(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب ما جاء في الطِّيب في الحج.
فجر الثلاثاء 24 شعبان 1442هـ.
باب مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ
923 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عن عبد الرحمن بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: كنت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
924 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ، وَعَلَى الأَعْرَابِي قَمِيصٌ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "انْزِعْ قَمِيصَكَ، وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْكَ، وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَفْعَلُ فِي حَجِّكَ".
925 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ، فَقَالَ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مِنْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهَ.
926 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ، وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ: مِنِّى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَبَّدْتُ رَأْسِى وَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَحْلِقَ. فَقَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ، فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنَقِّيَهُ. فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ.
قَالَ مَالِكٌ: الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ.
927 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ عَنِ الطِّيب؟ فَنَهَاهُ سَالِمٌ، وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
928 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى، بَعْدَ رَمْي الْجَمْرَةِ.
929 - قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ، هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ، وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ.
الحمد لله مُكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان عبده المصطفى سيدنا مُحمَّد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على منهاجهم، واقتفى أثرهم في ظاهر الأمور سرها وإعلانها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين محل نظر الرحمن للبرية في الشرائع وبيانها، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل سيدنا الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- ذكر الأحاديث المتعلقة بالطيب في الحج؛ "باب مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ "، وقد أجمع أهل العلم أنه بعد أن يحرم بالحج أو بالعمرة، يَحرُمُ عليه أن يستعمل أيًّا من أنواع الطِّيب، واختلفوا فيما قبل الإحرام:
وفرّقوا بين تطييب البدن وتطييب الثوب، فقالوا: يُسنّ أن يتطيّب المُحرِم في بدنه دون ثوبه.
وذكر الأحاديث في الطّيب، فابتدأ بحديث عائشة، وهو دليل الجمهور، ومنهم أبو حنيفة؛ والشافعي؛ وأحمد بن حنبل، أنّه يُسن للمحرم قبل أن يحرم أن يتطيب. ثم ذكر حديث عمر وغيره، أنه لا يُبقي المحرم شيئًا من أثر الطيب عليه، فعلى ذلك لا يتطيّب لأجل الإحرام.
قال: "باب مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ" فعلمنا اتفاقهم على أنه:
أمّا أن يدهن، ويتطيب بالطيب يزول أثره قبل الإحرام، فلا شيء فيه عند مالك، كما هو عند غيره.
يقول: "عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ"، بل وصح في الحديث عنه: أنه "كان يُرى وبيصُ المسك على مفرق رأسه وهو محرِم ﷺ لإحرامه"؛ أي: لأجل إحرامه بالحج و العمرة قبل أن يحرم. وجاء في رواية مسلم: "حين أراد أن يحرم"، فالجمهور استدلوا بهذا الحديث على استحباب التطيّب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، ولا يضرّ بقاء لونه و رائحته، خلافًا للإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.
وحمله المالكية على أنه ﷺ اغتسل بعد أن تطيّب، ليُذهب أثر الطيب، ولكن الحديث المصرح في الرواية الأخرى بأنه "لا يزال يُرى وبيص المسك على مفرق رسول الله ﷺ" على شعر رأسه، فهو بذلك دليل الجمهور.
قالت: "وَلِحِلِّهِ"؛ أي: لأجل إحلاله، "قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ"، وذلك بعد أن رمى ونحر وحلق ﷺ، ثم قبل أن يذهب إلى الطواف -طواف الإفاضة- طيّبته في مِنى، قالت: "وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ". وفي لفظ: "قبل أن يُفيض"، و"حين يريد أن يزور البيت"، عند النسائي. والقصد: أنه بعد أن يتحللَ التحلُّلَ الأول بالرمي والحلق، فإنه أتى إلى مِنى في صبيحة يوم العيد، فرمى جمرة العقبة، ثم نحر البدن، وهي مئة بدنة أهداها، ثلاث وستين بيده، ثم ناول المدية سيدنا علي، وأمره أن يكمل البقية، ثم حلق، ثم استعدّ لدخول مكة، وفيه جاء ما جاء أنها طيّبته قبل أن يذهب إلى البيت العتيق للطواف، كما جاء في الصحيحين وغيرهما.
والثلاثة هي:
ثلاثة، إذا فعل اثنين منها حلّ له كل شيء من طِيب، ومن لبس مخيط، ومن قصّ أظافر وشعر، إلى غير ذلك. فإذا فعل الثالث، حلّ له النساء، فصارت ثلاثة يحصل بالاثنين منها التحلّل الأول.
وكل هذه الثلاثة يدخل وقتها:
وقال الشافعية: من نصف الليل بعد منتصف الليل العيد يدخل وقت الرمي؛ والحلق؛ والطواف. وهذه أعمال الحج التي تكثر في يوم العيد، أربعة: الرمي، والنحر، والحلق، والطواف. ويُسنّ ترتيبها على هذا، ويجوز تقديم أحدها على الآخر، فما سُئل عن شيء قُدِّمَ ولا أُخر في الحج إلا قال: "افعل ولا حرج"، ولكن الأفضل أن يبدأ بالرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف.
يقول: "عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ"، وذلك عند رجوعه من الطائف -عليه الصلاة والسلام- في عام فتح مكة، "وَعَلَى الأَعْرَابي قَمِيصٌ"، في رواية: "عليه جبة"، "وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ" يعني: من طيبٍ، "فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ؟"، وهو لا يعلم بما يلزمه وما يتوجّه عليه، فلما حاكَ في نفسه، أنك كيف تلبس هذه وأنت محرم، وأيضًا هو مخيط، وهو محيط، وهو مطيّبٌ، فجاء إلى النبي ﷺ فأحرم وقميصه عليه، وقال: يا رسول الله، إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى؛ يعني: بقميصي هذا، ومتضمّخ بالطيب، فنزل الوحي على رسول الله ﷺ، "فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: انْزِعْ قَمِيصَكَ"، يعني: اقلعه، أخرج عنك قميصك، "وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْكَ"؛ أثر الطيب، وجاء في رواية الصحيحين: "ثلاث مرات"؛ يعني: اغسله ثلاث مرات، "وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَفْعَلُ فِي حَجِّكَ"؛ يعني: من الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق.
وكانوا إذا حجّوا ينزعون ثيابهم، ويجتنبون الطيب، ويتساهلون في ذلك في العمرة، يعتمرون وهم بثيابهم، وعلى ذلك عمل الأعرابي في الطِيب، فأخبره ﷺ أن الحج والعمرة واحد، ما تصنع في حجّك تصنعه في العمرة، يعني المحرمات هي هي، وأمره بالغسل، هو الذي استدل به الإمام مالك على أنه لا يجوز أن يُبقي أثر الطيب بعد إحرامه.
يقول: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ،"؛ يعني: بشجرة ثمرة بذي الحليفة؛ محل الإحرام؛ ميقات أهل المدينة، "فَقَالَ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟" رأى أثر طيب وينفح، "فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ."، وذلك أن معاوية من جملة الصحابة الذين يقولون يُسنّ التطيّب للإحرام ، فقال عمر: منك؟! منكرًا عليه؛ "فَقَالَ: مِنْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ."، هذا يجيء منك أنت لأنك تحب الرفاهية يقصد، منك لعمر الله، يقصد به القسم الذي أقسم الله به في قوله: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحِجر:72] "فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ"؛ يعني: أخته رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين -عليهم رضوان الله- "إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ."، يعني: تطيّبت بالمدينة من أجل الإحرام، وهذا باقٍ عندي، ليستدلّ بفعل أم حبيبة على جواز ذلك، لأنها من زوجاته ﷺ اللاتي حججن معه حجة الوداع. "فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ" أي: أقسمت عليك "لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهَ".
وهكذا، في الرواية الأخرى: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ، وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ: مِنِّى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ"، أنا الذي تطيّبت، وينفح هذا الطيب، "لَبَّدْتُ رَأْسِى"، التلبيد أن يأخذ شيء من صمغ ونحوه، يمسك الشعر حتى لا يتناثر، ولا يتطاير، ولا يتشعّث، ولا يقع فيه قمل ونحوه، قال: "وَأَرَدْتُ أَنْ لاَ أَحْلِقَ. فَقَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ، فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنَقِّيَهُ. فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ. قَالَ مَالِكٌ: الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ." يعني: اذهب إلى هناك عند الماء المتجمع وابعد هذا عنك، لأنه فيه طيب، "فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ، فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنَقِّيَهُ. فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ." ذلك ما أمره به عمر بن الخطاب، الشَرَبة: حفير، يعني حفرة يجتمع فيها الماء، يكون عند أصل النخلة.
وذكر: "أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ" بن عمر، "وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ عَنِ الطِّيب ؟ِ فَنَهَاهُ سَالِمٌ، وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ."
فيه الاختلاف في جواز الطيب قبل أن يطوف بالبيت العتيق طواف الإفاضة، ولكنه قد تحلّل بحلق الرأس ورمي جمرة العقبة:
"قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ،"؛ يعني: مثل الزيت الخالص الذي يبقى بعد الإحرام "قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ"، ويبقى أثر الدهن من دون طيب، "وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى، بَعْدَ رَمْي الْجَمْرَةِ"؛ يعني: بعد رمي جمرة العقبة يدّهن، فعنده أيضًا بعد التحلل الأول يُباح كل شيء إلا الطيب، وعند غيره يباح كل شيء حتى الطيب إلا النساء، فالنساء بالإجماع. وعند غير الإمام مالك: إذا قد فعل اثنين، فيُسنّ له أن يتطيب لأجل الطواف بالبيت العتيق.
"سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ"، الزعفران من أنواع الطيب، "هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ،"؛ لأن النار غيّرت فعل الطيب الذي يستعمل، "وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ"؛ يعني:
وهكذا، وتخلط بعض الطبخات بشيء من الزعفران، ويكون فيه حكم الطيب.
وعند الشافعية: إذا كان يُعدّ ذلك طيبًا، وينفح من الطعام، فيتجنّبه المحرم؛ لأن العبرة في الطيب، كل شيء بما يُتطيّب به، وهذا يتطيّب به للطعام، كما أن من الطيب ما يُتطيّب بشمّه كمثل الورد، فيحرم على المحرِم أن يشمّ الورد، بخلاف العود إنما يُتطيّب بتبخيره، فإذا حمل العود أو شمّ العود ما يحرم عليه ولا يضرّ إلا أن يضعه على الجمرة فينفح، فيحرم عليه التعرض له. والمسك يُتطيّب بحمله، وبشمه، وبمسّه، فلا يجوز له أن يمسّه، ولا أن يحمله، حتى مجرد حمله معه، لأنه يُتطيب بحمله. فكل شيء العبرة فيه بكيف يُتطَيَّب به، كيف العادة أن يُتطيب به فتمتنع على المحرم، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين أهل الكرامة، وتولّانا بما هو أهله في الدنيا والبرزخ والقيامة، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنّا في لطفٍ وعافية، بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
25 شَعبان 1442