(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج: باب ما يجوز للمُحرِم أن يَفعلهُ.
فجر الأحد 25 شوال 1442هـ.
باب مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ
1035- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ: أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيراً لَهُ، فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَكْرَهُهُ.
1036- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ تُسْأَلُ عَنِ الْمُحْرِمِ، أَيَحُكُّ جَسَدَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ فَلْيَحْكُكْهُ وَلْيَشْدُدْ، وَلَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ رِجْلَيَّ لَحَكَكْتُ.
1037- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
1038- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً، أَوْ قُرَاداً عَنْ بَعِيرِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.
1039- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي مَرْيَمَ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: سَعِيدٌ اقْطَعْه.
1040- وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَكِي أُذُنَهُ أَيَقْطُرُ فِي أُذُنِهِ مِنَ الْبَانِ الَّذِي لَمْ يُطَيَّبْ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْساً.
1041- قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ الْمُحْرِمُ خُرَاجَهُ، وَيَفْقَأَ دُمَّلَهُ، وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ.
الحمد لله مُكْرِمنا بأحكام دينه وشريعته، ومُبيّنها لنا على لسان عبده وصفوته خير بريته، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين صفوة الحق وخيرته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّحمين.
ويذكر لنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- ما وسَّع الشَّارع فيه على المُحرِم وأباحه له في حالة الإحرام. والأصل في الأشياء الحِل كما عَلِمنا ولكن لما تقدَّمت تحريم أشياء على المُحرِم دون غيره وقت الإحرام، أخذ يذكر ما أُبيح له وما اختلف فيه من ذلك.
يقول: "باب مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَه"، وقت إحرامه ولا حرج عليه في ذلك،
وذكر لنا: "عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ: أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيراً لَهُ"؛ وهو أن ينزع القُراد؛ الدّويبة التي تلصق بالبعير وتلسعه وتعيش على جلد البعير وعلى بدنه. قال: نزع القُراد من البعير. قال: كان "يُقَرِّدُ بَعِيراً لَهُ، فِي طِين"؛ يعني: يزيل قُراد بعيره ويلقيه في الطّين، "بِالسُّقْيَا" وهي قرية بين مكَّة والمدينة، "وَهُوَ مُحْرِمٌ"؛ لأنه يرى جواز ذلك وأن لا كراهة في ذلك.
وهكذا هو قول الإمام أبي حنيفة والإمام الشَّافعي وغيرهم: أنه لا يضر إخراج هذا القُراد؛ لأن بإخراجه يتعرَّض لقتله لأنه إنما يحيى على ظهر البعير وعلى جلده فإذا أُخرِج؛ مات. و "قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَكْرَهُهُ". كما جاء كراهته عن ابن عُمَر، ولكن كان سيِّدنا عُمَر وابن عباس وغيرهما يرون أنه مباح ولا كراهة فيه، وكذلك يقول أبو حنيفة والإمام الشَّافعي -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.
وقد قال لكعب بن عُجرة وقد كان عليه قمل كثير يؤذيه ويتدلى عليه: أتؤذيك هوامك؟ قال: نعم. فأمره أن يحلق ويفدي. والجمهور فرَّقوا بين القمل والقُراد. وروى لنا هذا الحديث والأصل كما ذكرنا ما ليس محظورًا ولا مكروهًا فهو أيضًا للمُحرِم جائز إلا ما جاء فيه الدليل، فمنه:
فهذا ما يكون في لبس الخاتم للرجُل بخلاف المرأة.
ومنها ما ذكر من الحك، فذلك أيضًا جائز. قال: "سَمِعْتُ عَائِشَةَ تُسْأَلُ عَنِ الْمُحْرِمِ، أَيَحُكُّ"؛ يعني: يحك جسده. قالت: "نَعَمْ فَلْيَحْكُكْهُ وَلْيَشْدُدْ"؛ أي: يبالغ في الحك؛ أي لا شيء عليه. وقد قالت "عَائِشَةَ: وَلَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ"؛ يعني: واحتجت إلى الحك "وَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ رِجْلَيَّ لَحَكَكْتُ"؛ مشيرة إلى أنه ليس في ذلك شيء أصلًا. وقيّده المالكية في قولٍ لهم: أنه إذا كان يرى ما يحكه. فإن لم يرَ، فإنما يجوز الحك بالرفق لأنه إذا اشتد مع عدم الرؤية ربما أتى على شيء من الدَّواب أو الشعر ولا يشعر به.
وذكر لنا بعد ذلك النَّظر فِي الْمِرْآة، "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لِشَكْوٍ كَانَ بِعَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ."؛ فالنظر في المرآة بالنسبة للمُحرِم هو مباح مطلقًا.
عَلِمنا قول الحنفية والشَّافعية: أن النَّظر في المرآة بالنسبة للمُحرِم جائز مطلقًا. وقيّده الحنابلة بأنه للحاجة لا للزينة. وكرهه المالكية مطلقًا، وقال: لا ينظر في المرآة ما دام مُحرِمًا بحج وعُمرة. لا يقعد يتشوّف في المرآة وينظر في نفسه، هو أشعث أغبر يمضي على حاله، ولا يحتاج إلى أن ينظر في المرآة ما دام مُحرِمًا بحج أو بعُمرة. إذًا، فعندهم يُكرَه النَّظر في المرآة للمُحرِم؛ خشية أن يرى شعثًا فيصلحه أو يزيله.
وكذلك ما يتعلق بنزع الظفر المكسور؛ مباح عند الأئمة بحيث لا يجاوز القسم المكسور. وكذلك إن كان فصد أو احتجم من دون نزع شعر؛ فهو جائز عند الأئمة الأربعة. وعند المالكية تحفّظ بالنسبة للفصد، قالوا:
وكذلك ما يتعلق بذبح الإبل أو البقر أو الغنم؛ جائز للمُحرِم أن يفعل ذلك. وهكذا جاءنا في الموطأ: "أنّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ الْمُحْرِمُ حَلَمَةً، أَوْ قُرَاداً عَنْ بَعِيرِهِ". وهو بذلك يُخالف مذهب والده سيِّدنا عُمَر بن الخطاب. "قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ." فهو مذهبه كما سمعنا.
وذكر لنا: "أنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي مَرْيَمَ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ ظُفْرٍ لَهُ انْكَسَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: سَعِيدٌ اقْطَعْهُ"، جاء في رواية: انكسر ظفري وأنا مُحرِم، فتعلَّق فآذاني، فذهب إلى سعيد بن المُسيّب فقال: اقطعه، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]. والأصل أن قطع الظفر ممنوع للمُحرِم لكن لأنه من إماطة الأذى وإلقاء التفث ولكن للحاجة. فإذا قطعه للضرورة؛ فلا شيء عليه. أما تقليم الأظافر معلوم لغير ضرورة؛ فلا يجوز ذلك للمُحرِم بل وعليه الفدية. فتقليم الأظافر للمُحرِم حرام. فإذا قص الأظافر فماذا عليه؟ عليه الفدية باتفاق واختلفوا في مقدار الفدية:
○ إذا قص أظفار يديه ورجليه جميعًا في مجلس واحد؛ تجب عليه شاة.
○ وإذا قص أظفار يد واحدة أو رجل واحدة؛ تجب شاة.
○ وإن قص أقل من خمس أظفار من يد واحدة أو خمسة متفرقة من أظفاره؛ تجب عليه صدقة لكل ظفر.
هذا مذهب الحنفية في إزالة الظفر؛ أنه إذا كان أقل من خمسة أظفار أو كانت متفرقة؛ يجب عليه صدقة على كل واحد؛ يعني: يخرجها عندهم مُد إن كان من تمر أو شعير، أو نصف مُد من بُرّ عندهم. ولا فرق في الفدية من حيث المُد والطعام سواءً كان شعيرًا أو بُرًا عند الشَّافعية وغيرهم. فرَّق الحنفية بين ذلك، هذا مذهب الحنفية إذا قلَّم شيئًا من أظفاره.
○ إن قلَّم ظفر واحد عبث أو ترفّهًا لا لإماطة أذى ولا لكسره؛ يجب عليه صدقة حفنة من طعام.
○ فإن فعل ذلك لإماطة الأذى أو الوسخ؛ ففيه فدية.
○ وإن قلَّمه لكسره؛ فلا شيء عليه إذا تأذى منه.
○ وإذا قلَّم ظفرين في مجلس واحد؛ ففدية.
○ فإذا قطع واحد بعد الآخر، إن كان في فورٍ؛ ففدية وإلا ففي كل ظفر حفنة من طعام؛ يعني: مُد.
هذا مذهب المالكية فيما يتعلق بالأظفار، فيقولون: ذا قلَّم ظفر واحد -عبث لا لكسره ولا لإماطة الأذى-؛ حفنة من طعام. فإن كان لإماطة أذى أو الوسخ؛ ففيه فدية. وإن كان لكسره؛ فلا شيء عليه إذا تأذى منه. ثم إن قلَّم ظفرين معًا في وقت واحد أو متوالية؛ ففيه عليه في ذلك فدية. وإن كان متفرقة، ففي كل واحد حفنة من الطعام.
○ إما أن يذبح شاة.
○ أو يصوم ثلاثة أيام.
○ أو يتصدق على ستة مساكين، كل مسكين مُديين.
هذه الفدية في حلق الشَّعر وفي قلم الظفر يكون مُخيَّر بين ثلاثة أشياء: إما أن يذبح شاة، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين، كل مسكين مدين؛ نصف صاع. فيتصدق بثلاث أوصع على ستة مساكين؛ إذا قلَّم ثلاثة فأكثر في وقت واحد.
فإن توزع وتفرَّق أو كان ظفر واحد، ففي كل ظفر مُد من الطعام هذا مذهب الشافعية والحنابلة. أن ثلاثة أظفار فأكثر في مجلس واحد؛ يجب فيها هذه الكفَّارة. مُخيَّر بين ثلاثة أشياء إما ذبح شاة وإما صوم ثلاثة أيام وإما إطعام ستة مساكين لكل مسكين مُدان، نصف صاع.
قال: "وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَكِي أُذُنَهُ أَيَقْطُرُ فِي أُذُنِهِ مِنَ الْبَانِ الَّذِي لَمْ يُطَيَّبْ"؛ يعني: ما يُستعمَل من مياه الشَّجر وغيرها لأجل معالجة الألم في الأذن ونحوه وهو مُحرِم. قال: "لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي فِيهِ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا"؛ فالمداواة جائزة له، واستعمال الدُّهن الذي ليس بمطيّب؛
الدُّهن يحرم، ولكن قيده الشَّافعية بدُهن رأسه ولحيته. وقال المالكية: أن كل ظاهر الجسد يُمنع أن يدّهن فيه، هذا إذا كان الدُّهن من دون طيب. أما إذا فيه طيب فهو حرام بالاتفاق.
"قَالَ مَالِكٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ الْمُحْرِمُ"؛ يعني: يشق "خُرَاجَهُ"؛ يعني: بثرته وجرحه أو القرحة التي فيه، يبطّها؛ يعني: يخرج منها الوسخ. قال: "وَيَفْقَأَ دُمَّلَهُ"؛ الدُّمل نفسه الخراج هذا، "وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ. وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبُطَّ الْمُحْرِمُ خُرَاجَهُ. أَنْ يَبُطَّ خُرَاجَهُ وَيَفْقَأَ دُمَّلَهُ" وهو نفسه البثرة الخراج "وَيَقْطَعَ عِرْقَهُ"؛ عروقه يكون للشجر وللبدن "إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ".
ثم يذكر لنا الحج عمَن يَحج عنه، والاستنابة في الحج وكلام أهل العلم في ذلك.
رزقنا الله الاستقامة، والتحف بالمنن والمواهب والكرامة، وكمال السَّعادة في الدُّنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار المُقامة، وربطًا بالمظلل بالغمامة، ومرافقة له وللمحبوبين من عباد الله أهل المجد والشَّهامة، الله يثبتنا على دربهم، ويسقينا من شربهم، ويحشرنا في زمرتهم وهو راضٍ عنا في عافية بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
26 شوّال 1442