(605)
(364)
(535)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الحج، باب لبس الثياب المُصَبَّغَة في الإحرام، وباب لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ، وباب تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ.
فجر الإثنين 23 شعبان 1442هـ.
باب لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ فِي الإِحْرَامِ.
911 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْباً مَصْبُوغاً بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ وَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ".
912 - وَحَدَّثَنِي، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَوْباً مَصْبُوغاً، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمُ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً رَأَى هَذَا الثَّوْبَ، لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ.
913 - وَحَدَّثَنِي، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ.
914 - قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغٌ زَعْفَرَانٌ، أَوْ وَرْسٌ.
باب لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ
915 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ.
916 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعاً سُيُوراً، يَعْقِدُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.
باب تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ
917 - حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِي: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
918 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنَ الرَّأْسِ، فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ.
919 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ مُحْرِماً، وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ.
920 - قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ، فَقَدِ انْقَضَى الْعَمَلُ.
921 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ.
922 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
الحمد لله مُكرمِنا بشريعته الغرَّاء المضيئة، وصلى الله وسلم وبارك وكرَّم على عبده المصطفى خيرِ البريئة، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار أهلِ الصفحاتِ المشرقة المضيئة، وعلى من تبعهم بإحسانٍ واقتدى بهم في السر والإعلان إلى يوم وضعِ الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وعلى الملائكة المقربين، وجميعِ عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل سيدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله- ذكرَ الأحاديث المتعلقة بالإحرام والحج، وقال: "بابُ لبس الثياب المصَبَّغة"
قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ" سواءً رجل أو إمرأة "ثَوْباً مَصْبُوغاً بِزَعْفَرَانٍ"؛ لأنّه من الطيب ولا يجوز أن يتطيَّبَ المُحرم، "أَوْ وَرْسٍ". وهذا الورس: الذي كان مشهورًا باليمن يُزرع له نبات مثل السمسم أصفر يُطلى به البدن ويُشرب وتُصبغ به الثياب. "وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". كما تقدم معنا هذا الحديث فيما يلبس المُحرم.
وأورد حديث ابن عمر أنّ عمر بن الخطاب رأى على سيدنا طلحة بن عبيد الله أحدِ العشرة المبشرين بالجنة ثوبًا مصبوغًا وهو مُحرِم، فأنكر عليه سيدنا عمر فقال: "مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ"؛ يعني: مصبوغٌ بالطين. والمدر: القِطع اليابسة من الطين، يعني: ليس مصبوغًا بشيء من الطيب ولا بشيء مما يَحرُم، فأنكر أيضًا عليه سيدنا عمر من حيث كونه مُقتدىً به، وأنّه يُشبه ما استعمله من الصبغ بالمدر فصار يُشبه الثّوب المُعصفر والمصبوغ بشيء من الطيب، فيراه من يراه فيظن أنّه من المصبوغ بالطيب فيستعمله، ويقول: إنّ طلحةَ بنَ عبيد الله قد استعمل المصبوغ، ففرّق بين من يُقتدى بهم ومن هم أئمة يُهتدى بهديهم وبين عامة الناس، فقال له سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ"؛ يعني العصابة الباقية من أصحاب النبيّ محمدﷺ "أَئِمَّةٌ يَقْتَدِي بِكُمُ النَّاسُ"؛ لأنكم من الصحابة ومن أكابر الصحابة، "فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً" لا يعرف المسائل "رَأَى هَذَا الثَّوْبَ"، يعني المصبوغَ الذي لبستُه عليك "لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ فِي الإِحْرَامِ"، يعني: يستدل بذلك على إباحة المصبوغ مطلقًا حتى يلبس المصبوغ بالطيب، "فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ." يعني: تجنبوا شيئًا يشبه المُحرَّم؛ لأنّكم في محل القدوة حتى لا يتخذكم النّاس حجةً ويقتدون بكم غير بينة ٍوعلى غير بصيرة.
وهكذا؛ لأنّ "من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سُنة سيئة فعليه وِزرُها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، ومن النّاس من يقتدي به النّاس ويحتذون حذوه، ويَعدُّونه لهم حجةً، فيجب أن يُراعي الأمر ولا يُوقِعَ النّاس في اشتباه ولا في إيهام يوصلّهم به نفوسهم والشياطين إلى ارتكاب المحرَّم، ويكون على احتياطٍ وهكذا، أداءً لحق القدوة في الدين.
و"عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ"، يعني بالصبغ بالعصفر "وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ." ، ففرَّق بين الزعفران والورس وبين المصبوغ بالعصفر، وهو معنى المعصفرات، ومعنى المشبّعات: المرويات بالصبغ الذي قوٌيَ صبغُهن، فما توفر من الشيء قال أشبعه، فما كان موفراً فيه الصبغ وأثّر فيه فهو موفر ومشبع.
وهكذا يأتي لنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- بأن المعصفر:
وهكذا، إنّما منعوا الزعفران والورس كما جاء في النص؛ لأنّه من الطيب -بالنسبة للزعفران- ولأن الورس أيضًا من الزينة؛ أي: يُتزيَّن به وأنه يصل من الثوب إلى البدن ما يكسوه فيصفرّ فيكون زينة يتزين بها.
وهكذا. يقول ابن قدامة: أنّ النبات الذي تُستطاب رائحتُه ثلاثةُ أضرب:
يقول: "ليس فيها زعفران"؛ الزعفران طِيب، وقد جاء في النّص أيضًا النهيُ عنه، فاختلفت أيضًا الروايات عن الإمام مالك في هذا المُعصفر، وفي الموطأ إشارة إلى أنه كره منه ما أُشبع بالصبغ فيصل إلى البدن منه أثر.
فاختلف على أنّه هل له رائحة طيبة أم لا؟ وبذلك يرى العدد من الأئمة مثل سفيان وغيره: أنّه إذا لم يكن طِيبًا فلا يحرم على المُحرِم والخلاف قائم فيه.
"قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟" أي: يدخل الإحرام عمرة أو بحج في هذا الثوب؟ "فَقَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغٌ زَعْفَرَانٌ، أَوْ وَرْسٌ"، أي: إذا فُقد منه الطيب ولون الزينة فليس فيه شيء في استعماله، ويجوز أن يُحرِم فيه.
ثم ذكر المنطقة وهو ما يُشَد به الثوب في وسط الرجل يشد به إزاره. يقول: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ"، يعني:
وهكذا؛ جاء من كتب المالكية عند الإمام الدردير في شرحه الكبير يقول: جاز شدُّ منطقةٍ لنفقته على جلده؛ أي: تحت إزاره لا فوقه. وقال: وجاز إضافة نفقة غيره لنفقته، كأن يجعلون في المنطقة كيسًا يضعون فيه نفقتهم.
وأورد لنا: "عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ يَلْبَسُهَا الْمُحْرِمُ تَحْتَ ثِيَابِهِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا جَعَلَ طَرَفَيْهَا جَمِيعاً سُيُورًا"، جمع سيرٍ "يَعْقِدُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ"؛ يعني: ما يشدّها بعضها ببعض بأثر السيور، "قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ."، يعني يريد في طرف كل واحد منها سيور فيعقد أحدهما بالآخر، هذا أيضًا نوع من شدّها.
وذكر ما يتعلق بتخمير المحرم الوجهَ، والتخمير هو التغطية، يقول: "باب تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ"؛ أي: تغطيته للوجه.
فهكذا؛ جاء عن عطاء بن أبي رباح يقول: يُغطي المُحرِم وجهه ما دون الحاجبين أو ما دون عينيه، يعني: ما كان من العين وأسفل يجوز له، أما ما كان فوق كأنه محافظة على تغطية الرأس، ولكن الإمام الشافعي ومثله الإمام أحمد بن حنبل يقول: لا يحرم على المحرم الرجل أن يغطي وجهه، إنّما يُحرم عليه تغطية رأسه، وفي رواية عن الإمام أحمد، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد، ورواية مثل مذهب الحنفية والمالكية: أنّه لا يغطي وجهه فاستدلوا بحديث: "لا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا".
وذكر لنا: أن "عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ"، رُئِي يُغطي وجهه وهو مُحرِم، قال: فكأنه كان لحاجة له فغطى وجهه؛ لأنّه يراه مباحًا كما هو مذهب بعض الأئمة. ويُروى أنّه كان اشتكى عينه -كما سيأتي- فلذلك غطَّى الوجه، وأنّه في حَجته في حجة الوداع مع النبي ﷺ أنّه أَذِن له بذلك.
وذكر: "أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنَ الرَّأْسِ، فَلَا يُخَمِّرْهُ الْمُحْرِمُ."، وهذا مذهب الإمام مالك والإمام أبي حنيفة؛ عندهم إذا غطى المحرم وجهه لزمتْه الفدية.
إذًا؛
وذكر أيضًا: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَاتَ بِالْجُحْفَةِ مُحْرِماً"؛ أي: ولده "وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا حُرُمٌ"؛ يعني: محرمون "لَطَيَّبْنَاهُ"؛ بنوع الطِّيب، "وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ" وغطاهما. وجاء في رواية: أنّه كفَّنه في خمسة أثواب؛ قميص وعمامة وثلاثةِ لفائف، ففيه: أنّه خمّر رأسه ووجهه، "قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ، فَقَدِ انْقَضَى الْعَمَلُ.". لكن يُردُّ هذا ما جاء في الحديث من أمرهم أن لا يغطوا رأس المُحرِم، ولكن مذهب الإمام مالك وأبو حنيفة: أنّه إذا مات يُصنع به ما يُصنع بالحلال، وفي الحديث أنه: "يُبعث ملبيًا".
وقال: "لاَ تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ"، لا تستعمل النقاب؛ يعني: لا تغطي وجهها وهي محرِمة، لا تلبس النقاب، "وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ"، كانوا يلبسونه نساء العرب في أيديهن يغطي الأصابع والكف، كانوا يعملونه من أجل البرد وغيره، "وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ"، هذا من المحرمات على المرأة لبسُ القفازين، لا تنتقب المحرِمة ولا تلبس القفازين، وذكر لنا حديث: "عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ"؛ فلا تنكرُه علينا. فأمّا لبسها للمخيط المحيط فجائز للمرأة باتفاق، وتغطيتُها لرأسها كذلك، إنّما الكلام على الوجه، والذي جاء فيه الخبر. وجاء عن السيدة عائشة قالت: كنّا مع الرسول ﷺ -يعني في حجة الوداع-، إذا مُرّ بنا -يعني الرجال- سدلْنا الثوبَ على وجوهنا ونحن محرِمات فإذا جاوزَنا رفعناه.
إذًا؛ إحرامُ المرأة في وجهها، وأمّا رأسُها فيجوز لها أن تغطيَه، وكذلك ما تُسدِل على وجهها من فوق رأسها ما تستتر به من نظر الرجال إليها:
وحديث السيدة عائشة يدل على أن الرسول ﷺ تركهنَّ يستترْنَ من الرجال ولم يرَ في ذلك بأسًا، ولم يقدمْ في ذلك فدية، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
جاء في القسطلاني: وللمرأة أن تُرخي على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه بخشبةٍ أو نحوها، فإن أصاب الثوبُ وجهَها بلا اختيار فرفعتْهُ فوراً فلا فديةَ وإلاّ وجبتْ، هذا خُلاصة ما عند الشافعية.
وإذا أرادت سترَ وجهها عن الناس أرختْ عليه ما يستره بنحو خشبة بحيث لا يقع على البشرة. ومن محظورات الإحرام تغطيةُ الوجه من الأنثى ببرقعٍ أو نقاب وغيره، ولكنْ تُسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها للحاجة.
فإن غطّته بلا حاجة:
جاء في مذهب الحنابلة وعند المالكية كذلك كما أشرنا: حُرّم بالإحرام على المرأة ولو كانت أمَةً أو صغيرة سترُ وجهٍ، إلا لسترٍ عن أعين الناس فلا يحرم بل يجب إن ظنّت الفتنة، لكن بلا غرز بإبرة أو نحوه ولا ربط أي عقد، بلا غرز ولا ربط، هكذا هو عند المالكية وعندئذ لا فديةَ عليها أصلاً. وكذلك عند الحنفية أنّها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت شيئاً وجافتْهُ عن وجهها جازَ بل يُندب؛ لأنه ليس بسترٍ للوجه.
جاء في مسند الشافعي عن ابن عباس قال: تُدلي عليها من جلابيبها ولا تضرب به، قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار لي كما تجلببت المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجِلباب قال: لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي لا يبقى عليها، ولكن تُسدله على وجهها سدلاً.
ثم يتحدث عن الطيب، طيَّبَ الله صفاتِنا وطيَّب أحوالَنا وطيَّب قلوبَنا بنور المعرفة والحضور الدائم التّام، ودفع عنا البلايا والآفاتِ والآثام، ورعانا بعين العناية في الحال كله، ودفع الأسواء عنا وعن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وغفر للمنتقل سعيد بن سالم بن فرج بريّك، وجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وثبَّته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وجعلنا وإياكم ممن ترعاهم عينُ عنايته في جميع الأطوار والأحوال والشؤون، ويختم لنا أجمعين بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا، ويخلف موتانا في أهاليهم وذويهم بخلفٍ صالح، ويجمعهم وإياهم في دار الكرامة من غير سابق عذاب ولا حساب ولا فتنة ولا حساب وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
24 شَعبان 1442