شرح الموطأ - 153 - كتاب الزكاة: باب وقت إرسال زكاة الفِطْر، وباب مَن لا تجب عليه زكاة الفِطر

شرح الموطأ - 153 - باب وقت إرسال زكاة الفِطْر، مِن حديث نافعٍ رضي الله عنه
للاستماع إلى الدرس

شرح فضيلة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب وقت إرسال زكاة الفِطْر، وباب مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ.

فجر الأحد 9 رجب 1442هـ.

باب وَقْتِ إِرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ

780- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.

781- وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى أَهْلَ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ، إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى.

782- قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ وَاسِعٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ الْغُدُوِّ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أو َبَعْدَهُ.

باب مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ

783- حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ، وَلاَ فِي أَجِيرِهِ، وَلاَ فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ زَكَاةٌ، إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَخْدُمُهُ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا لَمْ يُسْلِمْ، لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ.

 

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مُكْرِمنا بشَريعته وأحكامه البيّنة في مِلّته، ومُبيّنها لنا على لسان خير بريته، مُحمَّدٍ عبده وخيرته وصفوته صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين محلّ خِيرة الحقّ -سبحانه وتعالى- من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.

وبعدُ، 

ويواصل الإمام مالك -عليه رحمة الله تعالى- في المُوطأ ذِكر الأحاديث المُتعلّقة بزكاة الفِطر، ويتكلم على وقت إرسال الزكاة وأدائها ومتى يكون. وقد تقدَّم معنا أن وجوبها منوط بالفِطر من رمضان. 

  • وقيل: من غروب الشَّمس وهو الذي عليه عدد من الأئمة كالإمام الشَّافعي. 
  • وقيل: بطلوع الفجر، كما جاء في مذهب أبي حنيفة؛ أن الوجوب منوط بطلوع الفجر. 
  • وقيل: بالأمرين معًا. 
  • وتقدّم أيضًا معنا ما جعل الإمام الشَّافعي أن الوجوب مُتعلق بالأمرين؛ رمضان والفِطر منه. فمَن أدرك جُزءًا من رمضان وجُزءًا من شوال؛ وجبَ عليه أن يُخرج زكاة الفِطر أو أن تُخرَج عنه إن كان مُنفَقًا عليه وعلى مَن تجب عليه نفقتُه. 

وذكر لنا حديث ابْن عُمَر كان يذكُر عنه نَافِع مولاه: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ  يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ"، وفيه أن النَّبي ﷺ ينصِب أحدًا ويُعيّنه ليضع النَّاس زكواتهم عنده -زكاة الفِطر- فتُجمع عنده ثم تُنفَق بنظره ﷺ في يوم العيد. فكان ينصِب مَن يجمَع الزَّكاة.

وقد جاء في الحديث أنه وكَّل أبا هريرة في زكاة الفِطر، وجاءه شيطان تصوّر بصورة إنسان يأخُذ من الطَّعام في ثلاث ليال، فدّل على أنهم يعجِّلون زكاة الفِطر ويُخرجونها ويأتون بها إلى عند الذي يُعيّنه الإمام لجمعها قبل يوم العيد، ثم يُفرّقُها الإمام بنظره في يوم العيد، وفي هذا تعجيل زكاة الفِطر.

  • وجاء في الخبر أيضًا أن أيوب قال: قُلت متى كان ابن عُمَر يُعطي؟؛ يعني زكاة الفِطر، قال: إذا قعد العامل. قلت: متى يقعُد العامل؟ قال: قبل الفِطر بيوم أو يومين. 
  • وهذا مقدار التَّعجيل عند الإمام مالك أنه قبل الفِطر بيوم أو يومين يجوز أن يُقدِّم إخراج الزَّكاة. 
  • وكذلك يقول الحنابلة كالمالكية: أنه يجوز تقدِّيم زكاة الفِطر يومًا أو يومين. 

وأن النَّبي ﷺ قال لأبي هُريرة: "مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟" لمَّا جاء يحثو من الزَّكاة، أمسكه. قال: تأخُذ من تمر الصَّدقة أو من طعام الصَّدقة لارفعنَّك لرسول الله ﷺ! قال: إني ذو عيال وذو حاجة وشكى حاله؛ فتركه، فقال له النّبي: "مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟" قال: شكى عيالًا وفاقة وحاجة؛ فرحمته، قال: "كَذَبك وسيعُودُ"، وهو قال: إني لا أعود. في اللَّيلة الثّانية ترقبتُه لأني عَلِمْت النَّبي قال لي يعود، فإذا به، فأمسكته في اللَّيلة الثَّانية، قُلت له: قُلت لي أنك لا تعود وعُدت، قال: عندي عيال وأنا شديد الحاجة والفاقة وكذا ولا أعود بعدها؛ فرحمه أيضًا ورقّ عليه وتركه فذهب. فلمَّا صلَّى الصُّبح مع النَّبي قال: "مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ، يا أبا هُريرة؟" قال: شكى عيالًا وفاقة وحاجة ورحمته أيضًا وقال أنه لا يعود، قال: "كَذَبك وسيعُودُ"، قال: فقلت سأترقبه فترقبته فإذا به في اللَّيل يحثو فأمسكه، قال: هذه ثالث ليلة تكذب علي، تقول أني لا أعود، لأرفعنَّك إلى رسول الله. قال: لأُعلِّمك شيئًا من العِلم ينفعك الله به خير لك، وتتركني ولا أعود. قال: ماذا؟ وكانوا حريصين على العِلم. قال: آية الكُرسي تقرأها عندما تأوي إلى فراشك؛ لا يقربك شيطان طول ليلك. فلمَّا أفاده فائدة في العِلم؛ أطلقه. فجاء في اليوم الثَّالث لرسول الله ﷺ، قال له النَّبي: "مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟" قال: يا رسول الله زعم أنه يُعلِّمُني مسألة من العِلم، وقال لي: آية الكُرسي إذا قرأتها عند مجيئك إلى نومك؛ لا يقربك شيطان طول ليلتك. قال: صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، هذه صدق فيها؛ يعني صحيحة أن مَن قرأ آية الكُرسي ما يقربه شيطان. "أما تدري مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ؟" قال: ما عرفته هذا، وما أدري من أين! ليس من أهل المدينة، ما أعرف وجهه في المدينة! قال: أما "إنه شَيْطَان" واحد من الشَّياطين. قال: هذا واحد من الشَّياطين. قال: صَدقكَ وإنَّه لكَذوبٌ، وهو كذَّاب؛ فدلّ على جواز التَّقديم.

  • قال أبو حنيفة: يجوز التقديم ولو من قبل زمان. 
  • والذي تصحّح في مذهبه من الرّواية الثانية أنه في رمضان -وذلك كالشّافعية-، أن جواز تقديم الفِطر؛ يجوز من أول رمضان. وذلك أن زكاة الفِطر تلزم بأمرين -فلها سببان- وهو صوم رمضان والفِطر منه؛ وما وجب بسببين جاز تقديمه على أحدهما؛ إذا حصل واحد يجوز التّقديم فوجب بهذين السببين صوم رمضان والفِطر. فيجوز تقديمه على أحدهما إذا قد صام من رمضان؛ من أول رمضان فقد حصل السبب الأول. ويتم بالسبب الثاني وهو إدراكه الفِطر من رمضان فيجوز أن يُقدِّم إخراج زكاة الفِطر من أول رمضان، وكلما قرُب من العيد فهو أفضل. 
  • وسمعت قول الإمام مالك وكذلك الحنابلة: إنما يجوز قبل العيد بيوم أو يومين فقط ولا يجوز أكثر من ذلك. 

فهذا وقت الإخراج من حيث الجواز.

أما من جهة الأفضلية، فكلهم اجتمعوا واتفقوا على أن أدائها يوم العيد قبل الصَّلاة أفضل؛ هذا الوقت المُستحب أن يؤدي يوم العيد قبل أن يُصلي وأن هذا أفضل عندهم كلهم بالاتفاق. أن الأفضل أن يؤديها في يوم العيد قبل أن يُصلي العيد. 

  • ويتسع وقت الجواز في إخراجها لبقية يوم العيد، وهي موسّعة عند الحنفية فلا قضاء فيها وإنما متى أخرجها فهي أداء ولكنه لا ينبغي أن يُؤخرها عن يوم العيد. 
  • وقال غيرهم: يحرُم أن يؤخرها عن يوم العيد؛ يعني عن غروب الشَّمس في يوم العيد. 

واتفقوا على أنه يجب عليه قضاؤها؛ أنه لازمة في ذمته وإن ذهب العيد. إلا أنها قضاء عند الأئمة الثلاثة؛ بعد يوم العيد. وهي أداء عند الحنفية ولكن ينبغي بالاتفاق من لا يؤخرها عن يوم العيد. 

  • وذلك حرام عند الأئمة الثلاثة تأخيرُها عن يوم العيد من غير عُذر؛ لا يجوز أن يؤخرها. 
  • بل قال الشَّافعية: يُكره تأخيرُها عن الصَّلاة؛ فينبغي أن يُخرجها قبل الصَّلاة لما جاء في الحديث من إخراجها قبل صلاة العيد.

وأما جواز عموم اليوم لقوله: "اغنُوهم عن المسألة في هذا اليوم". واليوم؛ يمتد إلى الغُروب -إلى غُروب الشَّمس- ففي أي وقت أدَّاها حصل أصل الوجوب ولكن الأفضل أن يكون قبل أن يُصلّي العيد؛ يُخرج الزَّكاة. فأفضل أوقاتها ما بعد الفجر وقبل الصَّلاة. 

○ وتجوز في خلال اليوم. 

○ وتجوز مُعجّلة من أول رمضان عند الشَّافعية. 

○ وكذلك فيما صُحِح عند الحنفية أنه يجوز تقديمها من أول رمضان. 

وقيل عند الحنفية: أنه يجوز تقديمها لو قبل عام أو عامين مثل الزَّكاة؛ مثل زكاة المال بالتجارة يجوز أن يُقدمها، ولكن الذي صُحِح عندهم ما يوافق مذهب الشَّافعي أنه تقديمها؛ إنما يكون في رمضان. إذا جاء في رمضان يُمكن أن يُقدّمها. 

○ وقال المالكية والحنابلة: إنما يُقدمها قبل العيد بيوم أو يومين. 

فهذا وقتُها المُعجّل ووقتُها للوجوب: إدراك جزء من رمضان وجزء من شوال فتَجب بغروب الشَّمس، وقيل: بطلوع الفجر. والأفضل في أدائها بعد الفجر وقبل الصَّلاة. ويُكره تأخيرُها عن الصَّلاة. ويحرُم عند الأئمة الثلاثة تأخيرُها عن اليوم حتى تغرُب الشَّمس. وكذلك خلاف الأولى ولفظ عن الحنفية وإن سمّوه أداء فوقتها موسّع فيُخرجها في اليوم الثاني والثالث أداء عندهم. وعند غيرهم هي قضاء؛ يقضيها كما اتفقوا على أن من أخرَّها وجب عليه إخراجها ولا تفوت بفوات يوم العيد، بل يجب عليه إخراجها باتفاق. 

  • إلا أنها عند الأئمة الثلاثة قضاء
  • وعند الحنفية أداء، يُخرج زكاة الفطر. 

فهذه المسائل المتعلقة بقوله: "كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ"، وفي هذا أنه كان ينصِب أحدًا لاستلام الزَّكاة ولا يبعث أحد من السُّعاة إلى بيوت النَّاس ويقول هاتوا الزَّكاة، ولكن ينصِب لهم واحد، بخلاف الماشية كما تقدم معنا؛ يبعث العمال إلى أماكنهم ليأخذوا منهم الزَّكاة لكن في زكاة الفِطر ما يبعث أحد إلى ديارهم يقول هاتوا الزَّكاة، ولكن ينصِب لهم واحد يقول من عنده زكاة يأتي بها. 

فلهذا صار بعد ذلك: هل الأفضل أن يعطيها الإمام أو أن يُخرجها عن نفسه؟ 

فإذا كان الإمام عدلًا؛ فإرسالها أفضل كما قال الإمام مالك -عليه رضوان الله تعالى-. قال: إذا كان الإمام عدلًا فإرسالها إليه أحب؛ وذلك أن أهل الحاجة والفاقّة إنما يقصدون الإمام؛ الأمر الذي كان في عهد سيِّدنا مالك -عليه رضوان الله- ويطلبون منه لكون بيت المال في يديه. فإذا كان من أهل العدل فدفع هذه الحقوق إليه أولى ليضعها في نوائب المُسلمين وما يعتري من ضروراتهم ومواضع حاجتهم. هكذا فإن أخرجها من هي عليه دون أن يُرسلها أجزأته لأنها ليست من الأموال الظاهرة التي يبعث إلى الإمام فيها، وإنما هي أمانة من يخرجها. 

  • وهكذا إذًا فعند المالكية ندب تسليمها إلى الإمام العادل. إذا كان الإمام عادل؛ فتُسن أن يسلِّم زكاة الفِطر إليه وهو يُخرجها. 
  • وهكذا يقول الأئمة: عرفنا قول الإمام مالك أن الأولى إذا كان الإمام عادل أن يبعث الزَّكاة إليه.
  • وهكذا جاء عند الحنابلة، يُستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزَّكاة بنفسه؛ ليكون على يقين من وصولها إلى مُستحقها. 

○ فهكذا قال الإمام أحمد: أعجب إليّ أن يُخرجها بنفسه. فإن دفعها إلى سُلطانه فهو جائز.

○ وجاء أيضًا عن الإمام أحمد قال: صدقة الأرض يُعجبني دفعُها إلى السُّلطان. أما الزَّكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفُقراء والمساكين. 

فعلى هذه الرِّواية عند أحمد استحب ما كان من عُشر زكاة الحبوب والثِّمار؛ فدفعها إلى الإمام أولى -التي سماها زكاة الأرض-. ويقولون في العُشر: أنها مؤنة الأرض، صارت كالخراج يتولاها الإمام بخلاف بقية الزَّكوات. ولمَّا سُئل بعضهم ابن عُمَر قال: إنّا نخاف أنهم يُخرجونها في محلها، قال ابن عُمَر: ادفعها إليهم؛ يعني المسؤولية عليهم. وهكذا فدفعها إذا طلبها الإمام فإليه وعليه المسؤولية وتبرأ ذمته. والمُحتاطون من أهل الورع إذا طلب الحاكم الزَّكاة أعطوه إياها، ثم يُخرجون هم زكاة أُخرى من عند أنفسهم ويُسلّمونها الفُقراء؛ وهذا شأن الاحتياط والورع وهو أبرك لأرباب الأموال. 

وجاء عن الإمام مالك أيضًا وعن أبي حنيفة أنه قال: لا يُفرِّق الأموال الظاهرة إلا الإمام (خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ) [التوبة:103]. ولهذا سيِّدنا أبو بكر -رضي الله عنه- طالبهم بها وقاتلهم عليها، وقال: لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه. وهذا أمر واضح بين الصحابة وظاهر. 

وهكذا فإذا لم يكن الإمام عادلًا؛ فينبغي أن يُخرجها بنفسه. وإن كان إذا أخرجها له؛ برئت ذمته وصار الإثم على الإمام إذا صرفها في غير مصرفها. 

وقال: "قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ"؛ يعني: يبعث بها لتكون عنده إلى وقت إخراجها وهو يوم العيد، فتُخرج.

  • ويقول الإمام الدردير من المالكية: جاز إخراجه قبل الوجوب باليومين أو الثلاثة.
  • وفي المدونة قال: باليوم أو اليومين. 

وهل هذا مُطلقًا أو سواء دفعها بنفسه أو لمَن يُفرقها؟ أو الجواز إن دفعها فقط للذي يفرّقها تبع الإمام؟ 

عندهم أيضًا تأويلان. وقالوا: لا يجوز إخراجها قبل ثلاثة أيام.

  • عَلِمْنا مذهب المالكية والحنابلة أنه يوم أو يومين هذه الثلاثة المذكورة. 
  • وأن المشهور أيضًا عند الحنفية جواز تعجيلها ولو من أول العام كما تُقدَّم زكاة التِّجارة، ولكن في قول عندهم وصُحِح للفتوى أنه: في شهر رمضان تُقدم من أول رمضان كما هو مذهب الإمام الشَّافعي -رضي الله تبارك وتعالى عنه-. 
  • وذكر لنا قول مالك: أنه رأى أهل العلم يستحبّون أن يُخرجوا زكاة الفِطر إذا طلع الفجر من يوم الفِطر قبل أن يَغدُو ٫إلى المُصلى؛ هذا أفضل الأوقات باتفاق. 
  • وجاء من حديث ابن عباس يقول: مَن أدّاها قبل الصَّلاة؛ فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أداها بعد الصَّلاة؛ فهي صدقة من الصَّدقات. فإذا أخرّها عن الصَّلاة، ترك الأفضل وبقي جواز الإخراج إلى غروب الشَّمس.
  • وقال مالك: وذلك واسع إن شاء الله؛ يعني جائز أن تُؤدى قبل الغدو من يوم الفِطر وهو الأفضل أو بعده على سبيل الجواز.
  • فقال الشَّافعية والحنابلة: يُكره تأخيرها عن صلاة العيد؛ فالأفضل إخراجها قبل أن يُصلي العيد.

 

باب مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ

 

ثم قال: "باب مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ". 

ذكر الإمام مَالِك قال: "لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ، وَلاَ فِي أَجِيرِهِ، وَلاَ فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ زَكَاةٌ، إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَخْدُمُهُ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَتَجِبُ عَلَيْه"؛ أن تبعًا للنَفقة "وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا لَمْ يُسْلِمْ، لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ". 

إذًا قوله:  "لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ"؛ يعني: أنه يجب عليه أن يُخرج الزَّكاة عن عبده ولكن إذا كان مبعضًا أو مُهيّأ أو ما بين وبينه مهايأة؛ فملك عبيدًا ذلك العبد؛ فلا يخرج السيّد عن عبيد عبيده عند الإمام مالك -رضي الله عنه-. الصَّدقة واجبة على عبيده لأنه لا يمونهم؛ نفقتهم على سيّدهم. فإذًا، نفقتهم على سيّدهم، وإنما هذا سيّد سيّدهم فليس في مُلكه؛ فلا زكاة عليه لهم عند الإمام مالك.

  • وقال الحنفية: تجب عن العبيد وعبيد العبيد، فعبده المأذون له في التِّجارة ونحوه إذا ملك عبيدًا في التِّجارة، فيدخلون في وجوب الزَّكاة عليهم. لكن قال الإمام أبو حنيفة وغيره: إذا كانوا هم معدودين للتجارة فإن الزَّكاة تتعلق بالتجارة فيهم لا برقاب ما لهم وما عليهم فطرة. وأما غير ذلك فقال الإمام أبو حنيفة: يجب إخراج الزَّكاة عن عبده وعن ابنه. وليس عليه إخراج الزَّكاة عن أبيه عند الحنفية ولا عن حفيده -ابن ابنه- إنما يلزم عن ابنه مباشرة. 

وليس يجب عندهم إخراج الزَّكاة عن الزَّوجة، وقالوا: الزَّوجة تخرج عن نفسها إنما لها نفقة. 

  • قال الشَّافعية: زوجة الأب؛ إذا كان الأب لا يستطيع النَّفقة عليها؛ وجب على ابنه إعفافه فيُنفق عليه وعلى زوجته. ولكن الأصح عند الشَّافعية: أنه لا يلزم إخراج الزَّكاة عن زوجة أبيه -زكاة الفِطرة عن زوجة أبيه-. 
  • وقيل ورجّحه الإمام الغزالي: أنه يجب عليه كما يُنفق عليها أن يُخرج الزَّكاة عنها. 
  • والمُعتمد عند الشَّافعية: أنه لا يُخرج الزَّكاة عن زوجة أبيه إذا كان يُنفق عليها؛ فعليه النَّفقة دون الزَّكاة وهي من المسألة التي خالف فيها النَّفقة الزَّكاة. 

وإلا، فالأصل أن من وجبت نفقته؛ وجب إخراج الزَّكاة عليه. كحال الولد الكبير إذا كان عاجزًا؛ فيُنفق الوالد عليه. فصادف يوم العيد قُدرة له على إخراج الزَّكاة؛ فيُخرجها عن نفسه ولا يلزم الأب إخراجها عنه؛ لأنه متى اغتنى عن النَّفقة لم يجب على الوالد أن يُنفق عنه. ومتى تمكّن من إخراج صدقة الفِطر؛ فلا يجب على والده أن يُخرج زكاة الفِطر عنه فيُخرجها بنفسه الولد الكبير؛ يعني الذي قد بلغ. والذين تلزم نفقتهم عند الشَّافعية:

  • مَن ملكت يمينه
  • والزّوجة
  • والأصول
  • والفروع
  • الأصول: الأب والجد مهما احتاجوا بشرط واحد وهو الحاجة. 
  • والفروع؛ الابن وابن الابن، بشرطين: أولًا هو عدم القُدرة على الكسب. إذا احتاجوا ولم يقدروا على الكسب؛ وجب على الأب أو الجد أن يُنفق عليه. 
  • أما الأصول فبشرط واحد؛ حاجتهم، وإن كانوا قادرين على الكسب؛ يجب عليه أن يُنفق عليهم وإذا ما عندهم شيء ولا عملوا شيء. 
  • وأما الفروع، فيجب النَّفقة عليهم إن عجزوا عن الكسب ولم يكن عندهم شيء. 

قال: "وَلاَ فِي أَجِيرِهِ"؛ مَن استأجره للخدمة ونحوها ولو كان استأجره بأكله؛ فلا تلزم زكاة الفِطرة عليه. "وَلاَ فِي رَقِيقِ امْرَأَتِهِ"، 

  • وقال الأئمة الثلاثة: يجب عليه أن يُخرج الزَّكاة عن امرأته لكن رقيقها لا. فالمرأة قد تكون ممَن يخدم نفسها أو ممَن لا تخدم نفسها؛ 
    • فإن كانت مما يُعتاد مثالا أن تخدم نفسها؛ فليس على زوجها إخدامُها. 
    • وإن كان لها خادم؛ نفقته عليها وكذلك الفِطرة. 
    • وأما إن كانت في عُرفهم مما لا تخدم نفسها؛ فهو مُخير بين: 
      •  أن يستأجر لها مَن يخدمها. 
      • أو يشتري لها خادمًا أو جارية تخدمها.
      • أو ينفق على خادمها.
      •  أو يتولى خدمتها بنفسه؛ وخرج ما صار عليه شيء. 
  • وقال بعض أهل العلم: يُخرج أيضًا الزَّكاة عن خادمة زوجته التي يلزمه نفقتها، فكذلك تكون الفِطرة تبع للنفقة. 

قال: "إِلاَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ"؛ يعني: من عبيد العبيد يخدم الرَّجل "وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ"، نفقته وفطرته. 

قال مالك: "وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا لَمْ يُسْلِمْ". 

  • وهكذا قال الإمام الشَّافعي: إذا كان الرقيق كافر؛ ما يُخرِج عنه زكاة؛ إنه غير أهل للطُهر والزَّكاة طُهر. 
  • وقال أبو حنيفة: إذًا هو عبده واجب عليه يُخرج الزَّكاة، سواء عبده مُسلم أو كافر. فعلى السيِّد أن يُخرج عنه النَّفقة ومنها أن يخرج زكاة الفِطر. وإن كان العبد كافرًا؛ فعليه عند أبي حنيفة أن يُخرج زكاة الفِطر. مع قوله: أنه لا يخرج زكاة الفِطر عن زوجته.

قال: "وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي أَحَدٍ مِنْ رَقِيقِهِ الْكَافِرِ مَا لَمْ يُسْلِمْ، لِتِجَارَةٍ كَانُوا أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ".، إذا أسلموا وجب عليه فطرتهم ولو كانوا عبيدًا للتجارة نعم، لكن عند الحنفية، إذا هم للتجارة، ليس عليهم صدقة الفِطر لأنه تلزم فيهم زكاة التِّجارة. ولم يُفرّق بين أن يكونوا مُسلمين أو كافرين كما تقدَّم. 

فهذا آخر كتاب الزَّكاة من مُوطأ الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-. ينقلنا بعده إلى كتاب الصَّوم.

رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالمِنن والمواهب والمزايا والكرامة في الدُّنيا والبرزخ ويوم القيامة ودار المُقامة، في مرافقة المُجتبى المُظلّل بالغمامة، سيِّد المُرسلين مُحمَّد المُجتبى الأمين، صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتَّابعين، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعبادك الصَّالحين، وانظمنا في سلكه، واحملنا في فُلكه، وتولنا به حيث ما كُنا. وبارك لنا به في رجب وفي شعبان وفي لياليهما وأيامهما ولحظاتهما وأنفاسهما، وبلِّغنا ببركته رمضان، واجعلنا عندك من خواص أهل رمضان، ومن خواص أهل الصِّيام التَّام المقبول، ومن خواص أهل القيام التَّام المقبول، وارزقنا الإحسان، وارزقنا طُهر الجَنان، وارزقنا زيادة الإيمان، وارزقنا انشراح الصّدر وأصلح لنا كُل سِرّ وجهر بِسِرّ الفاتحة وإلى حضرة النبي محمد ﷺ. 

تاريخ النشر الهجري

10 رَجب 1442

تاريخ النشر الميلادي

21 فبراير 2021

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام