(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب الرَّمل في الطواف.
فجر السبت 2 ذي القعدة 1442هـ.
باب الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ
1060 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.
1061 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ.
1062 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْعَى الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَا *** وَأَنْتَ تُحْيِى بَعْدَ مَا أَمَتَّا
يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ.
1063 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ سعَى حَوْلَ الْبَيْتِ الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ.
1064 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى، وَكَانَ لاَ يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ.
الحَمدُ لله مُكرمنا بحبيبهِ المصطفى، وبيانهِ لنا ما أوحاه الله إليه على التمام والوفاء. اللهم أدِم صلواتك على عبدك المجتبى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أهل الصفا، وعلى من والاهم فيك ولهم تابع واقتفى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات الحنفاء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقرّبين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا عالم السِرّ وأخفى.
وبعدُ،
فيذكر سيدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- "الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ".
وكان بداية تشريعهِ ما قال الكافرون بمكة لما جاء ﷺ في عمرة القضاء، في السنة السابعة من الهجرة، إن هؤلاء ضعاف أوهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ؛ يعني: يقصدون الحمى في المدينة أوهنت قواهم فهم ضعاف، فأمر النبي ﷺ أصحابه ان يَضطبعوا وأن يرملوا الأشواط الثلاثة الأولى. وكان في ذلك العام -عام عمرة القضاء- أمرهم بالرَّمَل من عند ابتداء الطواف من الحجر الأسود، حتى يمروا إلى الركن الشامي وإلى ما وراء الحجر، والى الركن اليماني ثم بين اليمانيين يمشي بلا رَّمَل، إبقاءً عليهم، ولأن المشركين كانوا في الجانب الذي يلي الحِجْر، فكانوا يرونهم وهم هناك وكانوا لا يرونهم وهم مابين الركنين.
ثم إن هذه الحكمة التي وردت في بداية التشريع لم تكن التي إليها المرجع في الحكم فإنه ورد بعد ذلك أنه ﷺ في حجة الوداع فرَمَل، وهو آمن ما يكون وليس بمكة مُشرك، فكان ذلك هو السنة الماضية، والذي جاء في رَّمَله في حجة الوداع أنه في الشوط كله، لم يستثنِ منه ما بين الركنين اليمانيين.
وبذلك جاء حكم سنيّة الرَّمَل بالطواف عند الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- وهو مخصوص بالرجال، فلم يأمر أحدًا من النساء أن ترَّمل في طواف ولا سعي، ولا يُسن لهن ذلك، وإنما يُسن للرجل.
فلما رآهم المشركون يرَّمَلون قالوا: انظروا إليهم أنهم يثبون كما يثب الثعلب، وأنهم ليس بهم ضعف، فرأوا أثرهم وهم يمشون في الطواف بالرَّمَل. وهو: أن يُسرع مع تقارب الخطى وهذه السرعة تهتز أكتافه، فهذه كيفية الرَّمَل فثبتت سُنيته.
وقد جاء عن سيدنا عمر انه جاء يطوف ثم قال: مالنا وللرَّمَل، انما فعلهُ ﷺ ليري المشركين قوة، ثم قال: لا نحب أن نترك شيئًا كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ فرمَل، فتبيّن بذلك السُّنة التي عليها جماهير أهل العلم من سُنية الرَّمَل في الطواف.
وأيّ طوافٍ؟
الطواف المخصوص لا أي طواف، وإنما الطواف الذي يكون للقدوم في الحج. واشترطه بعض الشافعية أن يكون مقدِّمًا للسعي، إذا أراد أن يسعى بعد طواف القدوم، وكذلك للمعتمر والمعتمر بعد الطواف يسعى، ولهذا قالوا: أن الاضطباع والرَّمَل يُسنّ في الطواف الذي بعده سعي، الذي يريد أن يسعى بعده، وأما الذي ليس بعده سعي فلا رَّمَل فيه، وكذلك الاضطباع وهما خاصّان بالرجل؛ الرَّمَل والاضطباع.
ويُسنّ في الطواف الذي بعده سعي، ويُسن في السعي كذلك في الأشواط كلها على اختلافٍ في الاضطباع.
كذلك الرَّمَل في الطواف في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، أما في الأربعة الباقية فيمشي بالهيّنة وعلى عادته ولا يرَّمَل. وفي السعي مابين الميلين، يعني في بطن الوادي أسفل الوادي وعلموه بالميل الأخضر، مابين الميلين الأخضرين يسعى بقية المسعى، قبل هذا البطن وبعده يمشي على الهَينة، ولكن في بطن الوادي الذي كانت فيه تذكرةٌ بهاجر زوجة سيدنا إبراهيم أم إسماعيل، أنها لما عطش ولدها واحتاج الى الماء وخافت عليه الهلاك صارت تذهب إلى المروة، وترجع إلى الصفا، وتذهب الى المروة وترجع إلى الصفا،… فكانت تتشوف هل أحد عنده ماء؟ هل من إغاثة بماء؟ فإذا انصبت قدماها في بطن الوادي انخفضت جَرَت لأنه صارت ما ترى، فإذا ارتفعت مشت على الهينة، فلم تزل تفعل كذلك تذهب من الصفا إلى المروة وترجع من المروة إلى الصفا حتى كانت المرة السابعة، في الشوط السابع ورجعت إلى عند الصفا، فإذا بسيدنا جبريل -عليه السلام- وأخذت تقول يا هذا إن كان عندك إغاثة أغِث! فضرب برجله الأرض فتراه وهي على جبل الصفا وهو قريب من الكعبة، فإذا بالماء يفور، فخرجت مهرولة نحو الماء، وأقامت عليه حجارة خشية أن ينفد، وقالت: زُم زُم زُم زُم؛ فسمّي: زمزم. وقال ﷺ: يرحم الله هاجر لو تركته لكان نهرًا جاريا بمكة. ولكنها جعلت عليه الحجارة وضيّقته فصار بئرًا، وسقت ابنها الذي تركه أبوه بأمر الله تعالى ليريهم تولّيهِ لهم، مسبّب بدون أسباب (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)[إبراهيم:37].
فلما وجد الماء ولم يكن بتلك البقعة ماء، مرّ بهم نفر من جُرهم فاستأذنوهم أن يسكنوا عندهم، وبدأت أفئدة من القلوب تهوي إليهم. اشترطت زوجة سيدنا إبراهيم هاجر أن يكون أمر الماء إليها، قالوا: نعم، فأقاموا ثم بدأ الناس يرجعون إلى السُكنى في مكة المكرمة بعد أن كانت مهجورة، ولما بلغ سيدنا إسماعيل، بدأ يكبر واستطاع الحركة والعمل، أمر الحق سيدنا إبراهيم أن يبني البيت ويساعده إسماعيل، (وإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127] ولما كملوا، قال له اذبح ولدك هذا! اختبره وابتلاه، فكان من الكلمات التي ابتلاه الله بها (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كذلك نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات:102-106] قال: ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ) فنال أعلى الدرجات في الإمامة فهو الإمام للخلق بعد محمد ﷺ، (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124].
أجعل منهم أئمة لكن الظالمين لا شأن لهم في الإمامة ولا يدخل إلا من اتقى واستقام واتبعك اجعل منهم أئمة، وحسب إبراهيم شرفًا وفخرًا، أن جعل الله في ذريّته إمام الأئمة وسيد كل إمام ﷺ. ومن ذرية هاجر هذه وإسماعيل التي ضحى في جنبها كثيرًا، فجعل الله سيد الأنبياء من ذُريتها؛ لأن التضحية في جنبها أعظم وأقوى من التضحية في جنب سارة، والمواهب إنما تكون نتائج التضحيات؛ فكانت الموهبة الكبرى في جانب هاجر، فكان عامة الأنبياء من ذرية سارة، لكن سيد الأنبياء وإمام الأتقياء من ذرية هاجر من ذرية إسماعيل، لما كان التضحية في جانبها أكبر كان العطاء أوفر؛ أن يكون من نسل ولدها إسماعيل سيد الأولين والآخرين ﷺ.
فهذا الرَّمَل في الطواف:
أورد لنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في باب "الرَّمَل في الطواف"، حديث جابر بن عبد الله، وجابر بن عبد الله يحكي لنا حديث حجة الوداع، عمّا عاينه وشاهده بنفسه، وأمّا الرواية عن ابن عباس انه لم يكن يسعى بين الركنين اليمانيين، وأنه إبقاءً عليهم، فإنما نقله ابن عباس عن غيره، لكونه ﷺ لم يحضر في عمرة القضاء، وكان حجة الوداع بعدها، ونقله سيدنا جابر عن معاينة عاينها من رسول الله ﷺ، فلذلك قُدّم حديث جابر: "عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ"؛ يعني: استوعب الشوط كله رَّمَلاً، "ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ"؛ أي: في الثلاثة الأشواط الأولى، ثم مشى في بقية الأشواط الرابع والخامس والسادس والسابع في هذه الأربعة، مشى مشيه المعتاد وان كان مشيه المعتاد كأنما تطوى له الأرض، ولكنه شرع الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط.
"قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا"؛ أي: كون الرَّمَل من الحَجَر للحَجَر، وكونه ثلاث أشواط فقط، وبه قال الجمهور من الأئمة الأربعة -عليهم الرضوان- وقال: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ"، هو كالحديث الذي قبله وعليه أيضًا جماهير فقهاء الشريعة المطهرة.
ثم ذُكر بعد ذلك حديث الدعاء في الطواف، وهو -الطواف- من مواطن الدعاء، وإن لم يقيّد بدعاءٍ مخصوص، وجاء بعض الكلمات بالروايات بعضها ضعيفة عن كلمات كان يقولها في الطواف، ولكن الباب فيه كغيره من المواطن مفتوح للمؤمن الداعي يدعو الله بما شاء من غير إثمٍ ولا قطيعة رحم. فقال:"عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ"؛ يعني: عروة بن الزبير كان أصحاب النبي ﷺ يقولون: وكان منهم عروة يقول: وهو يطوف في البيت فيرمل الأشواط الثلاثة ويقول فيها: "اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَا *** وَأَنْتَ تُحْيِى بَعْدَ مَا أَمَتَّا"، فهذا من جملة الأدعية التي وردت عن الصحابة، "اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَا *** وَأَنْتَ تُحْيِى بَعْدَ مَا أَمَتَّا"، فسمى المرة من الطواف شوطًا، ويروى كراهة ذلك عند بعض الأئمة. لكن الصحيح عن الشافعي وغيره قال: أنه لا يُكره تسمية الطوفة بالشوط؛ أي: المرة من الطواف بالكعبة المشرفة.
فينبغي أن يخصّ الدعاء بين الركنين بهذه الآية الكريمة، فيدعو بهذه الآية العظيمة وما في دعائها من شمول خيرات الدنيا والآخرة، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ).
وقال الإمام عبد الباري بن شيخ العيدروس: أن الله تعالى جعل للإنسان جسدًا وروحًا وسِرًّا، وأن لكل منهم حظ من الحسنة في الدنيا وفي الآخرة، قال: فأمّا حظ الجسد في الدنيا من الحسنة فالمرأة الصالحة، وأما حظّ الروح فالأخوّة في الله تعالى والمحبة في الله -جلّ جلاله-، وأما حظّ السِرّ فمعرفة الله؛ فهذه الحسنة في الدنيا. قال: وأما الحسنة في الآخرة فحظّ الجسد الجنة وما فيها من نعيم، وحظّ الروح تقابل الإخوان، (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر:45-47] وحظ السِرّ النظر إلى وجه الله الكريم، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
وهكذا، فإذا كان في عمرة يقول: اللهم اجعلها عمرة مبرورة وسعيًا مشكورًا، والسعي عمل الإنسان. وهكذا فيما جاء عند الركن اليماني يقول: بسم الله والله اكبر، السلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر والذلّ ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار، إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار وبأي ذكر ذكر فالباب واسع وبأي دعاء لا إثم فيه دعا، فالباب واسع.
وذكر عن عبد الله بن الزبير أنه "أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ" وهو أدنى الحِل، "قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ يَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ"؛ أي: الأولى، الثلاث الأوَل رمل فيهن ومشى بالهينة في الباقية أي: الأربعة أشواط. جاء عند عبد الرزاق عن مجاهد قال: خرج ابن الزبير وابن عمر فاعتمرا من الجعرانة، لما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة، قال مجاهد: وكنت جالس عند زمزم، فلما دخل ابن الزبير ناداه ابن عمر: أرمل الثلاث الأول فرمَل ابن الزبير السبع كلهم، فلم يفرقوا بين المكي وغير المكي، كما عليه جمهور العلماء، وبعضهم خصّ الرمل لمن جاء من خارج مكة.
وهكذا جاء: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى، وَكَانَ لاَ يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ"، وهذا قول بعض أهل العلم.
فيقول الإمام النووي في السعيّ في الطواف؛ يعني في الرَّمَل في الطواف أنه يسن في طواف العمرة، ويسنّ في طواف واحد في الحج، وهو الطواف الذي يعقبه السعي:
فهو الذي يسن فيه الرَّمَل والاضطباع.
إذًا، فالأصح عند الشافعية أنه إنما يُشرع الرَّمَل والاضطباع في طوافٍ بعده سعي بين الصفا والمروة، والله أعلم.
رزقنا الله الإنابة والاستقامة والخشية وتعظيم الشعائر، وحسن امتثال الأوامر، واجتناب جميع الزواجر، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وسار بنا مسائر الصالحين والعباد المقربين، أهل التمكين في لطفٍ وعافية ويقين، وفرّج كروبنا والمسلمين وأدام لنا وللأمة حفظ الحرمين الشريفين وحمايتهما من جميع الأسواء، وخلّص أولى القبلتين وردّ أعداء الدين في نحورهم، ولا بلّغهم مرادًا فينا ولا في أحدٍ من المسلمين، وأصلح شؤون المسلمين وجمع قلوبهم على الإقبال عليه، واللجأ إليه واللياذ به والاعتماد عليه والاستناد إليه حتى ينصرهم بنصرٍ عزيزٍ مؤزر، ويكفيهم شرّ من فسَقَ وكفَر، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي الأطهر ﷺ.
02 ذو القِعدة 1442