(364)
(535)
(604)
شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الاعتكاف، باب قضاء الاعتكاف.
فجر الإثنين 16 شعبان 1442هـ.
باب قَضَاءِ الاِعْتِكَافِ
883 - حَدَّثَنِي زِيَادٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ، وَجَدَ أَخْبِيَةً، خِبَاءَ عَائِشَةَ، وَخِبَاءَ حَفْصَةَ، وَخِبَاءَ زَيْنَبَ، فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟" ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ.
884 - وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعُكُوفٍ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَقَامَ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ مَرِضَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا بَقِىَ مِنَ الْعَشْرِ إِذَا صَحَّ، أَمْ لاَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَعْتَكِفُ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ إِذَا صَحَّ، فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ.
885 - قَالَ زِيَادٌ: قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الاِعْتِكَافِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الاِعْتِكَافُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ، فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ اعْتِكَافُهُ إِلاَّ تَطَوُّعاً.
886 - قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إِنَّهَا إِذَا اعْتَكَفَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا: إِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ، ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا.
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَتَحِيضُ، ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا، ولاَ تُؤَخِّرُ ذَلِكَ.
887 - وَحَدَّثَنِي زِيَادٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ وَهُو مُعْتَكِفٌ.
888 - قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جَنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلاَ مَعَ غَيْرِهَا.
الحمد لله مُكرمنا بشَريعتهِ العظيمة، وبيان أحكامها القويمة، على لسان عبدهِ المصطفى محمد ذي المراتب العلية الفخيمة، اللهم أدم صلواتك على الرحمة المهداةِ والنعمة المسداة سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين وأصحابه الغّر الميامين، وعلى من والاهم فيك وتابعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم والتابعين وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- ذكر الأحاديث المتعلقة بالاعتكاف، ويقول: "باب قَضَاءِ الاِعْتِكَافِ"، وذلك لمن نوى أن يعتكف مدة ثم لم يتيسر له ذلك أو انصرف عنه بصارف فهل يقضي ذلك أم لا؟
إذًا إن نوى اعتكاف مدة لم تلزمه فإن شرع فيها له إتمامها وله الخروج منها عند الجمهور. وقال الإمام مالك: لا خروج، وكذلك في قول عند الحنفية فإذا لزمه بالشروع فيه فقطعه لزمه عند مالك إذًا قضاؤه .
وهناك الخلاف بين الأئمة:
يقول الحنابلة: إذا بطل اعتكافه وجب أن يستأنف إن كان نذرًا متتابعًا غير مقيّد بزمن ولا كفارة، فإن كان مقيد بزمن معين استأنفه وعليه أيضًا لفوات الوقت والمحل أن يُخرج كفارة يمين.
بخلاف المالكية قالوا: ما نواه من العدد فشرع فيه لزمه، فمن نوى أن يتطوع باعتكاف عشر أيام مثلا، فإذا دخل المعتكف وجب عليه أن يعتكف عشرة أيام، فإذًا النفل عندهم يلزم إتمامه بالشروع فيه بخلاف إذا لم يدخل المعتكف بعد فهم كما قال الجمهور يجوز له أن يترك ذلك.
إذا فحكم أنواع الطاعات المتطوّع بها:
وتقدم معنا تنويع الحنفية للاعتكاف إلى:
إذًا، هذا الكلام يتعلق بالنية؛ والنية:
فلا يصح الاعتكاف من دون نية؛ سواءً كان اعتكاف مسنون أو واجب؛ فإن ما يميز بين الفرض والنفل النية، فإذا نوى الاعتكاف المسنون ثم خرج من المسجد فهل يحتاج إلى تجديد نيته إذا رجع؟ نعم، إذا خرج من الاعتكاف المسنون انقطع اعتكافه بخروجه من المسجد بغير حاجة، فإذا رجع من تجديد لابد من تجديد نية اعتكاف مندوب آخر، لأن الخروج من المسجد للاعتكاف المندوب لا مبطل له، فإذا رجع مرة ثانية فيحتاج إلى تجديد النية.
والمعتمد عند الأئمة الثلاثة -كما سمعت- أن المتطوع به لا يلزمه وإن شرع فيه ولا قضاء عليه إذا تركه.
ويقول الحنفية: الاعتكاف الواجب لا يصح إلا بصوم واجب ولا يصح مع صوم التطوع، فإذا نذر اعتكاف شهر رمضان مثلا لزمه وأجزأه صوم رمضان أصلًا، فإن لم يعتكف في رمضان قضى شهرًا متتابعًا غيره؛ لأنه التزم الاعتكاف في شهر بعينه وفاته فيقضيه متتابعًا بصوم مقصود، فلو صام تطوع ثم نذر اعتكاف ذلك اليوم لم يصح عند الحنفية؛ لأن شرط صحة النذر أن يكون له صوم واجب إما من رمضان أو قضاء عن رمضان أو كفارة نذر، إما صوم نذر أو صوم عن كفارة هذا الصوم الواجب، فإذا نذر أن يعتكف فليكن صائمًا صومًا واجبًا.
ويقول المالكية: لا بد من الصوم، لكن لا يشترط أن يكون واجبًا مع النذر أو مع غير النذر، فسواءً نذر الاعتكاف أو تطوّع به فالشرط أن يكون صائمًا سواءً كان الصوم واجبًا أو نفلًا، سواءً كان الاعتكاف منذورًا أو متطوّعًا به فيكفي أي صوم.
يقول: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ"؛ يعني: في العشر الأواخر من رمضان، "فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ" وهو خباؤه، فكان ينصب له خباء في ناحية المسجد يجلس فيه أيام اعتكافه ﷺ، مما يلي حجراته الشريفة، "فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ، وَجَدَ أَخْبِيَةً"، جمع خِباء، عدد من الأخبية منصوبة عبارة عن خيمة على عمودين أو ثلاثة، فسأل ﷺ لما وجد الأخبية فأُخبر أنها "خِبَاءَ عَائِشَةَ، وَخِبَاءَ حَفْصَةَ، وَخِبَاءَ زَيْنَبَ"، وهكذا فيه تشريع أن المرأة أيضًا يصح منها الاعتكاف ويجوز لها الاعتكاف في المسجد، والذين اشترطوا الجماعة والجمعة لا يشترطون ذلك للمرأة لأنه لا يلزمها ذلك؛ أن يكون في المسجد جمعة أو جماعة. وليس لها الاعتكاف في غير المسجد.
بل قال: اعتكافها فيها أفضل من اعتكافها في المسجد العام، كمسجد الجماعة.. لماذا؟ بالاستدلال بهذا الحديث، أنه ترك الاعتكاف لما رأى أمهات المؤمنين أردن الخروج إلى المسجد، فَمسجد بيتها موضع فضيلة بالنسبة لها، فكان كذلك موضع اعتكاف، كالمسجد في حق الرجل لفضيلة إقامة الجماعة فيه والصلاة فيه أفضل، فكذلك اعتكافه يكون فيه، ولكن صلاة المرأة أفضل في بيتها في مسجد بيتها أفضل، فصار اعتكافها حيث تفضُل صلاتها، فجعل الاعتكاف تبعًا للصلاة حيث تكون الصلاة أفضل،
ويقول لما رأى ﷺ الأخِبية وسأل عنها، وقيل له: "خِبَاءَ عَائِشَةَ، وَخِبَاءَ حَفْصَةَ، وَخِبَاءَ زَيْنَبَ" فكانت ثلاثة، جاء في رواية عند الإمام مسلم: فأمرت زينب بخِبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي بخِبائها فضرب وكأنه أكثر من ثلاثة على هذه الرواية؛ فجاء في رواية النسائي إذا هو بأربعة أبنية، وفي رواية أربعة قباب وأمرﷺ بخِبائه فضرب، فأمرت زينب بخِبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي بخِبائها فضرب. جاء في رواية: تقول السيدة زينب: فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب، وأمر غيري من أزواج النبي ببنائها فضرب.
"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟"؛ أي: تظنون بهن إخلاص القصد لأجل طلب الثواب وعمل البر في الاعتكاف في المسجد، أم لغيرةِ بعضهُن من بعض، وتنافسهن في القرب منه، وتخلل مقصدُهن شيء غير خالص إرادة الاعتكاف والبر "آلْبِرَّ تَقُولُونَ" يعني: تظنون "بِهِنَّ؟" فخاف عليهن أن يكون منهن من حملها على ذلك الحرص على القرب منه والغيرة من سائر أزواجه، فما تسلم نيتها للاعتكاف فكره اعتكافها على هذا الوجه، ومنعهن كلهن، وأمر بالأخبية أن تُرفع، وترك هو الاعتكاف مراعاةً لنفسياتهن ومشاعرهن، هو ترك الاعتكاف بنفسه ليكون ذلك أصلح لهن وأقرب ولكنه قضى ذلك في شوال.
وكأنه في البداية لما أذِن لسيدتنا عائشة وحفصة كان ذلك خفيفًا، فلما تنافسن الأخريات وضَربن الأخبية، رأى أن ذلك قد ينحرف عن إخلاص النية، وكذلك يضيّقوا أماكن في المسجد، إذا كل واحد بيضرب له خباء فيضيق المسجد على عموم المصلين.
وهكذا وأخذ بعضهم أنه لا يجوز للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها، فلما اعتكف منهن من لم تخبره سابقًا ولم يأذن لها، ردّهن كلهن فأمرهنّ أن يرجعن عن هذا، حرصًا عليهن في خلوص المقصد وطهارة النية وإرادة الخير وهو نعم المربي ﷺ.
"ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ"، بعد أمر بأخبيتهن أن يرفعن وبخبائه كذلك، قال: ارفعوه؛ فأمرهم أن يرفعوا جميع الأخبية وترك الاعتكاف في ذلك العام، " حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ".
" حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ"
"وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعُكُوفٍ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَقَامَ"؛ أي: معتكفًا، "يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ مَرِضَ" مرضًا يشق عليه فيه المكث في المسجد، "فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ" ما أكمل الاعتكاف، "أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا بَقِىَ مِنَ الْعَشْرِ إِذَا صَحَّ أَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ مَا بَقِىَ مِنَ الْعَشْرِ إِذَا صَحَّ، أَمْ لاَ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَفِي أَيِّ شَهْرٍ يَعْتَكِفُ إِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ؟يَقْضِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ عُكُوفٍ"؛ يعني: إما بالنذر أو بالدخول فيه، "إِذَا صَحَّ" يعني: من مرضه، "فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ" إن صح وباقي رمضان وجب عليه أن يتدارك ما بقي من رمضان، ويقضي الباقي في شوال، وإن لم يشتفي من المرض إلا في شوال، أو في القعدة فليقضه في أي شهر آخر غير رمضان.
"وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ الْعُكُوفَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، اعْتَكَفَ عَشْراً مِنْ شَوَّالٍ"، هذا الحديث المتقدم. قال يحيى: "قَالَ زِيَادٌ: قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُتَطَوِّعُ فِي الاِعْتِكَافِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الاِعْتِكَافُ"؛ يعني: نذر الناذر الذي نذره فوجب عليه، "أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ، فِيمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا" أن الذي تطوع بالاعتكاف فلزمه بالدخول فيه صار كالناذر، " وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ اعْتِكَافُهُ إِلاَّ تَطَوُّعاً" ومع ذلك قضاه في العشر من شوال، فقال الجمهور: أن قضاؤه تطوع أيضًا منه ﷺ ولا يلزم ذلك.
قال يحيى: "قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمَرْأَةِ إِنَّهَا إِذَا اعْتَكَفَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ فِي اعْتِكَافِهَا: إِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهَا" واجب ذلك من غير شك، ويجب عليها الخروج من المسجد إذا أتاها الحيض، قال ﷺ: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"، فتذهب حتى تطهر ثم ترجع. واختلفوا إذا نذرت صوم أيام معينة فجاءها الحيض، أنه إن كان مدة غير طويلة يمكن أن تكون في غير توقع أيام الحيض فيجب عليها أن تستأنف ذلك، وأن تعتكف في أيام بعيد عن الحيض منها، حتى يتم التتابع كأن نذرت أسبوعًا مثلا، فيمكنها ذلك في غير أيام الحيض، فتتحرّى الأسبوع الذي هو بعيد من عادة حيضها فتعتكف فيه، فإذا طرأ عليها الحيض في غير الأيام المعتادة فهي معذورة، وإلا فإن اعتكفت في أيام يتوقع مجيء حيضها فيها فينقطع بذلك التتابع وعليها الاستئناف بعد ذلك؛ لأنها قصرت وقيل أنها أيضًا معذورة كالمريض.
"فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ أَيَّةَ سَاعَةٍ طَهُرَتْ، ثُمَّ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا"؛ إذا كانت المدة لا تخلو عن حيض، التي اعتكفتها أو نَوتها أو نذرتها. وهكذا، إذا طرأ عليها الحيض وجب الخروج، فإذا طهرت رجعت إلى معتكفها أي ساعة طهرت فيها، لا تؤخر رجوعها عن وقت طهرها، بل بمجرد أن تطهر تغتسل وتذهب إلى المسجد لمواصلة الاعتكاف.
ويقول الحنفية: كذلك إذا نذرت المرأة اعتكاف شهر فحاضت فيه، عليها أن تقضي أيام حيضها وتصلها بالشهر، فإن لم تصلها به فعليها أن تستقبله لأن هذا القدر في وسعها.
قال يحيى: "قَالَ مَالِكٌ: وَمِثْلُ ذَلِكَ"؛ أي: المذكور من قبل في حيض المعتكفة، "الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" في كفارة قتل أو فطر في رمضان، عنده يلزم الكفارة المرأة عند الشافعية لا يلزمها الكفارة في إذا جامعها زوجها في رمضان، قال: "فَتَحِيضُ، ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهَا، ولاَ تُؤَخِّرُ ذَلِكَ"؛ لأنه شهرين لا بد فيها من حيض بحسب العادة.
"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ فِي الْبُيُوتِ" وهذا من المتفق عليه، "قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مَعَ جَنَازَةِ أَبَوَيْهِ وَلاَ مَعَ غَيْرِهَا" يقول المالكية: إذا ماتا معًا فأما إذا مات أحدهما والآخر حيّ وجب عليه الخروج، وبطل اعتكافه ويعيده من أول، "وَلاَ مَعَ غَيْرِهَا" من باب أولى، إذًا؛ فقيّدوه إذا ماتا معًا، والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة وأتحفنا بالكرامة، ودفع عنا الآفات والأسواء وأصلح السِرّ والنجوى، وغَمرنا بِفائضات جوده، وأسعدنا بأعلى السعادة وأصلح لنا الغيب والشهادة بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.
21 شَعبان 1442