط فأكثر؛ لا تفسد العُمرة بعد ذلك إذا قد عمل أكثر الطواف. كما لا يفسد الحج عنده إذا قد وقف بعرفة مع الإثم ومع وجوب الفدية أيضًا.

يقول عليه -رحمة الله تعالى-: "باب هَدْي الْمُحْرِمِ إِذَا أَصَابَ أَهْلَهُ"، ونقل بلاغًا عن هؤلاء الأئمة سيِّدنا عُمَرَ وسيِّدنا عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ، وسيِّدنا أبو هُرَيْرَةَ، وعن غيرهم كذلك ورد من الصَّحابة، الحكم بفساد الحج أو العُمرة بالجماع، ثم وجوب المُضي والإتمام. لذلك قال: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَج؟ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ، يَمْضِيَانِ، لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ"؛ أي: حج العام القابل مباشرة؛ يعني يلزم الحج قضاء وأن يعجّل به في العام الذي يليه مباشرة ويلزمهم أيضًا "الْهَدْيُ. قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ: وَإِذَا أَهَلاَّ بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا"؛ على وجه التأديب لما قد صدر منهما فلا يصدر منهما مثل ذلك في قضائهما للحج. 

وقال مالك: "عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْقَوْمُ شَيْئاً: فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَبَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَى عَامٍ قَابِلٍ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لِيَنْفُذَا لِوَجْهِهِمَا فَلْيُتِمَّا حَجَّهُمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ، فَإِذَا فَرَغَا رَجَعَا، فَإِنْ أَدْرَكَهُمَا حَجٌّ قَابِلٌ"؛ سنة مقبلة "فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ وَالْهَدْيُ، وَيُهِلاَّنِ مِنْ حَيْثُ أَهَلاَّ بِحَجِّهِمَا الَّذِي أَفْسَدَاهُ"؛ يعني: يرجعان إلى الميقات الذي أحرما منه، بحيث لو بقيا في مكَّة إلى العام المقبل يجب عليهما أن يخرجا إلى الميقات لأنه قضاء عن الحج الذي أحرما فيه من ذلك الميقات. "قَالَ مَالِكٌ: يُهْدِيَانِ جَمِيعاً بَدَنَةً بَدَنَةً". 

  • وأجمعوا في الكفَّارة على الرَّجُل 

  • واختلفوا في المرأة كذلك 

  • والمُعتمد وجوب الكفَّارة على كل منهما

عليهما البَدنة، فإن عجزوا، فبعد ذلك يأتي البقرة ثم السبع الشياه ثم التَّصدّق بقيمة البَدنة، وعند العجز عن ذلك فالصوم بعدد الأمداد، وهذا شيءٌ كثير لأن قيمة البَدنة ستأتي بمئات وألوف من الأمداد. 

فحينئذٍ إذا كان إتيان أهله قبل وهو مُحرِم؛ قبل الوقوف بعرفة؛ فبالإجماع يفسد الحج والواجب عليه أن يستمر في الحج. ولا شيس من العبادات الأخرى إذا فسد يستمر فيها إلا الحج والعُمرة، وأي عبادة فسدت وجب أن يخرج ويذهب منها وخلاص يأتي بها من جديد إلا الحج والعُمرة؛ فإنه يجب أن يتِمّهما وإن كانا فاسدين وعليه القضاء بعد ذلك. فيستمر في الحج الفاسد ويؤدي حج من جديد قضاءً ويذبح الهدي في حجّة القضاء. 

  • وهذا الهدي عند أبي حنيفة إذا كان قبل الوقوف إنما هو شاه مع القضاء. 

  • وقال الأئمة الثلاثة: بل هي بَدنة؛ يجب عليه أن يُخرج البَدنة. 

وكذلك هو الحكم إذا كان بعد الوقوف وقبل التَّحلُل عند الأئمة الثلاثة المالكية والشَّافعية والحنابلة؛ فيفسد ويلزم ما يلزم من المضيّ في فاسده ومن قضاءٍ ومن إخراج الكفَّارة. 

ثم إن للحج تحلُلين، وذلك أن من أعمال الحج في يوم النَّحر ثلاثة أعمال وهي: 

○ رمي جمرة العقبة.

○ والحلق أو التقصير. 

○ والطَّواف: طواف الإفاضة؛ الطَّواف بالبيت العتيق.

ثلاثة من هذه الثلاثة إذا فعل أي اثنين منهنّ فقد حصل التَّحلل الأول. فإذا فعل الثالث حصل التَّحلل الثاني. فإذا حصل التَّحلل الأول، إما برمي وطواف أو برمي وحلق أو بحلقٍ وطواف. إذا عمل إثنين من هذه الثلاثة، حصل التَّحلل الأول، ويجوز له مُحرَّمات الإحرام إلا الجِماع، فيبقى حرام عليه إلى أن يأتي بالثالث فيتحلّل التَّحلل الثاني. فإذا أتى أهله بعد التَّحلل الأول وقبل الثاني؛ لم يفسد الحج باتفاق الأئمة الأربعة ولكن عليه الإثم، وعليه أن يُخرج شاةً أو أن يصوم ثلاثة أيام أو أن يطعم ستة مساكين كل مسكين مُدّين -نصف صاع وهو مُدّان-. وهكذا الحكم فيمَن أتى أهله بين التَّحلُلين -التَّحلل الأول والتَّحلل الثاني-.

"قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي الْحَجِّ، مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ عَرَفَةَ وَيَرْمِىَ الْجَمْرَةَ، إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ إِصَابَتُهُ أَهْلَهُ بَعْدَ رَمْي الْجَمْرَةِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيُهْدِيَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجُّ قَابِلٍ."، في مذهب الإمام مالك، عليه رحمة الله تبارك وتعالى.

"قَالَ مَالِكٌ: وَالَّذِي يُفْسِدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيُ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاءٌ دَافِقٌ."؛ مجرد الجِماع يكفي كما هو موجب للغُسل. "قَالَ: وَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضاً الْمَاءُ الدَّافِقُ، إِذَا كَانَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ"، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) [البقرة:137]. 

"قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَبَّلَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ مَاءٌ دَافِقٌ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الْقُبْلَةِ إِلاَّ الْهَدْيُ"، فيلزمه الهدي في مذهب الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-؛ وهو ذبح شاة. 

"قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ مِرَاراً، فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَهِيَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُطَاوِعَةٌ، إِلاَّ الْهَدْيُ وَحَجُّ قَابِلٍ إِنْ أَصَابَهَا"؛ يعني: لا تتداخل، لا تتكرر بالتكرر، وإنما يلزم الكفَّارة العظمى بفعله الأول؛ بهذا يبيّن الحكم -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- فيمَن أفسد حجّه، ولا يفسد الحج إلا بالجماع وهو قبل الوقوف بالإجماع، وبعد الوقوف وقبل التَّحلُل عند الأئمة الثلاثة كذلك. 

وهذا الذي يترتب عليه أن يكمِل ما ابتدأ به، وأن يفعل جميع ما يلزمه لو كان الحج صحيحًا، فيمضي في فاسده، ثم يلزمه الحج فورًا من العام القابل مع ما بقي إلى السنة الآتية، ثم يلزمه أيضًا هذه الكفَّارة العُظمى. قال تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]. ثم يذكر: هدي من فاته الحج، وإنما يفوت الحج بفوات الوقوف بعرفة، كما جاء في الحديث، "الحج عرفة". فهو أعظم أركان الحج من حيث أنه يفوت ولا يقوم غيره مقامه، وأما الطّواف فلا يفوت ويبقى وما دام حيًا. 

  • فعند الشَّافعية، فلا يفوته الطّواف ولا السَّعي بين الصَّفا والمروة. 

  • وجعله بعض أهل العلم مرتبطًا بأيام التَّشريق، فلا يجوز أن يؤخره عن ذلك. 

  • وجعله بعضهم إلى آخر العام من شهر ذي الحجّة. 

والذي عليه أكثر أهل العلم: أنه لا توقيت له، وأنه يمكن أن يكون الطَّواف ولو بعد انقضاء شهر ذي الحجة، إلا أنه لا يحصل التَّحلُل حتى يطوف. والسَّعي أيضًا متعلّقٌ بالطواف، إن لم يسعَ بعد طواف القدوم، فالسعي ثابتٌ ولا يتم التَّحلُل إلا بإتمامه بعد أن يطوف طواف الإفاضة؛ وهو: الطَّواف الذي يكون بعد الوقوف بعرفة. 

وهكذا نرى اتساع الأحكام المتعلقة بهذه الشَّعيرة العظيمة التي هي ركن من أركان الإسلام. ويُذكر في بعض الآثار، أن الله تعالى وعد البيت العتيق أن يحجّه كل عام ست مئة ألف. فإن لم يكملوا من البشر، أكمله الله من الملائكة والجن، فيحجّون في البيت فلا ينقصون هذا العدد.

ولأن الملائكة ليس لهم شيء من أعراض البشر؛ من أمراضهم ولا غيرها، ولا يقطعهم أحد ولا يمنعهم، ولا يطلب أحد منهم جوازات ولا تطعيم ولا غيره، وكذلك الجان يخرجون عن هذه؛ فلا إشكال عليهم. وعند حلول مثل هذه البلايا، يجب على المؤمن أن يتألم قلبه، وأن يدعوا الله برفع البلاء عن الأُمّة؛ لأن الفرح بنقص الوفادة على بيت الله وما إلى ذلك؛ نفاقٌ وكُفرٌ ومشاركة للكُفَّار مَن يعادون شعائر الدِّين والهُدى. فلا أقل من الحسرة والحزن وألم القلب ودُعاء الحق أن يرفع البلايا عن المؤمنين، حتى لا يحل بهم هذا السوء وهذا الشر وهذا الضعف. وقد جعلها الله من أعظم شرائع دينه، وقال عن الحرم المصون: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) [الحج:25]. 

والله يحوّل أحوال المسلمين إلى أحسن حال، ويصلح شؤونهم، ويديم حفظ الحرمين الشَّريفين ودفع البلايا عنهما وعن أهليهما، ويخلِّص أولى القبلتين وبيت المقدس من تسلُّط المُعتدين والغاصبين والفاجرين والكافرين وأعداء الحق ورسوله، ولا يبلّغهم مرادًا فينا ولا في أحد من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ويلهمنا رُشدنا ويتمم لنا منه الفضل علينا بإسعادنا، وصلاح غيبنا وإشهادنا، والختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

18 ذو القِعدة 1442

تاريخ النشر الميلادي

28 يونيو 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام