شرح الموطأ - 169 - كتاب الاعتكاف: باب ذِكر الاعتكاف

شرح الموطأ - 169 - كتاب الاعتكاف، باب ذِكر الاعتكاف، من حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدْني إليَّ رأسَهُ فأُرَجِّلَهُ..)
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الاعتكاف، باب ذِكر الاعتكاف.

فجر الثلاثاء 3 شعبان 1442هـ.

باب ذِكْرِ الاِعْتِكَافِ

869- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ.

870- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذَا اعْتَكَفَتْ، لاَ تَسْأَلُ عَنِ الْمَرِيضِ إِلاَّ وَهِيَ تَمْشِي، لاَ تَقِفُ.

871- قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ، وَلاَ يَخْرُجُ لَهَا، وَلاَ يُعِينُ أَحَداً، إِلاَّ أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ، وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ، لَكَانَ أَحَقَّ مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَالصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعُهَا.

872- قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفاً، حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ، مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَدُخُولِ الْبَيْتِ، إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ.

873- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ، هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ.

874- قَالَ مَالِكٌ: الأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ: أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ الاِعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ، وَلاَ أُرَاهُ كُرِهَ الاِعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لاَ يُجَمَّعُ فِيهَا، إِلاَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، إِلَى الْجُمُعَةِ، أَوْ يَدَعَهَا، فَإِنْ كَانَ مَسْجِداً لاَ يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ، فَإِنِّي لاَ أَرَى بَأْسًا بِالاِعْتِكَافِ فِيهِ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ) [البقرة:187] فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئاً مِنْهَا.

قَالَ مَالِكٌ: فَمِنْ هُنَالِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لاَ يُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، إِذَا كَانَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي تُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَة.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكرِمنا بأنوار شريعته وأحكامها وبيانها على لسان عبده مُحمَّد بن عبد الله رحمته المُسداة ونعمته المُهداة إلى جميع أنامه. صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان أزكى صلاته وسلامه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين مجلى جود الله في البريّة وإنعامه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المُقربين، وجميع عباد الله الصَّالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

ويذكر سيِّدنا الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في الموطأ كتاب الاعتكاف، يذكره في أبواب الصَّوم؛ لأن الاعتكاف له إناطة بالصوم من حيث المعنى ومن حيث اشتراط بعض أهل العلم الصَّوم فيه. 

  • فأما الاشتراك في المعنى فإن المقصود من الصوم ومن الاعتكاف؛ كفّ النَّفس عن شهواتها؛ وتزكية النَّفس وتطهيرها بطلب زيادة الإيمان واليقين والتحقق بالتقوى، والذي يُبطل الصوم يُبطل الاعتكاف من مثل الجِماع ونحوه. 
  • ويُسنّ للمعتكف الصِّيام، وأوجبه بعض أهل العلم.

 والاعتكاف؛ الملازمة للشيء والإقبال عليه مع التعظيم والإجلال، وملازمة المسجد تقربًا إلى الله -تبارك وتعالى- وكفًا للنفس عن شهواتها؛ هو الاعتكاف المُراد الذي ذكره في هذا الباب. وهو بذلك سُنَّة من السُّنن. 

  • يقول الحنفية: إنه سُنَّة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان، ومُستحب ما عدا ذلك. 
  • وهكذا يقول المالكية عن الاعتكاف: أنه مندوب، مؤكد. ويقول منهم ابن عبد البرّ: إنه في رمضان سُنّة، وفي غيره مندوب. 
  • ويقول الشَّافعية وكذلك الحنابلة: أنه سُنّة مؤكدة في كُل وقت ولكن في العشر الأواخر من رمضان؛ آكد. 
  • ويقول الحنابلة: إنه في رمضان آكد، وآكده في العشر الأواخر من رمضان. 

إذًا فالإجماع قائم على مشروعيته، وعلى أنه لا يلزم إلا لمَن نذر ذلك كبقية القُربات والطَّاعات غير المفروضة تلزم بالنذر على مَن نذرها. وقد نُقل إلينا من فعل نبينا ﷺ ومداومته عليه، ولم يُلزم الصَّحابة بذلك وخيّرهم وتبعه الكثيرون ولم يعتكف منهم آخرون. فإذًا ليس بفرض ولكن سُنَّة.

وقد صح عن سيِّدنا عُمَر أنه قال: يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال ﷺ: "أوف بنذرك"؛ ففيه صحة نذر الاعتكاف، وأنه من القرب التي يجب الوفاء بنذرها إذا نذرها، وأنه يصح أيضًا في خلال ليلة.

  • وكذلك من قال من كثير من أهل العلم: أنه ليس من شرطه الصَّوم. قالوا: إن الليلة لا يكون فيها صوم إنما يكون الصَّوم في اليوم، وهو نذر أن يعتكف ليلة.
  • وبذلك قال الشافعية: أن أقلّه فوق طمأنينة الصَّلاة؛ أن يمكث في المسجد فوق طمأنينة الصَّلاة. ولكن من نذر اعتكافًا مُطلقًا، وإن كان يفي بنذره أن يعتكف لحظات فوق طمأنينة الصَّلاة إلا أن الأفضل أن يعتكف يومًا، إذا نذر اعتكافًا مطلقًا. فالأفضل أن يعتكف يومًا؛ للخروج من خلاف من قال أنه لا يصح الاعتكاف إلا يومًا كاملًا.

أورد لنا حديث "عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي"؛ يقرب "إِلَيَّ"؛ أي إلى جانب حجرتي أو الممر الذي بين حجرته ﷺ وبين المسجد. يُدْنِي؛ يقرّب "رَأْسَهُ" ففيه: تصريح بتسريح شعر الرأس. وبذلك يعلم أنه للمعتكف أن يرجّل رأسه بل أن يتناول أو يستعمل الطيب بأنواعه، فذلك مما لا يلزمه تركه بل هو بالنسبة للصلاة ونحوها مستحب التّطيب بخلاف حال المُحرم في الإحرام يحرم عليه الطّيب، أما المُعتكف فله أن يتطيب، كما أنه أيضًا يرجل، يسرح شعره. وكذلك في الحديث ترجيل الشعر وتنظيف البدن. 

"وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ"؛ أي بيته، ولا يخرج من المسجد، وفيه أن خروج جزء من بدن المعتكف لا يُخرجه عن الاعتكاف؛ كإخراج يد أو رأسٍ ونحوه، فإنه يخرج من جدار المسجد رأسه الشَّريف وعائشة في أيام حيضها ترجّله؛ يعني: يحرم عليها الدخول إلى المسجد، أما بيته فكان ما يخرج من المسجد إلى الْبَيْتَ "إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ". 

ويقول المالكية عن المعتكف الذي يعتكف الأيام المتتابعة أنه: يجب خروجه للجُمْعة إذا لم يكن معتكف في مسجد فيه جُمعة. فإذا لم يخرج للجمعة أثِم. وإذا خرج إلى الجمعة، انقطع اعتكافه عندهم وبطل اعتكافه. وكذلك إذا مرض أحد الأبوين قال المالكية: يخرج وجوبًا، ويبطل به. وفرّقوا بين مرض أحد الأبوين وبين جنازتهما:

○ فلم يوجب عليه الخروج للجنازة.

○ وأوجبوا عليه الخروج لأجل عيادتهما وتفقّدهما في المرض.

○ ولا يجوز عندهم الخروج من أجل الشَّهادة.

○ وكذلك يتعرض للبطلان إذا أبطل الصّوم، هكذا يقول المالكية.

وفي المدونة عن الإمام مالك يقول: أكره للمعتكف أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته لكن يتخذ مخرجًا في غير بيته قريبًا من المسجد. قال: لأن خروجه إلى بيته ذريعة إلى النّظر إلى أهله وضيعته؛ فيشتغل بهم.

وأورد لنا أيضًا حديث "عَائِشَةَ" أنها "إِذَا اعْتَكَفَتْ، لاَ تَسْأَلُ عَنِ الْمَرِيضِ إِلاَّ وَهِيَ تَمْشِي، لاَ تَقِفُ". وفيه شغل المعتكف بالمُكث في المسجد، وإقباله على الطَّاعة والعبادة فإنه المقصود من الاعتكاف؛ انتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، والاشتغال بالقراءة والذِّكر، والدُّعاء والتَّضرع فهذا الشُّغل المنوط بالمعتكف، ويخرج لأجل قضاء الحاجة للضرورة. 

○ فإذا كان المريض على طريقه فسأل عنه من غير وقوف؛ جاز ذلك.

○ ولا يجوز أن يقف في مشيه، ولا أن يدخل إلى مكان المريض لعيادته لمَن اعتكف أو نذر التّتابع في الاعتكاف، فيكون ملازمًا للمسجد في تلك الفترة.

وفيه قول مَالِك: "لاَ يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ، وَلاَ يَخْرُجُ لَهَا، وَلاَ يُعِينُ أَحَداً، إِلاَّ أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ، وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ، لَكَانَ أَحَقَّ مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَالصَّلاَةُ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعُهَا"؛ وذلك ممنوع. وهكذا وقد كره الإمام مالك أن يقُص المعتكف أظفاره في المسجد أو يأخذ من شعره، فقيل له: إنه يجمع ذلك حتى يلقيه، قال: لا يعجبني وإن جمعه؛ فإذًا عنده إنما يكون ذلك في خارج المسجد. قال: "وَلَوْ كَانَ خَارِجاً لِحَاجَةِ أَحَدٍ، لَكَانَ أَحَقَّ مَا يُخْرَجُ إِلَيْهِ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ"، لأنها من جملة حقوق المُسلم، والصلاة على الجنائز واتباعها لما ورد في الفضل فيها ولكن ذلك ممنوع على المعتكف، فمن باب أولى بقية الحاجات.

"قَال: لاَ يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفاً، حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ، مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَالصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَدُخُولِ الْبَيْتِ، إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ". فقط.

 وذكر أيضًا مَالِك: "أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ، هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ؟" يريد قضاء حاجة الإنسان، "فَقَالَ: نَعَمْ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ". وهكذا، ونصّ على الدخول تحت سقفٍ للرّد على مَن يقول: إذا دخل تحت سقفٍ غير المسجد بطل اعتكافه. 

  • وهكذا يروى عن عكرمة: المُعتكف لا يدخل بيتًا مسقفًا. 
  • ويقول الشعبي: لا يدخل بيتًا.
  • إذًا فالذي عليه الجمهور: أنه لا فرق بين المسقوف وغيره إنما يخرج لقضاء حاجة الإنسان. 

يقول مَالِك: "الأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ: أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ الاِعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ"؛ أي يصلى فيه الجُمْعة، "وَلاَ أُرَاهُ كُرِهَ الاِعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لاَ يُجَمَّعُ فِيهَا، إِلاَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، إِلَى الْجُمُعَةِ"؛ لأجل أداء فريضة الجُمْعة وهو عندهم أيضًا يجب عليه الخروج ويبطل اعتكافه. إذ أن خروجه للجمعة؛ واجب إجماعًا.

  • وبالنظر إلى الوجوب قال الإمام أبو حنيفة: أنه لا يبطل بذلك اعتكافه ولا ينقطع؛ لأنه مأمور بذلك أو يدعها ولكن يأثم ويقع في الحرام.
  • والمعتمد بعد ذلك عند المالكية، أنه وإن أثم بترك الجُمْعة لا يبطل اعتكافه، مادام لم يخرج.
  • وهكذا أشرنا إلى قول الحنفية: أنه ما دام يخرج إلى واجب كالجمعة.
  • كذلك يقول الحنابلة: فلا يضره ذلك ولا يبطل اعتكافه.

"فَإِنْ كَانَ مَسْجِداً لاَ يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ"، لماذا؟ لأنه ينتهي وقت اعتكافه قبل مجيء الجُمْعة أو كون المُعتكف هو ممَن لا تجب عليه الجُمْعة:

○ بأن كان الاعتكاف في قرية ليس فيها عدد تُقام به الجُمْعة.

○ أو كان مريضًا لا يلزمه السّعي إلى الجُمْعة لشدة مرضه.

○ أو لما يعانيه من الشِّدة عند الخروج إلى الجُمْعة. 

"وَلاَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ، فَإِنِّي لاَ أَرَى بَأْساً بِالاِعْتِكَافِ فِيهِ، لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ) [البقرة:187] فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا"، فلا يختص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ولا بمسجد فيه تقام الجُمْعة.

"قَالَ مَالِكٌ: فَمِنْ هُنَالِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لاَ يُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، إِذَا كَانَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي تُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ".

  • وقال الحنفية: يجوز للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها؛ وهو المكان الذي أعد للصلاة في البيت، كما يعتكف الرِّجل في المسجد. 
  • وقال محمد بن لبابة من المالكية: يجوز الاعتكاف في كل مكان؛ بأن يحبس نفسه على الطّاعة في أي مكان. 
  • وقال جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد.
  • ويروى عن حذيفة: أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة بخصوصها. 

ومنهم من اشترط أن يكون المسجد تقام فيه الجُمْعة، وهذا يروى عن بعض الصَّحابة والتَّابعين. "قَالَ: وَلاَ يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ". السّعة؛ يعني ساحة المسجد. والمراد صحنه؛ صحن المسجد الملتصق به.

"قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيتُ فِيهِ، إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ"، لم أسمع؛ يعني من حيث العلم أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه؛ يعني: ينصبه ويقيمه على أوتاد مضروبة. يضرب بناء في المسجد؛ يصلح له وسط المسجد أوتاد ويقيم مثل خيمة ونحوها على أعمدة. "يَبِيتُ فِيهِ، إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ"؛ أي: صحن المسجد وساحته. "وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَبِيتُ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ، قَوْلُ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اعْتَكَفَ، لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ". ثم ذكر كلامًا يتعلق ببعض مسائل الاعتكاف، يأتي معنا إن شاء الله.

رزقنا الله الإيمان واليقين، والإخلاص والصِّدق، والإقبال الكُلّي والقبول لديه والتوفيق لمرضاته، وبلَّغنا رمضان وجعلنا عنده من خواص أهله في عافية بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.

تاريخ النشر الهجري

04 شَعبان 1442

تاريخ النشر الميلادي

17 مارس 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام